خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي أمس الإثنين 30 من يوليو/تموز 2018، في البيت الأبيض، فجر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مفاجأة من العيار الثقيل، حين أعلن استعداده لعقد اجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني دون شروط مسبقة.
ترامب ردًا على سؤال بشأن احتمال عقد لقاء مع نظيره الإيراني قال: “لا أعرف إذا كانوا مستعدين لذلك”، مضيفًا: “أفترض أنهم يريدون الالتقاء بي، وأنا مستعد للالتقاء بهم متى أرادوا”، وتابع: “لا شروط مسبقة، إذا أرادوا أن نلتقي سألتقيهم في أي وقت يريدون”.
مفاجأة ترامب التي جاءت بعد أقل من شهرين على انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015، تزامنت مع اللقاء الذي جمع وزير خارجيته مايك بومبيو مع نظيره العماني يوسف بن علوي بمقر الخارجية الأمريكية في واشنطن، الذي تطرق إلى بحث سبل تطابق المصالح الأمريكية والخليجية، واتفقا على أهمية تعزيز الاستقرار والتعاون الإقليميين.
العديد من علامات الاستفهام تطل برأسها باحثة عن إجابة تفسيرًا لهذا التحول – نظريًا – في الموقف الأمريكي حيال إيران، وانعكاسات ذلك على حلفاء ترامب الخليجيين، وبصرف النظر عن كون دعوة اللقاء خطوة دبلوماسية لها مآرب أخرى أو إعادة نظر في التوجهات، يبقى السؤال: هل تشهد الأيام القادمة أول لقاء بين رئيسي الدولتين منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما بعد عام واحد فقط من ثورة 1979 التي أطاحت بالشاة حليف أمريكا القوي؟
احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض الأعمال العدائية والعودة للاتفاق النووي خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات الصعب بين إيران وأمريكا
طهران ترد
لم يتأخر الرد الإيراني كثيرًا على قنبلة ترامب التي فجرها أمام رئيس الوزراء الإيطالي، حيث قال حميد أبو طالبي مستشار مكتب الرئيس حسن روحاني إن من يؤمن بالحوار طريقًا لحل الخلافات عليه الالتزام بأدوات الحوار.
مستشار روحاني وعلى صفحته الشخصية على موقع التدوين “تويتر” وضع عددًا من الشروط التي يجب على واشنطن الالتزام بها أولًا كبادرة حسن نية، مؤكدًا أنه على الولايات المتحدة العودة للاتفاق النووي المبرم بين 6 قوى عالمية وإيران عام 2015، من أجل تمهيد الطريق لعقد قمة مع زعيم إيران.
وأضاف: “احترام حقوق الأمة الإيرانية وخفض الأعمال العدائية والعودة للاتفاق النووي خطوات يتعين اتخاذها لتمهيد طريق المحادثات الصعب بين إيران وأمريكا”، لافتًا “فی العام الماضی وخلال اجتماع الجمعیة العامة للأمم المتحدة وبعد التهدید الموجه للشعب الإیرانی العظیم، جري طرح اللقاء بین الرئیسین، والآن یتم طرح الاستعداد للقاء دون شروط مسبقة بعد الخروج من الاتفاق النووي”!
وتابع “من یؤمنون بالحوار وسیلة لحل الخلافات في المجتمعات المتحضرة، ینبغی علیهم أن یلتزموا بأداتها أیضًا، فاحترام الشعب الإیراني وخفض التصرفات العدائیة وعودة أمريكا للاتفاق النووي، من شأنها تمهید الطریق غیر المعبد الراهن”، مذكرًا “الاتصال الهاتفي بین رئیسي البلدین فی العام 2013 كان مرتكزًا علي الإیمان بإمكانیة السیر في طریق بناء الثقة عبر الالتزام بأداة الحوار، فالاتفاق النوويكان ثمرة للالتزام بالحوار؛ فلا بد من القبول به”.
سال گذشته در مجمع عمومی UN پس از تهدید ملت بزرگ ایران، موضوع ملاقات دو رییس جمهور مطرح شد؛ اکنون هم پس از خروج از برجام، ملاقات بدون پیش شرط عنوان می شود!
