باتت عادة من فترة لأخرى أن يشغل حديث الرأي العام في مصر كليبات محمد رمضان، وتتباين الآراء المعارضة بين الاستنكار الأخلاقي الشديد والاستنكار الفني والاستنكار الدعائي.
فالاستنكار الأخلاقي جاء على مجال نشأت فيه المقالات والتعبيرات عن الكبر وجنون العظمة وشيوع القيم السيئة التي تضاد الفكر المحافظ المحترم القيم، أما الفني فهجم عليه صناع الأعمال في المجال والمتابعون على حد سواء باعتبار سلوكه مشين ومبتذل ويخسف بالفن قيمته، كأنهم أصحاب المعايير والفن الذي يستجلي حقيقة الإنسان ويؤثر فيها ويتفاعل معها.
أما الاستنكار الدعائي فجاء في صورة تساؤل: لماذا يستثمر أحدهم في الكراهية؟! ويجيبون أنه حتى لو رجع عليه الأمر بفائدة قريبة وشهرة وقتية فإنه سيخسر على المدى البعيد.
إن نجاح رمضان لا يرجع لجودته من عدمها كممثل أو كمغنٍ، الأمر يرجع لـ”الصورة” التي يقدم بها نفسه ويخاطب بها جمهوره ويثق تمام الثقة في تحقيق نتيجتها، وبالفعل تنتصر له الأحداث
أرى أن أمورًا عديدة غفل عنها المطالعون مع اختلاف زوايا رؤاهم، وأولها كيف يشغل رمضان نفوسهم ويحتل المرتبة الأولى في الرواج مهما اختلف الموسم، مع أنه ينافس في مجال ليس له، وهو الغناء، فتفوق على تماثيل الغناء المعبودة في أوج سطوتهم مع نزول ألبوماتهم الجديدة، أقصد عمرو دياب وتامر حسني.
لماذا لا يكف الناس عن المتابعة والتفاعل وبذلك يسلبوا رمضان مبتغاه ويفشل وينتصرون على ما وصفوه بأنه مدعاة للابتذال والانحطاط؟ الإجابة ببساطة أنهم لا يستطيعون.
إن نجاح رمضان لا يرجع لجودته من عدمها كممثل أو كمغنٍ، الأمر يرجع لـ”الصورة” التي يقدم بها نفسه ويخاطب بها جمهوره ويثق تمام الثقة في تحقيق نتيجتها، وبالفعل تنتصر له الأحداث.
محمد رمضان يقدم نفسه كـ”محمد رمضان” نموذج قوي ناجح قادر على الحرب وتغيير موازين القوى والانتصار، يخاطب الجمهور برسم صورة تستفز الدوافع الجنسية لدى المتلقي، والدوافع الجنسية لا أعني بها العلاقة الجنسية، بل الدافع الجنسي الذي يربط الإنسان بالمادة والأرض والطبيعة، الدافع الحيواني الغريزي الذي يخلق رغبة البقاء ويدفع الإنسان لإحداث صخب وجلبة ليقول “أنا هنا”.
وبما أنه ذكر، فهو يقدم نموذج جنسي ذكوري 100% يؤثر في عموم الذكور، ويجذب عموم الإناث حتى وإن أثار اشمئزازهن الابتدائي، بغض النظر عن الشعور، فالأمر الوحيد الباقي للمتلقي أنه “فحل قوي قادر”.
لا مساحة للعمل الفني بقدر المساحة لرمضان، تراه عاريًا أكثر ما تراه بثياب ليملأ عينيك بمشاهد طوله وعضلاته المفتولة، ويصنع قفزته المتكررة ليدلل على اللياقة وخفة الحركة، استخدام كثير للقوة.
في منتصف كليب “نمبر 1” تقف الموسيقى ويتباطأ المشهد لمدة 30 ثانية – وهي كبيرة من حجم كليب – ليظهر ممسكًا بمسدسه، ويرفع يده ببطئ ناحية اليسار وهو ينظر إلى الأمام عكس اتجاه التصويب مرتديًا نظارة شمسية، ويضرب طلقة على تفاحة فوق رأس فتاة مستندة على الجدار، تعبير عن أن الصيد الصعب للغير سهل جدًا لرمضان. بالإضافة للاستخدام الواسع لكلمات الافتراس والاستشهاد بنموذج الأسد ومقارنته بالقطط، من خلال استحضار للأسد نفسه في الكليب.
عموم الجمهور يتمنى لو كان مكانه، وتأخذ نفسه من المشاهد ما يغذي شعورها بالبطش والمقدرة وإحداث تغيير عنيف صاخب، بما تدعوهم نزعاتهم الجنسية المادية الهمجية، فيرى فيه نموذجًا جديرًا بالتأمل والمراقبة، فيشاهد ويتابع ويهتم حتى ولو شتم واستنكر
كذلك، الحزام الذهبي الظاهر بتكرار، وهو مثل الأحزمة التي يفوز بها المصارعون في العروض الترويجية مثل WWE وتخلق بيئة واسعة للهمجية والعنف والقوة والعضلات العارية الظاهرة.
النبرة الجنسية الذكورية ظهرت بشدة في الكليب الأخير، لا ذكر آخر معه مطلقًا وكأنه الذكر الوحيد، إناث كثيرة تتجول حوله تتبعه في حركاته وتتودد له، يترقصن لإسعاده ولمشاركته لحظة زهوه، وأخيرًا صياحه المباشر في المستمع وكأنه يصرخ في وجهه بصيغة الخشوع.
كل هذا وأكثر يؤثر مباشرة في نفس المتلقي، لأن عموم الجمهور يتمنى لو كان مكانه، وتأخذ نفسه من المشاهد ما يغذي شعورها بالبطش والمقدرة وإحداث تغيير عنيف صاخب، بما تدعوهم نزعاتهم الجنسية المادية الهمجية، فيرى فيه نموذجًا جديرًا بالتأمل والمراقبة، فيشاهد ويتابع ويهتم حتى ولو شتم واستنكر، وحتى البقية المستنكرة الكارهة فكما للإنسان رغبة بالتسلط والسيطرة ولكنه مهيأ تمامًا للانصياع والخضوع أمام القوة فمع التكرار سيلين ويتعامل معه أنه الأكبر والأقوى حتى ولو كرهه.
هذا ما يستثمر فيه رمضان، لا الكراهية وحدها، وهو ليس بدعًا من المشاهير فهذا سلوك كل من تعرض للعامة.
ما يفعله رمضان يشبه النعرة الهمجية المتسلطة هي ما تبناها ترمب في خطابه السياسي لمؤيديه من الجمهوريين ولعموم المجتمع الأمريكي، إنه رجل أبيض وإعلاء كلمة الرجل الأبيض بعد رئاسة أسود لمدة 8 سنوات، الصراحة الوقحة، إلخ مما ذكره المخرج الأمريكي مايكل مور في مقال توقعه فوز ترمب آسفًا قبل الانتخابات بعدة أشهر!
هل رمضان مدرك لما يفعل وطريقة تأثيره؟ أو هل يدرك المتابعون تلك الأبعاد؟
ليس بالضرورة ولا يهم هذا الأمر، فجوهر الاهتمام الحاليّ التأثير اللاواعي، واللاواعي من شأنه أنه “لا واعٍ” يخرج من لا وعي الصانع إلى لا وعي المتلقي بكل وضوح بمجرد الإيحاء دون المزيد من التعبير الصريح، لأنه لو اكتشف الناس لفسدت اللعبة، فلا أحد يحب إدراك أنه يُلعب به حتى وإن أحب أن يُلعب به.