العديد من الانقسامات واجهتها الفصائل العسكرية التابعة للمعارضة المسلحة في الشمال السوري، نتيجة الأهداف التي تروق لكل فصيل معين، كما ينحدر هدف كل فصيل بحسب الجهة التي تدعمه عسكرياً وسياسياً، ولعل الاقتتال الذي جرى على مدى شهور طويلة بين جبهة تحرير سوريا وهيئة تحرير الشام هو أحد الشواهد التي تدل على تفكك الفصائل العسكرية المعارضة، ولكن نظرة الشارع السوري المحرر لهذا الاقتتال محتومة بالرفض القاطع، لأن كافة الفصائل العسكرية تنحدر عناصرها من المنطقة ذاتها، والحديث في إدلب بشكل عام يبقى بين جنبات تفاهمات القوى الدولية وأهمها تركيا وروسيا.
ولكن السوريون يطمحون بالعسكريين الذين هم من أبناء جلدتهم في تحرير أرضهم والحفاظ عليها من اجتياح النظام وغيره من القوى المعادية للثورة السورية، ومن هذا المنظور بات الحديث عن تشكيل عسكري جديد أو اتحاد لفصائل عسكرية، باعث أمل للسوريين الذين فقدوا ثقتهم في الفصائل العسكرية لتسترد أرضهم، وتعيد لهم ديارهم التي سلبت، وسرعان ما يتحول التشكيل العسكري إلى أداة لحماية المنطقة فقط، وليس لشن معركة عسكرية على منطقة أو بلدة ما، وهنا يقع السوريون بين تخبط واندثار للأمل، الذي عاشوا فيه للحظات.
الجبهة الوطنية للتحرير
أعلنت خمسة فصائل عسكرية معارضة شمال سوريا الأربعاء 1 أغسطس / أب توحدها تحت مسمى الجبهة الوطنية للتحرير، التي تعد أكبر وأقوى الفصائل العسكرية في إدلب وريف حلب الغربي، ويأتي هذا التوحد بعد العديد من المباحثات التي أجرتها الفصائل العسكرية وقياداتها فيما بينها على مدى الأسابيع الماضية.
https://twitter.com/alwataniathrer/status/1024705163196592130
وجاء في بيان التوحيد: “بعد تأخير نستغفر الله تعالى ونسعى لتلافيه، نعلن نحن الفصائل التالية، الجبهة الوطنية للتحرير، وجبهة تحرير سوريا، وألوية صقور الشام، وجيش الأحرار وتجمع دمشق، عن توحدنا تحت اسم الجبهة الوطنية للتحرير كنواة لجيش الثورة القادم، وندعو جميع إخواننا لمشاركتنا أعباء المسؤولية وتبعات التكاليف الشاقة “، وأضاف البيان: ” إننا نؤكد بهذه المناسبة دعمنا وتأييدنا لعقد مؤتمر وطني جامع لأطياف الثورة جميعها كي تعود الثورة لكل أهلها ونقرر جميعاً مستقبل أرضنا وبلادنا”.
https://twitter.com/alwataniathrer/status/1001164535808643072
وسبق وأعلنت عدد من الفصائل العسكرية عن تشكيل جديد يضم 11 فصيلاً عسكرياً من المعارضة المسلحة يعمل في الشمال السوري، في 28 مايو / أيار من العام الحالي، تحت اسم الجبهة الوطنية للتحرير، وجاء في بيان التشكيل “نعلن ولادة هذا التشكيل الجديد ونسأل الله أن يكون جامعاً لكل المكونات الثورية التي تؤمن بأهداف ثورتنا والتمسك بثوابتها وتسعى إلى تحقيقها”، ويضم هذا الفصيل كلاً من فيلق الشام، والفرقة الساحلية الأولى، والفرقة الساحلية الثانية، والفرقة الاولى مشاة، وجيش إدلب الحر، والجيش الثاني، وجيش النخبة، وجيش النصر، وشهداء الإسلام داريا، ولواء الحرية، والفرقة 23.
من جانبها، أشادت الحكومة السورية المؤقتة بهذا التشكيل في بيان لها أصدرته الخميس، 02 آب، 2018، وجاء في البيان: “إن الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الدفاع تشيد بمبادرة جمع الفصائل العسكرية وتوحدها ضمن الجبهة الوطنية للتحرير والذي يقع على عاتقها حماية الناس وتأمين حياتهم واستقرارهم وذلك باستمرار السعي للوصول للمؤسسة العسكرية المنظمة القادرة على الدفاع عن المدنيين وممتلكاتهم ومؤسسات المجتمع المدني في المناطق المحررة”، ويتبع للحكومة السورية المؤقتة الجيش الوطني، الذي يضم كافة الفصائل العسكرية في مناطق معركتي درع الفرات وغصن الزيتون شمالي حلب، ويقدم له الدعم من الجانب التركي.
