ترجمة وتحرير: نون بوست
علّقت العديد من الجهات آمالا مبالغا فيها بشأن إمكانية إقامة تركيا لعلاقات صداقة قوية مع بلدان البريكس، المتمثلة في البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وقطع علاقاتها مع الولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن تركيا أعربت عشية انعقاد قمة البريكس في جوهانسبرغ في أواخر تموز/ يوليو الفارط، عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة دول البريكس كممثل عن منظمة التعاون الإسلامي، الأمر الذي تداولته العديد من الجهات في الخامس من آب/ أغسطس.
في الواقع، رفضت منظمة البريكس الطلب التركي بسبب عدم استعدادها لضم مشاركين جدد، وفقا لما جاء في صحيفة “سوزجو” المناهضة لتركيا، التي استندت في بياناتها إلى البيان الذي أدلى به في وقت سابق المدير التنفيذي للجنة الوطنية لبحوث ودراسات مجموعة “البريكس”، جورجي تولورايا. فمن جهته، يرى تولورايا أن رغبة الزعيم التركي، رجب طيب أردوغان، التي أعرب عنها في القمة الأخيرة المنعقدة والتي تتمثل في منح تركيا العضوية الكاملة في منظمة البريكس، أمر غير قابل للتنفيذ في الوقت الراهن.
في هذا الصدد، قال المدير التنفيذي للجنة الوطنية لبحوث ودراسات مجموعة “البريكس” إن “الرئيس التركي يستطيع التعبير عن رغبة بلاده في الانضمام إلى مجموعة دول البريكس، إلا أن هذا الأمر يعد مستحيلا. وفي جميع الأحوال، قررت المجموعة في الوقت الحاضر، عدم توسيع دائرة أعضاء المنظمة إلى حين تنظيم آلية للتفاعل داخلها، الأمر الذي يسمح بالتفاوض وإيجاد حلول وسط”. علاوة على ذلك، ذكر تولورايا أن عضوية تركيا في حلف الناتو تعد عائقا يحول بينها وبين رغبتها في التعاون مع مجموعة دول البريكس.
الجانب التركي لا يريد قطع علاقاته مع الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب من حلف الناتو، لكنه يرغب في تحقيق بعض الفوائد من المشاريع المشتركة مع روسيا والصين والهند
من جانبه، ذكر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن توسيع مجموعة البريكس عن طريق ضم أعضاء ودول جدد، مسألة غير مخطط لها، إلا أنه لا يستبعد إمكانية منح تركيا هذه الفرصة. في هذا السياق، قال بوتين “حاليا، وبشكل رسمي، لا نخطط لزيادة عدد أعضاء مجموعة البريكس، خاصة في ظل قدرة الدول الأعضاء على إثبات فاعليتهم. لكن هذا لا يعني أن المنظمة منغلقة على ذاتها، وجميع أبوابها موصدة، بل يعني أن المسألة تتطلب دراسة جدية”.
في هذا الإطار، تتطابق تصريحات أردوغان مع السياسة متعددة الأوجه، التي يسعى لانتهاجها منذ فترة طويلة. ومما لا شك فيه أن الجانب التركي لا يريد قطع علاقاته مع الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب من حلف الناتو، لكنه يرغب في تحقيق بعض الفوائد من المشاريع المشتركة مع روسيا والصين والهند.
في شأن ذي صلة، يرى بعض الخبراء، أن أنقرة ترغب في التعاون مع الجهات التي تخدم مصالحها في الوقت الراهن، أو على المدى القصير. بالإضافة إلى ذلك، ترتبط رغبة الزعيم التركي في الانضمام إلى مجموعة دول البريكس بالوضع السياسي الحالي، وعلى وجه الخصوص، توتّر العلاقات التركية الأمريكية. في الحقيقية، لا يعد تعليق أردوغان في جوهانسبرج خلال القمة المنعقدة، على تصريحات ترامب، التي هدد فيها بفرض عقوبات جديدة ضد أنقرة، وليد الصدفة.
