منذ أسبوعين تقريبًا شهدت الساحة الفلسطينية أغرب حالاتها حين بدأ الرئيس محمود عباس وبشكل مفاجئ وغير مسبوق، بحملة إقالات لقيادات وازنة في مؤسسات السلطة وحركة فتح، لإزاحتهم قصرًا عن المشهد، في رسالة شديدة وواضحة لخصومه ومعارضيه بأن مصيرهم “الإقالة” وأنه لا يزال الرجل الأقوى.
حملة الإقالات الأكبر التي طالت شخصيات فلسطينية كبيرة ولعل أبرزها عيسى قراقع من رئاسة هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وتيسير خالد من دائرة شؤون المغتربين في منظمة التحرير، ومحمد النحال من رئاسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء، وآخرهم ناصر القدوة من رئاسة مؤسسة “ياسر عرفات”، جعلت العاصمة السياسية رام الله تعيش على صفيح ساخن وتترقب القادم.
بحسب القيادات الفتحاوية التي صرحت لـ”نون بوست”، فإن الرئيس عباس يسعى لأن يُمسك بيد من حديد كل المؤسسات التابعة للسلطة وحركة فتح للسيطرة عليها بشكل كامل
قيادات فتحاوية كشفت لـ”نون بوست”، أن الرئيس عباس اتخذ قرارًا لا رجعة عنه في إقالة كل من يعارض قراراته وتوجهاته السياسية الداخلية والخارجية، وأن مصير كل من يعارضه الإقالة مهما كان منصبه ومكانته في مؤسسات السلطة والحركة.
يد من حديد
وأوضحت أن كل القرارات السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والمالية ستكون حصرية عند مكتب الرئيس عباس وحده فقط، ومن يخالفه في الرأي والتوجه، سيتم اتخاذ قرار في حقه بصورة مباشرة إما بالإقالة أو تجميد الراتب أو حتى الحبس.
وبحسب القيادات الفتحاوية التي صرحت لـ”نون بوست”، فإن الرئيس عباس يسعى لأن يُمسك بيد من حديد كل المؤسسات التابعة للسلطة وحركة فتح للسيطرة عليها بشكل كامل، وقصقصة أجنحة أي فصيل أو تيار أو حتى شخصيات أخرى للاستحواذ على تلك المؤسسات وتقوية نفوذها داخلها.
وذكرت أن خطوات عباس غير المسبوقة والمفاجئة خلقت حالة من القلق داخل حركة فتح وقيادات السلطة، حتى وصلت للتهديد باتخاذ خطوات احتجاجية قد تصل للنزول إلى الشوارع والميادين ضد عباس احتجاجًا على حملات الإقالة وحالة التفرد بالقرار الفلسطيني الحاصلة منذ تولي منصب الرئاسة خلفًا للرئيس الراحل ياسر عرفات “أبو عمار”.
أظهر التوزيع الجديد استئثار الرئيس عباس الذي يرأس اللجنة التنفيذية، بمنصب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني الذي يعد وزارة المالية لمنظمة التحرير
وبعد حملة الإقالات التي طالت قيادات فتح، اتجه الرئيس عباس لتشديد قبضته على منظمة التحرير، بعد مصادقته رسميًا في 1 من أغسطس/آب على توزيع المهام ودوائر المنظمة على أعضاء اللجنة التنفيذية.
وأظهر التوزيع الجديد استئثار الرئيس عباس الذي يرأس اللجنة التنفيذية، بمنصب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني الذي يعد وزارة المالية لمنظمة التحرير وبدائرة شؤون المغتربين التي عين لإدارتها مستشاره للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية نبيل شعث نيابة عنه بعد تجريد الرئيس لتيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من موقعه رئيسًا لدائرة شؤون اللاجئين.
وأثارت هذه التعيينات جملة انتقادات من قوى وفصائل فلسطينية، خصوصًا أن منصب رئيس الصندوق القومي يُنتخب من المجلس الوطني الفلسطيني وليس اللجنة التنفيذية، الأمر الذي لم يحدث، كما أن إلحاق دائرة شؤون المغتربين برئيس اللجنة التنفيذية، تم بعد سحبها من عضو اللجنة التنفيذية تيسير خالد الذي كان يرأسها في السنوات الماضية.
وفي يونيو الماضي، كشف خالد عن محاولة عباس السيطرة على الدائرة، وهي من اختصاص ومسؤولية المنظمة بشكل كامل، فيما أصدر عباس في نهاية ذلك الشهر قرارًا بإعفاء خالد من منصبه.
