عاد، صباح اليوم الخميس الهدوء الحذر إلى شوارع العاصمة الزيمبابوية هراري، بعد أعمال عنف ومواجهات بين قوات الأمن والجيش ومحتجين شهدتها المدينة في اليومين الأخيرين عقب إعلان “حزب الاتحاد الوطني الإفريقي” الحاكم، فوزه في الانتخابات العامة التي جرت الإثنين الماضي.
3 قتلى وعشرات الجرحى
هذه المواجهات أدت إلى سقوط ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى، وقتل الثلاثة في العاصمة هراري أمس الأربعاء عندما فرَّق جنود من الجيش متظاهرين معارضين كانوا يلقون الحجارة متهمين الحزب الحاكم بمحاولة تزوير الانتخابات الرئاسية التي أُجريت يوم الإثنين الماضي، حسب وسائل إعلام دولية.
وبدأت الاحتجاجات الدامية، بعد فترة قصيرة من بدء إعلان نتائج الانتخابات، حيث خرجت مظاهرات أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات في هراري، رفضًا للنتائج المعلنة من طرفها، وأعلن المحتجون فوز حزب حركة التغيير الديمقراطي، المعارض الرئيسي للبلاد، وفوز مرشحه نيلسون شاميسا، فيما لم تعلن بعد نتائج الانتخابات الرئاسية بشكل رسمي.
العنف الذي مورس ضد المحتجين لقي انتقادًا كبيرًا من دول عديدة
أفادت وسائل إعلام محلية ودولية أن العشرات من أنصار زعيم المعارضة نلسون شاميسا أحرقوا إطارات السيارات في الشوارع، ثم هاجموا شرطة مكافحة الشغب قرب مقر مفوضية الانتخابات، فيما رد أفراد الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع واستخدام مدافع المياه.
وتعرض عديد من المتظاهرين العزل إلى الضرب من الجنود الذي انتشروا في الشوارع بدعم من مركبات مدرعة وطائرات هليكوبتر عسكرية، وقبل ذلك استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه في محاولة لتفريق المحتجين، ما جعلهم يردون عليهم بالحجارة.
انتكاسة كبيرة
بعد الانقلاب على الرئيس موغابي في نوفمبر/تشرين الأول، قال المنقلبون إنهم سيسعون لفرض القانون وإقامة دولة المؤسسات ومحاربة الفساد والقطع مع سياسة القمع التي اعتمدها موغابي طيلة عقود حكمه التي بلغت الأربع، إلا أنهم مع أول امتحان لهم، سقطوا فيه.
ويرى مراقبون أن استدعاء الجيش من ثكناته للتصدي للمحتجين المشككين في نتائج الانتخابات وإطلاق النار عليهم وقتل بعضهم، يمثل انتكاسة كبيرة للسلطات الجديدة في البلاد التي تسعى لإظهار نفسها بثوب ديمقراطي بعيد عن ثوب الديكتاتورية القديم.
غير أن وزير العدل زيامبي زيامبي له وجهة نظر أخرى، فقد قال إن الجيش استدعي لضمان “السلم والهدوء”، وذكرت متحدثة باسم الشرطة أن الجنود نشروا بطلب من الشرطة، التي لم تستطع التعامل مع العنف، وقالت تشاريتي تشارامبا إنهم سيظلون تحت قيادة الشرطة.
ضبط النفس
العنف الذي مورس ضد المحتجين لقي انتقادًا كبيرًا من دول عديدة، حيث دعت بريطانيا الزعماء السياسيين في زيمبابوي للهدوء وضبط النفس، وقالت بعثة المراقبة التابعة لرابطة الكومنولث اليوم الخميس إن أجهزة الأمن في زيمبابوي استخدمت القوة المفرطة لتفريق المحتجين في هراري.
وقالت رويترز، إن هارييت بولدوين الوزيرة في وزارة الخارجية البريطانية كتبت على تويتر في وقت متأخر من مساء يوم الأربعاء، “قلقون بشدة إزاء العنف الذي شهدته هراري اليوم، ندعو الزعماء السياسيين في زيمبابوي لتحمل مسؤولية ضمان الهدوء وضبط النفس في هذه الفترة الحرجة، نتابع الوضع عن كثب”.
انتشار الجيش في العاصمة
قال جون ماهاما رئيس غانا السابق في بيان نيابة عن الكومنولث: “ندين بشكل قاطع الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة المدنيين العزل”، كما حثت الرابطة مفوضية الانتخابات في زيمبابوي على الإسراع في إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية.
من جانبها، حثت السفارة الأمريكية في زيمبابوي في بيان على موقعها الإلكتروني رعاياها على تجنب وسط هراري، وجاء في البيان “نظرًا لاستمرار غموض الموقف السياسي في زيمبابوي، عليكم البقاء في المنازل أو أماكن الإقامة قدر الإمكان”.
كما دعا الاتحاد الأوروبي للهدوء، وقال الاتحاد: “بعد إطلاق النار والعنف الذي أودى بالفعل بحياة عدة أشخاص أمس، نناشد كل الأطراف التحلي بالهدوء وضبط النفس وتنظيم الاحتجاجات وفقًا للقانون”، وأضاف أن الانتخابات كانت تنافسية وتم احترام الحريات السياسية خلال الحملات.
