عاش اللاجئون والألمان مساء الجمعة 23 أغسطس/ آب ليلة قاسية، بعد هجوم عنيف نتج عنه مقتل 3 أشخاص وإصابة 8 آخرين في مدينة زولينغن شمال الراين، أثناء أحد الاحتفالات السنوية التي تقام في المدينة بمناسبة تأسيسها.
وبحسب السلطات، فإن الجاني لاذ بالفرار مدة 24 ساعة، قبل أن يسلّم نفسه للشرطة أثناء اقتحامها مكان إقامته في مخيم للاجئين. وتبيّن أنه سوري الجنسية يُدعى عيسى يبلغ من العمر 26 عامًا، وصل ألمانيا عام 2022.
وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تبنّيه للحادثة عبر وكالة “أعماق” التابعة له، إذ اعتبر التنظيم الهجوم “انتقامًا للمسلمين في فلسطين وأماكن أخرى”. وأكّد على أن منفذ الهجوم عضوًا فاعلًا، وأن الحادثة تستهدف “مجموعة من المسيحيين”.
بينما سجّلت هذه الحادثة الأولى منذ عام 2016، حين هاجم التونسي أنيس العمري حشدًا من الناس بعملية دهس باستخدام شاحنة، في سوق عيد الميلاد بساحة برايت شايد بلاتس في برلين في ديسمبر/ كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام، ما أسفر عن مقتل 13 شخصًا وإصابة العشرات.
فرض إجراءات وقوانين جديدة
وفيما يبدو ردًا مباشرًا على هذا الهجوم، أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، الخميس 29 أغسطس/آب 2024، اتفاق الائتلاف الحاكم في البلاد على إلغاء المساعدات لفئة معينة من طالبي اللجوء، وهم المهاجرون الذين يتواجدون داخل الأراضي الألمانية، إنما لديهم بصمات لجوء في دول أخرى ورُفضت طلب لجوئهم وتمّت المباشرة بإجراءات ترحيلهم.
شملت التغييرات أيضًا توسيع نطاق صلاحيات الأجهزة الأمنية في مكافحة “الإسلاموية”، وتمديد استخدام عدة قوانين تسمح بإغلاق الجمعيات التي يشتبه بتغيُّر في توجهها الديني نحو التطرف.
وأيضًا حظر حمل السلاح الأبيض خلال المهرجانات والمعارض، وكذلك داخل وسائل النقل ذات المسافات الطويلة من قطارات وحافلات ومترو أنفاق. فيما مُنح أفراد إنفاذ القانون الاتحاديين الحق في استخدام أجهزة الصعق الكهربائي، والتحقق من التاريخ الشخصي للأفراد قبل إعطاء تصاريح حيازة الأسلحة.
ومن المتوقع أيضًا تشديد المعايير التي يستند إليها في عملية قبول لجوء الأفراد صغار السن الذين لديهم سجلًّا في ارتكاب مخالفات أو جنح.
ردود وتصريحات سياسية
سارعت المعارضة الألمانية، وعلى رأسها الأحزاب اليمينية، إلى توجيه الاتهامات للحكومة الحالية بشأن التهاون في حماية المواطنين الألمان من “شبح الإرهاب”، وعدم توخّي الحذر في قبول طلبات اللجوء في السنوات الأخيرة.
إذ علّقت أليس فايدل، رئيسة حزب البديل لألمانيا، بأسلوب ساخر عبر حسابها في منصة إكس قائلة: “أقصى صرامة قانونية”، وهي جملة استخدمتها الحكومة الحالية كشعار في حملتها الانتخابية الأخيرة، حيث وصفتها بأنها “روتينية، وتصدر من المسؤولين عن الوضع البائس في البلاد”.
كما هاجمت لاحقًا رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتز، متهمةً إياه بخداع الشعب الألماني “باتخاذ تدابير واهية لا تنهي الخطر الناجم عن استضافة هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين”.
وطالب ميرتس فريدريش، رئيس أكبر حزب معارض هو الاتحاد المسيحي الديمقراطي، في رسالة وجّهها لرئيس الوزراء أولاف شولتز، يدعوه فيها إلى التوقف عن استقبال اللاجئين القادمين من سوريا وأفغانستان على وجه التحديد، معللًا بأن “فئة صغيرة جدًا تنطبق عليها شروط اللجوء الإنساني اليوم في سوريا وأفغانستان”.
كما اقترح عليه أيضًا عقد ائتلاف بين الحزبين للتعاون في إصلاح سياسات الهجرة، وتنحية حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر اللذين يعارضان سياسيات التشديد في استقبال اللاجئين.
فيما دعت أحزاب كبيرة أخرى مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، إلى عدم استغلال الحادثة في أهداف سياسية، ونهت عن تعزيز الكراهية ضد اللاجئين، والتركيز على محاسبة الجاني أو ترحيله.
صدى الحادثة في الإعلام الألماني
في هذا الصدد، نشرت صحيفة “كولنر شتات أنتسايغر” في 29 أغسطس/ آب مقالًا طالبت فيه باتخاذ خطوات فعالة وسريعة ضد ما أسمته “التطرف الإسلاموي والإرهاب الجهادي”. وقالت فيه إن مساعي الحكومة الاتحادية لمعالجة قضية الهجرة، والخطط الاحترازية لحكومات الولايات لم تعد تكفي لحماية أرواح الألمان والمسيحيين بعدما حصل في هجوم زولينغن، وأن “الخطر بات يحدق بنا جميعًا”.
