تعرف في الساعات القادمة نتائج الانتخابات الرئاسية المالية التي قد تبتسم من جديد للرئيس الحاليّ إبراهيم أبوبكر كيتا لقيادة البلاد لولاية جديدة رغم المنافسة التي يواجهها من مرشح المعارضة سومايلا سيسي في بلاد يظل الهاجس الأمني والتنمية الاقتصادية أهم تحديات الرئيس المقبل المطالب بالتكيف مع عوامل تحكم بلدان منطقة الساحل الصحراوي.
وجرت الانتخابات يوم الأحد الماضي وسط إقبال غير كبير للناخبين حسب نتائج التصويت الأولية التي تقول إن نسبة التصويت لم تتعد 36% في انتظار الإعلان الرسمي.
من أبو بكر كايتا؟
قالت وكالة فرانس برس في برقية لها عن الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا خلال ترشحه لرئاسيات 2013 إنه زعيم قبلي يعرف كيف يزاوج بين الأصالة والحداثة حتى في ملبسه، كما أنه عادة ما يستهل خطبه السياسية بآيات قرآنية.
وإبراهيم ابو بكر كيتا البالغ من العمر 73 سنة زعيم قبلي مشهور في الساحة السياسية المالية، فقبل نجاحه في الرئاسيات السابقة هزم مرتين في انتخابات 2002 و2007.
وراهن كايتا في ولايته السابقة على تحقيق المصالحة الوطنية تطبيقًا لاتفاق الجزائر 2015 المهدد حسب مراقبين بالفشل رغم احتوائه على جميع عوامل النجاح، مثلما يقول وزير الخارجية الفرنسي جون إيفل ودريان.
إذا كان كايتا قد التزم الصمت بشأن الانقلاب العسكري الذي وقع في 22 من مارس/أذار 2012 الذي أطاح بالرئيس حمادو توماني توري، فقد كان له دور في 1991 خلال الإطاحة بالجنرال موسى تراوري الذي حكم البلاد منذ 1968
عمل إبراهيم أبو بكر كيتا خلال الثمانينيات مستشارًا في الصندوق الأوروبي للتنمية ثم رئيس مشروع تنمية في شمال مالي، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أحد سائقيه “كايتا يعمل كثيرًا وقد يصبح شرسًا عندما يغضب”.
وإذا كان كايتا قد التزم الصمت بشأن الانقلاب العسكري الذي وقع في 22 من مارس/أذار 2012 الذي أطاح بالرئيس حمادو توماني توري، وتسبب في سقوط شمال البلاد بين أيدي حركة تحرير الأزواد الطرقية وحلفائها المتشددين الذي سمح بالتدخل العسكري الفرنسي في البلاد في يناير 2013، فقد كان له دور في 1991 خلال الإطاحة بالجنرال موسى تراوري الذي حكم البلاد منذ 1968، وأطيح به في انقلاب تلا انتفاضة شعبية، وشارك إبراهيم أبو بكر كيتا بعد سنة من ذلك في فوز ألفا عمر كوناري، مرشح التحالف من أجل الديمقراطية في مالي (أديما).
وفي فبراير 1993 عين كايتا وزيرًا للخارجية ثم رئيسًا للوزراء السنة التالية في ظرف شهدت فيه مالي أزمة مدرسية وإضرابات شلت البلاد، وبدا حينها كايتا الذي يجاهر بانتمائه اليساري رجلاً ذا قبضة حديدية، بعد أن أمر بقمع المضربين الذين وصفهم بـ”الحثالة”، وقرر وقتها إغلاق المدارس وتعطيل الدراسة خلال كامل السنة الدراسية 1993-1994.
انطلقت الإثنين عملية فرز أصوات الناخبين في ختام عملية الاقتراع التي عرفت خوض 24 مترشحًا سباق الوصول إلى كرسي الرئاسة بينهم كايتا وزعيم المعارضة سومايلا سيسي وامرأة واحدة هي سيدة الأعمال وخبيرة الاقتصاد زينبا ندياي
واعتقد إبراهيم أبو بكر كيتا أنه في انتخابات 2002 سيكون مرشح حزبه بعد انتهاء ولاية الرئيس عمر كوناري، لكن عندما تخلى عن منصب رئيس الوزراء قوبل بحركة احتجاج داخل حزبه “أديما”، فانسحب من الحزب الرئاسي وأسس حزبه في 2001 (التجمع من أجل مالي) لكنه مني بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية 2002 أمام أمادو توماني توري الجنرال الذي أطاح بموسى تراوري في 1991 ووفى بوعده بتسليم الحكم إلى المدنيين بعد ذلك.
