تسعى الإدارة الأمريكية – باعتبارها المانح الأكبر – للتخلص بهدوء تام من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في دول إقامتهم بالجوار، أو تحويل من تبقى منهم إلى المفوضية السامية للاجئين حتى تتوقف عن توريث صفة “اللاجئ” عن كل فلسطيني لم يهاجر منذ النكبة، في انتظار انتهاء الجيل الأول الذي حضر النكبة.
فهي ترى عدم فعالية الأونروا وضرورة إصلاحها، أو عدم قدرة أمريكا لتحمل الأعباء المالية للأونروا وحدها وتدعو لمشاركة أطراف دولية أخرى، وكلها حجج أكثر عقلانية وتغطى بالحد الأدنى من القانونية لعرضها على المجتمع الدولي.
لكن أمريكا ستواجه تحديًا في طرح الموضوع على الأمم المتحدة وأخذ موافقة للبدء فيه، وهذا محال بالصياغة الموجودة، لذلك ستستخدم ما لديها من أوراق قوة متمثلة في وقف تمويلها للأونروا، وخلق بديل مالي دولي جديد، خصوصًا “البديل العربي” لتصبح الأونروا ثقلًا عليه يجب التخلص منه، أو تفقد فعاليتها نتيجة ضعف تمويلها، وتقديم إغراءات سياسية مالية لدول الجوار بسن قوانين بالتدريج تؤسس للتوطين، أمام معارضة كبيرة من الأردن ولبنان.
“الأونروا فاسدة وغير فعالة ولا تساعد على السلام، إنها تديم الوضع الراهن مأساوية” هذه إحدى رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي أرسلها جاريد كوشنير صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمسؤولين أمريكيين في محاولة إقناعهم للتخلص من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا، يتابع برسالة جديدة تم كشفها، وقد وجهها للمبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون جرينبلات: “من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا”.
تحاول أمريكا التخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل قانوني، عبر دمج اللاجئين الذين هاجروا من فلسطين عام 1948 و1967 بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ونزع صفة اللاجئ عن أبناء وأحفاد اللاجئين الذين ولدوا في دول اللجو
تجريد الفلسطينيين من وضعهم كلاجئين في دول العالم خصوصًا دول الجوار الفلسطينية هدف أمريكي بقيادة كوشنير، يبتدء المرحلة الثانية للتخلص من قضايا الحل النهائي، القدس واللاجئين والحدود، لإقامة دولة يهودية خالصة وخالية من الأزمات تستطيع أن تصبح مركز الاقتصاد في الشرق الأوسط واليد اليمنى لأمريكا.
لكن تقاطعات وجود مسألة اللاجئين الفلسطينيين في الأمم المتحدة عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تعتبر تحديًا جديدًا لأمريكا التي بدأت الانسحاب تدريجيًا من المنظمات الدولية التي تعارض مواقف الاحتلال الإسرائيلي (اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان واتفاقية باريس للمناخ…)، وقد تضطر للانسحاب من الأونروا كداعم رئيسي، فهي ثاني أكبر ممول بعد المملكة العربية السعودية للأونروا.
يجدر تنويه القارئ إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” نشأت في ديسمبر 1949 أي بعد عام من النكبة الفلسطينية كمنظمة دولية خاصة بالفلسطينيين في العام 1948، ولم يتم دمجهم في المفوضية الدولية للاجئين التي نشأت عام 1950، وظلت الأونروا كبديل متعمد عن انضمامهم ضمن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بعد استبدال بند الحماية والتشغيل ببند الإغاثة والتشغيل، وكسبوا منحهم وأحفادهم صفة “لاجئ” لا يمكن أن تمنحها المفوضية السامية، وأصبحت الأونروا مسؤولة عن تشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتعمل في خمس مناطق لوجود اللاجئين، هي: غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.
