ترجمة وتحرير: نون بوست
اندلعت عدة مظاهرات في إيران هذا الأسبوع. وفي الوقت الذي يتهم فيه البعض الأطراف المحافظة التابعة للنظام بالوقوف وراء هذه الأحداث الأخيرة، يتهم البعض الآخر الغرب. فما الذي يحدث بالضبط في إيران؟
أتلنتيكو: اندلعت هذا الأسبوع عدة مظاهرات في جميع أنحاء البلاد. وبما أن احتجاجات كانون الأول / ديسمبر الماضي لم تنته بشكل قطعي، فهل تكون المظاهرات الحالية استئنافا لهذه الحركة؟
آزاده كيان تيباوت: لا تتسم المظاهرات الحالية بنفس الشدة التي كانت عليها الاحتجاجات التي اندلعت في شهر كانون الأول / ديسمبر أو كانون الثاني /يناير، حتى مع تواصل انتشارها في مناطق مختلفة من البلاد. وقد وقع بالفعل تنظيم مظاهرات، يوم الخميس، في وسط طهران. في ظل الأزمة الاقتصادية الإيرانية الحالية، والتضخم فضلا عن الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الأساسية والإمدادات الغذائية (في الوقت الحالي، ارتفعت أسعار هذه المواد بنسبة 60 بالمائة)، من المتوقع أن تتوسع دائرة هذه الاحتجاجات.
لا يجب أن ننسى أن السببين الرئيسيين لاندلاع موجة هذه الاحتجاجات يتمثلان في الأزمة المالية من جهة، وانهيار الريال (العملة الإيرانية) من جهة أخرى
لكن النظام شرع في قمع هذه الحركات الاحتجاجية في كل من طهران وأصفهان (ثالث أكبر مدينة في البلاد)، حيث اعتقل العديد من الأشخاص كما استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع. وتنتشر الشرطة في كل مكان بمجرد اندلاع المظاهرات، بسبب خشية النظام من توسع دائرة هذا الاستياء الشعبي. وفي الوقت الراهن، لم تنضم الطبقات الوسطى إلى هذه الفئات الغاضبة، إلا أن مجال المناورة بالنسبة للسلطات الإيرانية أخذ يتقلص شيئا فشيئا.
لا يجب أن ننسى أن السببين الرئيسيين لاندلاع موجة هذه الاحتجاجات يتمثلان في الأزمة المالية من جهة، وانهيار الريال (العملة الإيرانية) من جهة أخرى. وتُعد إدارة السلطة للاقتصاد الوطني سيئة للغاية، حيث تطلب الحكومة من مواطنيها الضغط على مصاريفهم، في الوقت الذي يعلم فيه الإيرانيون أن زعماء بلادهم وأقاربهم يختلسون مليارات الدولارات يوميا. بناء على ذلك، يمكن القول إن سبب هذه الأحداث يُعتبر بسيطا، حيث يعزى إلى ازدياد صعوبة الحياة اليومية بالنسبة للطبقات العاملة التي لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتها.
بالإضافة إلى هذه الوقائع، يجب الاعتراف أيضا أن للمحافظين والغرب دورًا في هذه التحركات، حيث توجد توترات عميقة بين المحافظين المتشددين والمعتدلين. فعلى سبيل المثال، يحاول إبراهيم رئيسي، أبرز منافسي روحاني إضعافه في مدينته مشهد (ثاني أكبر مدينة في البلاد). ونتيجة لذلك، لا يُمكن إنكار إمكانية تغذية المحافظين للمظاهرات والسخط الاجتماعي.
تُعد أغلب المطالب ذات طبيعة اقتصادية
كما كان للغرب، ولا سيما الولايات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووي وفرضها لعقوبات جديدة على إيران، تأثير على تنامي غضب السكان. والجدير بالذكر أن حسن روحاني كان قد راهن على انفتاح البلاد وتخليصها من العقوبات الدولية، من أجل تعزيز الاقتصاد المحلي. لكن، وعلى أرض الواقع، لم يحقق هذا الأمر أي نجاح يذكر. وتسبب ذلك في إصابة مؤيدي روحاني بخيبة أمل شديدة، وتعزيز نفوذ المحافظين، الذين يعملون الآن على محاولة إسقاطه. لكن تحميل مسؤولية هذه الاحتجاجات للولايات المتحدة الأمريكية بشكل كامل يعتبر خطأ فادحا. وأشدد ثانية على أن سوء إدارة السلطة لاقتصاد بلادها يُعد السبب الأعمق للأزمة التي تشهدها إيران حاليا.
