لم تنفع جهود الأحزاب الفرنسية والمنظمات وباقي الأطراف المناهضة لمشروع قانون الهجرة المثير للجدل في بلادهم في اقناع حكومة إدوارد فيليب بالرجوع عنه وتعديله، فقد أقر البرلمان الفرنسي أول أمس الأربعاء مشروع هذا القانون. فهل تتعارض فرنسا مع مبادئها وتقاليدها في مجال حقوق الإنسان وتبدأ بطرد المهاجرين غير النظاميين؟
وعد انتخابي
هذا القانون الجديد الذي تمّ اقراره رغم الجدل الذي رافقه، من شأن بنوده أن تسهل على الحكومة الفرنسية، إجراءات تسريع وتيرة طرد عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم الأصلية، خصوصًا تلك التي تعتبرها فرنسا مستقرة سياسيًا وأمنيًا. وصوت لصالح المشروع أكثر من مئة عضو، في حين رفضه 25 وامتنع 11 عن التصويت.
ويمثلّ قانون “اللجوء وهجرة” تطبيقا لوعد انتخابي قطعه الرئيس إيمانويل ماكرون خلال حملة الرئاسيات في مطلع سنة 2017، فقد كانت الهجرة من المواضيع المحورية في حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي شهدت وصول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الدورة الثانية.
يمكن هذا القانون، مؤسسات الدولة الفرنسية من إتمام معاملات ترحيل أو طرد المهاجرين غير النظاميين بطريقة أسهل وأسرع
في 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكد ماكرون خلال مقابلة مع شبكة “تي إف 1” التلفزيونية أن حكومته ستشدد “القواعد بهذا الشأن”، مضيفا: “سيكون لدينا قانونا جديدا في مجال الهجرة واللجوء في مطلع 2018 (…) سنتخذ إجراءات أكثر قساوة وسنقوم بما يتوجب علينا القيام به”.
المصادقة على مشروع قانون “الهجرة” تؤكّد مضي الرئيس الفرنسي الشاب ماكرون في سياساته التي وعد به سابقا. وتؤكد وسائل إعلام فرنسية أن ماكرون قد أعطى الضوء الأخضر لوزير داخليته من أجل الإسراع في تطبيق جملة من الإجراءات التي تهدف إلى ترحيل المهاجرين الذين تتنافى مطالب لجوئهم مع الإجراءات المتخذة، إلى بلدانهم. وفي غرة نوفمبر/تشرين الثاني، وأمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ، برر إيمانويل ماكرون اعتماد هذه السياسة على اعتبارها “ثورة صغيرة” تتبناها حكومته.
استقبلت فرنسا خلال سنة 2017، أكثر من 100 طلب لجوء، وفقًا للمكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية، ومثلت ألبانيا المصدر الأول لطالبي اللجوء رغم كونها تعتبر دولة “آمنة” (7630 طلبًا)، تليها أفغانستان (5987) وهايتي (4934) والسودان (4486)، وفي حين بلغت زيادة أعداد طلبات اللجوء نسبة 17% تناقصت نسبة الموافقة عليها من 38% إلى 36%، وتعتبر فرنسا ضمن أبرز دول طلبات اللجوء في أوروبا بعد ألمانيا التي وصل العدد فيها إلى قرابة مئتي ألف طلب.
تسريع طرد المهاجرين
ترى الحكومة الفرنسية ومن ورائها قصر الإليزيه، أن الهدف من إقرار القانون الجديد الذي يحمل عنوان “هجرة مضبوطة ولجوء فاعل”، “جعل الهجرة مسيطرا عليها، وجعل حق اللجوء فاعلا، والاندماج ناجحا” إلى جانب الحد من “الهجرة الكثيفة وفي الوقت نفسه ضمان حق اللجوء المقدس في فرنسا“، وفق قولها.
وبموجب القانون الجديد ستخفض المهل المطلوبة للتقدم بطلب لجوء، فهو يهدف إلى جعل الفترة المطلوبة لدراسة ملف اللجوء والهجرة والرد عليه ستة أشهر بدلا من 11 شهرا حاليا، وذلك بهدف تسهيل طرد من ترفض طلباتهم، وتسريع استقبال من يستوفون الشروط.
