أحدثت زيارة وفد من مجلس سوريا الديمقراطية (الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا في سوريا) لدمشق واللقاء بممثلين عن النظام السوري المدعوم من روسيا الاتحادية وإيران، ضجة واسعة إعلاميًا، إذ تعتبر هذه الزيارة التي أعلنها المجلس خطوة أولى في الطريق لإجراء مفاوضات مع النظام السوري بشأن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشمال شرق سوريا أي محافظة الحسكة والرقة وأجزاء من ريف محافظة دير الزور التي سيطرت عليها بعد معارك مع تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي ضد التنظيم.
زيارة وفد “مسد” بين رفض وقبول
جاءت ردود الفعل عن هذه الزيارة متفاوتة بين مؤيد لها بدعوى أنها ستجنب المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية مصيرًا مشابهًا لمصائر باقي المناطق التي زحف تجاهها جيش النظام السوري وميليشياته بدعم جوي روسي في كل من حلب ودرعا وغيرها من المناطق السورية التي بات النظام يسيطر عليها اليوم بعد معارك ضارية، خاصة أن رئيس النظام السوري بشار الأسد كان قد توعد قبل أشهر قوات سوريا الديمقراطية بأنها ستواجه الخيار العسكري ما لم ترضخ لخيار المفاوضات حسب ما أعلن.
حسب ما تكشف من معلومات تبين أن العملية كانت عبارة عن لقاء من الوفد الممثل لمجلس سوريا الديمقراطية مع مدير مكتب الأمن القومي علي مملوك، والنقاش لم يكن تفاوضيًا بل كان ضمن سياق نستطيع أن نسميه تحديد خطوط عريضة للتنسيق بين الطرفين
بينما جاءت ردود الفعل الرافضة لهذه العملية بأن نتائج المفاوضات مع النظام ستكون بعودته إلى المنطقة وبسط قبضته الأمنية والعسكرية عليها، ما سيؤدي إلى ملاحقة المئات من أبناء المنطقة أمنيًا، إذا ما أخذ بعين الاعتبار أن معظم من يقطن في هذه المنطقة من الذين خرجوا ضد النظام وهتفوا بإسقاطه، عدا عن أن التوصل لاتفاق بين الطرفين يعني أن النظام سيعد العدة للهجوم على محافظة إدلب الذي بات النظام يلوح به في أكثر من مناسبة بعد أن دانت له الكثير من المناطق في سوريا.
هل كانت مفاوضات فعلية أم اتفاق على تنسيق بدرجة معينة؟
في البداية كان الحديث عن مفاوضات جادة وفعلية حسب مفهوم المفاوضات بين قوتين في الأعراف السياسية، أي وفد مقابل وفد وحسب درجة التمثيل أيضًا، لكن لاحقًا وحسب ما تكشف من معلومات تبين أن العملية كانت عبارة عن لقاء من الوفد الممثل لمجلس سوريا الديمقراطية مع مدير مكتب الأمن القومي علي مملوك، والنقاش لم يكن تفاوضيًا بل كان ضمن سياق نستطيع أن نسميه تحديد خطوط عريضة للتنسيق بين الطرفين في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
في وقت كشفت فيه الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد في إطلالة لها على قناة روسيا اليوم بأن النقاشات كانت في هذا اللقاء متمحورة حول عموميات وخطوط عريضة دون الخوض بالتفاصيل، والنتيجة الأوضح لهذا اللقاء كان بتشكيل لجان تكون من مهامها الخوض في جميع التفاصيل والنقاط المطروحة للتفاوض.
تجري هذه المحادثات بين النظام السوري ومجلس سوريا الديمقراطية في وقت تتوزع في مناطق سيطرة الأخيرة قواعد عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبرها النظام السوري قوات احتلال ووجودها ضمن الحدود السورية غير شرعي
بطبيعة الحال كل ما تسرب ونوقش عن هذه الزيارة معتمدة على تصريحات أعضاء وفد مجلس سوريا الديمقراطية وبعض الوسائل الإعلامية المحسوبة على النظام السوري، فالنظام السوري حتى الآن لم يصرح بشكل رسمي عن المحادثات التي جرت في دمشق.
الولايات المتحدة الأمريكية شجعت على التفاوض مع النظام
تجري هذه المحادثات بين النظام السوري ومجلس سوريا الديمقراطية في وقت تتوزع في مناطق سيطرة الأخيرة قواعد عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية التي يعتبرها النظام السوري قوات احتلال ووجودها ضمن الحدود السورية غير شرعي، والولايات المتحدة الأمريكية داعمة رئيسة لقوات سوريا الديمقراطية، والمستنتج من هذه المعادلة أن الزيارة التي قام بها مجلس سوريا الديمقراطية إن لم تكن بدفع أمريكي مباشر ستكون بموافقة أمريكية، وذلك وفقًا لتوافق روسي أمريكي درءًا لأي صدام بين حليفي الطرفين الدوليين محليًا، خاصة بعد التوافق الذي شهدناه في قضية الجنوب السوري والاتفاق على تسهيل سيطرة النظام السوري على المنطقة.
لم ترتق النقاشات بين الطرفين حتى الآن لمستوى المفاوضات، وتبقى جل الاحتمالات قائمة
أيضًا يجدر بالذكر أن التحالف الأمريكي مع قسد لم يتعد في أي مرحلة من المراحل الدعم العسكري في محاربة تنظيم الدولة فقط، فحتى الآن ليس هناك اعتراف سياسي أمريكي بالإدارة الذاتية المعلنة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، كما أن الموقف الأمريكي كان واضحًا في معركة عفرين، حين أعلنت بصراحة أن مهمتها في سوريا محاربة داعش، وعفرين ليست ضمن نطاق عمليتها، فيما فهم حينها أنه خذلان أمريكي لحليفها السوري قوات سوريا الديمقراطية.
من الضامن؟
إذا ما افترضنا جدلًا أن ما يجري الآن فعلًا عملية تفاوضية بين طرفين متنازعين، فمن المتعارف عليه أن هكذا مفاوضات تجري بوجود ضامن لهذه العلميات، وإلا فمن السهولة بمكان أن يتنصل أي من الطرفين من الاتفاقات التي من الممكن أن تحدث في حال تغيرت موازين القوى، وهذا ما لم يحدث حتى الآن فعليًا، وهذا ما يجعل باب التكهنات والاحتمالات مفتوحًا على مصراعيه، سواء بفشل محاولة الطرفين لإطلاق عملية تفاوضية حقيقية، وهذا سيكون له نتائج قد تصل لحد الصدام العسكري، طالما أن النظام أبقى هذا الاحتمال مفتوحًا منذ البداية، أم نكوث أحد الطرفين بتعهداته في أي مرحلة مقبلة، إذا ما أخذنا بالحسبان أن هناك مسارات أخرى للحل في سوريا لا تزال مستمرة وأهمها مسار أستانة العسكري الذي ترعاه كل من روسيا وإيران وتركيا، أو مسار جنيف المدعوم من الأمم المتحدة.
في مطلق الأحوال، لم ترتق النقاشات بين الطرفين حتى الآن لمستوى المفاوضات، وتبقى جل الاحتمالات قائمة في بلد أحالته الحرب المستمرة منذ سبع سنوات قابلًا لاحتضان الأسوأ وغير الاعتيادي، ويبقى المدنيون في هذه المناطق حائرين في المصير المرتقب، في لعبة هم وبلدهم عبارة عن كرة يلهو بها أبناء قادة العالم.