في هذا الصدد، وردا على تغريدة نشرها ترامب على حسابه على موقع تويتر، أشار الرئيس التركي إلى أنه في حال تم فرض العقوبات ضد أنقرة، فإن واشنطن مهددة بخسارة حليف يتسم بالقوة والإخلاص مثل تركيا. وأوضح أردوغان أن بلاده غير مستعدة لتقديم تنازلات بشأن جميع القضايا المتنازع عليها مع الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، أعلن أردوغان عن نيته رفع دعوى قضائية في المحكمة الدولية للتحكيم، في حال تراجعت واشنطن عن تسليم أنقرة مقاتلات إف-35، التي سبق وتم الاتفاق عليها. كما أشار إلى رفض المطالب المنادية بالإفراج عن القس الأمريكي المعتقل، أندرو برونسون، المتهم بالمساعدة والتحريض على محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في سنة 2016.
ليونيد إيفاشوف، المدير السابق للمديرية المركزية للتعاون العسكري الدولي بوزارة الدفاع الروسية، فرى أنه لا بد من إجراء محادثات غير علنية مع الرئيس التركي من أجل شرح جوهر منظمة البريكس
في الواقع، أتاحت قمة مجموعة دول البريكس الفرصة أمام أنقرة لإثبات حقيقة مراهنتها على قوى بديلة، وذلك على خلفية تردّي العلاقات التركية الأمريكية. ومن المتوقع أن يستخدم أردوغان نفس الورقة خلال زيارته المرتقبة إلى ألمانيا في أيلول/ سبتمبر القادم. من جهتها، ذكرت صحيفة “بيلد” الألمانية نقلا عن مصادر حكومية أن الزعيم التركي سيحاول إحياء الحوار مع أبرز الشركاء الأوروبيين للولايات المتحدة.
أما ليونيد إيفاشوف، المدير السابق للمديرية المركزية للتعاون العسكري الدولي بوزارة الدفاع الروسية، فيرى أنه لا بد من إجراء محادثات غير علنية مع الرئيس التركي من أجل شرح جوهر منظمة البريكس. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود عالم يدعو للحضارة وعالم مناهض للحضارات يتمثل في الغرب أين يهيمن النظام الرأسمالي، إضافة إلى أن جميع الاتجاهات بالنسبة للغرب، بما في ذلك السياسة والاقتصاد موجهة لضرب الحضارات الأخرى.
إلى جانب ذلك، يعتقد إيفاشوف أن منظمة البريكس في البداية تشكلت على أساس أنها ائتلاف، لتتطور بعد ذلك وتصبح اتحاد حضارات مناهض للحضارة الغربية. ويضم هذا الاتحاد كلا من الصين والهند، وروسيا باعتبارها أساس الحضارة الأوراسية، وجنوب إفريقيا باعتبارها الحضارة الأفريقية المستقبلية، والبرازيل باعتبارها أساس الحضارة المستقبلية لأمريكا اللاتينية.
في المقابل، لا تضم مجموعة دول البريكس في الوقت الراهن بلدانا تمثل الحضارة الإسلامية. مع ذلك، يوجد مرشحان أساسيان لتمثيل الحضارة الإسلامية في مجموعة البريكس ألا وهما تركيا التي تمثل العالم السني، وإيران ممثلة العالم الشيعي. ويتطلب انضمام تركيا إلى اتحاد الحضارات المعادية للغرب انسحابها كليا من العالم الغربي. ويعتبر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من خصوم أردوغان وتركيا، لكن حتى هذه اللحظة، لا تزال تركيا عضوا في المجتمع الغربي، وفي منظمة حلف شمال الأطلسي. وعموما، لم يقرر أردوغان بعد بشأن مسألة الانسحاب من حلف الناتو والانضمام إلى مجموعة البريكس.
تشكل دول البريكس نظام أمن جماعي، كما تجري اتفاقات فيما بينها بشأن قضايا الأمن السياسي، وسيتم إعداد مبادئ النظام للأمن الجماعي في الوقت المناسب.
من جانبه، يرى إيفاشوف أن تركيا ستنأى بنفسها عن الغرب دون قطع العلاقات التجارية التي تجمع بين الطرفين، حيث ستبقى شريكا تجاريا واقتصاديا للغرب، وشريكا في مجال الدفاع أيضا. مع ذلك، ستضطر للانسحاب من حلف الناتو في حال أرادت إيجاد مكان لها في بيئة حضارية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، أشار إيفاشوف إلى ضرورة التعامل بروية وهدوء مع أنقرة، وشرح المسألة للرئيس التركي والنخبة التركية، ومد تركيا بآفاق الانضمام إلى مجموعة البريكس، وترك حرية الاختيار لها فيما بعد.