ويمكن هذا القانون، مؤسسات الدولة الفرنسية من إتمام معاملات ترحيل أو طرد المهاجرين غير النظاميين بطريقة أسهل وأسرع مما كانت عليه سابقًا، حيث يحدد المدة الزمنية للمهاجرين للتقدم بطلبات اللجوء عند وصولهم إلى فرنسا، إذ بات لا يتمتع طالب اللجوء في فرنسا إلا بتسعين يومًا للتقدم بطلبه الرسمي، بعدما كانت 120 يومًا، ولم يُعط سوى أسبوعين للتقدم بطعن علمًا أن المدة الزمنية للحصول على موعد للتقدم بطلب الطعن تتعدى الشهر.
يحمل هذا القانون الجديد في طياته مقاربة أمنية بامتياز
فضلاً عن ذلك، ضاعفت السلطات في مشروع القانون الذي أعده وزير الداخلية جيرار كولومب، فترة احتجاز المهاجر إن رأت فيه خطرًا على أمن الدولة الفرنسية من 45 إلى 90 يومًا، مع إمكانية تمديد فترة التوقيف 15 يومًا إضافيًا، وهو ما يسمح بزيادة عدد المرحَلين بأكثر من الضعف بالنظر الى إطالة مدة الاحتجاز.
ويحرم القانون الجديد في إحدى مواده 30% من طالبي اللجوء من إمكانية البقاء على التراب الفرنسي إلى انتهاء القاضي من دراسة ملفاتهم وحتى من اتخاذ قراره، كما يمكن مشروع القانون قوات الأمن من القيام بمداهمات في مراكز إيواء ترعاها مؤسسات دينية أو منظمات غير حكومية، ويعطي الشرطة الفرنسية الحق في احتجاز مهاجر أو طالب لجوء بين 16 و24 ساعة، لحين التأكد من أوراقه الثبوتية.
انتهاك لحقوق الإنسان
هذا القانون يترجم في رأي معارضيه، إرادة الحكومة في ترحيل أكبر عدد ممكن من المهاجرين غير النظاميين، الذين ترفض ملفات حصولهم على اللجوء، حيث يقلًّص هذا القانون من فرص الحصول على اللجوء، ذلك أنه يضع عديد العراقيل التي من شأنها أن تؤدّي إلى رفض عدد كبير من طلبات اللاجئين.
ويرى عديد المعارضين لهذا القانون الذي من المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ اعتبارا من مطلع كانون الثاني/ يناير 2019، أن الحكومة الفرنسية شرّعت بهذا القانون الجديد عمليات الطرد المنتظرة في حق اللاجئين غير النظاميين. ويتأكّد ذلك من خلال التصريحات المتعاقبة لأعضاء الحكومة، التي يؤكّدون فيها مضيهم في تشديد اجراءات اللجوء، وفق قولهم.
انتهاكات كبيرة لحقوق اللاجئين في فرنسا
في الـ 18 يناير/كانون الثاني الماضي، قال وزير الدولة الفرنسي المكلف بالعلاقات مع البرلمان كريستوف كاستنير، وهو الناطق السابق باسم حكومة إدوار فيليب، إن فرنسا “تواجه فشلا في سياسة الاندماج” التي تتبعها في مجال سياستها المتعلقة بالهجرة، مضيفا أن “الإنسانية والبراغماتية لا تتعارضان”.
ويتنافى هذا القانون، وفق معارضيه داخل هذا البلد الأوروبي وخارجه، مع مبادئ وقيم فرنسا في مجال حقوق الإنسان، حيث يهدف إلى فرز المهاجر الجيد وغير الجيد، وذلك اعتمادًا على معيار الجنسية أو الحالة الإدارية لطالب اللجوء في فرنسا، حسب قولهم.
ويحمل هذا القانون الجديد في طياته مقاربة أمنية بامتياز، فهو يهدف إلى خلق نوع من الإحباط لدى اللاجئين حتى لا يكملوا عملية طلب اللجوء”، وهو ما يضع فرنسا في احراج كبير أمام المجتمع الدولي، خصوص دول الاتحاد الأوربي التي تدّعي حماية اللاجئين.