عقب النطق بالأحكام ضد معتقلي حراك الريف، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي “أيقونة الريف” كما يحلو للمغاربة تسميته، ردد المغاربة أن الحل بيد الملك، منتظرين مناسبة عيد اعتلائه عرش المملكة للتدخل والعفو عن المعتقلين، إلا أن العيد مر ولم يصدر القرار، فما الأسباب التي دفعت العاهل محمد السادس إلى استثناء معتقلي الحراك من عفوه الملكي الأخير، رغم إقراره بالتقصير الحاصل في منطقة الريف والحق في التظاهر؟
العفو عن 1204 معتقلين
ترقب كبير انتهى بإعلان قائمة الذين شملهم العفو، حيث لم تشمل القائمة المعلنة أي معتقل من حراك الريف، وكان الملك المغربي قد أصدر مساء الأحد، بمناسبة الذكرى الـ19 لتربعه على العرش عفوًا ساميًا عن 1204 أشخاص من المعتقلين والموجودين في حالة وقف التنفيذ.
ونشرت وزارة العدل المغربية في هذا السياق بيانًا جاء فيه: “بمناسبة عيد العرش المجيد، تفضل جلالة الملك… أمره السامي المطاع بالعفو عن مجموعة من الأشخاص منهم المعتقلون ومنهم الموجودون في حالة سراح، المحكوم عليهم من مختلف محاكم المملكة الشريفة وعددهم 1204 أشخاص”.
في الفترة الأخيرة أطلق حقوقيون وبرلمانيون في المملكة مبادرات عدة طلبًا للعفو عن معتقلي الحراك وإطلاق سراحهم
جاء المستفيدون من العفو الملكي الموجودون في حالة اعتقال وعددهم 899 سجينًا، بحسب بيان لوزارة العدل، حيث تم العفو عما تبقى من العقوبة السجنية لفائدة 7 سجناء، وتم التخفيض من عقوبة الحبس أو السجن لفائدة 865 سجينًا وتم تحويل السجن المؤبد إلى السجن المحدد لفائدة 27 سجينًا.
استفاد من العفو الملكي أيضًا 305 أشخاص من الموجودين في حالة سراح حيث تم العفو من العقوبة الحبسية أو مما تبقى منها لفائدة 42 شخصًا وتم العفو من العقوبة الحبسية مع إبقاء الغرامة لفائدة 14 شخصًا، والعفو من عقوبتي الحبس والغرامة لفائدة 6 أشخاص، والعفو من الغرامة لفائدة 243 شخصًا.
خيبة أمل
ما إن صدرت القائمة حتى شعر الأهالي والعديد من المغاربة بخيبة أمل، خيبة أمل تكررت كثيرًا في الفترة الأخيرة، فقد عاش الأهالي الموقف ذاته في مناسبات وخطب ملكية سابقة، كثر بشأنها الحديث عن العفو، لكن الأمر لم يحدث.
وكان الجميع يترقب هذه المناسبة حتى يطوي الملك صفحة معتقلي الريف بشكل نهائي من خلال إعلان العفو عنهم، والبدء في صفحة جديدة قوامها إرساء أجواء الثقة بين الدولة ومنطقة الريف وتجاوز التوتر التاريخي بين الطرفين وإعادة الطمأنينة إلى نفوس العديد من عائلات هذه المنطقة، إلا أن ذلك لم يحدث.
في الفترة الأخيرة أطلق حقوقيون وبرلمانيون في المملكة مبادرات عدة طلبًا للعفو عن معتقلي الحراك وإطلاق سراحهم، وإقفال هذا الملف والتوجه نحو تنمية هذه المناطق التي يعاني السكان فيها من غياب التنمية والتهميش.
وطالب النائبان اليساريان عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، مجلس النواب، بإصدار عفو عام وشامل عن كل الأفعال المرتبطة بالاحتجاجات التي عرفها المغرب منذ 28 من أكتوبر/تشرين الأول 2016 إلى 28 من يونيو/حزيران 2018، التي كان عدد من الأفراد المساهمين فيها محل متابعات أو توقيفات أو اعتقالات أو أحكام قضائية، مع إلغاء كل الآثار القانونية المترتبة على هذه الأفعال.
من جهتها قدمت جمعية “أنفاس” الحقوقية مقترح قانون ستعرضه على مجموعات برلمانية في مجلس النواب، يتضمن طلب العفو العام لناشطي الحركات الاحتجاجية، ومن بينهم معتقلو “حراك الحسيمة”، تنفيذًا للفصل 71 من الدستور المغربي، وينص الفصل 71 من دستور المملكة على أن البرلمان يختص من ضمن ما يختص به بالتشريع في مجال “العفو العام”.