وأكدت رئيسة تحرير صحيفة “بيلد” الألمانية، ماريون هورن، المعروفة بتوجهها اليميني المناهض للاجئين، على ضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات فورية، وقالت “لا مزيد من التسامح بعد اليوم”، كما دعت إلى إعادة تقييم الوضع في البلدان التي قدم منها اللاجئون، وتسريع ترحيلهم إليها.
كما أجرت صحيفة “شبيغل” الألمانية مقابلة شخصية مع عائلة المتهم بهجوم زولينغن عيسى، من مكان إقامتهم في دمشق. عبّر ذووه خلالها عن صدمتهم جراء ما حصل، مؤكدين أن ولدهم لم يكن لديه أي علاقة تربطه بـ”داعش” خلال تواجده في سوريا، بل إنهم قرروا إرساله إلى أوروبا بسبب دخول التنظيم لمدينة دير الزور، لخوفهم عليه من التجنيد الإجباري حين كان في سن المراهقة.
بالإضافة إلى أنه لم يكن متدينًا على الإطلاق، بل كانوا أحيانًا يجبرونه على أداء الفروض، وأنه لم يذكر لهم أبدًا عن انتمائه إلى التنظيم، بل كان يشتكي دائمًا من العزلة التي فرضتها عليه الغربة في ألمانيا.
ترحيل
بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية في ولاية دريسدن، ستيفن هيبشتايت، رحّلت السلطات يوم الجمعة 28 أغسطس/ آب الماضي لأول مرة 28 طالب لجوء أفغاني إلى العاصمة كابول عبر مطار مدينة لايبزغ.
وذكرت صحيفة “تسايت” الألمانية أن العملية هي الأولى من نوعها، ويتم التخطيط لها منذ فترة قريبة، كما أشارت إلى أن السلطات طلبت المساعدة من قطر للتفاوض مع طالبان، نظرًا إلى عدم وجود علاقات بين ألمانيا وحكومة طالبان، كما أكدت الحكومة الفيدرالية أيضًا أن المرحّلين كانوا مواطنين أفغانًا مدانين، وليس لديهم الحق بالبقاء في ألمانيا. وسبق أن صدر حكم على اثنين منهم بالسجن بتهمة ارتكاب جرائم جنسية، وآخر أدين بتهم توزيع مخدرات.
وأضاف المتحدث باسم وزارة داخلية ولاية دريسدن: “نظرًا إلى الظروف المعقدة لإتمام إجراءات كهذه مع عدة سلطات أمر واقع في الدول المصدرة للاجئين، طلبت ألمانيا من شركائها الرئيسيين الإقليميين دعمًا لجعل عملية الإعادة ممكنة، وحكومتنا الفيدرالية ممتنة للغاية لهذا الدعم. كما أننا نتطلع إلى المزيد من الترحيلات إلى أفغانستان وسوريا”.
مخاوف من التبعات
تسبّبت هذه الحادثة، وما تلاها من إجراءات وحملات ضد اللاجئين، في حالة خوف الكثير من السوريين من تكرار سيناريو مشابه لما حصل في قيصري في تركيا العام الجاري، أو سنّ المزيد من الإجراءات التي تحدّ من حرية اللاجئين، أو تعيد تقييم الوضع في سوريا بما يسمح ببدء عمليات ترحيل ورفض طلبات اللجوء.
لهذا قامت مجموعات بتنظيم وقفة تضامنية في مدينة زولينغن مع ذوي ضحايا الهجوم، ورفعوا خلالها شعارات تؤكد على رفض الإرهاب والعنف بكل أشكاله.
دعوة أمين علماء المسلمين
يُذكر أن الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ علي محي الدين القره داغي، وجّه الأحد 31 أغسطس/ آب دعوة إلى السوريين في ألمانيا، عبر حسابه في منصة إكس، للالتزام بالمبادئ الشرعية واحترام القوانين المحلية، والعمل على تعزيز الأمن والاستقرار وعدم التسبُّب في أي مشاكل أو فتن، مردفًا: “وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟”.
كذلك وجّه نصيحة عامة إلى الأقلية المسلمة في ألمانيا وغيرها، يحثّهم فيها على أن يكونوا “قدوة في الأخلاق والرحمة وخدمة الناس، وأن يسعوا لمنع أي ضرر يمكن أن يلحق بالبلاد”.
وثمّن دعم الشعب الألماني قبل سنوات في استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين، مشيرًا إلى أنها الدولة الوحيدة التي فعلت ذلك.
ينذر تأثير هذه الأحداث العنيفة على موقف الشارع والإعلام الألماني ومن حوله الأوروبي، بتغييرات قادمة لا محالة بما يخص قوانين اللجوء في ألمانيا، لا سيما مع صعود اليمين المتطرف.
ولا ينحصر الحديث هنا عن معايير قبول طلبات اللجوء والاستقدام العمالي فحسب، بل في تفاصيل حياة الاجئين وإجراءات دعمهم وقبولهم في البلاد، سواء كانوا من حملة الإقامات الإنسانية أم السياسية، كما يؤثر في المدى البعيد على سياسات الاتحاد الأوروبي ككل تجاه مسألة اللاجئين وقضاياهم.