قبل نحو سنة من الآن، خلال افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خرج العاهل المغربي محمد السادس على المغاربة، محذرًا الحكومة والمعارضة وأعضاء البرلمان من زلزال سياسي مرتقب بالنظر إلى ما رصده من اختلالات وأخطاء في تدبير وتنفيذ مشاريع تنموية بعدد من مناطق البلاد.
حينها، تحدث عن برامج عديدة وأمر بقرارات لمعالجة الأوضاع وتصحيح الأخطاء وتقويم الاختلالات، واصفًا بعد ذلك ما يعتزم القيام به من قرارات بكونها “مقاربة ناجعة لمسيرة من نوع جديد”، وبأنه من صميم صلاحياته الدستورية إعطاء العبرة لكل من يتحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام.
توجيهات خطاب الافتتاح
عشرة أشهر، وعاد الملك، من مكان آخر وفي مناسبة أخرى، لكن بنفس محتوى الخطاب تقريبًا، فلم يتحقق المرجو من الحكومة والمسؤولين المحليين والجهويين، فما القرار القادم الذي سيتخذه الملك لإبعاد المسؤولية عنه؟ فضلاً عن توجيه نقده اللاذع في خطاب افتتاح البرلمان للسياسيين (مولاة ومعارضة)، أمر الملك بداية بضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة مع التركيز على نقل الاختصاصات والكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية.
أمر الملك أيضًا بصياغة ميثاق اللامركزية الإدارية الذي يعتبر ضرورة ملحة من أجل ضمان تنمية جهوية حقيقية وتسهيل عمل المجالس الجهوية وتحقيق طفرة مهمة في تثبيت الديمقراطية الترابية عبر تفويض السلطة من الإدارة المركزية إلى المصالح المحلية والجهوية.
العاهل المغربي محمد السادس، أمر أيضًا بضرورة ملاءمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية خاصة ذات الصلة بالجهات، والإشراك الفعال للقوى الحية والفعاليات الجادة والكفاءات الوطنية في المشروع الجديد بناء على روح الدستور.
كما أمر الملك في نفس الخطاب بالتعجيل بإقامة المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعياتي الذي يعتبر مؤسسة دستورية من أجل إدماج التصورات الشبابية في كل السياسات العمومية وخاصة فيما يتعلق بالشغل والتعليم والصحة والسكن وغير ذلك من المجالات الحيوية.
خطاب العرش.. برنامج اجتماعي
نهاية شهر يوليو/حزيران الماضي، عاد الملك محمد السادس مجددًا موجهًا نقده للسياسيين ومقرًا ضمنيًا بفشل البرنامج التنموي في المملكة، الذي كان أحد أبرز الأسباب لتنامي الاحتجاجات في البلاد وتنامي انعدام ثقة المغاربة في السياسيين.
في خطابه الجديد بمناسبة عيد العرش الذي من المفترض أنه كان يحمل حصيلة ما أعلنه سابقًا في خطاب الافتتاح، دعا محمد لسادس لضرورة التسريع في تنزيل البرنامج الاجتماعي، برنامج قال الخبير في الشؤون البرلمانية والحزبية المغربي رشيد لزرق إن تنزيله يكون أساسًا من خلال تعبئة الكفاءات الجادة والعمل بشكل جماعي لتحقيق متطلبات المرحلة.
العاهل المغربي قال في كلمته بمناسبة الذكرى الـ19 لاعتلائه العرش: “إذا كان ما أنجزه المغرب وما تحقق للمغاربة على مدى عقدين من الزمن يبعث على الارتياح والاعتزاز، فإنني في نفس الوقت أحس أن شيئًا ما ينقصنا في المجال الاجتماعي”.
وانتقد الملك برامج الدعم والحماية الاجتماعية التي تُرصد لها عشرات المليارات من الدراهم مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، وتعاني من التداخل وضعف التناسق فيما بينها وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها.
