عاد الاحتقان مجددًا إلى عدة مناطق في الجنوب الجزائري وعادت معه الاحتجاجات، نتيجة معاناة الأهالي هناك من العديد من المشاكل التي تخص المياه والكهرباء والسكن والشغل والبنية التحتية، دون أن توليهم السلطات أي اهتمام غير اتهامهم بالفوضى.
احتجاجات متواصلة
طوال هذا الشهر ظل أهالي كل من محافظات بشار وورقلة والجلفة وبجاية يخرجون إلى الشوارع، لإيصال مطالبهم ذات المضمون الاجتماعي والاقتصادي وإيصال معاناتهم، مطالبين السلطات بتحسين الظروف المعيشية لسكان الجنوب، من خلال رفع التهميش عنهم وتوفير الخدمات الأساسية وإيجاد حلول للمشكلات التنموية التي تعاني منها منطقتهم، إضافة إلى تمكين الشباب العاطل من الحصول على مناصب عمل.
آخر الاحتجاجات كانت أمس، فقد استغل سكان محافظة الجلفة الجنوبية عدم حضور أي مسؤول لجنازة العقيد أحمد بن الشريف أحد الشخصيات التاريخية البارزة وأول قائد لجهاز الدرك في البلاد، ليخرجوا في مسيرة احتجاجية أمس الأحد، تعبيرًا عن رفضهم للوضع الاجتماعي الذي تعيشه المنطقة.
وخلال هذه المسيرة الاحتجاجية، رفع السكان شعارات تندد بالاقصاء والتمييز، وتدعو إلى “رد الاعتبار للمنطقة” ورفع تجميد المشاريع المهمة هناك، مثل مركز محاربة السرطان ومشاريع أخرى تتعلق ببعض المستشفيات.
الاحتجاجات لم تقتصر على ورقلة والجلفة، فقد سبقتهما منطقة “بشار” في ذلك
قبل ذلك بيومين، خرج أهالي محافظة ورقلة الغنية بالنفط في مظاهرة رفضًا لإقامة حفلات غنائية في المحافظة، في الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من نقائص عديدة في المجال التنموي وفق قول الأهالي، وطالب المحتجون السلطات بصرف المبالغ المدفوعة للمغنيين في مشاريع للتنمية وتحسين البنية التحتية، كما لجأ محتجون عاطلون إلى تقطيع أجسادهم بآلات حادة للفت انتباه السلطات لمشاكلهم.
واضطرت السلطات المحلية لمدينة ورقلة إلى إلغاء الحفل الفني تحت وطأة الاحتجاجات الرافضة لإحيائه، واعتبر المحتجون أن الاحتفال لن يجلب أي فائدة لسكان المنطقة الذين يتخبطون في مشاكل عدة، أبرزها انقطاع الكهرباء والماء ومشاكل الصرف الصحي والسكن، وكذا البطالة.
ورفع المحتجون لافتات كتبت عليها شعارات “سكان ورقلة يطالبون بخفض فواتير الكهرباء وتوفير المياه وبناء المستشفيات بدل صرف الأموال في حفلات الغناء”، و”السيد الوالي، ورقلة بحاجة للطرق وليس للسهرات”، واعتقلت الشرطة عددًا من المحتجين، لكن سرعان ما أفرجت عنهم بعدما كثرت أعدادهم، ولم تسجل أي اشتباكات أو صدامات بين المحتجين وأفراد الأمن.
يطالب المحتجون في الجنوب بالتنمية
الاحتجاجات لم تقتصر على ورقلة والجلفة، فقد سبقتهما منطقة “بشار” في ذلك، حيث خرج الأهالي هناك أكثر من مرة للمطالبة بتوفير المياه الصالحة للشراب والعدل في توزيع السكنات والقطع الأرضية الصالحة للبناء.
وفي ولاية بجاية لا يكاد يخلو يوم من احتجاجات السكان على غياب التنمية المحلية بقطع الطرق، وهي العادة التي يلجأ إليها السكان لإسماع صوتهم في كل مرة، إلا أن السلطات لم تحرك ساكنًا ولم تستجب بعد لمطالب الأهالي.
أويحيى يهدد
في أول تصريح رسمي بشأن الاحتجاجات في الجنوب، وصف الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى هذه الاحتجاجات بالشغب، معتبرًا أنها لن تحل المشاكل، وهاجم أويحيى متظاهري مدن الجنوب التي تعاني الفقر والحرمان من برامج التنمية المحلية.
