ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما قال الملحق العسكري الصيني المتمركز في تركيا، في 28 تموز/ يوليو، إن التعاون بين الجيشين التركي والصيني سيحقق “نتائج مثمرة”، يبدو أن كلماته لم تفلت من إخطار الدوائر الدفاعية. وقد ألقى الجنرال تشن تشينغ سونغ خطابا بمناسبة إحياء الذكرى الواحدة والتسعون لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني، الذي عقد في السفارة الصينية في أنقرة.
في هذا الإطار، هنأ الملحق العسكري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوزه في الانتخابات يوم 24 حزيران/ يونيو، مؤكدا أن إعادة انتخابه ستساعد على تقوية الروابط بين البلدين. وقد سجلت هذه المناسبة حضور العديد من الدبلوماسيين والسياسيين رفيعي المستوى، وقادة القوات المسلحة التركية، وهو ما اعتُبر أمرا ملحوظا.
في هذا السياق، أشار الملحق العسكري إلى أن أكثر من 37 ألف فرد من الجيش الصيني قد شاركوا في مختلف عمليات السلام في جميع أنحاء العالم خلال الثماني والعشرين سنة الماضية. وأضاف الملحق العسكري الصيني أن جيش التحرير الشعبي الصيني يشارك بفعالية في عمليات السلام التابعة للأمم المتحدة، مشيرا إلى أن الصين قدمت أكبر عدد من الجنود وكانت ثاني أكبر مساهم في هذه العمليات من الناحية المالية، وذلك بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي.
أفادت به مصادر دبلوماسية تركية لموقع “المونيتور”، ناقش المسؤولون الأتراك والصينيون خلال اجتماعهم في جوهانسبرغ كيفية تعزيز التعاون بين البلدين في قطاعي الدفاع والأمن
بالنسبة للعلاقات بين الصين وتركيا، صرح تشن تشينغ سونغ بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التقى مؤخرًا بنظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة البريكس التي عقدت في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، مشيرا إلى أن الزعيمين غالبا ما يجريان محادثات هاتفية. وقد أكد الملحق العسكري أن “العلاقات بين البلدين تتطور بشكل إيجابي، خاصة أن استراتيجية تركيا المركزية التي تهدف إلى ربط أوروبا بآسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان والصين، تتطابق مع مبادرة “الحِزام والطرِيق” الصينية.
وفقا لما أفادت به مصادر دبلوماسية تركية لموقع “المونيتور”، ناقش المسؤولون الأتراك والصينيون خلال اجتماعهم في جوهانسبرغ كيفية تعزيز التعاون بين البلدين في قطاعي الدفاع والأمن. وتشير الزيارات المتكررة والمحادثات بين الجانبين إلى رغبة البلدين في توسيع علاقاتهما الاقتصادية والأمنية والدفاعية. وقد نظم وفد عسكري صيني برئاسة المفوض السياسي لمعهد الحرب المشتركة التابع لجيش التحرير الشعبي في جامعة الدفاع الوطني، اللواء ليكن تشو، زيارة لجامعة الدفاع الوطني التركي يوم 26 تموز/ يوليو الماضي.
حسب ما أكدته هذه المصادر، من المقرر أن يزداد عدد الاجتماعات رفيعة المستوى بين الجيشين الصيني والتركي في الأشهر المقبلة. وستشمل هذه المناقشات تعزيز التعاون في مجال التعليم العسكري المهني، والتدريب العسكري، وصناعة الدفاع، والإرهاب، وتشارك المعلومات الاستخبارية، والأنظمة الروبوتية، والذكاء الاصطناعي، والحرب السيبرانية. وسيكون هناك بعض المشاريع المشتركة التي يعمل فيها المهندسون الأتراك والصينيون معا لتعزيز التعاون على مستوى الدفاع.
