تعرض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لعملية اغتيال فاشلة أمس السبت، عن طريق طائرة متفجرة دون طيار، في أثناء إلقائه كلمة خلال إحدى المناسبات العسكرية التي كانت مقامة في الهواء الطلق في العاصمة كراكس، فيما أصيب 7 من حراسه بجروح طفيفة، بحسب مصادر لـ”رويترز“.
ووفق الوكالة فقد انقطع البث التليفزيوني فجأة عقب سماع صوت الانفجار حيث حول مادور وآخرون على المنصة أنظارهم وقد بدت عليهم الدهشة، هذا بخلاف ما عرضته الكاميرا لعشرات الجنود يهرولون قبل انقطاع الإرسال، وتشير التحقيقات الأولية إلى أن ما حدث محاولة اغتيال فاشلة للرئيس الفنزويلي.
مادور في كلمة نقلها التليفزيون الرسمي بعد ذلك قال: “جسم طائر انفجر أمامي، كان هجومًا يستهدف قتلي، لقد حاولوا اغتيالي اليوم”، مضيفًا “لا أملك أدنى شك أن اسم (الرئيس الكولومبي) خوان مانويل سانتوس يقف وراء هذا الهجوم”، معتبرًا أن نجاته كانت بفضل من الله والشعب والقوات المسلحة الفنزويلية من مؤامرة يمينية (المعارضة) تقف وراءها كولومبيا والولايات المتحدة.
اتهام رئيس فنزويلا لأمريكا بالوقوف وراء محاولة اغتياله يعيد ملف التوتر في العلاقات بين الدولتين إلى طاولة النقاش مجددًا، ليواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياساته العدائية التي تكسبه يومًا تلو الآخر عدوًا جديدًا، وتحول شعاره “أمريكا أولًا” إلى “أمريكا المنعزلة”.
لماذا أمريكا؟
لم يكن اتهام مادور لواشنطن بالضلوع خلف محاولة الاغتيال الفاشلة من فراغ، إذ كشف الرئيس الأمريكي عن عدائه لنظيره الفنزويلي مبكرًا بعد قدومه إلى البيت الأبيض بـ5 أشهر فقط، حيث شكك في نزاهة الانتخابات الرئاسية التي جرت في فنزويلا مايو/آيار الماضي، وطعن في نتيجتها التي أدت بالرئيس نيكولاس إلى الفوز بفترة رئاسية جديدة.
وفي بيان صادر عن البيت الأبيض في الـ22 من مايو/آيار الماضي حث ترامب السلطات الفنزويلية على إجراء انتخابات حرة ونزيهة في البلاد، مضيفًا “نحن ندعو نظام مادورو لإعادة الديمقراطية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين فورًا ودون قيد أو شرط، ووضع حد للقمع والحرمان الاقتصادي للشعب الفنزويلي”.
استباق ترامب العداء مبكرًا مع نظام الحكم في كراكس كرس الشكوك القديمة باحتواء الأمريكان لليمين المعارض واحتضانهم، ما دفع الكثير من المحللين إلى اتهام واشنطن بتدبير وتمويل مخططات التآمر على نظام مادورو
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن ترامب وقع على أمر تنفيذي بمنع نظام مادورو من بيع أو نقل أصول فنزويلية معينة، لعدم منحه إمكانية كسب المال من بيع أصول محددة للحكومة الفنزويلية، وهو ما اعتبره الرئيس الفنزويلي تعديًا صارخًا على حقوق الدولة، ومساس مباشر بأموال شعب فنزويلا، بل يجعل من ترامب وليًا على أمر الفنزويليين.
التعدي الصارخ كما وصفته الرئاسة الفنزويلية كان الرد عليه طرد القائم بأعمال الولايات المتحدة ونائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في فنزويلا، لترد عليه واشنطن بالمثل، ما زاد من تأزم الوضع بين الدولتين وارتفاع منسوب التوتر في العلاقات بينهما خلال الأشهر الأخيرة على وجه الخصوص.
وفي أغسطس 2017 لوح الرئيس الأمريكي باحتمالية التدخل العسكري في فنزويلا ردًا على الاحتجاجات التي نشبت في بعض المدن هناك منذ أبريل 2017 وأسفرت عن سقوط 120 قتيلاً على الأقل، وهو ما استنكره بشدة تجمع السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية (ميركوسور) الذي يضم الأرجنتين والبرازيل فضلًا عن باراغواي وأوروغواي.
استباق ترامب العداء مبكرًا مع نظام الحكم في كراكس كرس الشكوك القديمة باحتواء الأمريكان لليمين المعارض واحتضانهم، ما دفع الكثير من المحللين إلى اتهام واشنطن بتدبير وتمويل مخططات التآمر على نظام مادورو بمساعدة عناصر موالية في كولومبيا، وهو ما أكده الرئيس والمقربون منه خلال تصريحاتهم عقب المحاولة الفاشلة.
ليست المرة الأولى
اتهام أمريكا باستهداف النظام الحاكم في فنزويلا ليس الأول من نوعه، ففي 2015 أعلنت السلطات الفنزويلية إحباطها محاولتي انقلاب داخلي وإسقاط النظام خلال عام واحد بدعم وتحفيز أمريكي، المرة الأولى كانت في 2014 واسمها أريحا، أما الثانية فكانت بعدها بعام واحد فقط وأطلق عليها اسم الضربة الزرقاء.
