ترجمة وتحرير: نون بوست
أعلن مديرو الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة حالة الطوارئ في الحرم الجامعي إلى أجل غير مسمى. وتعمل الجامعات على طرح سياسات جديدة لقمع النشاط الطلابي المؤيد لفلسطين خلال الفصل الدراسي القادم أثناء الخريف المقبل، كما تعمل على إعادة تشكيل اللوائح وحتى تعديل بنية الحرم الجامعي نفسه لتتناسب مع هذا الوضع الطبيعي الجديد.
تتشارك العديد من السياسات التي يجري وضعها في صيغة مشتركة: زيادة التركيز على عسكرة الأوضاع، وتعزيز إنفاذ القانون، وتوسيع نطاق التجريم، وتقوية السلطة المؤسسية. ولكن ما هو مصدر هذه السياسات ولماذا تظهر بشكل متشابه في جميع الجامعات؟ تكمن الإجابة في أن هذه السياسات مُقدمة من قبل “إدارة المخاطر والأزمات” التي تحصل على دعم ضمني من الأمناء وجماعات المناصرة الصهيونية والوكالات الفيدرالية. ويتم استخدام لغة السلامة في هذه السياسات كغطاء لإخفاء منطق أعمق يتجسد في تعزيز السيطرة والتذرع بالأمن.
استغلت الجامعات الصيف الماضي للاستماع إلى الاستشاريين والاستعداد للحملة القادمة دون إضاعة الوقت. كما أشار مساعد مدير السلامة في الحرم الجامعي في كلية أوبرلين خلال الندوة الإلكترونية التي عُقدت مؤخرًا تحت عنوان “التعامل مع الجدل الدائر في الحرم الجامعي”: تحديات إدارة الاحتجاجات والأحداث الحاسمة، “إذا رحل طلابك الآن، فهذا هو الوقت المناسب لتشديد سياساتك”.
داخل صناعة الاستشارات الخاصة بـ “المخاطر والأزمات”
يعتبر قطاع استشارات إدارة المخاطر والأزمات، الذي يديره عسكريون سابقون ومسؤولو إنفاذ القانون والسلامة العامة في الحرم الجامعي، عنصرًا حيويًا في شبكة قمع أوسع تشمل الجهات الحكومية والجماعات الحزبية خارج الحرم الجامعي، وكذلك اللوبي الصهيوني، الذين يعملون مجتمعين على تجريم المعارضة السياسية الطلابية.
وتشمل إدارة المخاطر مجموعة متنوعة من القضايا المالية وغير المالية، بدءًا من الامتثال التنظيمي إلى سلامة الحرم الجامعي. ويُشجِّع المستثمرون المؤسسيون، الذين يسعون لتحقيق عوائد آمنة ويمكن التنبؤ بها، الجامعات على تبني أطر صارمة لإدارة المخاطر، مما يضمن تقديم الأولوية للاستقرار المالي والسمعة المؤسسية على حساب النزاهة الفكرية.
في عصر الانتفاضة الطلابية، يعتبر أصحاب المصلحة أن النشاط الطلابي المؤيد للفلسطينيين يشكل مخاطر شديدة بما يكفي لتبرير السياسات التي تعيد تشكيل حدود التعبير المسموح به. وفي هذا الصيف، نظمت صناعات استشارات إدارة المخاطر والأزمات عدة اجتماعات ركزت بشكل مباشر على الاحتجاجات الطلابية.
في تموز/ يوليو، اجتمع أكثر من 450 من “المتخصصين في مجال حماية الحرم الجامعي” في أتلانتا لحضور المؤتمر السنوي الحادي عشر لسلامة الحرم الجامعي، موضحين: أنه “نظرًا لأن الاضطرابات الحالية تمثل تحديًا كبيرًا ومن المرجح أن تستمر في السنة الدراسية 2024-2025، فإن [مؤتمر هذه السنة] سيغطي فقط نجاحات الاحتجاجات والتحديات التي تواجهها”.
ويضم المجلس الاستشاري للمؤتمر موظفين حاليين وسابقين في مجال إنفاذ القانون، مثل بوبي براشر الذي يفتخر بسيرته الذاتية التي تذكر أنه “قضى وقتًا في إسرائيل لدراسة الاستراتيجيات والتكتيكات الإسرائيلية”. ومن أبرز الفعاليات التي تضمنها المؤتمر هذه السنة عروض لتكنولوجيا المراقبة، وحلقات نقاش، وجلسة بعنوان “طاقم مسلح: تعزيز الأمن أم مسؤولية؟”.