کسانی که به گفتگو به عنوان روش حل اختلافات در جوامع متمدن باور دارند، باید به ابزار آن هم ملتزم باشد: pic.twitter.com/NN0jK8evmh— Hamid Aboutalebi (@DrAboutalebi) July 30, 2018
تصاعد الحرب الكلامية
تأتي تصريحات ترامب وسط أجواء من تصاعد منحنيات التوتر في العلاقات بين البلدين، حيث بلغت الحرب الكلامية والتصريحات العدائية بين طهران وواشنطن خلال الأسابيع الماضية أعلى مستوياتها، وصلت في بعضها بالتهديد بشن هجمات على المصالح الأمريكية في المنطقة قابلها رد أمريكي تحذيري.
أبرز مشاهد الحرب الكلامية بين الطرفين تلك الصادرة عن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني الذي حذر الرئيس الأمريكي من الدخول في أي حرب مع إيران، مخاطبًا إياه “قد تبدأ أنت الحرب لكننا سننهيها”، ومضيفًا “البحر الأحمر كان بحرًا آمنًا، حولتموه إلى بحر غير آمن، الرياض كانت مدينة آمنة الآن تسقط فيها القذائف”.
سليماني وجه حديثه بشكل مباشر لترامب قائلًا: “أنا ندكم وقوات القدس هي ندكم وليس إيران كدولة، ليس هناك ليلة ننام فيها ولا نفكر بكم”، وأضاف “واجبي كعسكري يحتم علي الرد على تهديدات ترامب، وعليه أن يعي أنه إذا كان يريد استخدام لغة التهديد فعليه أن يوجه كلامه لي وليس للرئيس روحاني”.
البعض ذهب هنا إلى احتمالية أن يعيد ترامب نفس السيناريو مرة أخرى مع إيران، كما حدث مع كوريا الشمالية وأوروبا، وهو ما قد يضع علاقته بحلفاءه الخليجيين على المحك – السعودية على وجه التحديد –
تصاعد وتيرة التصريحات العدائية لم تتوقف عند سليماني فقط، بل إن الرئيسين ترامب وروحاني تبادلا بدورها التهديدات والتحذيرات خلال الأيام الماضية بصورة غير مسبوقة، حيث حذر الرئيس الإيراني نظيره الأمريكي من أن الحرب مع إيران سوف تكون أم كل الحروب، ليرد عليه بقوله: “سوف تعاني عواقب وخيمة لم يشهد التاريخ مثلها إلا القليل إذا هددت الولايات المتحدة”.
يذكر أنه في الأسبوع الماضي استهدف المتمردون الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ناقلة نفط سعودية بالقرب من مضيق باب المندب، وبعدها اتخذت الرياض قرارًا بوقف تصدير النفط عبر المضيق الذي يحاذي اليمن، وهو ما أثار حفيظة الولايات المتحدة حينها وإن لم تتخذ رد الفعل المتوقع منها سعوديًا على وجه التحديد.
قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني يحذر ترامب من أي عمل ضد إيران
تحول ترامب
تميز ترامب منذ تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة بالشذوذ عن الخط العام لتوجهات إدارته ومساراتها التقليدية، فالرجل يمكنه الانتقال وبشكل مفاجئ من موقع الخصم الذاهب للحرب المعلنة ليل نهار، إلى موقع المفاوض المحاور على طاولة القمم والاجتماعات، وهو ما جعله شخصية غير مفهومة البوصلة لدى كثير من المحللين والمقربين من دوائر صنع القرار، سواء داخل أمريكا أم خارجها.
ففي الوقت الذي شحذت فيه واشنطن طاقاتها كافة لشن حرب ضد كوريا الشمالية لممارساتها النووية التي تراها إدارة ترامب خطرًا على العالم، إذ بالرئيس الأمريكي يبادر لعقد قمة تاريخية مع نظيره الكوري كيم جونغ أون، في مشهد نسف كل التحليلات السياسية والرؤى الموضوعة سلفًا لتقييم مسارات العلاقات بين البلدين.
ذات الأمر تكرر مع الحرب التجارية التي شنها مع دول أوروبا، فبعد التصعيد الكبير في العداء وفرض رسوم على السلع الأوروبية الواردة، فضلًا عن التصريحات العدائية والساخرة التي أطلقها ضد بعض قادة القارة العجوز، إذ به يتراجع بين ليلة وضحاها بعد جرهم إلى التفاوض مرة أخرى.
