لفصل الصيف مكانة خاصة لدى التونسيين، عمومًا، فهو فصل الراحة والاستجمام والرحلات وحفلات الأعراس أيضًا، ففصل الصيف يقترن بتنظيم حفلات الأعراس في مختلف المناطق التونسية التي تختلف فيها العادات والتقاليد التي ترافق مراحل ترتيبات الزواج لدى أهل العريس والعروس.
ومن حين لآخر، تبرز بعض الحالات التي يعتبرها أغلب التونسيين نشازًا في تصرفات العريسين خلال حفل زفافهما، لكن سكان الأرياف والجهات الداخلية في وسط تونس وجنوبها يفتخرون بمحافظتهم على عاداتهم القديمة في الزواج، تميزًا وتمسكًا بتراث الأجداد وأصالتهم برغم نسمات الحداثة والتغيير التي لم يسلم منها تراث أو ثقافة.
يرافقكم “نون بوست” في هذا التقرير في جولة عبر عدد من جهات تونس، ويطلعكم على عادات هذه الجهات وتقاليدها في حفلات الأعراس، عادات قديمة صمدت، وأخرى حديثة أطلت بقوة ففرضت نفسها على شباب اليوم الباحث عن التفرد والبروز والشهرة، غير عابئ بما تخلفه العادات الجديدة من استنكار يصل درجة الاحتقار.
“الجحفة” في جزيرة الأحلام
جزيرة الأحلام جربة، جنوب شرقي تونس، جزيرة تتميز أساسًا بجمالها وهدوئها وتنوع معالمها التاريخية، وهو ما جعل منها قبلة السياح من مختلف دول العالم للاستجمام والراحة، حيث تضم أكثر من 120 نزلًا سياحيًا، على طول شاطئها الممتد، فيقضي فيها أشهر الفنانين والسياسيين وملكات الجمال إجازاتهم.
مدينة جرجيس، تتميز أعراسها بتنظيم سهرة “البرنوس” وهو عبارة عن غطاء يستعمله الرجال في فصل الشتاء للتوقي من البرد القارس، يتم إلقاؤه وسط المحفل، ويرمي المدعوون من أقارب العريس وأصدقائه ومعارفه، أوراقًا نقدية في “البرنوس”
رغم الطابع السياحي لجزيرة جربة، فقد حافظ أهلها على عاداتهم وتقاليدهم في حفلات الأعراس التي تتميز بها عن غيرها من باقي الجهات التونسية، فقبل إعلان بداية مراسم حفل الزفاف، “تحجب” العروس، أي أنها لا تغادر غرفتها قبل نحو أسبوع، وترتدي طوال هذه الفترة ملابس بيضاء مع تغطية الوجه، ويرش على وجهها ماء الورد حتى يزداد جمالًا ونضارة.
تقول لطيفة: “مع انتهاء فترة “الحجبة”، أي قبل بداية مراسم العرس بيوم واحد، تخرج العروس صحبة مجموعة من الفتيات وخلفهن عدد من النسوة، وهن يزغردن ويغنين في انتشاء، بينما تطوف العروس حول شجرة الزيتون القريبة من المنزل، حيث تشتهر جزيرة جربة بأشجار الزيتون، وبعصا تقطعها من تلك الشجرة، وخلال طوفانها، تضرب أي شاب أو شابة تمر بقربها، داعية إياهم إلى التعجيل بالزواج”.
وتضيف: “لا تقتصر مراسم حفل الزفاف في جزيرة جربة على “الحجبة”، بل يحافظ أهالي جربة على عادة “الجحفة” أو الهودج، فالعروس لا تذهب إلى بيت زوجها في سيارات فارهة، بل تركب “الجحفة” التي يحملها جمل “مؤدب”، يقوده “خادم” أي رجل أسود البشرة، بينما يصحبها النساء والرجال، من الخلف، وهم يغنون متابعين لفرقة فولكلورية شعبية، تقوم بين الحين والآخر، برقصة في الشارع بين صياح الشبان وأغاني النساء، في موكب بهيج لا يخلو من بساطة وتميز”.