تعد مجموعة بلو مون للاستشارات شركة أخرى تقدم خدماتها لعشرات الجامعات والكليات. وقد استضافت مؤخرًا معسكرا خاصًا بعنوان “اضطرابات الحرم الجامعي” في بريكنريدج بولاية كولورادو، حيث تلقى المشاركون تدريبًا مكثفًا في مجال العلاقات الإعلامية، وسياسة إدارة الاحتجاجات، والتخطيط لها. وتعكس مثل هذه الفعاليات تقاطعًا بين ورشة عمل للعلاقات العامة الخاصة للشركات ومعرض للأسلحة، حيث يُعرض أحدث الأدوات الأمنية إلى جانب استراتيجيات إعلامية متقدمة للتعامل مع الاحتجاجات داخل الحرم الجامعي.
وتتجسد هذه الحملة المنسقة بشكل أكبر من خلال إطلاق مؤسسة هلال وشبكة المجتمع الآمن مؤخرًا “عملية تأمين حرمنا الجامعي“، وهي حملة أمنية تستهدف أكثر من 50 حرمًا جامعيًا. وفي هذا الصيف، نظّمت شبكة المجتمع الآمن حلقة نقاش بالشراكة مع رابطة رؤساء المدن الكبرى، حيث شارك فيها مسؤولو السلامة العامة من 92 جامعة، إلى جانب “ممثلين من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقادة جمعيات إنفاذ القانون، ومختصين أمنيين يهود”. وأسفرت هذه المناقشة عن وضع عشر توصيات أمنية، تشمل حظر المخيمات، وتنفيذ خطط الطوارئ، وتعميق التعاون مع سلطات إنفاذ القانون. وقد تم تنفيذ هذه التوصيات بسرعة في جميع أنحاء البلاد خلال الأسابيع الأخيرة.
التغييرات الجامعية في جميع أنحاء البلاد
تساعد هذه التجمعات في تفسير سبب توحيد السياسات الجديدة التي تم الإعلان عنها مؤخرًا في الجامعات عبر الولايات المتحدة. من كليات الفنون الحرة مثل كلية بومونا إلى أنظمة الجامعات العامة الكبيرة مثل نظام جامعة ولاية كاليفورنيا، فرضت الإدارات سلسلة من الإرشادات المناهضة للتظاهر قبل بدء الفصل الدراسي الخريفي.
ومن بين التدابير التي تم اتخاذها للحد من التعبير السياسي، حظر المخيمات والهياكل المؤقتة ومكبرات الصوت والكتابة بالطباشير واللافتات المستقلة وتوزيع المنشورات والعروض الخارجية وطاولات الفعاليات. وتهدف هذه التدابير الشاملة إلى سد الثغرات الحالية ومنع النشاط السياسي، سواء العفوي أو المنظم، بشكل استباقي. وتوضّح سياسة “الأنشطة واللافتات واستخدام الأماكن العامة” المنقحة لجامعة جنوب فلوريدا هذه الاستراتيجية، حيث تؤكد أن “الجامعة تحتفظ بالحق في تحديد كيفية تطبيق وتفسير جميع القيود الزمنية والمكانية على مختلف الأنشطة”.
لقد أدت التحديثات الأخيرة لسياسات الجامعات إلى زيادة كبيرة في العقبات البيروقراطية التي تواجهها المنظمات الطلابية للحصول على الموافقة لاستضافة فعالية ما. وذهبت بعض السياسات إلى أبعد من ذلك في محاولة السيطرة على أنشطة الحرم الجامعي. وتنص سياسة تسجيل الأنشطة التعبيرية المحدثة في جامعة كارنيجي ميلون على أن جميع الفعاليات التي تشمل “نشاطًا تعبيريًا” وتنحرف عن سياسة حرية التعبير “ستُعتبر غير مسجلة”. وفي هذه الحالات، سيكون لزامًا على الإدارة أن تقرّر “ما إذا كان من مصلحة سلامة الحرم الجامعي وأمنه وعملياته منع الفعالية أو حلها، وكذلك ما إذا كان… [أولئك] المشاركون في قيادة وتنظيم وتنفيذ مثل هذه الفعالية غير المسجلة يجب أن يخضعوا لمراجعة سلوكية”.