إن عدم سماح الاتحاد الأوروبي لتركيا بالانضمام إليه يحتم على أنقرة مغادرة حلف شمال الأطلسي، وذلك بحسب إيفاشوف. من جهة أخرى، تشكل دول البريكس نظام أمن جماعي، كما تجري اتفاقات فيما بينها بشأن قضايا الأمن السياسي، وسيتم إعداد مبادئ النظام للأمن الجماعي في الوقت المناسب.
علاوة على ذلك، يشير المدير السابق للمديرية المركزية للتعاون العسكري الدولي بوزارة الدفاع الروسية، إلى ضرورة تفكير تركيا في مسألة الانضمام إلى البريكس، رغم أن رفضها للأمر لا يستحق العناء، لا سيما في ظل استعداد العديد من البلدان في المستقبل القريب على غرار، مصر وإيران للانضمام إلى مجموعة دول البريكس. بالإضافة إلى ذلك، إن انضمام تركيا إلى المنظمة باعتبارها ممثلا عن العالم السني بأكمله، وليس كلاعب مستقل، من ضمن الأمور التي تخدم مصالح المنظمة.
سفابودنايا براسا: تبيّن أن انضمام تركيا إلى مجموعة البريكس يرتبط بوجود تركيا في حلف شمال الأطلسي. في الأثناء، تهتم واشنطن بالحفاظ على أنقرة كشريك لها في الشرق الأوسط. فهل سيسمح الأمريكيون بفقدان هذا الحليف؟
ليونيد إيفاشوف: يؤدي تنامي الشعور المعادي للغرب داخل الوسط التركي، إلى انسحاب تركيا وبشكل تدريجي من حلف الناتو
ليونيد إيفاشوف: تدرك تركيا جيدا أنها لعبت دورا مهما أثناء تواجدها طيلة هذه السنوات في حلف شمال الأطلسي في ضرب الاتحاد السوفيتي ورابطة الدول المستقلة، إلا أن هذه الخطوات الاستفزازية، والتصرفات العدوانية لم تخدم مصالح تركيا إطلاقا. وفي الوقت الراهن، أدركت النخبة التركية أن الولايات المتحدة استخدمتها لأهدافها الخاصة، خاصة لتدمير الاتحاد السوفيتي، وإغراق تركيا بموجات المهاجرين القادمين من آسيا وإفريقيا. وقد حول ذلك تركيا إلى عدوة لروسيا، حيث تضغط أنقرة اليوم وبشدة على شبه جزيرة القرم من خلال دعم زعماء القرم التتار المعارضين لموسكو.
إلى جانب ذلك، يؤدي تنامي الشعور المعادي للغرب داخل الوسط التركي، إلى انسحاب تركيا وبشكل تدريجي من حلف الناتو. لكن، من غير المستبعد أن تعلن تركيا وبشكل فجائي وجذري عن انسحابها من حلف الناتو، إلا أنها تحتاج إلى ضمانات أمنية تحميها من التهديدات والعقوبات الأمريكية. على صعيد آخر، من الضروري النظر في الضمانات التي يمكن لروسيا والصين وإيران تقديمها لتركيا في حال انسحبت كليا من منظمة حلف الناتو، وارتأت الانضمام إلى مجموعة دول البريكس.
سفابودنايا براسا: في هذه الحالة، هل سيتم التغلب على الخلافات العميقة بين موسكو وأنقرة؟
ليونيد إيفاشوف: ستبقى العديد من الخلافات تجمع بين موسكو وأنقرة، خاصة فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم التي حكمتها بشكل مشترك روسيا والإمبراطورية العثمانية لفترة من الزمن، لا سيما أن منطقة طوران الواقعة شمال إيران، والمنطقة الفاصلة بين القوقاز وجبال سايان، تعتبر منطقة تركية ومسقط رأس القومية الطورانية التركية.
عموما، بانضمام تركيا إلى مجموعة دول البريكس، وفي إطار العلاقات الثنائية الروسية التركية، لا يجب التركيز فقط على المسائل التجارية، بما في ذلك مسألة توريد الطماطم، بل يتعين على البلدين التركيز على القضايا التي تعيق التقارب الحضاري والثقافي بينهما.
المصدر: سفابودنايا براسا