الحكومة الفنزويلية حينها كشفت أن رأس الانقلابيين هو النائب عن حزب “العدالة أولًا” خوليو بورخيس ومعه مجموعة من الضباط، وكانوا يستهدفون قناة تيليسور ومديرية المخابرات العسكرية ووزارة الدفاع والقصر الجمهوري والنيابة العامة والمجلس الوطني الانتخابي وساحة “فنزويلا” التي غالبًا ما تكون مكتظة بالمارة.
منذ تنصيب ترامب يناير/كانون الثاني 2017 هرولت واشنطن بسياساتها العدائية بصورة غير مسبوقة، ساهمت وبشكل ملحوظ في إعادة تشكيل خريطة التحالفات، لتتحول الولايات المتحدة التي أرادها ترامب بشعاره من “أمريكا أولًا” إلى دولة تواجه شبح العزلة
السلطات عرضت وقتها أدلة مصورة تكشف خطة اغتيال جديدة للرئيس مادورو، وصورًا لمسؤولة أمريكية زارت فنزويلا مؤخرًا لحضور اجتماع مع المعارض لوبيز المحرك الرئيسي للأعمال الإرهابية التي حصلت مطلع عام 2014، هذا بخلاف برنامج الحكومة الانتقالية، وشريط الفيديو الذي سيذاع من خلاله خبر الانقلاب، وفيه يظهر 6 أشخاص، 3 عسكريين و3 مدنيين، يرتدون زيًا موحدًا وأقنعة على وجوههم.
حزمة من الأدلة ساقتها السلطات الفنزويلية لتورط واشنطن في هذه العمليات، منها أن السفارة الأمريكية في كراكاس منحت تأشيرات دخول إلى أراضيها في 2015، لضمان لجوئهم إليها في حال فشلت العملية، بخلاف احتضان بعض الاجتماعات لعناصر اليمين المعارض في الولايات المتحدة وكولومبيا.
التجربة أثبتت خلال السنوات الماضية أن سياسة أمريكا في فرض العقوبات ضد فنزويلا باءت بالفشل، كما هو الحال مع دول أخرى مثل إيران وكوبا، ما دفع بعض العقلاء داخل البيت الأبيض إلى النصح بإعادة النظر في مثل هذه السياسات التي تسيء إلى صورة أمريكا دوليًا.
اتهام أمريكا بالضلوع خلف الاحتجاجات التي تشهدها فنزويلا خلال الفترة الماضية
سياسات عدائية
لم يكن ترامب وحده المتبني للسياسة العدائية لبلاده التي تفقدها كل يوم حليفًا قديمًا وتكسبها عدوًا جديدًا، فالتصعيد مع كراكس كان إبان فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي فرض حزمة من العقوبات ضد فنزويلا تسببت في تصعيد التوتر مع دول أمريكا الجنوبية التي وصفتها بـ”العدوان الإمبريالي”.
اتحاد دول أمريكا الجنوبية “يوناسور” في ختام اجتماع في كيتو قبل عامين طالب بإلغاء تلك العقوبات، مجددًا دعوته لواشنطن بالامتناع عن اللجوء إلى وسائل قمعية أحادية تتعارض مع القانون الدولي، واعتماد حلول بديلة تتمثل بالحوار والوسائل الديمقراطية، مشيرًا إلى أن سياسة فرض العقوبات التي تمارسها أمريكا لا فائدة منها.
غير أنه ومنذ تنصيب ترامب يناير/كانون الثاني 2017 هرولت واشنطن بسياساتها العدائية بصورة غير مسبوقة، ساهمت وبشكل ملحوظ في إعادة تشكيل خريطة التحالفات، لتتحول الولايات المتحدة التي أرادها ترامب بشعاره من “أمريكا أولًا” إلى دولة تواجه شبح العزلة في ظل انفراط العقد من حولها.
تأتي محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الفنزويلي واتهامه أمريكا بالتورط فيها مستندًا إلى تجارب سابقة لتلقي حجرًا جديدًا في بركة الانعزالية الأمريكية عن محيطها الدولي
البداية كانت مع التصريحات غير المسؤولة ضد المكسيك والتلويح ببناء جدار عازل بينها، ثم كانت دول أوروبا بتصريحاته المسيئة لبعض القادة على رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بخلاف تدخله في شؤون الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، فضلًا عن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 برعاية بعض الدول الأوروبية بجانب روسيا والصين.
ثم جاءت سياساته في الشرق الأوسط حيث الانحياز لأصحاب المليارات وغض الطرف عن التجاوزات الممارسة منهم، ما شوه صورة بلاده دوليًا في كثير من المواقف التي باتت فيها واشنطن في موقف حرج ما بين مبادئها المزعومة وتوجهاتها الآنية البعيدة تمامًا عما تتشدق به وإعلامها.
وتأتي محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الفنزويلي واتهامه أمريكا بالتورط فيها مستندًا إلى تجارب سابقة لتلقي حجرًا جديدًا في بركة الانعزالية الأمريكية عن محيطها الدولي، ليواصل ترامب سياساته العدائية مجددًا وسط امتعاض من بعض السياسيين والمحللين الأمريكان القلقين على مستقبل بلادهم حال استمر الوضع على ما هو عليه.