قبل سنة من الآن، قدم الملك المغربي محمد السادس نقدًا قاسيًا للنخبة السياسية وأنظمة الوساطة على خلفية حراك الريف، نقد لاذع أعقبه قرار بإقالة العديد من الوزراء من مناصبهم لفشلهم في تطبيق ما جاؤوا من أجله.
نفس الملك عاد مجددًا هذه السنة في ذات المناسبة وهي عيد العرش، منتقدًا فشل حكومة سعد الدين العثماني في العديد من المجالات، خاصة المجال الاجتماعي، ليقرر بعدها إقالة أحد وزراء السيادة وهو وزير الاقتصاد والمالية، ويلغي العطلة الوزارية لإتمام بعض مشاريع القوانين.
تقصير كبير
خطاب الملك الأول والثاني وما جاء بينهما من تصريحات متناثرة له، تؤكد فشل العديد من الوزراء في القطاعات الحساسة والإستراتيجية، كوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة والتشغيل والصحة والتعليم أيضًا في عملها، فهي لم تقدم الإضافة التي ترجى منها.
وانتقد العاهل المغربي في خطاب العرش السبت الماضي الأداء السياسي في البلاد، اذ أكد أنه غير راضٍ عن الطريقة التي تمارَس بها السياسة عمومًا، وقال إنه لا يثق ببعض السياسيين دون ذكر أحد بعينه، وأشار “هذا الوضع لا يمكن أن يستمر؛ لأن الأمر يتعلق بمصالح الوطن والمواطنين”.
قرار إعفاء وزير الاقتصاد والمالية ستعقبه قرارات أخرى تقضي بإعفاء وزراء آخرين
“سنتان من النقد الملكي والتنبيه لكن دون جدوى” يقول الباحث في العلوم السياسية رشيد لزرق في حديثه لنون بوست، ويرجع لزرق سبب ذلك إلى غياب الرؤية الإستراتيجية وضعف الموارد البشرية وعدم انفتاح الأحزاب على كفاءات جديدة، كون القيادات الحزبية الشعبوية أقصت الكفاءات واستحضرت الولاءات.
كل ذلك، يقول رشيد، إنه رهن الدولة وكان سببًا مباشرًا في فشل حكومة سعد الدين العثماني بعد أكثر من سنة من توليها الحكم في المملكة، وتضم الحكومة المغربية الحاليّة التي تشكلت في 5 من أبريل/نيسان الماضي برئاسة رئيس الوزراء سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي تصدر الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى كل من التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
إعفاءات قادمة
مطلع هذا الشهر أقال الملك محمد السادس وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد، في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي يحرص أن يطبق على جميع المسؤولين مهما بلغت درجاتهم، وكيفما كانت انتماءاتهم، وفق بلاغ صادر عن الديوان الملكي المغربي.
وقال خبراء إن هذه الإقالة جاءت نتيجة لما تضمنه تقرير بنك المغرب بشأن المالية العمومية، ومسؤولية وزارته في بروز مؤشرات مقلقة تتعلق بتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر وارتفاع نسبة البطالة وتفاقم المديونية.
يخشى العثماني أن يطاله الإعفاء
يمثل قرار إقالة بوسعيد المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرأسه رجل الأعمال عزيز أحنوش، رسالة قوية لكل الوزراء المقصرين في حكومة سعد الدين العثماني، فالعاهل المغربي يؤكد بهذا القرار أنه لن يتساهل مع أي مسؤول تفعيلًا للفصل الـ47 من الدستور.
قرار إعفاء وزير الاقتصاد والمالية ستعقبه قرارات أخرى تقضي بإعفاء وزراء آخرين، ويندرج ذلك وفق المتابعين للشأن المغربي في تقوية بناء الحكومة وإعادة ترتيب أولوياتها وبرامجها حتى تعود بالفائدة للمواطنين، كما تندرج ضمن مستلزمات الرؤية الاستباقية لمواجهة المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المقبلة.
