قال مبعوث موسكو إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف إن إيران سحبت أسلحتها الثقيلة إلى مسافة 85 كيلومترًا من الحدود بين “إسرائيل” وسوريا في هضبة الجولان المحتلة، والتشكيلات الشيعية لم تعد موجودة قرب هذه المنطقة، مضيفًا أن عسكريين إيرانيين وصفهم بأنهم مستشارون ربما يكونون رفقة قوات جيش النظام السوري التي لا تزال أقرب إلى الحدود مع “إسرائيل”، حسبما أشارت “رويترز” نقلًا عن وكالة “تاس”الروسية، أمس الأربعاء.
انسحاب القوات الإيرانية من هذه المناطق يعطي الضوء الأخضر لقوات بشار الأسد بالتمدد أكثر وإحكام السيطرة على جنوب غرب سوريا بدعم من روسيا، ما يجعل القوى المؤيدة له على مقربة من الجولان، ورغم ذلك تعتبر تل أبيب أن هذا الانسحاب غير كاف، مطالبة بمزيد من التراجع، وصولًا إلى الخروج من الأراضي السورية كافة.
تأتي هذه الخطوة بعد يوم واحد فقط من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن استعداده لقاء نظيره الإيراني حسن روحاني دون شروط مسبقة، وهو ما رد عليه الإيرانيون بحزمة من الشروط على رأسها إعادة الاعتراف بالاتفاق النووي الموقع في 2015.
الحديث عن تفاهمات روسية إيرانية أمريكية إسرائيلية بشأن خطة موسكو في سوريا، ربما يقود الجميع إلى العودة خطوة للوراء والتخلي عن المواقف العدائية المشتعلة بين الأطراف المتحاورة، ولو مؤقتًا، وهو ما يدفع إلى التساؤل بشأن مستقبل العلاقات مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية حال تفعيل تلك الخطة بمقتضياتها الراهنة والتي تتكشف يومًا تلو الآخر.
الخطة الروسية
تتضمن الخطة الروسية المقدمة لإنهاء الحرب في سوريا تشكيل لجنة دستورية تضم ممثلين عن مجموعات المعارضة “في الداخل والخارج”، وكذلك تنظيم انتخابات نيابية ورئاسية بعد إقرار الدستور الجديد في استفتاء، إلا أنها لم تحظ بقبول كل أطراف النزاع لا سيما المعارضة وحلفاءها في الخارج خاصة أن البعض ألمح إلى نية الإبقاء على الأسد في المرحلة المقبلة.
التقارب الملحوظ بين تل أبيب وموسكو خلال الآونة الأخيرة الذي تجسد في تبادل الزيارات بين قادة الدولتين وتوقيع حزمة من اتفاقيات التعاون المشترك، دفع الجانب الروسي إلى محاولة طمأنة الإسرائيليين، وذلك عن طريق انتشار قوات سورية فقط على أراضي الجولان أو بالقرب منها في سوريا، وإن كان هذا التطور الملحوظ في الموقف الإيراني الرافض سابقًا فكرة الانسحاب من هذه المنطقة غير مرضٍ لدولة الاحتلال.
“لسنا على استعداد لرؤية جبهة جديدة لحزب الله على حدودنا الشمالية بين “إسرائيل” وسوريا، هذا أمر خطير، هذا أمر لو لم نمنع حدوثه اليوم وهو في بدايته سنتكبد ثمنًا باهظًا بعد ذلك”
وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي تساحي هنجبي قال في حوار إذاعي له: “ما وضعناه كخط أحمر هو التدخل والتعزيز العسكري الإيراني في سوريا، وليس بالضرورة على حدودنا”، مشيرًا إلى التهديد الأبعد مدى من جانب الصواريخ أو الطائرات الإيرانية دون طيار المتمركزة في سوريا، مضيفًا “لن تحدث تسويات أو تنازلات في هذا الأمر”.