وقريبًا من جزيرة جربة، وفي شبه جزيرة جرجيس التي تعرف بوجود أعداد كبيرة من المهاجرين الذين يعودون في فصل الصيف للزيارة والاستجمام وحضور الأعراس، وأغلبهم من الميسورين.
في مدينة جرجيس التي تتميز نساؤها باللباس التقليدي، حتى خلال قيادة السيارات، تتميز أعراسها بتنظيم سهرة “البرنوس”، وهو عبارة عن غطاء يستعمله الرجال في فصل الشتاء للتوقي من البرد القارس، يُلقى وسط المحفل، ويرمي المدعوون من أقارب العريس وأصدقائه ومعارفه أوراقًا نقدية في “البرنوس” خلال كامل السهرة التي تختتم بجمع المبلغ المالي، الذي يجده العريس سندًا له لتغطية مصاريف الزفاف، وتكون أهمية المبلغ وضخامته، بمدى معرفة العريس وأهله وكثرة أصدقائه.
عروس تونسية
عاصمة الحناء.. “الحنانة” و”قفة العروس”
تنفرد مدينة قابس، جنوب شرقي تونس، بمزارع الحناء، وهي السوق الأكبر لهذه المادة التي يتم عرضها في “سوق جاره” الذي تزوره العروس قبل حفل زفافها للتزود بالحناء و”العلاقة” أو “قفة العروس”، التي يقول عنها لطفي المرابط أحد تجار السوق، إنها القفة التي تحمل فيها العروس كل ما يلزمها من حناء وبخور وعطور وسواك وغيرها من مواد التجميل، إلى جانب الفواكه الجافة بأنواعها، من فستق وحلوى ولوز وزبيب.
ورغم استعمال “الحرقوس” وهو نوع من الحناء الاصطناعية ذات اللون الأسود، فإن العروس، في هذه الجهة، لا يمكن أن تحتفل بزفافها وتصل إلى بيت الزوجية، دون أن تكون مخضبة بالحناء، وهي من اختصاص “الحنانة” التي تبدع في ابتداع أشكال تستعملها في يدي ورجلي العروس.
تقول سميرة وهي “الحنانة”: “منذ أكثر من عشرين سنة، أقوم بدور الحنانة، وأتفنن في أن تخرج العروس في أبهى مظهر وجمال”، وتضيف سميرة “عرائس اليوم يختلفن كثيرًا عن العرائس قبل عشرين سنة، فاليوم، تطالب العروس بأن يقع التركيز على الأشكال، أكثر من عملية تخضيب اليدين أو الرجلين بالحناء، وبالتالي فأنا أستعمل كذلك “الحرقوس”، إلى جانب الحناء، وهو أسود، كأنه حبر صيني، للنقش وكتابة بعض الحروف أو الأسماء بطلب من بعض العرائس”، وتشير سميرة إلى أن “عرائس الأمس أكثر جمالًا والتزامًا”.
الحنة القابسية
عرس صفاقس و”القفز على الحوت”
بهدف حماية العروسين من الحسد وإبعاد “العين” عنهما، يشهد حفل الزفاف في مدينة صفاقس، عادة فريدة تتميز بها “عاصمة الجنوب” التي تبعد عن العاصمة التونسية بنحو 250 كيلومترًا، وتتمثل في “تنقيزة الحوت”، أي أن العروسين يقفزان على سمكة كبيرة يتم تجهيزها للغرض، فحفل الزفاف، يتم في سهرة في أفخم فنادق المدينة، وبحضور مئات من المدعوين، من الأقارب والأصحاب والجيران.
