“هذا يوم صعب ونحن محاطون بأيديولوجية قاتلة”، بهذه الكلمات رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على العملية الفدائية التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين عند معبر “اللنبي”، المعروف أيضًا باسم “جسر الملك حسين”، الذي يربط بين الأردن والضفة الغربية. الفدائي الأردني، وهو سائق شاحنة تجارية، أبى إلا أن يضع لنفسه بصمة في تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي بالكلية.
تدرك “إسرائيل” أن ما يحيط بها من شعوب عربية لن تكون في يوم من الأيام صديقة لها مهما حصل، وأنها ستبقى جسمًا غريبًا مهما حاولت الأنظمة التطبيع معها وفرض الواقعية السياسية على الشعوب، وهو ما يعيه المسؤولون الإسرائيليون خاصة نتنياهو الذي قال اليوم إن الكيان “محاط بأديولوجية قاتلة”، وهي بالفعل ليست أيديولوجية قاتلة بقدر ما هي روح المقاومة لكل محتل وغاصب، ولا بد لنا أن نتذكر أن نتنياهو أقرّ بأن العقبة الكبرى أمام التطبيع هي “الرأي العام في الشارع العربي”.
لم تكن عملية الفدائي الأردني اليوم هي الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إذ لطالما اعتقد العرب والمسلمون أن هذه المعركة لا تخص الفلسطينين وحدهم بل هي معركة كليّة في إطار التحرر والانعتاق من أي احتلال، وفي هذا السياق، نستعرض بعضًا من أبرز العمليات الفدائية التي نفذها مواطنون عرب ضد الكيان الإسرائيلي.
عملية سورية تونسية
في ليلة 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 انطلق الفدائيان التونسي ميلود نومة والسوري خالد أكر محلّقين بطائراتهما الشراعية صوب معسكر “غيبور” الإسرائيلي القريب من الحدود اللبنانية، وأسفرت هذه العملية عن مقتل 6 جنود إسرائيليين وإصابة 8 آخرين بجروح خطيرة إلى متوسطة، كما أسفرت عن مقتل المقاومين السوري والتونسي، لتصبح هذه العملية نقطة فارقة في إطار العمل العربي الفدائي.
من المغرب.. عملية لم تكتمل
الشقيقتان نادية وريتا برادلي، مغربيتان ناضلتا من أجل القضية الفلسطينية. وُلِدت الشقيقتان في عائلة مناضلة ضد الاستعمار الفرنسي، وتعلَّمتا روح المقاومة منذ الصغر، وبسبب الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين وهزيمة حرب 1967، قررتا الانضمام إلى صفوف الفدائيين الفلسطينيين، وشاركتا في “كوماندوز الفصح” الذي كانت مهمته تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وبشجاعة كبيرة انضمت الأختان إلى الجبهة الشعبية التي زودتهما بالمتفجرات، حيث كانت النية القيام بعملية فدائية داخل الكيان الإسرائيلي إلى جانب مقاومين آخرين، بهدف تفجير 9 فنادق في وقت متزامن، ودخلت الأختان إلى مطار اللد، لكن قبض عليهما في اللحظات الأخيرة، حيث خضعتا للتعذيب وحُكم عليهما بالسجن، وعلى الرغم من عدم نجاح هذه العملية، فإنها مثّلت صدمة للاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يكن يتوقع أن تأتي فتيات أجانب إلى الداخل لتنفيذ عمليات فدائية ضدّه.
من السجون المصرية إلى القدس شهيدًا
المصري عصام الجوهري من أهم الأسماء في تاريخ الفدائيين العرب، وشكّلت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية أحد أبرز المنعطفات السياسية في حياة الجوهري ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية، ونتيجة لأفكاره اعتقل في مصر ومكث في السجن عدة أشهر، تعرض خلالها للتحقيق والتعذيب المتواصل، ما زاد نقمته على النظام الذي تنكّر للقضية الفلسطينية.
بعد خروجه من السجن رحل إلى قطاع غزة، التقى الجوهري بقيادات المقاومة الفلسطينية، في تلك الفترة، كانت كتائب القسام تتبنّى العمليات الفدائية، وفي فجر 9 أكتوبر/تشرين الأول 1994، تحرّك عصام الجوهري صوب بيت المقدس مخططًا لعملية ضد الكيان، وحين وصل صوّب أبو دجانة رصاص الكلاشنكوف على المستوطنين المجتمعين في المقهى ثم قذف القنابل اليدوية، واشتبك مع وحدة خاصة من الجيش الإسرائيلي إلى أن نفدت ذخيرته، واستشهد الجوهري بعد أن قتل 5 من أفراد الشاباك ومجنّدة إسرائيلية، وجرح 16 من قوات الاحتلال.
الجندي المصري
ولا يقتصر الأمر على العمليات التاريخية فقط، حيث حصلت عمليات فدائية في السنوات الأخيرة كان أبرزها عملية محمد صلاح، ففي يونيو/حزيران 2023 كانت العملية المفاجئة بعد غياب، إذ اخترق الجندي بالجيش المصري، محمد صلاح، السياج الحدودي الفاصل بين مصر و”إسرائيل”، واشتبك مع الجنود الإسرائيليين، فقتل ثلاثة منهم، قبل أن يُقتل بتعزيزات إسرائيلية جاءت إلى موقع الاشتباك.
كانت هذه العملية إشارة واضحة إلى أن القضية ليست مرتبطة بعمر الكبار أو الأجداد، فما زال الأحفاد يقدمون حياتهم دفاعًا عنها، فكان عمر صلاح لم يتجاوز يوم استشهاده 22 عامًا.
من الأناضول إلى شوارع القدس
بعد معركة طوفان الأقصى، اتضح جليًا عمق العلاقة القوية بين أفراد من المجتمع التركي والقضية الفلسطينية التي يعتبرونها قضية تحرر إسلامية كبرى، ومن هذا المنطلق، سافر الشاب التركي حسن سكلانان من مدينته قونيا إلى القدس ليزورها ويصلي في ثالث الحرمين، لكنه كان يضمر في نفسه أمرًا كبيرًا يضعه على قائمة الفدائيين من أجل فلسطين.
ففي يوم الثلاثاء 30 أبريل/نيسان طعن حسن سكلانان ضابط في الشرطة الإسرائيلية بسكين في البلدة القديمة بالقدس قبل أن يطلق عليه ضابط شرطة الحدود النار ويقتله، وهو ما رآه الكثير من المحللين ردًا يتسع على الإجرام الإسرائيلي بحق أهل غزة وفلسطين بالعموم.
القائمة تطول، ولن تكون عملية الشاب الأردني اليوم على المعبر هي الأخيرة، في ظل تعنت الإسرائيليين وإجرامهم، فالشعوب العربية لم ترض يومًا ولن ترضى ببقاء الاحتلال الإسرائيلي على ما هو عليه من إجرام ضد أهل غزة بالخصوص وفلسطين بالعموم.