الأسبوع الماضي وخلال اجتماع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، عرض الأخير إبعاد القوات الإيرانية لمسافة 100 كيلومتر على الأقل عن خط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان، فيما رفض الجانب الإسرائيلي هذا العرض إثر مطالبته بإخراج إيران نهائيًا من الأراضي السورية، وهو ما علق عليه أناتولي فيكتوروف سفير روسيا لدى “إسرائيل” بقوله إنه فيما يبدو أن موسكو لا يمكنها إجبار إيران على مغادرة سوريا.
غير أن الدبلوماسي الروسي ألمح إلى نقطة أخرى غاية في الأهمية تتمثل في استمرار روسيا في غض الطرف عن الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع يشتبه أنها إيرانية وعلى عمليات نقل سلاح حزب الله أو أماكن تمركزه في سوريا، فيما أكد هنجيي أن “إسرائيل” تريد منع إيران وحزب الله من توسيع الجبهة اللبنانية معها فعليًا، مضيفًا “لسنا على استعداد لرؤية جبهة جديدة لحزب الله على حدودنا الشمالية بين “إسرائيل” وسوريا، هذا أمر خطير، هذا أمر لو لم نمنع حدوثه اليوم وهو في بدايته سنتكبد ثمنًا باهظًا بعد ذلك”.
كانت “إسرائيل” قد أبلغت سوريا عبر روسيا والولايات المتحدة أنها لن تقبل وجودًا عسكريًا لغير الجيش السوري في المنطقة الحدودية في الجولان على خلفية تقدم جيش الأسد في منطقة درعا (جنوب)، بحسب “هآرتس” العبرية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أنه حُدد للنظام السوري الخطوط الحمراء بالنسبة لـ”إسرائيل”، فيما يتعلق بالمعارك الجارية في منطقة درعا، عبر رسالة وجهها رئيس أركان الجيش غادي آيزنكوت خلال لقائه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية جوزيف دانفورد.
مساعي روسية لطمأنة “إسرائيل” في سوريا
تفاهم روسي أمريكي إيراني
تجاهل واشنطن لتحرش الحوثيين – المدعومين إيرانيًا – بناقلات النفط السعودية في باب المندب الذي على إثرها علقت المملكة – مؤقتًا – مرور ناقلاتها، ومن بعدها الكويت، كان مثار تساؤل لدى الكثير من المقربين من دوائر صنع القرار في كل من الرياض وواشنطن.
التصعيد السعودي – إعلاميًا – لهذه الحادثة لم يجد صداه المتوقع عند الحليف الأمريكي الذي من المفترض أن يكون قد قبض ثمن الإبقاء على حالة العداء والخصومة مع طهران، وهو ما أقلق السعوديين بصورة كبيرة، وأثار حالة من الجدل داخل الشارع الخليجي برمته.
غير أن تصريحات ترامب قبل يومين التي اعتبرها البعض “مغازلة” لطهران جاءت لتؤكد مخاوف السعوديين وحلفهم من التوجه الأمريكي الجديد، خاصة أن ترامب ومنذ تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة اتسم بالشذوذ عن الخط العام لتوجهات إدارته ومساراتها التقليدية، فالرجل يمكنه الانتقال وبشكل مفاجئ من موقع الخصم الذاهب للحرب المعلنة ليل نهار، إلى موقع المفاوض المحاور على طاولة القمم والاجتماعات، ما جعله شخصية غير مفهومة البوصلة لدى كثير من المحللين والمقربين من دوائر صنع القرار، سواء داخل أمريكا أم خارجها.
ترامب بعقلية التاجر المعروفة عنه نجح في أقل من عام على تنصيبه رئيسًا لبلاده في الحصول على ما يزيد على 700 مليار دولار من دول الخليج، كان للسعودية النصيب الأكبر منها، متوددًا إلى قادتها بالتصريحات العدائية التي أطلقها ضد إيران
بعض المحللين ذهبوا إلى أن مفاجأة ترامب وغض الطرف الأمريكي عن حادثة باب المندب وانسحاب القوات الإيرانية من أراضي الجولان المحتلة، إنما جاءت في سياق التفاهم مع موسكو بشأن الوضع السوري والترتيبات التي تعد داخل مطبخي الكريملين والبيت الأبيض لاحتواء إيران، في مقابل إبعادها عن منطقة الجولان وتخفيف التوتر مع الكيان الصهيوني.