وتتخلل سهرة التنشيط من طرف فرقة موسيقية، فقرة تخصص لــ”تنقيزة الحوت”، فأهل العريس يجهزون سمكة كبيرة من نوع “المناني”، وتوضع في آنية جميلة، وتزين بشرائط ملونة، ويوضع الطبق أمام العروسين، حيث تقوم العروس، أولًا، بالقفز على طبق السمك، سبع قفزات، جيئة وذهابًا، وهي تمسك بيد العريس الذي يقوم بدوره بسبع قفزات، أي خطوات فوق طبق السمك، وتصاحب النساء العريسين في أثناء القفز، بأغنية تقليدية “نقز على الحوت”، وهي عادة يحافظ عليها “الصفاقسية”(نسبة إلى مدينة صفاقس)، تيمنًا وبركًا، وإبعادًا لشبح الحسد وعيون الحساد.
جوهرة الساحل .. “الجلوة” و”ليلة النجمة”
في جوهرة الساحل التونسي، مدينة سوسة، على بعد 160 كيلومترًا جنوب تونس العاصمة، مدينة سياحية لا يتوقف فيها النشاط، طوال الليل وأطراف النهار، على شاطئ “بوجعفر”، الممتد قبالة عشرات الفنادق السياحية الراقية التي تغص بآلاف السياح.
بالنسبة للعريس، وقبل “ليلة الدخلة”، تقام سهرة إلى ساعة متأخرة من الليل، يطلق عليها “ليلة النجمة”
وتتميز مراسم حفلات الزواج في سوسة الجميلة، بـ”الجلوة” التي تتمثل في عملية نقل جهاز العروس إلى بيت الزوجية، وذلك في حفل تجلس فيه العروس على مقعد وثير، وهي ترتدي لباسًا أحمر اللون، وتغطي وجهها بغطاء أحمر، وتقوم “الحنانة” بمعاودة عملية الحناء وتخضيب العروس بها حتى تظهر أكثر جمالًا، ويتجلى جمالها ونضارتها للجميع.
وخلال “الجلوة” تقوم “الحنانة”، وكذلك قريبات العروس وصديقاتها، بتعداد مناقبها ومحاسنها، وماذا قدمت لكل واحدة منهن خلال فترة عزوبيتها، وتحرص العروس على حضور قريباتها خلال “الجلوة” حتى لا تخسر بعضًا من المناقب الجميلة التي تتمتع بها، دون أن تصل إلى آذان المدعوات.
أما بالنسبة للعريس، وقبل “ليلة الدخلة”، تقام سهرة إلى ساعة متأخرة من الليل، يطلق عليها “ليلة النجمة”، وفيها يحضر المدعوون الحفل بعد أن يتناولوا عشاءً يتكون أساسًا من الأكلة الشعبية الأولى في تونس “الكسكسي”، ولحم “العلوش” (لحم الضأن).
وغير بعيد عن جوهرة الساحل، لا تلبس العروس في مدينة المهدية، العاصمة الفاطمية، من الحلي، سوى الفضة، ولا تستعمل الذهب ضمن أدوات زينتها.
“الصباح” و”تصديرة العروس”
في عاصمة الشمال التونسي، مدينة بنزرت، يحافظ البنزرتية على عدد من عادات وتقاليد الأجداد، حيث يقام العرس أسبوعًا كاملًا، يختتم بـ”ليلة الدخلة” و”الصباح”، حيث “تتصدر” العروس صباحًا، وذلك بحضور أقارب العروسين لتهنئتهما بالزواج والدعوة لهما بالرفاه والبنين، وإذا كانت العروس “تتصدر” خارج غرفتها، بكامل زينتها وحليها ولباسها التقليدي، فتظهر زينتها وحنتها، فتبدو جميلة، فإن العريس يغادر المنزل صحبة أصدقائه إلى إحدى مقاهي المدينة، فيتلقى التهاني، قبل أن يعود إلى عروسه في حدود منتصف النهار، لتبدأ أولى أيام الحياة الزوجية بحلوها ومرها.