وسط حالة من الركود السياسي، وفي ظل مناخ خانق عنوانه تأميم المجال العام ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه، أطلق السفير المصري السابق معصوم مرزوق، مساء الأحد الماضي، نداءً للشعب المصري يدعو فيه لإنقاذ البلاد من الاحتراب الأهلي والفقر والفساد الناتج عن سياسات النظام الحاليّ، وذلك بإجراء استفتاء شعبي على استمرار النظام من عدمه.
في البداية.. من معصوم مرزوق؟
يمتلك مرزوق تاريخًا عسكريًا ودبلوماسيًا مشرفًا، ففي بداية حياته، ترك دراسته بكلية الهندسة من أجل الالتحاق بالكلية الحربية، بعد هزيمة يونيو 1967، في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر العسكري، وبالفعل اشترك في حرب أكتوبر 1973 ضمن سلاح الصاعقة بالجيش المصري، وحصل على نوط الشجاعة من الطبقة الأولى.
التحق مرزوق بوزارة الخارجية بعد ذلك، وعمل في السلك الدبلوماسي ما يزيد على ثلاثين عامًا، ووصل إلى منصب مساعد وزير الخارجية.
عمل مرزوق سفيرًا لمصر في أوغندا وفنلندا وإستونيا، كما عمل كدبلوماسي في الإكوادور ونيويورك والأردن، وتولى رئاسة مجلس إدارة النادي الدبلوماسي المصري عام 2007.
بعد ثورة يناير، شارك معصوم مرزوق في تأسيس حزب التيار الشعبي، وكان أحد مؤسسي جبهة الإنقاذ إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسى
لمرزوق نجاحات عديدة خلال مشواره الدبلوماسي، منها نجاحه في تعديل اتفاقية استرداد الآثار المصرية في الخارج من خلال مؤتمر عُقد بروما، حيث عمل على إلغاء بند “عدم الأثر الرجعى للاتفاقية”، كخطوة لاسترداد آلاف القطع المصرية من متاحف العالم.
بعد ثورة يناير، شارك معصوم مرزوق في تأسيس حزب التيار الشعبي، وكان أحد مؤسسي جبهة الإنقاذ إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، كما كان المتحدث الرسمي باسم الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي حمدين صباحي في انتخابات 2014.
ومنذ تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر منتصف 2014، وهو معارض شرس لسياساته، فكان أحد الوجوه المصرية البارزة التي أعلنت رفضها لتنازل النظام عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، وظل يدافع عن مصرية الجزيرتين في ساحات القضاء والإعلام، ويبحث في الوثائق والمستندات التاريخية التي تثبت ذلك، وسبق أن أعلن إضرابه عن الطعام اعتراضًا على مناقشة البرلمان لاتفاقية “تيران وصنافير”.
وما زال موقع “يوتيوب” يحتفظ لمرزوق بعدة مقاطع فيديو، يهاجم فيها سياسات النظام الحاليّ والرئيس عبد الفتاح السيسي.
تاريخ مرزوق العسكري والدبلوماسي والسياسي لم يحل بينه وبين عالم الأدب والكتابة، فأصدر عدة أعمال أدبية، منها “حكايات العبيد” و”كلام دبلوماسي” و”الولوج في دائرة التيه”، وله كذلك عشرات المقالات المنشورة بعدة صحف ومواقع عربية أبرزها “البيان الإماراتية” و”الشرق الأوسط” و”الأهرام” و”الدستور”.
نداء إلى الشعب
أملاً في معالجة الأزمة السياسية التي تعاني منها مصر منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في 3 من يوليو 2013، واستنادًا إلى عدم استجابة السلطة الحاليّة لمطالب المصريين الشرعية، وعدم إتاحة أي مجال للحوار مع القوى السياسية، طرح السفير السابق معصوم مرزوق مبادرته التي دعا فيها إلى حسم الخلاف الذي يشهده المجتمع المصري، بشكل سلمي، باللجوء إلى الدستور.
حسب المبادرة، إذا وافقت الأغلبية البسيطة (50% +1) على استمرار النظام الحاليّ، يعد ذلك إقرارًا شعبيًا بصلاحية هذا النظام في الاستمرار، والموافقة على سياساته المتبعة في كل المجالات
تأسيسًا على ذلك، دعا مرزوق إلى إجراء استفتاء شعبي عام وفقًا للمادة 157 من الدستور للإجابة عن سؤال واحد، هو “هل تقبل استمرار نظام الحكم الحاليّ في الحكم؟”.
حسب المبادرة، إذا وافقت الأغلبية البسيطة (50% +1) على استمرار النظام الحاليّ، يعد ذلك إقرارًا شعبيًا بصلاحية هذا النظام في الاستمرار، والموافقة على سياساته المتبعة في كل المجالات.
أما إذا كانت الإجابة بنفس أغلبية الأصوات رافضة لاستمرار نظام الحكم، يعد ذلك إعلانًا دستوريًا يتوقف بمقتضاه العمل بالدستور الحاليّ، وتنتهي ولاية السيسي ويعتبر مجلس النواب منحلًا، وتعلن الحكومة القائمة استقالتها، ويتولى أعمال الحكم والتشريع مجلس انتقالي يكون مسؤولًا عن تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أعوام.
