هل جربت من قبل سؤال موظفيك عما يفعلونه حقًا في أثناء الاجتماعات؟ يقضي الموظف المتوسط مئات الساعات في الاجتماعات التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إنجازات غير مرغوب فيها في واقع الأمر، وذلك لأن الاجتماعات غير الهادفة لا تثير اهتمام الموظفين، بل وتقتل الإبداعية والإنتاجية لديهم، إذ كشفت دراسات حديثة أن غالبية الموظفين يستغلون الاجتماعات غير الهادفة لفعل أي شيء آخر لا يتعلق بالاجتماعات.
كشفت تلك الدراسات أن غالبية الموظفين يحاولون إنهاء وظائفهم اليومية خلال الاجتماعات غير المُجدية، بل اعترف كثير منهم في تلك الدراسات أن الاجتماعات أفضل وقت لهم ليستغرقوا في أحلام اليقظة، أما الآخرون فقد اعترفوا عند إجراء تلك الاستطلاعات أنهم غطوا في النوم بالفعل في أثناء تلك الاجتماعات غير الهادفة، كما اعترف الكثير منهم أنهم يتوقعون خيبة الأمل في كل مرة يضطرون فيها للدخول في اجتماع جديد.
يختلف الأمر من شركة إلى أخرى على حسب الحجم والصناعة التي تعمل بها الشركة، إلا أن المدير في الشركات المتوسطة يحتاج لحضور اجتماعين في الأسبوع على الأقل، بينما يضطر المدير التنفيذي في الشركات الضخمة إلى حضور ما يُقارب 60 اجتماعًا شهريًا، قد تتراوح تكلفة الاجتماع من وقت ضائع ومهام كان من الواجب إنجازها وقت الاجتماع من 400 إلى 500 دولار بحسب حجم الشركة مما جعل تكلفة الاجتماعات غير الهادفة في الولايات المتحدة تصل إلى 37 مليار دولار.
يجتمع الموظفون في اجتماعات أسبوعية أو شهرية لغرض واحد، وهو “إنجاز المهام” ومناقشة الأفكار ومحاولة تخطي العواقب التي قد تعيق سير العمل بشكل فعال ومنتج ومبدع، إلا أن ما يحدث في الواقع معاكس تمامًا للهدف من الاجتماع، فينتهي المطاف بهم في جلسة يتحدث الناس فيها فقط وتختفي الأفكار ولا يخرجون جميعهم بنتيجة ملموسة.
يجد الموظفون الاجتماعات غير هادفة بالمطلق في دراسة أجريت على أكثر من 60% من موظفين دوليين وأكثر من 50% من موظفين عرب
بعيدًا عن التكلفة المادية الموجودة في الدراسات المذكورة سابقًا، وُجد في دراسة أجريت على التغيرات النفسية على موظفين من الولايات المتحدة والإمارات وألمانيا والمملكة المتحدة أن الاجتماعات غير الناجحة تؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية بشكل عام، حيث تدفع الموظفين لتفحص هواتفهم بشكل مستمر خلال الاجتماع، حيث وجدت الدراسة أن 80% من الموظفين في الإمارات مثلًا يراجعون بريدهم الإلكتروني في أثناء الاجتماعات بينما يتفقد 30% من الموظفين حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
لماذا لا ينجح العرب في إتمام الاجتماعات بنجاح؟
من الممكن جدًا أن ينتهي الاجتماع في الشركات العربية الصغيرة أو الناشئة بنتائج غير متوقعة للغاية، قد تصل حد الشجار لأسباب لم تكن من الأساس على قائمة أهداف الاجتماع، ومن المتوقع أن يجد الموظفون في الشرق الأوسط الاجتماعات بمثابة عبأ يُثقل كاهلهم ويقومون به مجبورين، حتى إن البعض وصف الاجتماعات بـ”الضريبة التي تدفعها ثقافة الشركة” من أجل إنتاج الأفكار ومحاولة الحث على العمل الجماعي من أجل الإبداع.
كل دقيقة ضائعة في اجتماع غير هادف تزيد من عدد الدقائق التي يضيعها الموظف في بذل جهد غير فعال وغير مُنتج
أثبتت الدراسات التي حاولت تتبع العواقب الناتجة من الاجتماعات غير الهادفة في الشركات الصغيرة والناشئة قد تدفع كثير من الموظفين أن يضطروا للذهاب للعمل مبكرًا والرحيل منه متأخرين من ساعة إلى بضع ساعات، أو استخدام أيام من عطلتهم الأسبوعية في بلاد مثل الصين واليابان وبعض بلاد الشرق الأوسط من أجل محاولة التركيز في عملهم لتعويض الوقت الضائع الذي تسبب لهم في تأخير إنجاز المهمات التي كان واجب عليهم إنجازها نتيجة الاجتماعات المكثفة وغير الهادفة.
وجدت دراسة جامعية أوروبية ارتباط الضعف في الإبداع وانخفاض حصة الشركات من السوق في 20 شركة بمجالات مختلفة من بينها مجال الإلكترونيات أو الكيماويات أو التوزيع بزيادة في عدد الاجتماعات الأسبوعية والشهرية في تلك الشركات، بالإضافة إلى ارتباطها بمدى الاستقرار النفسي للموظفين في تلك الوظائف ومدى ولائهم لتلك الشركات فيما بعد.
