في تطور مفاجئ في العلاقات بين البلدين، طلبت المملكة العربية السعودية من سفير كندا لديها مغادرة البلاد خلال 24 ساعة بدءًا من أمس، كما استدعت سفيرها هناك، فيما جمدت علاقاتها التجارية معها، على خلفية التصريحات التي أدلت بها الخارجية الكندية عقب اعتقال السلطات السعودية عدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان.
وفي بيان للخارجية السعودية نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” أعلنت الرياض “تجميد كل التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين المملكة وكندا مع احتفاظها بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى” فيما اعتبرته “تدخلًا صريحًا وسافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية ومخالفًا لأبسط الأعراف الدولية وجميع المواثيق التي تحكم العلاقات بين الدول”.
رغم أنها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها المملكة سهام النقد حيال انتهاكاتها الحقوقية، سواء كانت من دول أم مؤسسات أممية، وصلت في بعضها إلى المطالبة بتوقيع عقوبات دولية ووقف صفقات أسلحة تقدم لها من بعض العواصم الغربية، فإن رد الفعل الحاليّ أثار موجة من التساؤلات على رأسها: لماذا أقلقت تغريدة الخارجية الكندية السعوديين إلى هذا الحد؟
تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الإضافية لنشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في #السعودية ، بما في ذلك #سمر_بدوي . نحث السلطات السعودية على الإفراج عنهم فوراً وعن جميع النشطاء السلميين الآخرين في مجال #حقوق_الانسان.
— Canada in KSA (@CanEmbSA) August 5, 2018
غضب سعودي
أعربت الرياض في بيانها عن غضبها الشديد حيال ما ورد في تدوينة الخارجية الكندية الجمعة الماضية التي أعربت خلالها عن قلقها البالغ إزاء الاعتقالات الإضافية لنشطاء المجتمع المدني ونشطاء حقوق المرأة في السعودية، بما في ذلك سمر بدوي، وحثها السلطات السعودية على الإفراج عنهم فورًا وعن جميع النشطاء السلميين الآخرين في مجال حقوق الإنسان.
الوزارة في بيانها أكدت أن ما أسمته “الموقف السلبي والمستغرب” من كندا “يُعد ادعاء غير صحيح جملة وتفصيلًا، ومجاف للحقيقة ولم يبن على أي معلومات أو وقائع صحيحة، وأن إيقاف المذكورين تم من الجهة المختصة وهي النيابة العامة لاتهامهم بارتكاب جرائم توجب الإيقاف وفقًا للإجراءات النظامية المتبعة”.
الرياض: السفير الكندي في المملكة العربية السعودية شخصًا غير مرغوب فيه وعليه مغادرة المملكة خلال الـ24 ساعة القادمة
كما اعتبرت أن هذا الموقف يعد تدخلًا صريحًا وسافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية ومخالفًا لأبسط الأعراف الدولية وجميع المواثيق التي تحكم العلاقات بين الدول، وتجاوزًا كبيرًا وغير مقبول على أنظمة المملكة وإجراءاتها المتبعة وتجاوزًا على السلطة القضائية في المملكة وإخلالًا بمبدأ السيادة.
#Statement | Throughout its long history, the Kingdom of Saudi Arabia has never accepted any interference in its domestic affairs by, or orders from any country. pic.twitter.com/sUrj7XIqTV
— Foreign Ministry 🇸🇦 (@KSAmofaEN) August 6, 2018
وأضافت “من المؤسف جدًا أن يرد في البيان عبارة (الإفراج فورًا) وهو أمر مستهجن وغير مقبول في العلاقات بين الدول، والمملكة العربية السعودية وهي تعبر عن رفضها المطلق والقاطع لموقف الحكومة الكندية، فإنها تؤكد حرصها على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بما فيها كندا، وترفض رفضًا قاطعًا تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية وعلاقاتها بأبنائها المواطنين، وأي محاولة أخرى في هذا الجانب من كندا تعني أنه مسموح لنا بالتدخل في الشؤون الداخلية الكندية”.