الجبهة الشعبية ستقاطع جلسة المجلس المركزي المقبلة في منتصف الشهر الحاليّ
وفي حينه رفض خالد سحب صلاحيات الدائرة ومنحها لوزارة الخارجية، وقال: “لن نسمح بقيام مؤسسات موازية لمنظمة التحرير، وتحديدًا لدائرة شؤون المغتربين”، مشددًا على أن الدائرة شكلت بقرار من اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهي وحدها قناة الاختصاص الرسمية بالتواصل معهم في بلدان المهجر والاغتراب.
إضعاف السلطة
بدوره قال القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عمر شحادة إن “القرارات التي اتّخذت أخيرًا تشدد القبضة الفئوية والفردية في مؤسسات منظمة التحرير، الأمر الذي يحمل المخاطر على القضية الفلسطينية”، مضيفًا “استئثار عباس بمنصب رئيس الصندوق القومي يتعارض مع النظام الأساسي لمنظمة التحرير”.
وقال شحادة: “هذه الخطوة تثبت إصرار الرئيس على الإمساك بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويضيف إليها في شكل غير قانوني مسؤولية الصندوق القومي الذي يعد المسؤول المالي للمنظمة”، لافتًا إلى أن “النظام السياسي بات أشبه بحكم الحزب الأوحد”.
وأعلن شحادة أن الجبهة الشعبية ستقاطع جلسة المجلس المركزي المقبلة في منتصف الشهر الحاليّ، قائلاً: “لا نرى جدوى من انعقاد المجلس المركزي، لأنه سيقود إلى مزيد من إضعاف منظمة التحرير، وسيضرب بعرض الحائط الأسس التنظيمية والقانونية والدستورية التي تقوم عليها المنظمة”. وأضاف شحادة: “لا قيمة لاجتماع المجلس المركزي أو المجلس الوطني أو اللجنة التنفيذية إذا كانت القرارات الصادرة عنها ترمى في سلة المهملات، ولا تُطبق”.
أكد مسؤول الجبهة الديمقراطية في قطاع غزة طلال أبو ظريفة، أن قرارات عباس التي أسماها بـ”الفردية” تؤخذ خارج اللجنة التنفيذية من شأنها أن تضعف المنظمة، وتُغيب مبدأ الشراكة وتسبب ضرب العلاقات الداخلية
ومن المتوقع أن يثار نقاش عن هذه القرارات وكيفية اتخاذ القرارات في اللجنة التنفيذية، خلال انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، المزمع عقده لمدة يومين في 15 و16 من أغسطس/آب، في رام الله، إضافة إلى مناقشة الأوضاع السياسية، حيث من الممكن أن تفضي تلك النقاشات إلى اتخاذ قرارات لكن من المرجح أن تبقى تلك القرارات حبر على ورق، على غرار قرارات سابقة جرى اتخاذها ولم تنفذ.
وفي إطار حملات الانتقاد لخطوات عباس، أكد مسؤول الجبهة الديمقراطية في قطاع غزة طلال أبو ظريفة، أن قرارات عباس التي أسماها بـ”الفردية” تؤخذ خارج اللجنة التنفيذية من شأنها أن تضعف المنظمة وتُغيب مبدأ الشراكة وتسبب ضرب العلاقات الداخلية.
وأوضح أبو ظريفة أن جميع الخيارات مفتوحة أمام الجبهة التي تدرس مع الكل الفلسطيني آلية تعمل على التراجع عن هذه السياسة التي بدأت بدائرة المغتربين ثم الصندوق القومي ثم دائرة الأسرى، مشددًا أن حركته لن تسمح بمرور هذه السياسة، واصفًا إياها بـ”البيروقراطية التسلطية المنفردة التي تعمل على تدمير مؤسسات المنظمة”.
أما المحلل السياسي حسام الدجني، فقد قال إن “ما يجري داخل حركة فتح في الفترة الأخيرة يؤكد غياب المؤسسة التنظيمية داخل الحركة، حيث لم تعد تقتصر التيارات المتنافسة داخل الحركة على كل من دحلان وعباس، بل أصبحت فتح تتجه نحو مزيد من الانشقاق داخل التيار الواحد”، على حد تعبيره.
ويضيف الدجني أن “هيمنة الرئيس عباس وفريقه المحيط به على مفاصل التنظيم، من منطلق أن الرئيس يتعامل مع حركة فتح من منطق (العزبة) وليس ضمن نطاق المؤسسة التنظيمية التي تحكمها قوانين وتسلسل إداري يجب احترامه ونظام قانوني لمحاسبة المقصرين، ولكن ما يجري على الأرض أن حركة فتح باتت بيد مجموعة من الأشخاص يتمتعون بنفوذ واسع، هم من يقررون سياسية الحركة وفقًا لأهوائهم ومصالحهم الشخصية”.