حسب وجهة نظر ألتاي أتلي، وهو خبير تركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وباحث في مركز إسطنبول للأبحاث السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول، ينبغي اعتبار الصين من بين كبار الشركاء الاقتصاديين لتركيا
في شهر مايو/ أيار الماضي، حضر عدد كبير من الضباط الصينيين تمرينات “أفسيس” العسكرية لسنة 2018، التي عقدت في مدينة إزمير، كمراقبين. وذكرت بعض المصادر أن الضباط الصينيين قد أعربوا عن اهتمامهم بالتقنيات العسكرية الجديدة التي عرضتها القوات المسلحة التركية خلال المناورات.
حسب وجهة نظر ألتاي أتلي، وهو خبير تركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وباحث في مركز إسطنبول للأبحاث السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول، ينبغي اعتبار الصين من بين كبار الشركاء الاقتصاديين لتركيا. وحيال هذا الشأن، صرح أتلي لموقع المونيتور بأن “الصين تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتعمل على إبراز قوتها الاقتصادية لبقية العالم من خلال ما يعرف بمبادرة “طريق الحرير الجديد”.
في الوقت الحالي، تعتبر الصين أهم مصدر لعجز الميزان التجاري التركي والحساب الجاري. لكن التوقعات المستقبلية هي العامل المهم في الوقت الراهن، حيث تتوقع تركيا أن تصبح الصين مصدرا رئيسيا للاستثمار والتكنولوجيا بالنسبة لاقتصادها الخاص. ومن ناحية أخرى، تعد تركيا أيضا وجهة مهمة بالنسبة للصين نظرا لتواجدها في مركز مبادرة “طريق الحرير الجديد”. وقد أكد أتلي أن العلاقة التي تجمع بين الصين وتركيا تقوم على مصالح متبادلة، ويتوق كلاهما إلى مزيد تطويرها في المستقبل.
وفقا لأتلي، لن تكون التجارة وحدها كافية لضمان التعاون المستدام والمثمر بين البلدين، “بل يجب عليهما أن يعملا على تطوير هذه الروابط، ويحوّلا علاقتهما التجارية إلى تعاون متعدد الأبعاد. ونظرا لأن كلا الطرفين يتطلعان إلى إقامة شراكة إستراتيجية، لن يكون العامل الاقتصاد وحده كافيا لتعزيز هذه الشراكة. ويمكن أن يساعد التعاون الأمني والعسكري، بما في ذلك التعاون في مجال الدفاع، كلا من تركيا والصين على التعامل بفعالية مع قضاياهم المشتركة الأمنية، على غرار الإرهاب، وتعزيز أسس علاقتهما”.
المجتمع الدولي سيشهد المزيد من التعاون العسكري المكثف بين أنقرة وبكين في الأشهر المقبلة
إلى جانب ذلك، أشار أتلي إلى أن التعاون التركي الصيني في المجال العسكري ليس حديثا. وقد أورد أتلي أنه “خلال سنة 2010، أجرت القوات الجوية الصينية والتركية تدريبات مشتركة تحت مسمى “مناورات نسر الأناضول”. وقد جمعهما تعاون في مجال الدفاع منذ تسعينيات القرن الماضي، على الرغم من أنه كان متواضعا مقارنة بتعاون تركيا في هذا المجال مع حلفاء الناتو”. كما أكد أتلي أنه يتوقع المزيد من التعاون الشامل بين الجانبين في مجالات الدفاع والأمن في الأشهر والسنوات القادمة.
من الواضح أن المجتمع الدولي سيشهد المزيد من التعاون العسكري المكثف بين أنقرة وبكين في الأشهر المقبلة. لكن السؤال المطروح، كيف ستنظر البلدان الغربية إلى هذا النوع من التطور في العلاقات بين تركيا والصين، وخاصة واشنطن، في حين تعمل إدارة ترامب على تصعيد موقفها من الحرب التجارية ضد الصين، في الوقت الذي تسببت فيه علاقات تركيا المتنامية مع روسيا في إحداث توترات كبيرة في العواصم الغربية.
المصدر: المونيتور