ظاهرة الاختطاف تتنامى.. ليبيا تدفع ثمن الفوضى وانعدام الاستقرار

201431092256846580_8

كثيرًا ما يتعرض مسؤولون ليبيون أو حتى مواطنين عاديين إلى عمليات خطف تشرف عليها جماعات مسلحة خارجة عن القانون لطلب فدية أو تحقيق مكسب ما، عمليات خطف لم تقتصر على الليبيين فقط، بل امتدت أيضًا إلى رعايا الدول الأجنبية العاملين في ليبيا نتيجة انتشار الفوضى والعنف وعدم قدرة الحكومة المركزية على فرض سلطتها على كامل أنحاء البلاد، وأسباب أخرى عديدة، ما قد يعرض البلاد إلى تهديدات كبيرة.

اختطاف الليبيين

آخر هذه الحوادث التي تعرض لها الليبيون، اختطاف رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج عباس القاضي في العاصمة طرابلس أول أمس السبت في مطار العاصمة، دون أن تعلن جهة بعينها مسؤوليتها.

وقبل أسبوع تم اختطاف وقتل التوأمين حسن وحسين بالحاج من مدينة العجيلات، وأعلنت قوات الردع الخاصة أمس الأحد تمكنها من كشف تفاصيل هذه العملية والتعرف على هوية المنفذين والمتورطين في الجريمة، وضبط الجناة وإحالتهم للتحقيق لاستكمال الإجراءات واتخاذ ما يلزم.

مؤخرًا أعاد الجيش السوداني دورية مصرية كانت مختطفة في ليبيا

كما قُتل مؤخرًا الصحفي الليبي موسى عبد الكريم الذي كان يعمل بصحيفة فسانيا في مدينة سبها، بعد أن اختطف من مجموعة مسلحة نهاية يوليو/حزيران الماضي، وقد عثر على جثته ملقاة بالقرب من المعهد الصحي بالمدينة وبها 13 رصاصة وعليها علامات تعذيب واضحة.

وسبق أن اختطف رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان في شهر أغسطس/آب 2017 على يد مجموعة مسلحة من نزل في العاصمة طرابلس قبيل مؤتمر صحفي، واحتجز زيدان لمدة 10 أيام وبعدها أطلق سراحه.

خطف الأجانب

هذه العمليات وصلت الأجانب أيضًا، وفي الـ6 من يوليو/تموز الماضي اختُطف 3 فلبينيين وكوري جنوبي في هجوم على مشروع مياه في غرب ليبيا، ورجحت وسائل إعلام ليبية أن تكون هذه العملية قد نفذتها مجموعة مسلحة تطالب بإطلاق سراح أحد عناصرها المعتقلين لدى السلطات الليبية.

وذكرت تقارير إعلامية أن المجموعة يقودها شخص يدعى طارق حنيش، وتطالب بإطلاق سراح شقيقه المبروك حنيش وهو زعيم فصيل مسلح للجماعة، حسب وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية، واعتقل المبروك في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتهمة “زعزعة الأمن وقيادة تنظيمات مشبوهة تابعة لأنصار معمر القذافي”.

مشهد من فيديو نُشر يظهر المختطفين من كوريا الجنوبية والفليبين

قبل هذه العملية بأيام قليلة، أعاد الجيش السوداني دورية مصرية كانت مختطفة في ليبيا، وسلم أفراد المجموعة للمخابرات المصرية، وأكد ضابط في جهاز الأمن والمخابرات السوداني أن الجنود الـ5 خطفوا بينما كانوا عند الحدود المصرية الليبية واقتيدوا إلى جنوب ليبيا، في حين أكد الجيش المصري أنهم كانوا في عداد دورية فقد أثرها.

كوريا الجنوبية والفليبين يتحركان

كرد فعل على خطف مواطنها، أعلنت كوريا الجنوبية أنها أرسلت سفينة حربية إلى ليبيا للمساعدة في إطلاق سراحه، بعدما أرسل المختطفون مقطع “فيديو” يستغيثون فيه بحكوماتهم لإنقاذهم من أيدي مجموعة مسلحة.

والفيديو الذي نشرته مجموعة “سايت” المختصة برصد المواقع المتطرفة، يظهر الـ4 وهم يخاطبون الكاميرا بالإنجليزية، ويظهر خلفهم مسلح جالسًا على الرمال، لكن الخاطفين لا يعلنون هويتهم كما لم تتبن أي جهة المسؤولية، ولم يتضح تاريخ التصوير.

وذكر المتحدث باسم المكتب الرئاسي كيم وي – كيوم أنه تم إرسال وحدة “تشونغ هيه” العسكرية التي كانت تقوم بمهام في خليج عدن إلى المياه القريبة من ليبيا عبر قناة السويس مساء يوم الحادث بأمر من الرئيس مون للتدخل.

إلى جانب الاتجار بالبشر، ازدهرت تجارة الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية في الجنوب الليبي

إلى جانب كوريا الجنوبية، قالت البحرية الفلبينية السبت إن أسطولها البحري يُجهز لتشكيل قوة مناسبة لإرسالها في مهمة إلى ليبيا لإنقاذ رعاياها المخطوفين، ووفقًا لصحيفة “مانيلا بولتين” الفلبينية الحكومية، قال القائد العسكري جوناثان زاتا مدير مكتب الشؤون العامة بالبحرية الفليبينية إن السلطات الليبية تبذل جميع الجهود طوال الشهر الماضي للتأكد من هوية الخاطفين وتعويض المواطنين المختطفين.