جبهة وطنية بدعم تركي.. تعرف على قيادتها
لوحظ في تركيبة قيادة الجبهة الوطنية للتحرير، غياب عدد من القياديين البارزين في كل فصيل، ومنهم قادة حركة نور الدين الزنكي، الشيخ توفيق شهاب الدين، ونائبه الشيخ حسام الأطرش، ومن أحرار الشام حسن صوفان، وحسام سلامة، ومن صقور الشام، أبو عيسى الشيخ، وغيرهم من القياديين.
يعد هذا التشكيل العسكري الجديد هو الأقوى والأبرز في الشمال السوري، ويمتد في كافة المناطق المحررة في الشمال السوري
وفي التشكيل الجديد للجبهة شغل منصب القائد العام العقيد فضل الله الحجي، من فيلق الشام، وتسلم رئيس مجلس القيادة المقدم صهيب ليوش، والنائب الأول أحمد مصطفى سرحان، من صقور الشام، والنائب الثاني وليد هاشم المشيعل من جيش الأحرار، فيما تسلم النقيب عناد الدرويش رئاسة الأركان، وينحدر من فصيل أحرار الشام، والرائد محمد المنصور نائباً لرئيس الأركان، وتولى النقيب ناجي مصطفى المتحدث الرسمي باسم الجبهة، واللافت في الموضوع أن أغلب القيادات يعتبرون من الصفوف الثانية في قيادة الفصائل، وأما القيادات السابقة بقي دورهم في منحى خفي عن الوجهة العسكرية.
وكما يعد هذا التشكيل العسكري الجديد هو الأقوى والأبرز في الشمال السوري، ويمتد في كافة المناطق المحررة في الشمال السوري، حيث يوجد له قوى في أرياف اللاذقية وإدلب وريفها، وريفي حلب الغربي والجنوبي، ويصل عدد عناصر هذا الفصيل بحدود 62 ألف جندي، من مختلف المناطق المحررة شمال سوريا.
ويعد الجانب التركي الداعم الوحيد للجبهة الوطنية، حيث أن تركيا تقدم الدعم المالي واللوجستي والسياسي، وما زالت تركيا مستمرة في تقديم الدعم للجبهة مع ازدياد عدد الفصائل العسكرية المنضوية تحت الجبهة الوطنية للتحرير، وتحاول تركيا أن تجمع الفصائل العسكرية المعتدلة في إدلب، وأرياف حلب حماة واللاذقية تحت مسمى واحد لوضعها إلى جانبها في حال حاولت الخوض في معركة ضد هيئة تحرير الشام لإنهاء وجود القاعدة والحجج التي يضعها الجانب الروسي.
يأتي هذا التشكيل بالتزامن مع تعزيزات قوات النظام وميليشياته التي تصل محيط إدلب في أرياف اللاذقية وحماة وريف حلب الجنوبي
فيما بقيت عدد من الفصائل العسكرية خارج هذا التشكيل ومن أبرزها هيئة تحرير الشام، التشكيل الجديد لجبهة النصرة سابقاً، وحراس الدين الفصيل العسكري الذي انشق في وقت سابق عن الهيئة، وفصيل التركستان، وأنصار الدين، بالإضافة إلى جيش العزة، فيما عد ناشطون أن الجبهة الوطنية للتحرير لها أهمية كبيرة في مستقبل إدلب نظراً للدعم الذي تتلقاه من الجانب التركي الذي يعد بمثابة وصياً على إدلب وبعض أرياف المحافظات الأخرى، الواقعة في محيط إدلب.
ويأتي هذا التشكيل بالتزامن مع تعزيزات قوات النظام وميليشياته التي تصل محيط إدلب في أرياف اللاذقية وحماة وريف حلب الجنوبي، ويشن النظام خلال هذه التعزيزات حرباً إعلامية لكسر نفوس السوريين، وثقتهم بقوات المعارضة المسلحة التي تسيطر على الشمال السوري، وعلى الرغم من فقد السوريين أملهم في المعارضة المسلحة إلا أن الإعلان عن هذا التشكيل العسكري زاد ثقتهم في الحفاظ على مستقبل إدلب، وعلى الأقل أصبح لها غرفة عمليات مشتركة، وربما يكون للجبهة الوطنية للتحرير دور كبير في ظل التحديات التي تواجهها إدلب، وهذا ما يتخوف منه النظام السوري في ظل التفاهمات الروسية التركية.