العاهل المغربي محمد السادس على المغاربة، محذرًا الحكومة والمعارضة وأعضاء البرلمان من زلزال سياسي مرتقب بالنظر إلى ما رصده من اختلالات وأخطاء في تدبير وتنفيذ مشاريع تنموية بعدد من مناطق البلاد
في نفس الخطاب تعهد محمد السادس بتجاوز المعوقات وتوفير الظروف الملائمة لتنفيذ البرامج التنموية وخلق فرص العمل وضمان العيش الكريم، وبشر بخطة حكومية استعجالية لمعالجة الخلل الاجتماعي، وبإصدار ميثاق اللامركزية الإدارية خلال الأشهر الـ3 المقبلة، ودعا المغاربة الى الترفع عن الخلافات والابتعاد عن الفتن.
مسؤولية الحكومة
هذا البرنامج الذي يطالب الملك بتنزيله، رحبت به كل المكاتب السياسية لكن دون تفعيل، ويقول الخبير المغربي لزرق في حديثه لنون بوست في هذا الشأن: “كلها ترحب دون التفعيل، تنقصنا الفعالية، فالمواطن اليوم ينتظر نخبة سياسية تدافع عنه وعن حقوقه وليست منشغلة بتدبير معاشها أو صراعاتها الداخلية”.
في حالة عدم قدرة أي شخصية الحصول على تصويت أغلبية مجلس النواب، هناك العديد من الاختيارات الدستورية متاحة بيد الملك
ويضيف لزرق “الحكومة الحاليّة حكومة الأرخبيل السياسي، في مرحلة تحتاج لتنزيل الجهوية الموسعة، كرهان لبلوغ مرحلة التنمية، وإبداع اقتصادي لتجاوز الأزمة الاقتصادية الملحة التي يتعين معالجتها أولاً قبل التفكير في خطوات أوسع في المستقبل”.
الحل في حكومة كفاءات
يرى الخبير في الشؤون البرلمانية والحزبية المغربي رشيد لزرق أن الحل يمكن في تشكيل حكومة كفاءات في المملكة، فـ”الحكومة بتشكيلتها السياسية الحاليّة ليست مؤهلة لحل مشاكل البلاد، ولا بد من حكومة كفاءات تواجه التحديات بحلول واقعية، ودون حسابات سياسية”، يقول رشيد.
ويؤكد لزرق أن الانقسام السياسي الذي يعرفه حزب العدالة والتنمية صاحب الأغلبية في البرلمان من شأنه أن يؤثر سلبًا على الأغلبية الهشة، فضلاً عن الصراعات الداخلية في بقية الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم في المملكة، مما يجعل الحكومة ضعيفة ومهمشة.
الخبير في الشؤون البرلمانية والحزبية المغربي رشيد لزرق: الحكومة تحتاج إلى تعديل موسع
الصراع الداخلي الذي تشهده أحزاب الائتلاف الحاكم وتدهور الأوضاع الاجتماعية، يمكن له أن يؤدّي وفقًا لرشيد لرزق إلى وقوع اهتزازات اجتماعية، كالتي شهدتها المملكة في منطقة الريف وفي جرادة ومدن أخرى للمطالبة برفع التهميش وإرساء التنمية.
ويشير الخبير في الشأن السياسي المغربي رشيد لزرق، إلى أن إصلاح الإدارة وتنزيل الجهوية الموسعة، يتطلب نخبة ذات كفاءة وفعالية، كما يتطلب إصلاح قطاعات التعليم والصحة، التي تعرف أوضاعها تفاقمًا، كفاءة كبيرة، تقطع مع الموجود.
أمام كل هذا يرى لزرق أن الحكومة تحتاج إلى تعديل موسع، للانكباب على الاحتياجات المباشرة للمواطنين، وتشكيل حكومة كفاءات، غايتها تجاوز المرحلة الحساسة، لتنزيل المشروع الاجتماعي ومواجهة التحديات المستعجلة، حكومة تضم أسماءً لها قدرة وخبرة في القطاعات التي توكل إليها، ولا تشكل على أساس ترضيات حزبية بل يكون أساس تعيينها الكفاءة.