المعارضة تتهم
مع إعلان الحزب الحاكم فوزه بالانتخابات، شكّكت المعارضة في زيمبابوي بهذه النتائج، متهمة الحكومة بالتزوير، وكانت اللجنة الانتخابية بزيمبابوي قد أعلنت فوز حزب الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي الذي يحكم البلاد منذ استقلالها في 1980، بأغلب المقاعد البرلمانية التي تؤهله لتغيير الدستور إذا أراد، حيث حصل على 144 مقعدًا مقابل 61 مقعدًا حصل عليها حزب حركة التغيير الديمقراطي، ولم تعلن بعد نتائج 3 مقاعد برلمانية أخرى متبقية.
تظهر استطلاعات الرأي تقاربًا كبيرًا بين الرئيس الحاليّ إيميرسون منانغاغوا، ومرشح تحالف المعارضة لمنصب الرئيس نلسون شاميسا
في خصوص نتائج الانتخابات الرئاسية، قالت مفوضية الانتخابات إنها ستبدأ إعلان النتائج الساعة الـ10:30 بتوقيت غرينتش (أمس الأربعاء)، لكنها أجّلت الإعلان 24 ساعة على الأقل، فيما قال مراقبو الاتحاد الأوروبي إن التأجيل يقوض مصداقية الانتخابات.
واتهم شاميسا على حسابه الرسمي على توتير مفوضية الانتخابات بإعلان النتائج البرلمانية أولاً بهدف تمهيد شعب زيمبابوي لفوز منانغاغوا، وقال زعيم حركة التغيير إن اللجنة الانتخابية تسعى إلى نشر نتائج لكسب الوقت وقلب انتصار الشعب في الانتخابات الرئاسية، وأكد أن الإستراتيجية تهدف إلى تحضير زيمبابوي نفسيًا للقبول بنتائج مزورة للانتخابات الرئاسية، لقد فزنا بالتصويت الشعبي وسندافع عنه”.
مراقبو الاتحاد الأوروبي يتهمون المفوضية بالانحياز
مفوضية الانتخابات ردت على هذه الاتهامات بالتأكيد على نزاهة الانتخابات، غير أن مراقبي الاتحاد الأوروبي الذين عادوا للمرة الأولى منذ 16 عامًا إلى زيمبابوي، أكدوا بدورهم أمس الأربعاء، وقوع عدة مشكلات في هذه الانتخابات من بينها ترويع الناخبين وعدم الثقة في مفوضية الانتخابات.
وتساءل المراقبون كذلك عن السبب وراء تأجيل إعلان نتائج أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ إجبار الرئيس السابق روبرت موغابي على الاستقالة، وقال إلمار بروك كبير مراقبى الاتحاد الأوروبي، إنه لا علم لديه عما إذا كان لتلك السلبيات تأثير ملموس على نتيجة الانتخابات غير أنه اتهم مفوضية الانتخابات “بالانحياز” أحيانًا.
فوز مرشح المعارضة؟
بالتزامن مع إعلان اللجنة الانتخابية فوز الحزب الحاكم في البلاد، بأغلب المقاعد البرلمانية، أعلن تحالف المعارضة فوز مرشحه بالرئاسة من الجولة الأولى، مستبقًا النتائج الرسمية، وقال تنداي بيتي القيادي في الحركة من أجل التغيير الديمقراطي إن النتائج التي حصل عليها مندوبو الحركة من مراكز الفرز تؤكد بلا شك فوز مرشحهم نيلسون تشاميسا من الجولة الأولى على الرئيس الحاليّ إيميرسون منانغاغوا مرشح حزب الجبهة الديمقراطية للاتحاد الوطني الإفريقي (زانو) الحاكم.
وتحدث بيتي في مؤتمر صحفي بمقر الحركة بالعاصمة هراري عن تدخلات في عمليات الفرز وتأخير للنتائج التي كان يفترض أن يبدأ إعلانها عصر أمس الأربعاء، وكان كل من تشاميسا ومنانغاغوا قد أكد تقدمه، وبدا الرجلان واثقين بالفوز.
المعارضة تتهم الحكومة بالتزوير
تظهر استطلاعات الرأي تقاربًا كبيرًا بين الرئيس الحاليّ إيميرسون منانغاغوا مرشح الحزب الحاكم ومرشح تحالف المعارضة لمنصب الرئيس نيلسون شاميسا الذي يطمح في أن يصبح أصغر رئيس يتولى الحكم في زيمبابوي، ومن المنتظر في حال لم يحصل أي من المترشحين على الأغلبية اللجوء جولة ثانية في سبتمبر/أيلول المقبل.
وتولى إميرسون منانغاغوا الملقب بالتمساح والمقرب من الجيش، رئاسة زيمبابوي عقب نجاحه في الإطاحة بالرئيس السابق الذي حكم البلاد طيلة 37 سنة روبرت موغابي بانقلاب عسكري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويطمح منانغاغوا في البقاء بالسلطة وعدم خروجها من حزبه الحاكم.
ويريد المحامي الشاب الذي لا يتجاوز عمره الـ40 عامًا نيلسون تشاميسا، أن يجسد التغيير والقطيعة مع النظام السابق، ودفع بتشاميسا إلى قيادة حركة التغيير الديمقراطي بعد وفاة زعيمها التاريخي مورغان تشانغيراي خصم موغابي لفترة طويلة.