ووفقًا لخطاب الملك الأخير بمناسبة عيد العرش، تنتظر المغرب أيام صعبة، فقد حرص محمد السادس على تأكيد ضرورة التلاحم والوحدة بين المواطنين والوقوف مع وطنهم، حيث بدأ خطابه بالإشارة العميقة للوحدة والتلاحم في كل الظروف والأحوال، ثم أكد “الوطنية الحقة تعزز الوحدة والتضامن، خاصة في المراحل الصعبة، والمغاربة الأحرار لا تؤثر فيهم تقلبات الظروف”، و”المغاربة الأحرار هم الذين يقفون مع وطنهم في السراء والضراء”.
استنفار حكومي
هذا النقد الملكي جعل حكومة العثماني في استنفار تام، فالكل يخشى أن يكون مصيرهم كمصير زميلهم في الوزارة محمد بوسعيد، خاصة أن الملك عازم على مواصلة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة والإطاحة بأسماء وزارية أخرى.
وعقب خطاب الملك عقد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية اجتماعًا وزاريًا بهدف وضع برنامج تنفيذي، حيث أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي أن العثماني توجه للوزراء بلغة حازمة مطالبًا إياهم وضع خطط عمل تنفيذية وتفصيلية ستكون موضع تتبع، ويتم رفعها للملك.
كما قرر رئيس الحكومة التراجع عن قرار العطلة الصيفية لجميع وزرائه، إذ أكد مصطفى الخلفي أن وزراء الحكومة لن يستفيدوا من عطلة الصيف لمباشرة العمل والانكباب على تنفيذ الأوامر الملكية التي صدرت في خطاب العرش، خصوصًا فيما يتعلق بميثاق اللامركزية وإعادة إصلاح وهيكلة مجالس الاستثمار.
الوزراء الأقرب للإقالة
المتتبع للشأن المغربي يلاحظ أن بعض الوزرات فشلت أكثر من الأخرى في القيام بعملها، لذلك يسهل التنبؤ بالوزراء الأقرب للإقالة على غرار وزير الشباب والرياضة الطالبي العلمي المنتمي لـ”التجمع الوطني للأحرار” (ليبرالي)، نتيجة طريقة تدبيره لملف ترشح المغرب لمونديال 2026.
وأحدث فشل المغرب في نيل شرف احتضان دورة كأس العالم لكرة القدم لسنة 2026، وفوز الملف الأمريكي المشترك بهذا الشرف، صدمة كبيرة في أوساط المغاربة، حيث كانوا يمنون النفس بنجاح ملفهم هذه المرة بعد أن فشل في 4 مرات سابقة، لكن ذلك لم يحصل.
هذه الإعفاءات إن تمت سترجح فرضية المضي قدمًا في تشكيل حكومة كفاءات في المملكة لتفادي الانهيار التام
إلى جانب الطالبي العلمي، يرى مغاربة أن محمد يتيم وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية المنتمي لـ”العدالة والتنمية” (إسلامي) مرشح للإقالة أيضًا بعد فشله في إنجاح الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية، خاصة أنه من شأن هذا الفشل أن يساهم في امتداد رقعة الإضرابات وإشعال الاحتجاجات التي تعرفها العديد من مناطق المملكة، في وقت من المفروض تحقيق السلم الاجتماعي بغاية تمويل النموذج التنموي والمرور إلى مرحلة التنمية الشاملة.
ورغم مرور أكثر من سنة على تشكيلها، لم تتمكن الحكومة المغربية بقيادة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني من تحقيق السلم الاجتماعي المطلوب في المملكة، ذلك أن العثماني عجز إلى الآن عن إيجاد الحلول الكفيلة لشراء السلم الاجتماعي في بلاده، ما ساهم في تنامي الحركات الاحتجاجية التي أبدع المغاربة في ابتكارها.