المغازلة الأمريكية لإيران أو كما يحلو للبعض أن يصفها بـ”الترضية” تقتضي فتح حوار أمريكي مع الإيرانيين دون شروط مسبقة أو مقدمات لتشجيعها على تسهيل ترجمة الخطة الروسية في سوريا التي تأتي بمباركة أمريكية بلا شك وفق ما تشير إليه الدلائل الأخيرة.
فروسيا صاحبة النصيب الأعظم من المكاسب السورية تسعى لتدشين مرحلة جديدة من التحالفات مع تل أبيب، بينما الأخيرة تسعى للطمأنة عبر إبعاد القوات الإيرانية عن مناطقها الحدودية التي تمثل لها تهديدًا، فيما تتصاعد موجات الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران ما يدفعها للعودة إلى الوراء قليلًا وتخفيف حدة التوتر مع القوى الإقليمية.
تلك المستجدات تقود نحو خلق تفاهمات إقليمية بين أمريكا وروسيا في المقام الأول، بتنفيذ إيراني إسرائيلي سوري، الهدف منه الإبقاء على حالة التهدئة، حيث لا تصعيد ولا مواجهات تستنزف موارد أي من الأطراف المشاركة في تلك التفاهمات، غير أن السير في هذا الدرب له أبعاد أخرى تتعلق بدول الخليج التي دفعت مئات المليارات للإبقاء على حالة العداء بين حليفها الأمريكي وخصمها الإيراني.
“إسرائيل” تقول إن انسحاب إيران من الجولان ليس كافيًا
أين ذهبت مليارات الخليج؟
بينما تستعد العواصم الـ3 (موسكو – واشنطن – طهران) لتدشين مرحلة جديدة من التفاهم والحوار، عبر تصريحات تحمل المغازلة أحيانًا والتهدئة أحيانًا أخرى، تبعها خطوات عملية على أرض الواقع، بات السؤال عن مصير ما يزيد على نصف تريليون دولار دفعتها السعودية لصالح ترامب بهدف التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة هو الأكثر حضورًا على منصات النقاش.
ترامب بعقلية التاجر المعروفة عنه نجح في أقل من عام على تنصيبه رئيسًا لبلاده في الحصول على ما يزيد على 700 مليار دولار من دول الخليج، كان للسعودية النصيب الأكبر منها، متوددًا إلى قادتها بالتصريحات العدائية التي أطلقها ضد إيران، تبعها الانسحاب من الاتفاق النووي ثم فرض عقوبات اقتصادية، كل هذا أسال لعاب السعوديين والإماراتيين على حد سواء فلم يبخلوا بالاستثمارات والمنح التي طالما لوح بها ترامب في أكثر من خطاب، لعل أبرزها هذا الذي وصف فيه السعودية بـ”البقرة الحلوب” التي يجب أن تدر مقابل الدفاع عنها وعن مصالحها.
فريق ذهب إلى تأثر العلاقات الأمريكية السعودية جراء التطورات الأخيرة بشأن العلاقات مع إيران، إلا أن آخرون رأوا أن العلاقات أبعد ما تكون عن التأثير خاصة أن الرياض لا سبيل أمامها سوى التمسك بتلابيب أمريكا في ظل انفراط عقد حلفائها في المنطقة واحدًا تلو الآخر جراء سياساتها الإقليمية التي اعتمدتها منذ قدوم ابن سلمان.
وفي المقابل عول البعض على مرحلة جديدة في العلاقات بين واشنطن وطهران، إلا أن هذا مستبعدًا بصورة كبيرة حتى إن حدث تقاربًا أفضت إليه المستجدات الإقليمية وتطورات الوضع في المنطقة، إذ إن سياسية ترامب وعقليته الإدارية ليست بالسطحية التي تؤهلها لأن تضحي بمليارات الخليج لأجل عيون إيران الذي يعلم الأمريكان يقينًا حجم النار الذي تحت رماد العلاقات معها.