أزال نظام الأسد مؤخرًا، اسم رجل الأعمال السوري محمد مرتضى الدندشي، من قائمته السوداء بعد أن ضمه إليها عام 2017 على خلفية الخلافات الحادة بين أسماء الأسد -زوجة بشار الأسد- ورامي مخلوف (ابن خال بشار) الذي يحسب الدندشي عليه. وكانت قد أصدرت وزارة المالية السورية عام 2013 قرارًا بمصادرة أمواله والحجز على كافة الأموال المنقولة وغير المنقولة بتهمة “تمويل العصابات الإرهابية المسلحة” وفقًا لقانون مكافحة الإرهاب، لكنها تراجعت عن قرارها ذاك بعد شهر واحد.
عُرف عن الدندشي دعمه للنظام عبر تقديم خدمات متنوعة للأفرع الأمنية في المناطق الريفية، وترميم عدد من المراكز الحكومية على نفقته الخاصة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011. كما كان العقل المدبر للكثير من المشاريع التجارية الضخمة من بينها مشروع “حلم حمص” الذي كان يهدف لاستملاك عدد من الأراضي بالتضييق على أصحابها، واستخدامه كواجهة اقتصادية لاستثمارات رامي مخلوف في دول الخليج، وتحديدًا في دولة الإمارات.
من هو محمد مرتضى الدندشي؟
يفخر الدندشي، وفق سيرته الذاتية التي ينشرها على موقعه، بأنه ينحدر من عائلة “عريقة” بمدينة تلكلخ بمحافظة حمص، وتحقيقه نجاحًا “سريعًا” في عالم الأعمال والتجارة في دولة الإمارات، حيث انتقل إليها عام 1994 بعد تخرجه من كلية الاقتصاد في جامعة حلب بفترة قصيرة. وتأسيسه شركة “الرمز” التي تعد أولى مشاريعه التجارية. وهي مؤسسة مالية “تقدم مجموعة واسعة من الخدمات بما فيها إدارة الأصول وتمويل الشركات والوساطة المالية والتداول بالهامش وتوفير السيولة”، حسب وصفه.
توسعت تجارته عام 2010 بعد شراء شركة “أبوظبي للاستثمار” 15% من أسهم “الرمز” عبر دمج وحدة الوساطة التابعة لهم، ومساهمة رامي مخلوف، في الشركة بنسبة 25% من رأس مال شركة “شام كابيتال” التي كانت قد تأسست قبل فترة قصيرة عام 2009. وهو ما نقل الدندشي من مرحلة التاجر المبتدئ إلى مالك لواحدة من كبرى الشركات الاستثمارية الإماراتية برأس مال قدّر عام 2014 بـ 150 مليون درهم.
استعان الدندشي بعد عام 2010 بعدة أفراد من عائلته لتسيير أموره المالية، وافتتاح شركات ومشاريع جديدة تحمل اسم عائلته، من بينهم شقيقه يوسف ومدير أعماله نضال الكردي. الذين لا يزالون حتى اليوم واجهة لمجموعة الدندشي الاستثمارية، والتي تقوم بمثابة الراعي الرسمي لكل مشاريع التطوير التي تقام في مدينة تلكلخ. إذ منذ استعاد النظام سيطرته على المدينة في حزيران 2013، قامت العائلة تحت رعاية مؤسسة الدندشي بافتتاح مستوصف “البر” للخدمات الطبية المجانية،التي كانت قد أغلقت عقب احتجاجات 2011.
كما أعاد فتح المدرسة “الشرعية” في حارة “البرج” وساهم في تعيين جميع مدرسيها من المؤيدين للنظام. كما دعم النشاطات الميدانية لفئة الشباب المنتسبين لحزب البعث، وتقديم منح دراسية لعشرات الطلاب سنويًا وإلحاقهم بمدارس وجامعات خاصة.
حجم نشاطه التجاري في دول الخليج
شغل الدندشي سابقًا عدة مناصب في شركات سعودية وإماراتية، من بينها عضو مجلس إدارة شركة “الاتحاد للتأمين” بين عامي 2013 و2019، وهي شركة مساهمة عامة مقرها الإمارات برأس مال قدره 331 مليون درهم. أيضًا كان عضو لجنة الاستثمار في شركة “اكسا جرين كريسنت” للعقارات السكنية بين 2018-2019. وعضو في مجلس الصناعة المالية منذ عام 2017.
دخل عام 2023 كشريك مساهم في شركة “دراية المالية”، للخدمات المالية السعودية في الرياض، لتوفير خدمات استثمارية في أسواق المال مثل تسهيل التداول “بهدف المساهمة في تطوير القطاع المالي لتحقيق رؤية المملكة 2030”.