فضلاً عمن سبق ذكرهم، يرجح إعفاء وزير الإصلاح الإداري محمد بنعبد القادر المنتمي للحزب الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري)، نتيجة عدم كفاءته في القانون الإداري وضعف ديوانه الحزبي، ويقول رشيد لزرق إن فشل هذا الوزير جاء نتيجة اتباعه سياسة الولاء للحزب أكثر من المشروع الحكومي، حيث قام المشرفون على وضع ميثاق اللامركزية بعملية نسخ حرفي لنماذج أوروبية دون مراعاة الواقع المغربي.
العديد من الوزراء ينتظر إقالتهم في المغرب
يؤخذ هذا الوزير فشله في وضع مشروع ميثاق اللامركزية الإدارية، في الوقت الذي تسعى فيه التوجيهات الملكية إلى تمكين المصالح الجهوية والمحلية من جملة من الاختصاصات، مع ضرورة تنشيط المصالح اللامركزية على مستوى العمالات والأقاليم، وتدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية.
ويعتبر ميثاق اللامركزية الإدارية ضرورة ملحة، من أجل ضمان تنمية جهوية حقيقية وتسهيل عمل المجالس الجهوية وتحقيق طفرة مهمة في تثبيت الديمقراطية الترابية عبر تفويض السلطة من الإدارة المركزية إلى المصالح المحلية والجهوية، فاللامركزية لا يختزل فقط في المقاربة الكلاسيكية، في وجود مصالح في الجهات التابعة للإدارات المركزية وفق تسلسل بيروقراطي متطور، بل بأعضاء مصالح السلطات والإمكانات من أجل تسريع وتيرة التنمية بالجهات، وفق رشيد لزرق.
الوزير الرابع المنتظر إعفاؤه هو لحسن الداودي وزير الحكامة الذي طالب بإعفائه من منصبه قبل أشهر، بعد الضجة التي أثيرت بشأن مشاركته في وقفة لمستخدمي شركة “سنطرال دانون” أمام البرلمان المغربي، وما زال الداودي إلى الآن يقوم بمهامه الحكومية بشكل عادي، ويتوقع أن تشمله موجة الإعفاءات.
حكومة كفاءات
هذه الإعفاءات إن تمت سترجح فرضية المضي قدمًا في تشكيل حكومة كفاءات في المملكة لتفادي الانهيار التام، حيث حذرت دراسات عديدة من إمكانية تجدد الاحتجاجات في البلاد نتيجة الفشل في احتوائها وتحقيق مطالب المحتجين.
من المنتظر أن يفعّل العاهل المغربي محمد السادس صلاحياته الدستورية
وتتأكد هذه الفرضية بالنظر إلى الاختلاف الكبير بين الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم في البلاد، اختلاف أدى إلى نشوب أزمة تسبب عرقلة عمل الحكومة الأمر الذي انعكس سلبًا على المواطنين في المملكة المغربية.
من شأن هذه الأزمة بين أطراف الائتلاف الحاكم في حال تواصلها أن تسبب حسب متابعين للشأن العام في المملكة زيادة تأزم الوضع في البلاد وارتفاع حدة الاحتقان الاجتماعي في مناطق مختلفة من المملكة، فمكونات الائتلاف مهتمة بمشاكلها والصراعات بينها، دون أن تولي أي اهتمام لمشاكل المواطنين، لذلك فإن فرضية حكومة كفاءات هي المطروحة الآن.
ويتوقع خبراء أن تتمدد رقعة الاحتجاجات الشعبية أكثر هذه السنة، خصوصًا أنها تتخذ مطالب اجتماعية محضة رافعة لها، من قبيل رفع التهميش وإرساء التنمية أو المطالبة بالتحقيق في عدم تنفيذ مشاريع ملكية أو الشكاوى من ارتفاع أسعار الماء والكهرباء أو ندرة الماء الصالح للشرب، وغيرها من المطالب.
لتفادي ذلك، من المنتظر أن يفعّل العاهل المغربي محمد السادس صلاحياته الدستورية ويقيل الحكومة ويأمر بتشكيل حكومة أخرى، يكون للكفاءات والشخصيات المستقلة الحضور الكبير فيها، ويسند للعثماني مهمة تشكيلها حتى لا تعتبر تجاوزًا لانتخابات 2017.