من يدفع نحو افتعال الأزمات بين تونس والجزائر؟

لئن عبرت تونس والجزائر، وفي أكثر من مناسبة، عن متانة الروابط بين الشعبين الشقيقين التونسي والجزائري، إلى تثمين ومباركة الثورة التونسية، وحرص الشعب الجزائري على مساعدة تونس عندما أصر الجزائريون في صيف 2015، ومباشرة بعد العمليتين الإرهابيتين في سوسة ومتحف باردو، على أن يعوضوا غياب السائح الأجنبي، فجاؤوا إلى تونس وامتلأت النزل السياحية في الحمامات وسوسة وجربة وطبرقة، بهم، وهو تأكيد أن الشعبين التونسي والجزائري، هما أقرب منهما إلى شعب البلد الواحد، لكن ذلك لم يمنع البعض، من هذا الطرف أو من ذاك أو حتى من الخارج، من افتعال أزمات بينهما، سريعًا ما يتم تجاوزها من طرف المسؤولين الذين يضعون حدًا لكل ما من شأنه أن يعكر صفاء العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
صحيفة “النهار” الجزائرية: “فنادق تونسية طردت عائلات جزائرية، وفرضت زيادات في الأسعار بنحو 30% واهتمت بالسائح الأوروبي أكثر من الجزائري”
تشعل وسائل الإعلام فتيل الأزمات، من خلال العمل على تضخيم تصريح بسيط من مدرب رياضي تونسي، مثلًا، انتقد ظروف الإقامة للرياضيين التونسيين في الجزائر، ليتحول هذا التصريح إلى “أزمة”، تتصدر عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية، حتى إن وزيرًا تونسيًا سابقًا، اعتبر أن “أطرافًا تروج لمثل هذه الإشاعات بهدف ضرب العلاقات التونسية الجزائرية”.
فمن يسعى إلى توتير العلاقة بين الجارتين الشقيقتين وافتعال الأزمات؟ وما الهدف من وراء ذلك؟
أزمات مفتعلة
آخر ما اصطلح على وصفه بـ”الأزمة” بين تونس والجزائر، بحسب صحف ومواقع إلكترونية، ما كان من الوفد الرياضي التونسي المشارك في الألعاب الإفريقية للشباب التي نظمتها الجزائر، فقد انتقد مدرب رياضي تونسي ضمن الوفد المشارك، ظروف إقامة الرياضيين التونسيين الذين أقاموا في مركب جامعي، وليس نزلًا.
هذا التصريح رد عليه وزير الشباب الجزائري محمد حطاب، ليتهم المدرب التونسي بـ”الفشل والهزيمة، وافتعال هذه الانتقادات للتغطية على فشله”.
قال موقع (TSA عربي) الجزائري: “عادت قضية طرد العائلات الجزائرية من الفنادق التونسية، لتثير استياءً كبيرًا لدى الجزائريين
وفي هذا الخضم من تبادل الاتهامات، تحدثت صحيفة “النهار” الجزائرية عن طرد فنادق تونسية لعائلات جزائرية، وفرض زيادات في الأسعار بنحو 30%، مؤكدة أن “قرار التونسيين جاء إثر عودة السياح الأوروبيين بعد سنوات من المقاطعة”، كما أن “وكالات الأسفار الجزائرية تكبدت خسائر بنحو 300 مليون سنتيم جزائري بسبب إلغاء الحجوزات”.
وأضافت “النهار” الجزائرية في تقرير تحت عنوان “فضيحة.. عائلات جزائرية تتعرض للطرد من نزل بسوسة التونسية”: “العديد من الفنادق وضعت تعليمات تقضي فيها برفض استقبال العائلات الجزائرية والتونسية، وأغلب الفنادق التونسية غيرت تعاملها مع السياح الجزائريين منذ عودة السياح الأوروبيين، وأصبحت تفضل التعامل مع السياح الأوروبيين عوض السياح التونسيين والجزائريين”، مؤكدة أن “المؤسسات الفندقية والسياحية أرجعت قرارها بوقف التعامل مع السياح الجزائريين بسبب سلوكيات هؤلاء التي أصبحت مرفوضة”.