ترقب
انطلقت الإثنين عملية فرز أصوات الناخبين في ختام عملية الاقتراع التي عرفت خوض 24 مترشحًا سباق الوصول إلى كرسي الرئاسة بينهم كايتا وزعيم المعارضة سومايلا سيسي وامرأة واحدة هي سيدة الأعمال وخبيرة الاقتصاد زينبا ندياي.
وستعلن النتائج الرسمية المؤقتة في أجل أقصاه 3 من أغسطس/آب الحاليّ، في وقت يتوقع مراقبون أن لا تحمل الجولة الأولى حسمًا للرئيس الجديد للبلاد، ما سيستوجب خوض جولة ثانية في 12 من أغسطس/آب قد يكون طرفاها الرئيس أبو بكر كايتا ومنافسه صومايلا سيسي، وذلك في حال لم يحصد أي مرشح أكثر من 50% من الأصوات بالجولة الأولى.
وقبل الإعلان الرسمي، قال مامادو كمارا المتحدث باسم إبراهيم أبو بكر كيتا إن الرئيس يتقدم بفارق كبير في انتخابات الرئاسة وفقًا للفرز الأولي للأصوات بعد الانتخابات، لكنه لم يستبعد احتمال إجراء جولة إعادة، وأشار كمارا في تصريح لرويترز “وفقًا للإحصاء الذي أجريناه فإن الرئيس يتقدم بفارق كبير”.
لكن إدارة حملة سوميلا سيسي أكدت أن شوطًا ثانيًا سيتم اللجوء إليه في 12 من شهر أغسطس/آب الحاليّ لحسم الفائز في الرئاسيات، وقال مدير حملة زعيم المعارضة تيبيلي درامي، في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة باماكو: “المعطيات التي عندنا تؤكد اللجوء إلى شوط ثانٍ في الانتخابات الرئاسية، وسوميلا سيسي سيكون حاضرٍا في هذا الشوط”.
تهديد أمني
رغم الترتيبات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات لإنجاح الموعد الانتخابي، فإن الحدث لم يخل من هجمات الجماعات المتشددة، فقد أفادت تقارير إعلامية أن عدة هجمات أمنية سجلت خلال يوم الاقتراع في شمال ووسط البلاد، حيث سقطت في مدينة كيدال عدة قذائف دون أن يخلف ذلك ضحايا.
وأفاد موقع سايت المتخصص في متابعة مواقع الجماعات الإرهابية أن التنظيم الذي يسمي نفسه “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المنتمي لفرع تنظيم القاعدة في الصحراء أعلن مسؤوليته عن إطلاق عدة قذائف مورتر على قرية بشمال مالي في أثناء الانتخابات، مما عطل التصويت.
وفي أثناء الاقتراع أطلق مسلحون عشر قذائف مورتر على قرية أجويلهوك في منطقة كيدال الشمالية، وانفجرت واحدة على مسافة نحو 100 متر من أحد مراكز الاقتراع، وقالت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” في بيان: “هذا القصف في مالي رسالة واضحة منا لفرنسا وعملائها في البلاد تفيد بأن الحرب بيننا لن تنتهي”، وحسب الجماعة، فإن “الجميع يعلم أن الفائز في هذه الانتخابات ليس سوى دمية في يد فرنسا ودول الصليب”.
واستطاعت القاعدة التي لم تسمح لتنظيم داعش بالتمدد بشكل لافت في الساحل الصحراوي أن تترك بذلك بصمتها في هذه الانتخابات، رغم نشر السلطات 30 ألف جندي لتأمين العملية الانتخابية.
مراقبة دولية
بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي وأهميتها في ضمان الاستقرار في منطقة الساحل التي تعرف تغيرات متلاحقة، شدت انتخابات الرئاسة في مالي أنظار المجتمع الدولي، فقد أشرف عليها نحو ستة آلاف مراقب وطني ودولي يمثلون كلاً من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والمنظمة الدولية للفرانكفونية والاتحادين الأوروبي والإفريقي.
وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في مالي محمد صالح النظيف إن انتخابات 2013 سمحت بإعادة النظام الدستوري، لكن في 2018 على الماليين أن يثبتوا أن العملية الديمقراطية لا يمكن التراجع عنها، لأن الوضع في البلاد ما زال هشًا”.
وسقط شمال مالي مطلع عام 2012 تحت سيطرة مجموعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة ، وفي عام 2013 تمكنت القوات المالية بتدخل أجنبي من إخراج هؤلاء المسلحين من الشمال إلا أن الهجمات ازدادت ضراوة في السنوات الأخيرة، ولا تزال مناطق كاملة خارج سيطرة القوات المالية وقوات “برخان” الفرنسية وقوة الأمم المتحدة (مينوسما) على الرغم من إبرام اتفاق الجزائر للمصالحة في يونيو 2015.
ومنع نشاط الجماعات المتشددة التصويت في 644 مكتب تصويت على الأقل، من أصل 23041 مكتب تصويت.
أمل جزائري
تأمل الجزائر الجارة الشمالية أن تكون الانتخابات الرئاسية الحاليّة محطة انطلاق للماليين لتحقيق المصالحة التي ترعاها منذ توقيع اتفاق يونيو 2015، لوضع حد لحالة عدم الاستقرار الأمني التي يعيشها الشمال المحاذي لحدودها الجنوبية، ولا يزال يشكل نقطة قلق للحكومة الجزائرية.
ومنذ تردي الأوضاع في مالي والتدخل الفرنسي العسكري في يناير 2013 عززت الجزائر من عدد جنودها المرابطين بالحدود مع مالي، بعد أن صارت المنطقة خطرًا متواصلاً لتسلل المهربين وتجار المخدرات والجماعات المتشددة التي وجدت في مناطق كيدال وغاو وتومبوكتو المالية ملاذًا لها بعد تضييق الخناق عليها من القوات الجزائرية.
وتتوجس الجزائر خوفًا من أي اتحاد بين الجماعات الإرهابية النشطة في ليبيا ونظيرتها في مالي، حيث ستكون حدودها مع هاتين الدولتين ومع النيجر الجارة الأخرى للبلدان الثلاث محط مطمع لهذه الجماعات في محاولة منها لاستعادة وجودها بالتراب الجزائري.
وتظهر الإحصاءات الدورية التي تنشرها وزارة الدفاع الجزائرية توقيف عشرات المسلحين والمهربين والباحثين عن الذهب الذي يقال إنه يوجد بولاية تمنراست الجزائرية الحدودية مع مالي.
ولعل أبرز ملف يقلق الجزائر مشكلة اللاجئين الماليين الذين يتواصل نزوحهم إليها، ما جعلهم يصبحون فريسة سهلة الاصطياد من مافيا الاتجار بالبشر النشطة في منطقة الساحل، ورغم جهودها لمكافحة هذه الظاهرة التي وصلت لتحضير مشروع قانون جديد لمحاربتها إضافة إلى إنفاقها لأكثر من 30 مليون دولار سنويًا للتكفل بالرعايا الأفارقة، وجدت الجزائر نفسها اليوم محل انتقاد من طرف منظمات غير حكومية دولية لها أجندات في المنطقة بادعائها أن الجزائر تسيء معاملة اللاجئين.
وحسب مراقبين، فرغم أهمية الانتخابات المالية الحاليّة للبلاد، فإن التغيير المنشود من طرف الماليين وجيرانها وعلى رأسهم الجزائر يبقى مرهونًا بمدى قدرة الرئيس الجديد على المناورة بين تنمية بلاده والتفاوض مع الدول الغربية التي اتخذت من المنطقة ساحة صراع جديد لها، فالأمر لم يبق اليوم متعلقًا بالنفوذ الفرنسي الذي لا يريد ترك وجوده هناك، إنما صار مرتبطًا أيضًا بإستراتيجيات باقي الدول الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي أقامت قاعدة عسكريات لطائرات دون طيار في الجارة النيجر.