أول الخطوات التعطيل المالي للأونروا
صرح مدير عمليات الأونروا في قطاع غزة ماتياس شمالي في 29 من يوليو 2018 تعليقًا على القرار الأمريكي بتخفيض المساعدات المقدمة للأونروا قائلًا: “أمريكا لم تقل لنا إنها لا تمتلك أموالاً ولا تستطيع أن تعطينا أموالاً، بل قالوا لنا لن نعطيكم أموالاً لأسباب سياسية، ومن يعتقد أن هناك بعدًا سياسيًا لهذه الأزمة معه حق، ولكن بالنسبة لنا كإدارة أونروا نحن لم نحصل على هذه الأموال، فكان علينا اتخاذ قرارات لأنه لا يوجد لدينا أموال، وقراراتنا مدفوعة بقرارات سياسية”، يقصد بالقرارات الجديدة مثل تقليص عدد العاملين، كما حصل في غزة في 24 من يوليو 2018 من فصل وتقليص عمل 1000 موظف.
عام 2014 وهي السنة الأخيرة التي أُفصح فيها عن المعلومات بالكامل، صرفت الأونروا ما يقارب 129 مليون دولار على اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، و28 مليون دولار للاجئين الفلسطينيين في سوريا، و88 مليون دولار على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
وبمتابعة تقارير الوضع الطارئ في قطاع غزة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الأونروا الداعم الأكبر لسكان قطاع غزة، فقد حذرت من تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة باعتبارها الداعم الأكبر لغوث وتشغيل اللاجئين، إلا أنها ظلت تعاني عجزًا ماليًا مستمرًا، بسبب ضعف التمويل المقدم لها وتناقصه.
فقد خفضت الولايات المتحدة الأمريكية مساهمتها في دعم الأونروا من 365 مليون دولار عام 2017، إلى 60 مليون دولار عام 2018، أي أنها منعت وصول ما نسبته 83% من حجم المساعدات لأسباب سياسية، تبعه قرار من الأونروا بإنهاء خدمات 1000 موظف لديها في قطاع غزة في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها السكان هناك.
عام 2014 وهي السنة الأخيرة التي أُفصح فيها عن المعلومات بالكامل، صرفت الأونروا ما يقارب 129 مليون دولار على اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، و28 مليون دولار للاجئين الفلسطينيين في سوريا، و88 مليون دولار على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويوجد في الأردن 2.11 مليون لاجئ فلسطيني، بينما في لبنان 449.957 ألف لاجئ، وفي سوريا 526.774 ألف لاجئ.
يمكن الإشارة هنا إلى التعطيل المتعمد لعمل لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين (UNCCP) لمساعدة الحكومات والسلطات في تحقيق حل نهائي للقضية الفلسطينية وتوفير الحماية وتعزيز حل دائم للاجئين الفلسطينيين، وقد حاولت اللجنة تطبيق قرار 194 الذي يدعو إلى حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة لأراضيهم والتعويض، لكنها فشلت أمام الفيتو الأمريكي، واقتصر عملها فيما بعد على تسجيل أملاك اللاجئين والتوثيق فقط، وقد رفض الفلسطينيون وحكومات الدول المستضيفة الجهود الرامية إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المستضيفة.
ماذا ستقدم أمريكا لدول التوطين خوفًا من ثورة اللاجئين؟
تحاول أمريكا التخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل قانوني، عبر دمج اللاجئين الذين هاجروا من فلسطين عام 1948 و1967 بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ونزع صفة اللاجئ عن أبناء وأحفاد اللاجئين الذين ولدوا في دول اللجوء، وتوجيه المساعدات لهم من وكالة التنمية الأمريكية بدلًا من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وهو ما يعني تمامًا تصفية قضية اللاجئين بالتقادم، بعد ذهاب الجيل الأول المسجل كلاجئ في المفوضية السامية للاجئين، وعرض توطين كل الأبناء والأحفاد في دول الجوار المقيمين فيها، أو في الدول الغربية والعربية والشرقية الذين ولدوا ويقيمون فيها مقابل إغراءات مالية.