كما حصل على تعيين من قبل شركة “الاتحاد العقارية” ليكون مسؤولًا عن توفير سيولة لأسهمها المتداولة في سوق الأسهم، عقب الحصول على الموافقة اللازمة من سوق دبي المالي في أكتوبر 2020.
على الجانب الآخر، يملك الدندشي أصول وشركات سورية بعوائد مالية تقدر بمئات الملايين، لكنه لا يعترف بها بشكل صريح ومباشر، حيث لم يتطرق في موقعه الشخصي ولقاءاته الإعلامية إلا إلى المشاريع والتجارب التي تنحصر في سوق المال الخليجي. بينما اقتصر ذكر سوريا في حديثه عن المساهمات الخيرية التي يقدمها لصالح سكان مدينة تلكلخ، معللًا بأنها “طريقته الوحيدة لدعم بلاده في محنتها انطلاقًا من إيمانه الراسخ بمبادئ التكافل الاجتماعي والمسؤولية الإنسانية”.
يأتي على رأس هذه الأصول:
- 99 حصة في شركة “سيف الاستثمارية” بنسبة 99% من قيمة الشركة.
- 195 حصة في شركة “دار الغاردينيا” بنسبة 65% من قيمة الشركةالتي يشغل فيها منصب مدير عام وشريك مؤسس.
- 36.000 حصة في شركة “شام كابيتال” أيّ ما يعادل 30% من أسهم الشركة.
- 400 حصة في شركة “الوطنية لتصنيع الخرسانة” وهو شريك مؤسس ورئيس مجلس الإدارة بنسبة 40% من قيمتها.
- 99 حصة في شركة “مجموعة الدندشي للاستثمار” بنسبة 96% كمدير مؤسس.
- 40 حصة في شركة “سما سوريا” بنسبة 4% من قيمتها.
- 34.000 حصة في شركة “بناء للاستثمارات العقارية” بنسبة 34% من قيمتها.
واجهة لرامي مخلوف
يشترك الدندشي مع رامي مخلوف في عشرات المشاريع الضخمة التي تسيطر على الاقتصاد السوري وتنهب من أموال السوريين منذ سنوات بطرق غير شرعية تحت غطاء استثمارات في البناء والتصنيع والاتصال. إذ شغل سابقًا منصب عضو في مجلس إدارة بنك “بيبلوس سورية” الذي تأسس في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 ويملك رامي مخلوف فيه أكثر من ثلاثة ملايين سهم، أي ما يعادل 5% من عدد الأسهم الكلي للبنك البالغ 61.2 مليون سهم.
كما يتواجد في سوريا سبعة مصارف لبنانية، يملك رامي مخلوف في كل منها مبالغ طائلة كانت تساهم في تشغيل أرباح شركاته قبل تفاقم الخلافات بينه وبين أسماء الأسد عام 2020 واستحواذها على قطاع الاتصالات. هي: بنك عودة سوريا BASY، بنك بيبلوس سوريا BBS، بنك سوريا والمهجر BSO، فرنسبنك سوريا FSBS، بنك الشرق (تابع للبنك اللبناني الفرنسي) SHARQ وبنك سوريا والخليج SGB.
رغم إدعاء إدارة هذه المصارف بأنها تتمتع “باستقلالية إدارية ومالية عن فروعها في سوريا ولديها مجالس إدارة منفصلة تمامًا عن المصارف السورية”، إلا أنه قد ثبت إيداع رامي مخلوف مبالغ كبيرة تحت اسم الدندشي في فرع دمشق لبنك “بيبلوس” اللبناني، في الوثائق الأمريكية المسربة عبر موقع ويكيليكس قبل أعوام. حيث اعتبرت الوثائق محمد مرتضى الدندشي أحد أبرز رجال الأعمال الذين ساهموا في تمويل النظام وغسل أمواله.
علاقة منفعة متبادلة
في ظل التقارب السياسي والاقتصادي الذي تشهده العلاقات السورية الخليجية، وبالأخص تطبيع العلاقات السريع مع دولة الإمارات مقارنًة بباقي الدول، من خلال سلسلة خطوات بدأتها في ديسمبر 2018 تمثلت بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق، وزيارة وزير الخارجية الإماراتي في 2021 ومن ثم زيارة الأسد للإمارات عام 2022، تطرح إزالة اسم الدندشي من القائمة السوداء للنظام عدة أسئلة حول ما إن كان بشار الأسد يحاول غسل صورته عبر شخصيات يمكنه الاستفادة منها في تسيير أعماله التجارية خارجيًا.
ويرجح أيضًا أن هذا التقارب يحقق منفعًة متبادلة للطرفين، ينال من خلالها الدندشي قطعة كبيرة من كعكة سوريا المقسّمة ويضمن لنفسه مكانة جديدة في المرحلة القادمة، فيما يحصل الأسد على ذراع خارجية تمدّه بالسيولة اللازمة وتنعش خزينته.