وعليه فقد أعلنت الوزارة استدعاء سفير خادم الحرمين الشريفين في كندا للتشاور، معتبرة “السفير الكندي في المملكة العربية السعودية شخصًا غير مرغوب فيه وعليه مغادرة المملكة خلال الـ24 ساعة القادمة، كما تعلن تجميد كل التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين المملكة وكندا مع احتفاظها بحقها في اتخاذ إجراءات أخرى”.
#إنفوجرافيك_الخارجية | الموقف السلبي والمستغرب من #كندا يُعد ادعاءً غير صحيح جملة وتفصيلاً ومجاف للحقيقة pic.twitter.com/GqMPFTLzYy
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) August 5, 2018
دعم وتأييد
بعد ساعات قليلة من بيان الخارجية السعودية أعلنت رابطة العالم الإسلامي (منظمة إسلامية مقرها مكة المكرمة) تضامنها الكامل مع الرياض، مؤكدة وجوب الالتزام بالمواثيق والمبادئ والأعراف الدولية التي تقضي باحترام سيادة كل دولة، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية المحكومة بدستورها وأنظمتها وإجراءاتها الحقوقية والقضائية.
الرابطة الممولة سعوديًا في بيانها أدانت ما صدر عن الحكومة الكندية من “تدخل سافر في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، وهي المحكومة بدستورها وأنظمتها وأدواتها القضائية بضماناتها وإجراءاتها المعلنة والمفتوحة للجميع، أُسوةً بغيرها من دول الشرعية والقانون في التقدير المحايد والمنصف”.
كما شددت على أحقية السعودية في “اتخاذ ما تراه من موقف حازم تجاه هذا السطو الدبلوماسي الشائن وغير المسبوق في تجاوزه الفج، وما اشتمل عليه من عبارات لا يُمكن تسويغها في المنطق الدبلوماسي السوي تحت أي ذريعة”، مضيفة “من حق كل دولة اتخاذ التدابير اللازمة وفق دستورها وأنظمتها وأدواتها القضائية المستقلة بما يكفل احترام نظامها العام واستتباب أمنها، وتكامل لحمتها وأُلفتها الوطنية”.
كند: سنقف دائمًا دفاعًا عن حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة وحرية التعبير، في كل أنحاء العالم
وفي السياق ذاته أكدت البحرين – التي تواجه هي الأخرى إدانات حقوقية دولية – في بيان لها اليوم الإثنين تضامنها الكامل مع السعودية في مواجهة أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية، وضد كل من يحاول المساس بسيادتها، معلنة “تأييدها المطلق فيما تتخذه السعودية من إجراءات ردًا على ما صدر عن وزيرة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في الرياض” وذلك وفقًا لـ”وكالة الأنباء البحرينية”.
وتابع البيان: “وإذ تعرب مملكة البحرين عن أسفها لموقف كندا وتدخلها المرفوض جملة وتفصيلًا في الشؤون الداخلية للسعودية استنادًا إلى معلومات غير صحيحة تتنافى تمامًا مع الحقيقة والواقع، فإنها تؤكد على وقوفها في صف واحد مع السعودية في كل ما يحفظ أمنها واستقرارها”.
تجميد كافة التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين #السعودية و #كندا pic.twitter.com/iz75Ccvi7b
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) August 5, 2018
متمسكون بمبادئنا
تعد المملكة العربية السعودية ثاني أكبر سوق للصادرات الكندية في المنطقة، كما يبلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين قرابة 12.3 مليار ريال سعودي سنويًا، بخلاف حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية والنفطية الموقعة بين الجانبين منذ عدة سنوات، جعلت المملكة رافدًا أساسيًا للاقتصاد الكندي.
ومن ثم فقد أثار قرار تجميد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع كندا تداعيات سلبية على الاقتصاد الكندي تمثلت في تعرض العملة الكندية “الدولار الكندي” للهبوط أمام الدولار الأمريكي، بخلاف ما يتوقع من مخاطر أخرى حال تمسكت الرياض بموقفها الأخير، وهو ما دفع الحكومة الكندية للتعليق.