ويضمن التحكم المركزي عبر التفسيرات الذاتية لـ “النشاط التعبيري” أن تستمر فعاليات الحياة الجامعية مع القليل من التدقيق، بينما تواجه مجموعات مثل طلاب من أجل العدالة في فلسطين مضايقات إدارية وتأديبية متزايدة.
صاغت الجامعات سياسات منهجية لتعزيز الوضع المميز للطلاب الذين يتماشون مع مصالحها السياسية والمادية. وتتضمن الإرشادات والتوقعات المحدثة لجامعة نيويورك بشأن السلوك الطلابي تقنين الخلط بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية في سياسة وإجراءات عدم التمييز ومكافحة التحرش للطلاب في الجامعة. ويهدف هذا التحديث إلى تحويل الصهيونية إلى فئة محمية بموجب الفصل السادس في القانون الداخلي لحرم جامعة نيويورك، حيث ينص على أن “الخطاب والسلوك ينتهك قانون عدم التمييز ومناهضة الصهيونية إذا كان يستهدف اليهود أو الإسرائيليين”.
يُحذّر فرع منظمة “كلية العدالة في فلسطين” في جامعة نيويورك من أن “التوجيهات الجديدة تعني ضمنيًا أن أي أيديولوجية سياسية قومية (مثل القومية الهندوسية والقومية المسيحية وغيرها) التي تكون جزءًا من فهم بعض أفراد تلك المجموعة لهويتهم العرقية أو الإثنية يجب أن تكون مؤهلة للحماية بموجب الحقوق المدنية”.
وهذا يعتبر سابقة تعزز من دور الإدارة في مراقبة الخطاب السياسي. وهذا التغيير لا يعزز فقط السيطرة الإدارية على سياسات الحرم الجامعي، بل يعزل أيضًا هذه السياسات عن أي تحديات من خلال مساواة المعارضة بالمضايقة.
أعلنت جامعة كاليفورنيا، التي خصصت 29 مليون دولار لمواجهة الانتفاضة الطلابية التي اندلعت في الربيع، عن حظر “التنكر لإخفاء الهوية” وأصدرت توجيهات تتطلب من الأفراد الكشف عن هويتهم عند سؤالهم. ومع اجتياح متغيرات جديدة من كوفيد-19 ولاية كاليفورنيا، قدّم رئيس الجامعة دريك هذه الإجراءات باعتبارها “أساسية لتحقيق التوازن الدقيق والأساسي بين حقوق حرية التعبير والحاجة إلى حماية سلامة مجتمعنا”.
مع ذلك، مفهوم السلامة هذا، الذي يفتقر إلى اعتبارات الصحة العامة، يعرّض المجتمع بشكل عام للخطر، ويمنح شرطة الحرم الجامعي سلطة تقديرية واسعة تسمح بتطبيق معايير الامتثال بشكل انتقائي. وستؤثر هذه القيود الجديدة بشكل غير متناسب على الطلاب الذين يعانون من نقص المناعة، والطلاب الذين لا يحملون الوثائق، والطلاب السود وغيرهم من الأقليات التي تواجه رقابة مفرطة. وفي الوقت نفسه، تعرّض هذه السياسات الطلاب المنظمين لمخاطر متزايدة من الاختراق، المضايقات، والمراقبة.
وبالمثل، طبقّت جامعة فيرجينيا وجامعة جيمس ماديسون وجامعة فيرجينيا كومنولث قيودًا على ارتداء الأقنعة، وذلك تماشيًا مع قانون فيرجينيا 18.2-422، الذي يحظر أي قناع أو غطاء للرأس أو أي لباس آخر يخفي هوية مرتديه. وتعكس هذه الإجراءات اتجاهًا أوسع بين الجامعات العامة في الولايات التي تهدد بحجب التمويل عن المؤسسات التي تفشل في احتواء نشاط الطلاب المؤيدين لفلسطين. فعلى سبيل المثال، قامت مقاطعة لويزا بسحب كامل تمويلها من كلية مجتمع بيدمونت فيرجينيا في ميزانيتها المعتمدة لسنة 2025 بعد أن استضاف فرع منظمة العدالة من أجل السلام عرضًا للفيلم الوثائقي “إسرائيل” في الحرم الجامعي.
