رسومات الأطفال
يستخدم الطفل عدة وسائل للتواصل مع العالم الخارجيّ، كالبكاء والصراخ والكلام. وما إنْ يصل لمرحلةٍ معينة، يصبح الرسم والألوان إحدى الوسائل التي يلجأ إليها للتعبير بها عن نفسه ومشاعره. لذلك فلطالما كانت تلك الرسومات وسيلةً مهمّة يمكن للآباء والأمهات والمعالجين النفسيين اللجوء إليها للحصول على فهمٍ أفضل لحالة الطفل النفسية والعقلية من جهة، ولمساعدته على التغلّب على المواقف الصعبة والاضطرابات المختلفة التي قد يمرّ بها.
ولو عدنا بالتاريخ لوجدنا أنّ الرسم لطالما كان فعلًا أساسيًا عند الأطفال، حتى قبل اختراع الأوراق والألوان والأقلام، فعصًا تخطّ خطوطها على التراب والطين كانت كفيلة لرسم العديد من الأشكال والتفاصيل. ومع الوقت بدأ علم النفس ينظر للفنّ والرسم كنوعٍ من أنواع التعبير عن الذات والكشف عن اللاوعي بحيث تمّ استخدامه كعلاجٍ نفسيّ فعّال.
يمرّ الطفل خلال ثلاثة مراحل في تطوير رسوماته: الخربشة والمرحلة ما قبل التخطيطية والمرحلة التخطيطية
كيف يطوّر طفلك رسوماته وماذا يمكن أن تكشف لك؟
يمرّ الطفل خلال ثلاثة مراحل في تطوير رسوماته. الأولى هي الخربشة أو “Scribbling” وتمتدّ من عمر السنتين وحتى الأربع سنوات، حيث لا تحتوي الرسمة على مجرد خطوط وعلامات عشوائية لا معنى لها أو واقعية. وتُعرف المرحلة الثانية بالمرحلة “ما قبل التخطيطية” أو “Pre-Schematic“، يحاول الطفل، من 4 إلى 7 سنوات، فيها رسم ما يراه أمامه من أشكال بسيطة مثل المنازل والأشجار والشاحنات وغيرها. عادةً لا يوجد أيّ تفاصيل واقعية لهذه الرسومات، وفي نهاية هذه المرحلة يبدأ الطفل بإضافة بعض التفاصيل التي تميّز أفكارهم مثل الزهور أمام المنازل وملابس للشخصيات.
المرحلة الأولى من الرسم عند الطفل هي الخربشة وتمتد من عمر سنتين إلى 4 سنوات
أما المرحلة الثالثة فتُعرف بالمرحلة التخطيطية “Schematic“، حيث يستخدم الطفل، ما فوق عمر السبع سنين، العديد من التفاصيل والرموز ما يجعل مواضيع الرسومات واضحة المعالم وأكثر واقعية مثل وضع النمش على الوجه أو إضافة نظّارة للعينين أو نورسًا فوق البحر وهكذا. كما يُظهرون الصورة من وجهة نظر أو منظور معين، وشيئًا فشيئًا يمكن أنْ يبدؤوا بإخبار قصصًا واضحة عن ما يرسمونه.
وفي حين أنّ رسومات الطفل قد تكون في بعض الأحيان مجرّد رسوماتٍ لا معنى لها ولا هدف منها سوى التسلية وتمضية الوقت، إلا أنها أيضًا في كثيرٍ من الأحيان يمكن أنْ تكشف عن طبقةٍ أعمق في أنفسهم وما يفكّرون فيه وما يشعرون به. والأهمّ من محاولة تفسير رسومات طفلك، هو أن تدعه يخبركَ بنفسه عن معنى الرسم بالنسبة له.
تعكس الألوان التي يستخدمها طفلك طرق استجابته وتفاعله مع التجارب والعواطف المختلفة التي يمرّ بها وما يرتبط بها من معلومات ومدخلات حسية.