عدم التدخل في القضاء والحفاظ على هيبة الدولة وأسباب أخرى..
يمنح الدستور المغربي في فصله الـ58 الملك الحق في العفو، فالملك له حق العفو الخاص، باعتباره رئيس الدولة وحق العفو العام باعتباره الممثل الأسمى للأمة، ويكون إما بإسقاط العقوبة كليًا أو جزئيًا أو استبدالها بعقوبة أخف منها، ويعني ذلك أن له أن يتدخل دستوريًا ويأمر بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف كما فعل في مرات سابقة، إلا أنه هذه المرة أبى أن يعيد الكرة ويعفو عن المعتقلين الذين صدرت في حقهم أحكام قاسية.
ونهاية يونيو/حزيران الماضي، وزعت إحدى محاكم الاستئناف المغربية أكثر من 300 سنة سجن على 54 معتقلًا من نشطاء “حراك الريف”، كان النصيب الأعلى منها لزعيم الحراك وأيقونته ناصر الزفزافي، وتفاوتت التهم التي وجهتها النيابة العامة للمعتقلين بين المشاركة في تظاهرات غير مرخصة والمس بأمن الدولة التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
رغم عدم العفو عن المعتقلين، فقد اختار العاهل المغربي أن يوجه خطاب العرش هذه المرة من مدينة الحسيمة مركز احتجاجات حراك الريف
يرجع بعض الخبراء سبب عدم العفو عن معتقلي الحراك هذه المرة إلى عدم رغبة الملك المغربي محمد السادس في إعطاء فرصة لأهالي الريف للخروج في ثوب المنتصر على الدولة، الفارض لشروطه على سلطات البلاد.
ويرى آخرون أن السبب في هذا التمشي الذي اختاره الملك يعود إلى كون الملف ما زال في مشواره القضائي، وما زال الحكم في مرحلته الابتدائية، وأن أي عفو سيصدر الآن في حق معتقلي الحراك سيمس من هيبة السلطة القضائية التي يقال إنها “مستقلة”.
من المتعارف عليه في المغرب أن العفو لا يكون إلا بعد الحكم النهائي، وهو ما ينطبق على جميع المعتقلين، حيث يمكن لأي منهم الاستفادة من العفو الملكي لكن بعد صدور الحكم النهائي، وهو ما لن ينطبق حتى الآن على معتقلي حراك الريف، كونهم لم يصدر بحقهم أي حكم نهائي، وفقًا لعدد من الخبراء.
وتعود قضية حراك الريف إلى أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد وفاة بائع السمك محسن فكري داخل سيارة قمامة تابعة للبلدية، وهو يحاول استعادة بضاعته التي صادرتها شرطة المرافق، ما تسبب في اندلاع احتجاجات منددة بالأوضاع الاقتصادية.
إقرار بالتقصير
رغم عدم العفو عن المعتقلين، فقد اختار العاهل المغربي أن يوجه خطاب العرش هذه المرة من مدينة الحسيمة مركز احتجاجات حراك الريف، واختار الملك في هذا الخطاب الإقرار مجددًا بفشل البرنامج التنموي المعتمد في المملكة، ويمثل ذلك إقرارًا ضمنيًا بمشروعية مطالب المحتجين في الريف وغيرها من مناطق البلاد التي تعرف احتجاجات متفرقة.
وقال العاهل المغربي في كلمته بمناسبة الذكرى الـ19 لاعتلائه العرش “إذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة على مدى عقدين من الزمن يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت أحس أن شيئًا ما ينقصنا في المجال الاجتماعي”.
وانتقد الملك برامج الدعم والحماية الاجتماعية التي تُرصد لها عشرات المليارات من الدراهم مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، وتعاني من التداخل وضعف التناسق فيما بينها وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها.
يطالب الأهالي بضرورة العفو عن المعتقلين
في نفس الخطاب تعهد محمد السادس بتجاوز المعوقات وتوفير الظروف الملائمة لتنفيذ البرامج التنموية وخلق فرص العمل وضمان العيش الكريم، وبشر بخطة حكومية استعجالية لمعالجة الخلل الاجتماعي، وبإصدار ميثاق اللامركزية الإدارية خلال الأشهر الـ3 المقبلة، ودعا المغاربة الى الترفع عن الخلافات والابتعاد عن الفتن.
في هذا الخطاب حاول العاهل المغربي كعادته طمأنة المغاربة مع تحميل حكومة سعد الدين العثماني ومؤسسات الدولة مسؤولية التقصير الحاصل، حرصًا منه على البقاء في ثوب الضامن لحقوق المغاربة والساهر على رفاهيتهم، حتى لا يطاله النقد، فهل سينجح كثيرًا في ذلك؟