ويُعَد “الحياد المؤسسي”، الذي تتبناه حاليًا مؤسسات مثل جامعة نظام تكساس، كلية إيمرسون، وجامعة بوردو تحت رعاية “مبادئ شيكاغو”، الجبهة الرئيسية التالية في إعادة تشكيل منهجية تهدف إلى قمع التعبير السياسي في الحرم الجامعي. وهذا النهج، وفقًا لما نصح به المجلس الأمريكي للأمناء والخريجين في تقريره الجديد “مساحة متساوية للجميع: دليل الأمناء لمنع التجمعات والاحتجاجات في الحرم الجامعي“، يوصي بأن تُترك القرارات المالية “للجهات الائتمانية وليس للجهات السياسية”. ولكن عمليًا، يتيح هذا للإدارات التهرب تمامًا من مسألة سحب الاستثمارات في المستقبل القريب، بينما تستفيد من الإبادة الجماعية وتستثمر فيها.
بعيدًا عن الحلول السياسية، تشكل صناعات استشارات إدارة المخاطر والأزمات المشهد المادي والتشغيلي للجامعات بشكل كبير. وغالبًا ما تدفع اقتراحات هذه الصناعات عملاءها إلى شراء معدات من شركاء في “سوق السلامة الجامعية” المزدهرة، مما يدفع إدارات الجامعات إلى تخصيص مزيد من الأموال لتغطية التكاليف المتزايدة بشكل مستمر لإدارة المعارضة. وفي استجابة لانتفاضة الطلاب، استثمرت الجامعات في أجهزة قراءة لوحات السيارات وأدوات تصنيف الذكاء الاصطناعي لتحديد ومراقبة “الغرباء” من غير الطلاب. وهذا الاستثمار في تكنولوجيا المراقبة يعزز البنية التحتية الأمنية الداخلية ويعمق الروابط مع جهات إنفاذ القانون. فعلى سبيل المثال، كما ذكرت شبكة سي بي إس نيويورك، تعاونت شرطة نيويورك مع عشرات الجامعات لوضع خطط استجابة للاحتجاجات في الخريف، مع التركيز بشكل خاص على سياسة عدم التسامح مطلقًا مع المخيمات الاحتجاجية. ويمتد هذا التعاون بين الجامعات والشرطة على جميع المستويات، من اتفاقيات المساعدة المتبادلة المحلية إلى مراكز الاندماج المدعومة من وزارة الأمن الوطني.
عسكرة الحرم الجامعي
سوف يعزز هذا التنسيق زيادة عسكرة الشرطة في الحرم الجامعي، وهي ظاهرة تعود إلى فترة ما بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حيث تم تجهيز أكثر من 100 كلية وجامعة الآن بفائض من العتاد العسكري من خلال برنامج 1033 التابع لوزارة الدفاع.
ويجسد دمج فرق التدخل السريع والمعدات شبه العسكرية في الحياة الجامعية، إلى جانب نظام نقاط التفتيش الخاصة بها، الطموحات الأمنية للأمناء الذين يتطلعون إلى جعل التعليم العالي امتدادًا للإمبراطورية الأمريكية. ومع حصول شرطة الحرم الجامعي على مزيد من التكنولوجيا المتطورة، تقوم إدارات الجامعات بتحويل الموارد بحماس لدعم ترسانتها المتنامية، مما يديم سباق التسلح داخل المجال الأكاديمي.
وصاحب هذا التوجه الاحترافي صعود خبرة الشرطة الجامعية كمجال متميز لإنتاج المعرفة. وهذا المسعى التكنوقراطي يتماشى مع المحرك الإداري للجامعة النيوليبرالية، وهو نظام يركز على الكفاءة والسيطرة ويهدف إلى تحقيق أقصى قدر من “الأمن”. تحت ستار الحيادية، تخفي صفة الخبرة المرتبطة بالشرطة الجامعية انحيازها لمصالح المجلس المالي، مما يكشف عن التحيزات المتأصلة في هذه السياسات.
في ظل هذه الخلفية، تسلط المراقبة المكثفة للنشاط الطلابي عبر الإنترنت الضوء على الجوانب الخفية للقمع العسكري الرقمي. ففي تموز/يوليو، حصل قسم شرطة جامعة نورث كارولينا، الذي تلقى 2.3 مليون دولار من تمويل وكالة الاستخبارات العسكرية المحوّل بعد احتجاجات السنة الماضية، على مذكرة تفتيش للاستيلاء على بيانات من حساب إنستغرام الخاص بحزب العدالة الاجتماعية في الجامعة.