من جهتها، قال موقع (TSA عربي) الجزائري: “عادت قضية طرد العائلات الجزائرية من الفنادق التونسية، لتثير استياءً كبيرًا لدى الجزائريين، عقب تداول نشطاء عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، لفيديو مصور لعائلات جزائرية تقف على أبواب فندق “دريم بيتش” في مدينة سوسة، بعدما تم منعهم من الدخول بحجة عدم وجود حجز مسبق من قبل وكالة السفر التي تنقلت تلك العائلات عن طريقها إلى تونس”.
وأضاف: “تؤكد تقارير إعلامية وأصداء من مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، تمادي متعاملي السياحة في تونس في سوء معاملتهم للسائح الجزائري”.
ردت إدارة فندق “دريم بيتش” على ما تم تداوله، مؤكدة في بيان لها، أن “الوكالة السياحية التي تعاقد معها السياح الجزائريون، لم تقم بأي اتفاق مع إدارة الفندق، ولم تقم بأي حجز لفائدة تلك العائلات”
وقال ذات الموقع: “تفاجأ الجزائريون، في الموسم الحاليّ، بتغير كلي في سياسة المتعاملين السياحيين التونسيين الذين ظهر جليًا تفضيلهم للسائح الأوروبي على السائح الجزائري، وهو ما تؤكده وكالات السياحة الجزائرية التي تجد صعوبة هذا الموسم في الحجز لزبائنها في الفنادق التونسية، بعدما تم بيع 80% من السوق التونسية للسائح الروسي والألماني، دون أدنى اعتبار لموقف الجزائريين في دعم السياحة التونسية خلال سنواتها الصعبة”.
وردت إدارة فندق “دريم بيتش” على ما تم تداوله، مؤكدة في بيان لها، أن “الوكالة السياحية التي تعاقد معها السياح الجزائريون، لم تقم بأي اتفاق مع إدارة الفندق، ولم تقم بأي حجز لفائدة تلك العائلات”، مضيفة أنها “لم تتعاقد مع أي وكالة جزائرية لموسم صيف 2018”.
من ناحيتها، أوضحت وزارة السياحة التونسية، في بيان لها، أن “أحد المكاتب الجزائرية للخدمات والسياحة أبرم اتفاقية شراكة مع وكالة أسفار تونسية، تتضمن إيواء مجموعة من السياح الجزائريين بنزل كائن بسوسة خلال الفترة الممتدة من 27 من يوليو/ تموز إلى 2 من أغسطس/آب الحاليّ، ونظرًا لعدم اتفاق الطرفين بشأن تعهدات كل طرف تجاه الآخر، تعذر إيواء العملاء الجزائريين لعدم وجود حجز مسبق بالنزل المذكور”.
وأضافت الوزارة “تابعت مصالح الإدارة الجهوية للسياحة بسوسة الوضعية إلى أن تم إيجاد حل لإيواء العملاء منذ اليوم الأول بأحد النزل بجهة القنطاوي بسوسة”.
اتهم رئيس الجامعة التونسية للنزل خالد الفخفاخ قنوات تليفزيونية جزائرية ببث تقارير مغلوطة عن تونس ويعتبرها “مجرد أكاذيب وافتراءات”
ووجهت وزارة السياحة التونسية دعوة إلى الجزائريين تحثهم فيها على ضرورة التأكد من توفر الحجز المسبق بالنزل المقصودة لتفادي مثل هذه الإشكاليات، وتوعدت بأنها متمسكة بتطبيق القانون بكل صرامة على كل الأطراف المهنية المخلة بالتزاماتها تجاه السياح.
الإساءة إلى الوجهة السياحية التونسية
اتهم رئيس الجامعة التونسية للنزل خالد الفخفاخ قنوات تليفزيونية جزائرية ببث تقارير مغلوطة عن تونس والترويج للسياحة في بلد آخر، وأضاف الفخفاخ لصحيفة “الشارع المغاربي” أن هذه التقارير “لا أساس لها من الصحة”، بل مجرد أكاذيب وافتراءات.
سياح جزائريون في تونس
ونفت الجامعة التونسية للنزل الأخبار التي تم ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المواقع الإلكترونية، عن طرد عائلات من فنادق تونسية خلال الموسم الحاليّ، كما نفت زيادة في الأسعار بنحو 30%، مشددة على أن الأسعار تبقى ثابتة وخاضعة للاتفاق الذي يتم توقيعه مع الوكالات السياحية، واستنكرت ما وصفته بـ”حملة الكذب التي تشن خلال الأيام الأخيرة، بهدف الإساءة إلى الوجهة التونسية للسياح الجزائريين.