ولكن لماذا يشعر الموظفون بالحنق الشديد حينما يتم دعوتهم وطلب حضورهم لاجتماع ما؟ هناك أسباب عديدة تحيد اهتمام الموظف عن حضور الاجتماع قبل بدايته، أولها أنه يكون شبه متأكد من أن الاجتماع مضيعة للوقت ولن يخرج منه بشيء مفيد له على المستوى العملي أو المستوى الشخصي، الأمر الثاني أنه لا يتم دعوة الموظف وطلب حضوره في الاجتماع لأمر معين، فهو يعلم أنه هناك لمناقشة الأفكار والعمل الجماعي إلا أنه لا يعرف ما دوره تحديدًا في ذلك الاجتماع، الأمر الثالث إدراك الموظف أن الوقت المخصص للاجتماع يعني وقتًا إضافيًا على عمله المعتاد، وذلك لأن الاجتماع لن يمكنه من إنجاز مهامه اليومية، وبالتالي فهو يجلس على طاولة الاجتماعات جسديًا إلا أن كل تفكيره يكون منصبًا على مهامه كيف ينجزها في الوقت المتبقي.
ما السبيل لاجتماع ناجح؟
يحتاج الموظفون عرض الأفكار بطريقة مرئية في أثناء إدارة الحوار بالاجتماعات من أجل ضمان فعالية الاجتماع
تغفل كثير من الشركات الصغيرة أو الناشئة العديد من الحيل التي قد تساعد في جعل اجتماعاتها ناجحة أو على الأقل تنتهي بخطة واضحة أو حلول عملية أو إبداعية، أول تلك الخطوات تحديد الإدارة الأفراد الواجب حضورهم الاجتماع بدلًا من أن تجعله إجباريًا على الجميع، كما يجب على الإدارة أن تسمح بعدم حضور الاجتماع لكل فرد لا يهمه الأمر أو لا تحتاج مهمته اليومية ذلك الاجتماع بالتحديد.
يجب على الإدارة تحديد الأشخاص المهمين لذلك الاجتماع الذين يكون بيدهم زمام الأمور في تحديد النتائج المرجوة من ذلك الاجتماع، لا يمكن أن يتمتع كل فرد في الاجتماع بالأهمية ذاتها وبالتالي على الإدارة تحديد الأفراد المحوريين بالنسبة لأجندة الاجتماع الموضوعة مُسبقًا.
تغفل إدارة الشركات الصغيرة وضع أهداف معينة للاجتماع قبل البدء فيه، كما تغفل توضيح المعلومات بشكل سهل ومرئي من خلال إرسال الملفات المطلوبة لكل حاضري الاجتماع قبل بدئه، وبالتالي يأتي أغلب الحاضرين بخلفية ضعيفة جدًا عن الهدف من الاجتماع، فلا يستطيعون تحديد آرائهم عن شيء ليس لديهم معلومات كافية عنه، فيكون المطلوب منهم غامضًا وبالتالي يكون من السهل أن يتوقفوا عن الاهتمام بالمشاركة في ذلك الاجتماع وينصرفون عنه بالاهتمام بأشياء أخرى.
يعتبر تخطيط الاجتماعات بفترة من أهم خطوات الحصول على اجتماع هادف، حيث يجب إخطار حاضري الاجتماع من خلال البريد الإلكتروني بكل المعلومات المطلوب منهم قراءتها وبكل الملفات الواجب عليهم الاطلاع عليها قبل الحضور للاجتماع، كما يجب توضيح دور كل واحد فيهم وما المطلوب منه بشكل محدد قبل دعوته للحضور، بالإضافة إلى تحديد وقت معين لكل موضوع مطروح للنقاش للاستفادة من الوقت وعدم إضاعة المزيد منه لكي يبقى الحاضرون في حالة تركيز مستمرة طوال فترة الاجتماع.
تتبع الإدارة إستراتيجية “لعب الأدوار” في الاجتماعات فتطلب من واحد من الحاضرين لعب دور الزبون ليتعامل مع الموظفين على أنه زبون حقيقي يبدي آرائه كزبون خارجي وليس كموظف ضمن الفريق
من المهم جدًا ألا تخشى الإدارة من تجربة إستراتيجيات مختلفة في كل مرة تجتمع بالموظفين، قد تكون إحداها الطلب من الحضور بالجلوس لعدة دقائق يقومون بها بالعصف الذهني بشأن أمر ما بدلًا من حثهم على الحديث دون تفكير مسبق، أو قد تكون إحداها تقسيم الحضور إلى مجموعات تدير الحوار لبضعة دقائق قبل العمل والاجتماع بالفريق كله، كما يتبع بعض المديرين طريقة العصف الذهني بطريقة غير مباشرة حيث يطلب من الموظفين كتابة ما يريدون تغييره في الشركة أو في الفريق على ورق ورميه داخل سلة في مركز طاولة الاجتماع دون كتابة الاسم، وبالتالي يعرض كل موظف آرائه دون تردد أو خوف من العواقب.
يجب تحفيز الموظفين على أخذ الاجتماعات في الاعتبار بأنها السبيل للإبداع وليس “الشر الذي لا بد منه”، فمنذ بداية اعتبار الموظف للاجتماع على أنه أمر واقع يجب عليه التعامل معه سيؤثر هذا على إنتاجيته وإنتاجية كل من حضر الاجتماع في المستقبل وبالتالي سينعكس على إنتاجية الشركة ككل.