شملت البيانات المستولى عليها الأسماء، والعناوين، وأرقام الهواتف، ومعلومات بطاقات الائتمان، وسجلات الاتصال، والرسائل المباشرة، والموقع الجغرافي. ويأتي ذلك بعد توقيع عقد سنوي بقيمة 73,500 دولار أمريكي في سنة 2016 بين إدارة شرطة جامعة نورث كارولينا وشركة “سوشيال سينتينيل” لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، يستمر مكتب المدعي العام في مقاطعة أورانج في ملاحقة أفراد المجتمع والطلاب بتهم جنائية لمشاركتهم في مخيم التضامن مع غزة في منطقة المثلث. ولا يزال برنامج جامعة نورث كارولينا للعدالة الاجتماعية قيد الإيقاف “على أساس مؤقت بينما تنظر عملية السلوك الطلابي في مزاعم انتهاك سياسات الجامعة”، وذلك وفقًا لما ذكره مسؤولو الجامعة.
قبل فترة طويلة من الانتفاضة الطلابية، سعت كل من الجامعات الخاصة والحكومية إلى إقصاء منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” من حرمها الجامعي. وفي السنة الماضية، قامت جامعة جورج واشنطن وجامعة روتجرز بتعليق فرعي منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” في كل منهما بعد فصل الخريف، تحت ذريعة استعادة النظام في الحرم الجامعي.
واستهدفت الجامعتان مجددًا منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، حيث تم تعليق فرع المنظمة في جامعة جورج واشنطن حتى فصل الخريف، بينما سيبقى فرع المنظمة في جامعة روتجرز معلقًا حتى صيف 2025. بالإضافة إلى منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، علّقت جامعة جورج واشنطن أيضًا منظمة “صوت اليهود من أجل السلام” وست منظمات طلابية أخرى، بما في ذلك تلك التي تقدم خدمات ثقافية ودينية أساسية مثل جمعيات الطلاب المسلمين والعرب والآسيويين الأمريكيين.
في بيان أدانت فيه السياسات الجامعية الجديدة المناهضة للاحتجاجات، انتقدت الرابطة الأمريكية لأساتذة الجامعات فرض هذه “المراسيم من أعلى إلى أسفل” التي “تتجاوز الدور المركزي لهيئات أعضاء هيئة التدريس المنتخبة، مثل مجالس أعضاء هيئة التدريس، في إدارة الجامعات”. وأشارت الجامعة الأمريكية في بيروت إلى أن هذه السياسات ستؤثر بشكل خاص على “أعضاء هيئة التدريس المتفرغين وغير المتفرغين من غير أعضاء هيئة التدريس، وطلاب الدراسات العليا، وخاصة الملونين في هذه الفئات”.
في حالة أخرى من التجاوزات الإدارية، زودت جامعة بنسلفانيا لجنة مجلس النواب المعنية بالتعليم والقوى العاملة في مجلس النواب بالسير الذاتية للأستاذة هدى ج. فخر الدين والدكتور أحمد الملاح، بالإضافة إلى المناهج الدراسية من فصل خريف 2022 فصاعدًا، وجميع الاتصالات على مستوى المقررات الدراسية منذ فصل خريف 2023، وأي اتصالات تتعلق بمخيم التضامن مع غزة، أو حملة “هيئة التدريس من أجل العدالة في فلسطين”، أو مهرجان “فلسطين تكتب” منذ 1 آب/ أغسطس 2023. ومع أن الجامعة وافقت على تقديم سيرتيهما الذاتيتين ومناهجهما الدراسية وفرضت قيودًا على حسابات البريد الإلكتروني الجامعي لكلا الأستاذين — على الرغم من عدم وجود التزام قانوني بذلك — إلا أنه لا يزال غير واضح مدى المعلومات الإضافية التي ستشاركها الجامعة مع اللجنة.
مهاجمة حوكمة الطلاب
تتجلى هذه الرقابة الاستبدادية المتصاعدة بشكل واضح في التطورات الأخيرة التي تهدف إلى تقليص سلطة الطلاب في عملية صنع القرار. ففي هذا الصيف، أعلن نظام جامعة الأمم المتحدة عن خطته لإعادة تنظيم محكمة الشرف، بعد أكثر من 100 سنة من وجودها، من نموذج يقوده الطلاب إلى نموذج يقوده أعضاء هيئة التدريس. وتكشف لقطات من دردشة جماعية لمجلس أمناء جامعة الأمم المتحدة، التي تم الحصول عليها من خلال طلب سجلات عامة، عن الدافع الكامن وراء هذا التحول، حيث علق أحد الأمناء قائلاً إن القرارات التأديبية “يجب أن يتم الفصل فيها إما في المحاكم الجنائية أو من خلال رئيس الجامعة، وليس داخل محكمة الشرف”.