وقال الوزير الأول الجزائري إن الفوضى ليست مفتاحًا لعلاج أي مشكلة سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية، وحذر أويحيى من استمرار احتجاجات جنوبي البلاد، عقب تهديد السكان بتصعيد الاحتجاج في الشارع بسبب بطء التنمية وتفشي البطالة.
وقال أويحيى مساء الأحد: “البطالة ليست حجة لعدد من الشباب لكي يحرموا المواطنين في ولاية ورقلة من حفل غنائي”، وبحسب أويحيى فإن مشكل البطالة في بلاده لا يقتصر على مناطق الجنوب كما يحاول البعض تصوير ذلك على أنه تهميش متعمد أو إقصاء، وإنما البطالة منتشرة حتى في العاصمة.
وتخضع منطقة الجنوب لولاءات عروشية أو لسلطة روحية لزعماء القبائل، لكن هذا الدور الذي استعانت به السلطات منذ استقلال البلاد بدأ في التلاشي، ما جعل من احتجاجات الجنوب مبعث صداع للحكومات المتعاقبة.
هيئة حقوقية تحذر
“الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان” حذرت من جهتها الحكومة من تفاقم حالة الاحتقان والحركة الاحتجاجية التي تعيشها مناطق جنوب الجزائر، بسبب ارتفاع نسب البطالة وغياب مشاريع تحسين البنية التحتية والتغاضي المتواصل عن إيجاد حلول للمشاكل المزمنة.
بلغت نسبة البطالة في مناطق الجنوب الجزائري أكثر من 30% لدى الشباب
قالت “الرابطة” في أحدث تقرير لها “سبق أن حذرنا الحكومة في وقت سابق عدة مرات من الحلول الترقيعية المؤقتة، ودعونا إلى إيلاء المنطقة عناية حقيقية يتم خلالها التصدي لجميع المشاكل الاجتماعية والتنموية التي تعاني منها، وغياب المشاريع التنموية الكبرى والمرافق الصحية المتطورة والمعدات الطبية، وكذلك أزمة السكن، إضافة إلى غياب سياسة الحكومة بخصوص السياحة في الجنوب التي تعتبر من أبرز الفرص الهائلة التي يتيحها منتج السياحة الصحراوية لمناصب الشغل”.
وأرجعت المنظمة، في بيان لها نشرته السبت، هذه الاحتجاجات إلى “الأخطاء الاقتصادية القاتلة التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة في الجزائر، بتركيزها على بعض المدن الكبرى، مثل العاصمة ووهران وقسنطينة دون سواها من المناطق الأخرى”.
وطالبت الحكومة بضرورة البحث عن أفكار جادة لتنمية منطقة الجنوب بعيدًا عن البترول والغاز، كالاستثمار في السياحة والزراعة والطاقات البديلة، مضيفة أن الجنوب قد يكون مستقبل الجزائر إذا أحسنت السلطات استغلاله بحكمة.
يتهم المتظاهرون السلطات بالتمييز وتهميش منطقتهم
طالب التقرير بمعالجة مشكلات الغياب شبه الكلي لآليات تطوير تجارة المقايضة التي تعتبر شريان التبادل التجاري بين مناطق الجنوب الجزائري ودول الساحل، مثل مالي والنيجر، إذ إن غلق الحدود مع دول الجوار انعكس على التبادل الحر، الذي كان يوفر نشاطًا تجاريًا واقتصاديًا ومناصب شغل مهمة لسكان تلك المناطق، مشيرًا إلى أن هذه جميعها عوامل أدت إلى احتقان المواطنين وغضبهم من السلطات المركزية.
وحذرت الهيئة الحقوقية الحكومة من أن ما يشهده الجنوب الجزائري في عدة ولايات الآن، منها بشار وأدرار وورقلة، ما هو سوى احتجاج على وضعهم الاجتماعي، وهو أيضًا قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، محذرًا من تزايد النعرات الجهوية والمناطقية، مع إمكانية تحول الاحتجاجات في الجنوب إلى قنبلة حقيقية في ظل وجود العديد من الأطراف الأجنبية التي تسعى للاستثمار في الوضع بغرض تنفيذ أجنداتها.
وبلغت نسبة البطالة في مناطق الجنوب الجزائري أكثر من 30% لدى الشباب، وفقًا للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، رغم أنها مصدر ثروات النفط والغاز التي تدر 98% من المداخيل المالية للجزائر.