وأضاف: “لقد قامت البحرية الفلبينية من خلال ضابط الاتصال التابع لها الكابتن دون ميرافلور الملحق بالقوات البحرية المشتركة المتمركزة في البحرين، بالتنسيق مع القائم بالأعمال الفلبيني بوي ميلكور في طرابلس”، وقال زاتا: “بما أن بحريتنا تتحقق من الحقائق على الأرض، فإنها تستعد أيضًا لنشر مجموعة مهام بحرية لمساعدة جهود وزارة الخارجية الفلبينية في ليبيا”.

انفلات أمني

يرجع متابعون للشأن الليبي تنامي عمليات الاختطاف في بلادهم إلى انتشار المجموعات المسلحة وغياب سلطة القانون هناك، خاصة في الجنوب الليبي حيت تنتشر الميليشيات التشادية والسودانية والنيجيرية والمالية هناك، وتفرض سلطتها على الجميع دون تدخل سلطات البلاد الشرعية.

من أبرز الجبهات التشادية والسودانية والمالية المسلحة الموجودة في الجنوب الليبي: الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد والقوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء وجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية وتجمع القوى من أجل التغيير في تشاد، إضافة إلى حركة العدل والمساواة السودانية وحركة تحرير السودان وحركة العدل والتحرير، وحركات المعارضة المالية والنيجرية.

وتتميز مناطق عديدة في ليبيا بعدم الاستقرار، حيث تشهد فراغًا أمنيًا واضطرابات متكررة منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير/شباط 2011، وتسيطر عليها عصابات تهريب النفط والبشر، وتعرف منطقة الجنوب مثلًا ازدهارًا لتجارة البشر، حيث يتيح ضعف مراقبة الحدود لأسواق السلاح والبشر والمخدرات أن تزدهر، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على المنطقة ككل.

الميليشيات المسلحة أخذت مكان السلطة المركزية في ليبيا

إلى جانب الاتجار بالبشر، ازدهرت تجارة الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية في الجنوب الليبي، وتدر هذه النشاطات غير القانونية التي تقوم بها الجماعات المسلحة في المنطقة مبالغ مالية معتبرة في منطقة فقيرة لا تملك فيها الدولة القدرات والموارد اللازمة لمكافحتها وحماية سكانها من الأخطار التي تشكلها هذه الأخيرة على أمنها واستقرارها وآمالها المشروعة في التنمية والرفاه.

وتشكل المجتمعات المحلية التي تعيش في جنوب البلاد من العرب والأمازيغ والأفارقة أحد مصادر انعدام الأمن في المنطقة، فالتهميش الذي تعرضت له هذه المجتمعات المحلية العابرة للحدود لفترة طويلة على يد الدولة خاصة خلال حكم القذافي دفعها إلى إنشاء شبكات من التبعية مع امتداداتها في الدول المجاورة التي تسهِل عمليات الإتجار غير المشروع.

بحث عن المال ووسيلة للضغط

ارتبطت عمليات الاختطاف في ليبيا بجمع المال، فهي عبارة عن وسيلة للحصول على المال عن طريق طلب الفدية، فالجماعات المسلحة تطلب من عائلات المختطفين ودولهم تقديم أموال طائلة لهم لأجل العفو عنهم وإطلاق سرحهم.

كما تمثل هذه العمليات أيضًا وسيلة ضغط على السلطات لتنفيذ مطالب سياسية أو إطلاق سجناء أو الحصول على امتيازات معينة، وتسود ليبيا منذ سنوات حالة من الصراع بين الفرقاء كرستها الانقسامات السياسية، ما أدخل البلاد في دائرة عنف متواصل.

خسائر كبيرة

انعدام الأمن والاستقرار الذي كانت إحدى نتائجه تنامي ظاهرة الاختطاف في البلاد، كان سببًا لمغادرة العديد من الشركات الأجنبية ليبيا، ويقول خبراء إن المشاريع التنموية والاستثمارية والعجلة الاقتصادية في هذا البلد الممزق تبقى رهينة تحقيق الاستقرار السياسي والمالي وإنهاء التجاذبات السياسية والفوضى الأمنية حتى تعود الشركات الأجنبية لاستكمالها.

ارتفاع عدد الميليشيات المسلحة في ليبيا

وكانت حادثة اختطاف مهندسي شركة “إنكا” التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 قد تسببت في مغادرة البعثات الأجنبية من الأراضي الليبية، خشية من عمليات اختطاف أخرى تستهدفهم، حيث قرر فريق شركة “سيمنس” الألمانية مغادرة موقع العمل بمحطة أوباري الغازية، كما قررت شركة “هيونداي” الكورية تأجيل موعد عودتها إلى ليبيا. 

عمليات الخطف هذه يؤكد خبراء ليبيين أنها ستستمر في كامل أنحاء ليبيا حتى يتم إنهاء الانقسام الحاصل، وبناء مؤسسات مهنية ولائها للدولة فقط لا للأشخاص أو توجه فكري، فوحده التوافق بين جميع الفرقاء كفيل بإخراج ليبيا من أزمتها المتواصلة منذ سنوات على جميع الأصعدة.