المتحدثة باسم الحكومة ماري بير باسل قالت: “الحكومة الكندية تحاول إجراء اتصالات مع السعودية”، مضيفة: “نشعر بالقلق الشديد، ونسعى للتواصل مع المملكة”، وفقًا لصحيفة “دا جلوبال آند ميل” الكندية.
غير أنها أعادت التأكيد مرة أخرى على أن كندا ستقف دائمًا دفاعًا عن حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة وحرية التعبير، في كل أنحاء العالم”، وتابعت: “حكومتنا لن تتردد أبدًا في نشر هذه القيم، كما تعتبر أن الحوار بشأنها يحظى بأهمية حيوية بالنسبة للدبلوماسية الدولية”.
هيومن رايتس ووتش تقول إن الحملة الموجهة ضد الناشطين تبدو منسقة ومنظمة وتثير المخاوف، مضيفة أن الاتهامات الموجهة للناشطين والناشطات خطيرة، وخباثة التقارير الإعلامية لا مثيل لها وصادمة للغاية
انتهاكات حقوقية
تواصل السعودية منذ تنصيب محمد بن سلمان وليًا للعهد حملتها المناهضة للمعارضين، رجالًا كانوا أو نساء، شيوخًا أو شبابًا، تارة تحت مسمى مكافحة الفساد كما حدث في حملة الاعتقالات الشهيرة في الـ4 من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وتارة أخرى بزعم مكافحة التطرف والإرهاب كما حدث مع عدد من الدعاة على رأسهم سلمان العودة وآخرهم عبدالعزيز الفوزان، بخلاف حملة الاعتقالات التي تطال نشطاء حقوق الإنسان مثل هتون الفاسي ولجين الهذول وغيرهم من المدافعات عن حقوق المرأة في قيادة السيارة وغيرها من الحقوق التي أقرها القانون الدولي.
العديد من المنظمات الدولية انتقدت الانتهاكات السعودية على رأسها منظمة هيومن رايتس ووتش التي اتهمت السلطات السعودية ووسائل إعلامها بتشويه سمعة المدافعين عن حقوق الإنسان، وقالت المنظمة إن الحملة الموجهة ضد الناشطين تبدو منسقة ومنظمة وتثير المخاوف، مضيفة أن الاتهامات الموجهة للناشطين والناشطات خطيرة، وخباثة التقارير الإعلامية لا مثيل لها وصادمة للغاية.
الشيخ عبد العزيز الفوزان الذي اُعتقل قبل أيام بسبب تويتة
المنظمة في تقريرها العالمي 2018 أدانت حملة الاعتقالات السعودية والمحاكمات التعسفية والإدانات بحق المعارضين السلميين، فضلًا عن استمرار عشرات الحقوقيين والناشطين في قضاء أحكام طويلة بالسجن لانتقادهم السلطات أو دعوتهم إلى إصلاحات سياسية وحقوقية، بخلاف مواصلة السلطات التمييز ضد النساء والأقليات الدينية.
وفي المجمل فإن موقف كندا الرافض للانتهاكات الحقوقية بالمملكة جاء بمثابة الكرة التي حركت المياه الراكدة في هذا الملف الذي تسعى الرياض بكل نفوذها إلى إبقائه داخل الأدراج، تجنبًا لتشويه صورتها الخارجية بما يؤثر على فرص ولي العهد محمد بن سلمان في خلافة والده على العرش، وهو ما يفسر قوة رد الفعل غير المتوقع قياسًا مع مواقف أخرى شبيهة.
غير أنه وبينما تهرول السلطات السعودية للتغطية على هذا الملف بموقفها من كندا، إذ بها تلفت أنظار العالم مجددًا لسجلها الحقوقي الممزق داخليًا وخارجيًا، وتضعه مرة أخرى تحت مجهر الاهتمام والضوء الإعلامي، ليبقى السؤال: ماذا لو حذت عدد من الدول التي تؤمن بالحريات والحقوق حذو كندا؟ وماذا عن رد فعل المجتمع الدولي حيال القرار السعودي؟