أكبر دليل على استفحال ظاهرة الفساد في تونس، إعلان رئيس الحكومة منذ توليه منصبه ما أسماه “الحرب على الفساد” ولجوئه إلى إجراءات استثنائية لإيقاف المتهمين بما فيهم رجال أعمال معروفين وتصريحه أن الفساد صار يهدد الدولة والديمقراطية.
هذه الحرب للأسف تكاد تكون انطفأت بعد ذلك، حيث فسر البعض ذلك بكون هذه الحرب لم تكن إلا تصفية حسابات من شق له نفوذ في الدولة ومؤسساتها، وشق آخر، وهنا نتحدث عن أكثر رجال الأعمال نفوذًا في تونس وهما شفيق جراية الموقوف منذ أشهر بتهم تتعلق بالمس بأمن الدولة والعلاقة بجهات أجنبية.
والثاني كمال اللطيف الذي يسمى في تونس برجل الظل، هذه الشخصية معروف عنها كونها ممن صنعوا بن على وأوصلوه إلى السلطة قبل أن يحصل خلاف بينهما سببه الظاهري معركة بينه وبين زوجة الرئيس الأسبق ليلى الطرابلسي، لكن مع هذا هناك خفايا لم تبح بأسرارها بعد.
مقاومة الفساد في تونس لم تقتصر على إجراءات الحكومة بل امتدت إلى الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد التي يرأسها العميد السابق لهيئة المحامين شوقي طبيب
من هنا فإن تأكيد بعض الشخصيات السياسية المعارضة أن الحرب على الفساد التي أطلقها الشاهد ليست جدية وحتى إن كانت كذلك فالمواجهة صعبة جدًا بسبب التداخل بين السياسة والمال خاصة في حزب نداء تونس الذي انتقل إلى مؤسسات الدولة بما في ذلك مجلس نواب الشعب، فهناك نواب من النداء تحوم حولهم شبهات فساد وإثراء غير مشروع، لكن الحصانة البرلمانية والغطاء السياسي يمنعان محاسبتهم.
مقاومة الفساد في تونس لم تقتصر على إجراءات الحكومة بل امتدت إلى الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد التي يرأسها العميد السابق لهيئة المحامين شوقي طبيب الذي أطلق قبل فترة صرخة فزع عندما صرح أنه يخشى من أن تتحول تونس إلى دولة “مافيوزية” إن استمر الوضع كما هو عليه الآن.
هذه الهيئة كانت تعاني من مصاعب كثيرة تمنعها من أداء مهامها، منها قلة الإمكانات المادية المرصودة لها وغياب قانون يمنحها الصلاحيات اللازمة، لكن منذ أسابيع حلت هذه العراقيل لكن نسبيًا، فقد صرفت لها الحكومة تمويلاً خاصًا وأيضًا خصتها بعدة صلاحيات منها الضابطة العدلية، أي إمكانية إصدار أمر جلب واعتقال لكن على أن يكون بموافقة القضاء، ثم وهو الأهم مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع قانون الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح وهو ما صار يعرف في تونس بقانون “من أين لك هذا” .
تقارير المنظمات الدولية والداخلية أثبتت أن حجم الفساد في تونس زاد بشكل كبير بعد ثورة 2011
كل هذه الإجراءات تبقى نظرية بحتة، لأن الأهم منها مكافحة الفساد واقعيًا وعمليًا، أي تحويل تلك القوانين إلى خطوات ملموسة وهو ما لم يفعل بعد.
لكن مع هذا علينا أن نفهم طبيعة الفساد المستشري في تونس
للأسف الشديد فإن تقارير المنظمات الدولية والداخلية أثبتت أن حجم الفساد في تونس زاد بشكل كبير بعد ثورة 2011، فقبلها كانت مافيا الفساد مدعومة من السلطة والنظام ومنحصرة في عائلتي الرئيس بن علي وأصهاره، أي الطرابلسية، لكن بعد 2011 توسعت هذه الشبكة بشكل كبير ومخيف حيث ضخت الأموال الفاسدة في أحزاب ونخر الفساد أجهزة الدولة ومؤسساتها، وهذا بشهادة وإقرار الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد، لنصل اليوم إلى وضعية أقل ما يقال عنها كونها كارثية.
الوجه الآخر للفساد الذي تعاني منه تونس متعلق بالصفقات العمومية، حيث أكدت تقارير بما فيها هيئة مكافحة الفساد ودائرة المحاسبات أن 25% من قيمة هذه الصفقات يضيع على الدولة بسبب الفساد والتجاوزات
فالتجارة الموازية والتهريب يسيطران على أكثر من نصف الاقتصاد، ثم ليصل الفساد أيضًا إلى قطاعات حساسة مثل الصحة والأدوية، فبعد فضيحة دعامات القلب المغشوشة التي استخدمت في عمليات بمصحات خاصة ثم استقالة وزير الصحة حينها سعيد العايدي بعد ضغوط مورست عليه لأنه حاول فتح هذا الملف ومحاسبة الفاسدين، نصل اليوم إلى أن تشهد تونس لأول مرة منذ عقود نقصًا كبيرًا في الأدوية بما فيها المتعلقة بالأمراض الحياتية والخطيرة.
ومن أهم أسباب ذلك كون هذه الأدوية التي تقتنيها الدولة بالعملة الصعبة وتباع بسعر مدعم من الميزانية صارت تهرب إلى الخارج من عصابات لها أذرع في كل مكان، بما في ذلك في الصيدلة المركزية وهذا الملف مفتوح حاليًا وقد حصلت عمليات اعتقال وتوقيف لمتورطين لكن إلى حد الآن لم تكشف كل التفاصيل.
الوجه الآخر للفساد الذي تعاني منه تونس متعلق بالصفقات العمومية، حيث أكدت تقارير بما فيها هيئة مكافحة الفساد ودائرة المحاسبات أن 25% من قيمة هذه الصفقات يضيع على الدولة بسبب الفساد والتجاوزات.