تعرف السلطة الفلسطينية تمامًا حجم المأساة، يظهر ذلك من تصريحات قياداتها، لكنها لا تملك قرارًا جريئًا تسبح فيه ضد التيار، وهي التي تتلقى من أمريكا أكبر حجم من مساعداتها المالية التي تغطي ميزانيتها وقطاع الأمن
ما يبدو من وجهة نظر كوشنير كسر “السياق المعتاد” أو كسر الأشياء لمنح رؤية جديدة للاستقرار هو مجرد تجاوز ليس فقط لمبادئ القانون الدولي بخصوص قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولا لثوابت الفلسطينيين، بل كسر الأشياء لصالح الاحتلال الإسرائيلي فقط، فمن المفترض عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها بدل اعتبارهم ضيوف أو مواطني درجة ثانية في دول الجوار، لكن البُعد الديمغرافي أكثر قلقًا لدول الجوار خصوصًا في الأردن الذي يمثل الفلسطينيون المجنسون وغيرهم قرابة ثلث عدد السكان، فكيف ستقنع أمريكا الأردن بقبول صفقة “كسر الأشياء”؟
تعرف السلطة الفلسطينية تمامًا حجم المأساة، يظهر ذلك من تصريحات قياداتها، أو من مراكز أبحاث الاستيطان واللاجئين لديها، هناك رؤية مفصلة لحقيقة التجاوزات على الأرض، لكنها لا تملك قرارًا جريئًا تسبح فيه ضد التيار، وهي التي تتلقى من أمريكيا أكبر حجم من مساعداتها المالية التي تغطي ميزانيتها وقطاع الأمن، أو عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قالت في تصريح لها: “إدارة ترامب تريد من دول الخليج العربية الغنية أن تغطي التكاليف التي قد يتكبدها الأردن في هذه العملية”.
خوف البنتاغون والخارجية والمخابرات الأمريكية من تداعيات إثارة العنف في المنطقة لو تم توطين اللاجئين في دول الجوار، وانعكاسه المباشر على حالة الضفة أو الدول المقيمين فيها جعلهم يرفضون مقترح إنهاء تمويل الأونروا من كوشنير ونيكي هالي سفيرة أمريكا لدى الولايات المتحدة
المسؤولون الأردنيون لم يعلقوا على عرض الأمريكان المالي المغري، لكنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لمستقبل الأردن الديمقراطي والسياسي، في دولة تعيش منذ نكبة فلسطين باستقرار سياسي في ظل الملكية الموجودة رغم وجود ثلث السكان من ذوي الأصول الفلسطينية أو فلسطينيين.
خوف البنتاغون والخارجية والمخابرات الأمريكية من تداعيات إثارة العنف في المنطقة لو تم توطين اللاجئين في دول الجوار، وانعكاسه المباشر على حالة الضفة أو الدول المقيمين فيها جعلهم يرفضون مقترح إنهاء تمويل الأونروا من كوشنير ونيكي هالي سفيرة أمريكا لدى الولايات المتحدة، لكن المقترح سيتم تعديله بشكل قانوني يضمن إنهاء الأونروا تدريجيًا، عبر دمج اللاجئين بالمفوضية السامية ونزع صفة “لاجئ” عن كل من ولد في أراضي اللجوء.
الأردنيون قلقون، فالأزمات الاقتصادية تتوالى داخليًا، والدين العام يتزايد، وكذلك ما زالت الخلافات على المقدسات الإسلامية في القدس دائرًا بين الأردن والسعودية، وكذلك اللبنانيون قلقون، من الممكن المقايضة على مزارع شبعا، أو المقايضة على إصلاحات داخلية ونزع ديون لبنان لدى صندوق النقد الدولي، أو ضمان حالة الاستقرار، لكن اللاجئين الفلسطينيين الفاعل الأساسي في الموضوع لا يملكون من قرارهم شيئًا فهل تفتح النكسة الثانية أبوابها بقبول وتمويل عربي؟