السيناريوهات الموجودة
سيناريو تشكيل حكومة كفاءات، يظل خيارًا واردًا، من داخل الدستور، وفقًا لرشيد، حيث يقول إن الفصل 47 نص على تعيين الملك من شخصية من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، ولم يحدد هذا الفصل مدة زمنية محددة لذلك، كما لم يحدد مدة المشاورات، كل ذلك يمنح الملك أحقية اختيار رئيس حكومة جديد.
ويقول رشيد “الملك وفق صلاحياته الدستورية يمكن له تعيين شخصية من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، وبعدها تمر الحكومة إلى مجلس النواب قصد الحصول على الثقة، فإذا لم يستطع يمكن المرور إلى تعيين شخصية من الحزب الثاني ثم الثالث ودواليك”.
السيناريو الثالث هو الإبقاء على سعد الدين العثماني وتقليص عدد الوزراء عبر تعديل موسع
في حالة عدم قدرة أي شخصية الحصول على تصويت أغلبية مجلس النواب، هناك العديد من الاختيارات دستورية متاحة بيد الملك، يقول رشيد، يمكن لها أن تكون مدخل عملي لإنهاء حالة التراخي في التعامل مع المطالب الاجتماعية والاقتصادية وتنزيل المقاربة التنموية.
ويكمن الإجراء الأول، وفقًا لرشيد لزرق، في اختيارين: الاختيار الأول: حل البرلمان وفق ما ينص عليه الدستور بأن “للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، أن يحل بظهير المجلسين معًا أو أحدهما، ويقع الحل بخطاب يوجهه الملك إلى الأمة”، فيما يحدد الفصل 97 من الدستور زمن إعادة الانتخابات الجديدة، وينص على أن “يتم انتخاب البرلمان الجديد أو المجلس الجديد في ظرف شهرين على الأكثر بعد تاريخ الحل”.
أما الاختيار الثاني، فيتمثل في إعلان حالة الاستثناء وفق الضوابط القانونية التي يضمنها الفصل 59 من الدستور، ثم إقالة رئيس الحكومة، وتعيين حكومة كفاءات برئاسة شخصية من خارج أحزاب الأغلبية والمعارضة، تعتمد الكفاءة والحزم القادرين على تحقيق البُعد التنموي والحقوقي للتعاقد الدستوري.
تتكون حكومة العثماني من 6 أحزاب
ضمن هذا السياق، يقول رشيد، إنه يمكن تفعيل أحكام الفصل 40 من الدستور التي تفرض على الجميع أن يتحملوا، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد.
وعن إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة يقول رشيد لنون بوست: “خلافًا لما يروج له الكثيرون فإن سيناريو حكومة وحدة وطنية، إجراء له العديد من الأخطار على مستوى تراكم التجربة المغربية والفرز، الذي يعطي مدلولاً للتداول السلمي للسلطة، وعلى المؤسسات الديمقراطية التي ما زالت هشة، رغم أن هذا النوع من الحكومات، يكون في فترة وجيزة من الزمان الغاية منها التعبير عن الإجماع الوطني في قضايا مصيرية”.
وتتمثّل مخاطر هذه الحكومة، في قدرة بعض القوى التي لا تؤمن بالشرعية وتشتغل خارج المؤسسات، على دخول الحكومة وشغل مناصب مهمة، ويمكن لها في أي تقلب داخلي أو إقليمي أن تهدد البناء المؤسساتي عبر احتكارها الغاضبين في الشارع.
أما السيناريو الثالث الذي تحدّث عنه الخبير المغربي، في أثناء حديثه لنون بوست، فهو الإبقاء على سعد الدين العثماني وتقليص عدد الوزراء عبر تعديل موسع يضم فيه كفاءات من الأحزاب الأغلبية الحاليّة، أي الذهاب إلى تعديل حكومي موسع يبقي على نفس الأحزاب الحاكمة، ويجدد لها الثقة لتنزيل المشروع الاجتماعي والجهوية المتقدمة لبلوغ مرحلة التنمية.