قد يشير إلغاء هيئات صنع القرار الطلابية التي كانت قائمة منذ فترة طويلة، مثل محكمة الشرف في جامعة الأمم المتحدة، إلى اتجاه ناشئ. ففي الوقت الذي يسعى فيه الطلاب وأعضاء هيئة التدريس إلى تحقيق مطالبهم بسحب الاستثمارات، قد تسعى الجامعات تدريجيًا إلى تفكيك هياكل الحوكمة المشتركة للحفاظ على السلطة المطلقة من أعلى إلى أسفل.
وفي الأسبوع الماضي، وفي تصويت حاسم شهد أغلبية كبيرة بلغت 16 صوتًا مقابل صوت واحد، أوقف مجلس الشيوخ الطلابي في جامعة نيو سكول كلَّ التمويل المخصص للمنظمات الطلابية المسجلة حتى تلبية الجامعة لمطالب منظمة الطلاب بسحب الاستثمارات. وفي رد فعل على هذا القرار، استولت الإدارة على مبلغ 400,000 دولار أمريكي من أموال الطلاب وأعلنت أنها ستتحكم بشكل أحادي في إدارة هذه الأموال، متجاهلةً تمامًا مساهمة ممثلي الطلاب المنتخبين.
ويدرك مسؤولو الجامعة تمامًا أن الجسم الطلابي يميل إلى دعم قضايا التحرير. تاريخيًا، كانت الاستفتاءات الطلابية أداة فعالة في الحملة المستمرة لتفعيل المقاطعة في الحرم الجامعي. فعلى سبيل المثال، خلال السنة الدراسية 2023-2024، تم تمرير استفتاءات تدعو إلى سحب الاستثمارات في جامعة كلارك، وكلية بودوين، وجامعة ماساتشوستس أمهرست، والعديد من الجامعات الأخرى.
وفي مواجهة هذه النتائج، كثيرًا ما يتصدى رؤساء الجامعات لاستفتاءات سحب الاستثمارات التي يقودها الطلاب، كما حدث مؤخرًا في جامعة بنسلفانيا وكورنيل، حيث رفض الرؤساء نتائج الاستفتاءات التي تم تمريرها بأغلبية. في بعض الحالات، تقوم الإدارات بإلغاء الاستفتاءات تمامًا، كما حدث في جامعة فاندربيلت وجامعة ميشيغان في السنة الدراسية الماضية. ويدل الدعم الساحق من الطلاب لحركة المقاطعة على مستوى الحكومة الطلابية. ففي السنة الدراسية الماضية، تبنت جميع الحكومات الطلابية في حرم جامعة كاليفورنيا الجامعية، باستثناء جامعة كاليفورنيا في بيركلي، قرارات تدعو إلى سحب الاستثمارات الطلابية.
وظهرت بالفعل عواقب السياسات الجامعية الجديدة المناهضة للاحتجاج في جامعة ميشيغان. ففي 28 آب/ أغسطس، تدخلت الشرطة بعنف لإحباط “وقفة احتجاجية” نظمتها مجموعة تحالف سحب الاستثمارات في الجامعة. وأسفرت الأحداث التي تلت ذلك عن نقل شخصين إلى المستشفى واعتقال أربعة أفراد، من بينهم فتى يبلغ من العمر 16 سنة. مع تقدم السنة الدراسية، من المرجح أن تتحول هذه الأحداث التي تعكس عنف الدولة إلى قاعدة وليست استثناء. فعندما ينزل ضباط إنفاذ القانون، الذين يتلقون تدريبات من قبل الصهاينة، إلى ساحات الحرم الجامعي لتنفيذ مشاهد مساءلة إدارية أمام مجلس الأمناء، تعود سطوة الإمبريالية بوضوح حيث تُفرض الوحشية التي تتسم بها الدول الأمنية الاستيطانية على كلا الصعيدين الداخلي والخارجي.
المصدر: موندويس