أتلنتيكو: ينتمي المتظاهرون إلى أوساط اجتماعية متنوعة ومختلفة. فما هي مطالبهم؟ هل يقف وراء هذه الاحتجاجات خصوم حقيقيون للنظام أم أن هذه التحركات ليست سوى تعبير عن “عدم الرضا” عن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد؟
آزاده كيان تيباوت: تُعد أغلب المطالب ذات طبيعة اقتصادية. ففي أصفهان، على سبيل المثال، انطلقت حركة الاحتجاج من حي يتعدد فيه تجار قطع الغيار. وبسبب التضخم، أصبحت قطع الغيار هذه مكلفة بشكل متزايد. في الأثناء، باتت المقدرة الشرائية للإيرانيين محدودة في الوقت الحالي. وبالتالي، ركدت تجارة هؤلاء الأشخاص.
إثر ذلك، انضمت مجموعات أخرى إلى هذه الحركة الاحتجاجية. وعلى الرغم من أنهم يُشاطرونهم نفس المطالب الاقتصادية، إلا أنه لا يوجد أي تنسيق مسبق بين هذه المجموعات المختلفة. وفي الحقيقة، لا وجود لحركة احتجاجية موحدة ومنظمة في إيران، وإنما يتعلق الأمر بحركات احتجاجية متعددة ومختلفة. ونظرا لأنها متفرقة وعفوية، لا تتطور هذه المظاهرات أكثر من المستوى الذي اعتادت بلوغه. وعلى الرغم من أهمية هذه المجموعات، إلا أنه لم يحتج سوى بضع آلاف من الأشخاص فقط في الشوارع الإيرانية إلى حد الآن.
غالباً ما يُعبر هذا البرلمان، ذو الأغلبية المعتدلة منذ انتخابات 2016، عن معارضته للطريقة التي تدير بها الحكومة الاقتصاد والفساد المستفحل في جميع القطاعات
في خضم ذلك، برزت مجموعات أخرى تُطالب بإصلاحات اجتماعية، في الوقت الذي أبدت فيه أطراف أخرى معارضتها للنظام بشكل واضح. كما تشارك النساء في هذه المظاهرات، في حين ظلت مطالبهن ذات صبغة اقتصادية واجتماعية. وإلى اليوم، لم تقم الإيرانيات “باستغلال” هذه التجمعات للمطالبة بالمزيد من الحقوق. وإذا كان كل من “الأربعاء الأبيض” (حركة ضمت نساء يرتدين وشاحاً أبيض احتجاجا على الحجاب الإلزامي) أو حركة النساء اللاتي خرجن عاريات الشعر قد حظيتا بتغطية إعلامية واسعة، فإن هذه الحركات منفصلة عن بعضها البعض كما لا تربطها أي صلة بالمظاهرات الحالية.
أتلنتيكو: عقد البرلمان الإيراني يوم الأربعاء جلسة خاصة لاستجواب الرئيس بشأن انهيار قيمة الريال والأزمة الاقتصادية. ما هي النتائج المتوقعة لهذه الجلسة؟ ثم هل تهدد منصب الرئيس حسن روحاني؟
آزاده كيان تيباوت: في الحقيقة، يوجد تهديد يحيط بمنصب روحاني على اعتباره رئيسا للبلاد، ذلك أنه طبقا للدستور الحالي، يُعد روحاني مسؤولا أمام البرلمان. وغالباً ما يُعبر هذا البرلمان، ذو الأغلبية المعتدلة منذ انتخابات 2016، عن معارضته للطريقة التي تدير بها الحكومة الاقتصاد والفساد المستفحل في جميع القطاعات. في الوقت الحالي، يطالب البرلمان بإصلاحات وتغييرات حقيقية وملموسة، تكون أعمق من تلك التي نفذها الرئيس (الذي اكتفى بتغيير المدير السابق للبنك المركزي)، على غرار إجراء تعديل حكومي كامل.
إلى حد الآن، وحتى خلال الجلسة البرلمانية الاستثنائية المقبلة، تبقى مسألة اقتراح حجب الثقة من الرئيس أمرا غير مطروح، لكن يُمكن أن يُقدم البرلمان على هذه الخطوة في وقت لاحق في حال لم يتخذ روحاني أي تدابير فعلية لحل هذه الأزمة. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من امتلاك البلاد لخبراء اقتصاديين حقيقيين قادرين على اقتراح حلول فعالة لوضع حد للأزمة المالية، إلا أن الحكومة لم تقم باستدعائهم أو طلب مشورتهم.
المصدر: أتلنتيكو