ترامب في المقام الأول وبحسب تفسير البعض يخاطب بتصريحاته أمس الأوروبيين، من خلال عرض يقدمه لإيران يحملها على الرفض، ومن ثم يصبح تسويق العقوبات المفروضة عليها التي من المفترض تنفيذ شقها الأول آواخر هذا الأسبوع أمرًا سهلًا
الملفت للنظر أن مواقف ترامب تنسف الخطوط السياسية التي رسمها وزير خارجيته مايك بومبيو،حيال إيران، فالأخير وعبر خطابين سابقين في مايو/آيار الماضي اشترط على طهران قبولها المسبق بـ12 مطلبًا كشرط أساسي للحوار معها، وهو نفس ما حدث قبل ذلك مع الوزير السابق ريكس تيلرسون، ليثبت الرئيس الأمريكي أنه المتحكم في السياسة الخارجية لبلاده وهو من يضع توجهاتها بنفسه بعيدًا عن مسارات وزراء الخارجية.
البعض ذهب هنا إلى احتمالية أن يعيد ترامب نفس السيناريو مرة أخرى مع إيران، كما حدث مع كوريا الشمالية وأوروبا، وهو ما قد يضع علاقته بحلفائه الخليجيين على المحك – السعودية على وجه التحديد – خاصة بعد مئات المليارات التي حصل عليها في مقابل الاستمرار في خطه العدائي مع طهران الذي بات الدجاجة التي تبيض ذهبًا للرئيس الأمريكي وإدارته خلال الفترة الماضية.
هل يتكرر سيناريو ترامب – أون مع روحاني؟
سيناريوهان
أثارت تصريحات ترامب المفاجئة عددًا من التساؤلات بشأن دوافعها الحقيقية في ظل ضبابية الأجواء بين البلدين في الأسابيع الأخيرة والتي كانت – وفق قراءة الواقع – تستبعد هذا التحول في الموقف، إن لم يكن تصعيدًا، بعد المستجدات الطارئة التي أحدثتها استهداف ناقلة نفط سعودية في باب المندب من جانب، وتصاعد التصريحات العدائية بين زعيمي البلدين من ناحية أخرى.
سيناريوهان طرحهما خبراء تفسيرًا لقنبلة الرئيس الأمريكي، الأول: وضع طهران في موقف حرج أمام أوروبا، فترامب في المقام الأول وبحسب تفسير البعض يخاطب بتصريحاته أمس الأوروبيين، من خلال عرض يقدمه لإيران يحملها على الرفض، ومن ثم يصبح تسويق العقوبات المفروضة عليها التي من المفترض تنفيذ شقها الأول آواخر هذا الأسبوع أمرًا سهلًا.
عرض ترامب يضع دول أوروبا المعترضة على قرار انسحابه من الاتفاق النووي في موقف الضامن والشاهد في نفس الوقت على رفض طهران حتى فتح باب التحاور مع أمريكا، فالرجل عرض اللقاء دون شروط مسبقة بينما الجانب الإيراني وضع شروطًا، وهو ما يحرج إيران وأوروبا في نفس الوقت.
أما السيناريو الثاني فيرى البعض أن تلك التصريحات إنما جاءت في سياق التفاهم مع موسكو بشأن الوضع السوري والترتيبات التي تعد داخل مطبخي الكريملين والبيت الأبيض لاحتواء إيران، في مقابل إبعادها عن منطقة الجولان وتخفيف التوتر مع الكيان الصهيوني.
المغازلة الأمريكية لإيران أو كما يحلو للبعض أن يصفها بـ”الترضية” تقتضي فتح حوار أمريكي مع الإيرانيين دون شروط مسبقة أو مقدمات لتشجيعها على تسهيل ترجمة الخطة الروسية في سوريا التي تأتي بمباركة أمريكية بلا شك وفق ما تشير إليه الدلائل الأخيرة.
التساؤل الذي يفرض نفسه الآن: ما مصير الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا؟ هل من الممكن أن تعيد واشنطن النظر في قرارها مرة أخرى؟ غالبية المؤشرات تذهب إلى صعوبة تراجع ترامب عن هذا القرار، على الأقل في الوقت الراهن، إلا أنه في المقابل من الممكن أن يطرح اتفاقًا جديدًا على الطاولة برعاية ومباركة أوروبية، لا تعترض عليه واشنطن، وهو ما تم كشف بعض ملامحه خلال الفترة الماضية.