وفي الغالب، فالانطباع الأول يكون مهمًّا، إذ يمكن أن تظهر النظرة الأولى لرسومات طفلك في بعض الأحيان ما يشعر به. هل يبدو محبطًا أو مضطربًا؟ سعيدًا أو حزينًا؟ وهكذا. ثمّ يأتي لاحقًا دور الألوان، التي يمكن أنْ تعكس طرق استجابته وتفاعله مع التجارب والعواطف المختلفة التي يمرّ بها وما يرتبط بها من معلومات ومدخلات حسية.
تساعد الألوان الطفلَ على التعبير عن عواطفه، لذلك قد يكون الإفراط في استخدام لون معين إشارةً إلى الحالة العاطفية للطفل. فوفقًا لعلم نفس الألوان، يشير اللون الأخضر إلى الراحة النفسية والسعادة، وتشير الألوان الزاهية والدافئة مثل البرتقاليّ والأصفر إلى البهجة، أما الإفراط من استخدام الألوان الداكنة فيمكن أنْ يشيرَ إلى الحزن والحاجة للمساعدة.
أما عندما يرسم الطفل صورةً لعائلته، فهذا يمكن أن يوشي بالكثير من المعلومات مثل علاقته بوالديْة وأخوته وكيفية شعوره في المنزل، كأنْ يرسم وجوهًا سعيدة أو تعيسة، أو كأنْ يرسم نفسه بالقرب من أحد أفراد الأسرة في حال وضع الآخرين بعيدًا عنه، أو كأنْ يرسم جميع الأفراد بالقرب من بعضهم البعض في حين يرسم أحد أخوته أو أحد والديْه بعيدًا أو في زاوية الصفحة. أو قد يرسم الطفل نفسه بحجمٍ أصغر بكثير من حجوم من معه في الرسم، ما قد يدلّ على أنّ الطفل يعيش في بيئة منزلية فوضوية مليئة بالضجيج والازدحام وتفتقر للتنظيم والترتيب.
قد يرسم الطفل جميع أفراد عائلة بالقرب من بعضهم البعض في حين يرسم أحد أخوته أو والديْه بعيدًا أو في زاوية الصفحة
وفي حال ترك الطفل رسوماته غير مكتملة أو رسم خطوطًا متقطّعة، فقد يكون بحاجةٍ إلى التشجيع والانتباه، فمثل هذه الرسومات تشير إلى أنّ الطفل يعاني نوعًا من التردد وغياب الأمان، كما أنّ الكثير من المحي والتصحيح قد يشير إلى مستوىً عالٍ من القلق والتوتّر، أما رسم الزخارف والتفاصيل الكثيرة فقد يشير إلى حاجة الطفل للاهتمام وجذب الانتباه.
كيف يمكن أنْ يكون الرسم علاجًا للصدمات؟
يعتقد المعالجون النفسيّون أن الرسم طريقة جيدة للتعبير عن التوتر وخلق نوعٍ من الراحة النفسية أثناء الأوقات الصعبة. وقد أثبت الفنّ والرسم نجاحه في علاج مشاكل مثل التبول اللاإراديّ ومصّ الإصبع والتمتمة. أما في حال الصدمات والكوارث، فيلجأ الأطفال عادةً للعب والرسم كنافذة يمكنهم من خلالها الهرب من تجربتهم وواقعهم.
رسمة لطفلة سورية عانت من آثار الحرب نشرها موقع اليونيسف
ونظرًا لأنّ الصدمة تؤثر على لغتهم وقدرتهم على التعبير عنها وإخراج الكلمات للتحدث عنها، فيكون الخيال والرسم واللعب وسائل بديلة لتجاوز مشكلة اللغة وإتاحة التعبير عن الجوانب الحسية المتعلقة بالصدمة أو الذكرى والتجربة الأليمة بدلًا من قمعها وكبتها كما يحدث بالعادة. لذلك يلجأ المعالجون عادةً أثناء تعاملهم مع ضحايا الحروب والكوارث الطبيعية من الأطفال إلى الرسم والتمثيل والمسرح بعيدًا عن الكلمات واللغة التي يصعب ترتيبها وإخراجها.