من جهتها، أكدت ممثل الجالية الجزائرية في كل من إفريقيا والشرق الأوسط أميرة سليم، وفق (TSA عربي)، أنها “لم تتلق أي شكاوى من السياح الجزائريين”.
منتجع سياحي في تونس
وكذب مدير مكتب الديوان الوطني للسياحة التونسية في الجزائر، فؤاد الواد، بروز أي إشكالات للسياح الجزائريين في تونس، مؤكدًا ترحيب التونسيين بإخوتهم الجزائريين.
ولم ينف الواد في حوار على قناة “الشروق نيوز” الجزائرية، وجود مؤامرة، وافتعال أزمات بين تونس والجزائر، لتوجه السائح الجزائري إلى تونس لقضاء إجازته، وبالتالي قد تسعى دول منافسة لاستمالة السياح الجزائريين، لكنه لم يتهم أحدًا، وأكد أن هناك عوامل عديدة تجعل السائح الجزائري يجعل من تونس وجهة سياحية أولى، ومنها العلاقات التاريخية والقرب والحفاوة التي يلقاها الجزائريون في تونس.
الدكتور مقني لم يستبعد إمكانية اختلاق أزمات، بهدف فقدان الثقة المتبادلة بين التونسيين والجزائريين، من طرف بعض الدول، بغاية ضرب العلاقات التونسية الجزائرية
وقال الواد: “1.8 مليون سائح جزائري زاروا تونس خلال 2016، ليتطور العدد إلى 2.5 مليون سائح خلال 2017 من جملة 7 ملايين سائح زاروا تونس”، مضيفًا “خلال الستة أشهر الأولى من العام الحاليّ وحتى 30 من يونيو/تموز، بلغ عدد السياح الجزائريين نحو 905 آلاف”.
من أزمة الفنادق إلى أزمة المستشفيات
الأزمات بين تونس والجزائر لا تتوقف، حيت تحولت وجهة مفتعلي الأزمات إلى مستشفيات تونس، وذلك بعد أن تداول تقرير تليفزيوني مزاعم عن مواطنة جزائرية سُرقت كليتها في إحدى المصحات التونسية الخاصة، خلال خضوعها للعلاج، قبل أيام.
وقالت المواطنة الجزائرية إن الطبيب المشرف على حالتها، رفض تمكينها من ملفها الطبي، مشيرة إلى أنها تعاني من تكيس ووجود حصى في إحدى كليتيها.
وبدأ التشكيك في الطب التونسي، بينما تم اتهام المرأة بافتعال مشكل غير موجود، عندما أشارت إلى أنها ليست على علم باستئصال كليتها.
وأكد رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء منير مقني، لصحيفة “الرأي العام” التونسية، أنه تم التحري بخصوص قضية المواطنة الجزائرية، ليتبين أن الطاقم الطبي الذي أشرف على إجراء العملية اضطر إلى استئصال الكلية نتيجة تكيسها ووجود حصى فيها، ونفى أن تكون عملية سرقة ومتاجرة بكلية المريضة.
وشدد على أن الأطباء التونسيين يحظون بثقة المرضى الجزائريين الذين يتوافدون على المصحات والمستشفيات التونسية، ولا يجدون غير حسن القبول وحفاوة الاستقبال.
ولم يستبعد الدكتور منير مقني إمكانية اختلاق أزمات، بهدف فقدان الثقة المتبادلة بين التونسيين والجزائريين، من طرف بعض الدول، بغاية ضرب العلاقات التونسية الجزائرية، وتشويه صورة الطبيب التونسي والتشهير به لدى المريض الجزائري، وأكد أن تونس تشتهر بعمليات زراعة الأعضاء، وتستقطب سنويًا آلاف المرضى من دول عربية وإفريقية.
وكشفت وزيرة السياحة التونسية أن عدد السياح الجزائريين الزائرين لتونس تجاوز خلال الفترة من بداية العام وإلى غاية 20 يوليو الماضي، بنسبة 14% ما كان حققه في نفس الفترة من العام الماضي2017، وهو تأكيد أن تونس تبقى الوجهة السياحية الأولى المحبذة للسائح الجزائري.