وفقًا للمبادرة أو النداء، يتشكل المجلس الانتقالي من 13 عضوًا يمثلون بشكل متوازن: المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة والأحزاب السياسية غير المتعاونة مع نظام الحكم الحاليّ، على أن يتخذ هذا المجلس القرارات بالأغلبية البسيطة، ويتولى وضع وتنفيذ إجراءات الفترة الانتقالية، ولا يجوز كذلك لأي عضو فيه أن يشارك كمرشح في أول انتخابات عامة يتم إجراؤها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
تحظر مبادرة مرزوق على كل من اشترك أو ساهم في ولاية عامة في مؤسسات الحكم أو البرلمان خلال الأعوام العشر السابقة على الاستفتاء المشاركة في الترشح أو التعيين لأي منصب عام خلال العشرة أعوام التالية على انتهاء ولاية المجلس الانتقالي .
في نهاية المبادرة، حمّل مرزوق النظام عواقب عدم الاستجابة لهذا النداء، ودعا إلى عقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير لدراسة الخطوات التالية، وذلك من بعد صلاة الجمعة، يوم 31 من أغسطس 2018
وتنص المبادرة كذلك على ضرورة إصدار قانون عفو شامل يتضمن تحصين قضائي كامل لكل من تصدى لمهام الحكم والتشريع ما بعد 25 يناير 2011 وحتى بداية ولاية المجلس الانتقالي، مع تقنين لأحكام عدالة انتقالية في الحقيقة والمصارحة والمصالحة، والإفراج الفوري عن كل المحبوسين في قضايا الرأي، مع تعويضات عادلة ومجزية لكل ضحايا هذه الفترة بواسطة لجنة قضائية مستقلة يحددها المجلس الأعلى للقضاء.
في نهاية المبادرة، حمّل مرزوق النظام عواقب عدم الاستجابة لهذا النداء، ودعا إلى عقد مؤتمر شعبي في ميدان التحرير لدراسة الخطوات التالية، وذلك من بعد صلاة الجمعة، يوم 31 من أغسطس 2018، وحتى الساعة التاسعة مساءً نفس اليوم، يحضره كل من يوافق على ما تضمنه هذا النداء.
حركات أيدت المبادرة
رحبت عدة قوى سياسية بمبادرة معصوم مرزوق، وأثنت على مضمونها، وعلى رأس تلك الحركات “الجبهة الوطنية المصرية” التي قالت في بيانٍ لها: “تدعم الجبهة حق كل مصري بل واجبه في أن يطرح وجهة نظره للخروج من الكارثة التي قادنا إليها نظام فاشي اغتصب السلطة”.
وأضافت: “إزاء ما وصل لعلم الجبهة من تهديدات باعتقال السفير معصوم، فإنها تحمل السلطة مسؤولية سلامته وتؤكد وقوفها بجانبه، وتدعو القوى السياسية كافة للدفاع عن شخصية وطنية لم تفعل سوى الاجتهاد برأيها لإنقاذ وطنها”.
وعبّر حزب “غد الثورة“، عن تقديره الكامل لشخص السفير معصوم مرزوق، ولمعظم ما ورد في بنود مبادرته “من اجتهادات مثمنة تستوجب حوارًا وطنيًا معمقًا بين أطياف الجماعة الوطنية المصرية كافة”.
أعلنت عدة شخصيات سياسية وفكرية بارزة دعمها لنداء مرزوق
كما ثمنت مبادرة “وطن للجميع” المعارضة، نداء مرزوق، وقالت في بيانٍ لها: “تعلن المبادرة انطلاقًا من مبادئها العشرة للم الشمل المصري تأييدها الكامل غير المشروط لمبادرة السفير معصوم مرزوق لحل الأزمة في مصر”.
تحريك المياه الراكدة
في السياق ذاته، أعلنت عدة شخصيات سياسية وفكرية بارزة دعمها لنداء مرزوق، حيث رأى سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية، أن المبادرة تحرك المياه الراكدة في الأزمة السياسية المصرية وتكشف النظام المصري الذي يحترف المعارك الصفرية في علاقته بالسياسة.
وأثنى السفير السابق إبراهيم يسري على مبادرة مرزوق قائلًا: “اطلعت على مبادرة السفير معصوم مرزوق وأؤيدها وأملي أن يلتقي المصريون بمئات الآلاف في ميدان التحرير في اليوم المحدد”.
وأيد المرشح الرئاسي المصري الأسبق السفير عبد الله الأشعل، المبادرة، قائلًا: “أنا أدعم وأرحب بهذه المبادرة أو أي مبادرة أخرى من شأنها أن تخفف القبضة الحديدية للنظام الحاكم على مصر والمصريين أو أن تعيده إلى جادة الصواب، فإما أن يُغيّر أو يتغير قبل فوات الأوان”.
ودعم الشاعر عبد الرحمن يوسف المبادرة، قائلًا: “يا شباب مصر، اتفقوا أو اختلفوا مع معصوم مرزوق، ولكن لا ينبغي أن نتركه وحده في وجه هؤلاء الضباع”، كما أعلن أيمن نور رئيس حزب “غد الثورة”، تأييده وتضامنه لمبادرة السفير معصوم مرزوق.
ومن جهته، قال الأديب علاء الأسواني، تعليقًا على المبادرة: “أؤيد أي طريقة سلمية قانونية للإصلاح الديمقراطي في مصر”، مضيفًا: “يجب أن نحيي السفير معصوم على وطنينه وشجاعته ولنعمل جميعًا على إنجاح هذه المبادرة”.
كما أعلن الأكاديمي المعارض يحيى القزاز دعمه للمبادرة، قائلًا: “أعلن تأييدي ودعمي لمبادرة سعادة السفير معصوم مرزوق لإنقاذ الوطن، وأدعو الوطنيين لدعمها رغم تحفظي على البند السابع الذي يمكن أن أتفهمه وأقبله بمرارة، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه”، في إشارة إلى البند الخاص بإصدار قانون عفو شامل يتضمن تحصين قضائي كامل لكل من تصدى لمهام الحكم والتشريع ما بعد 25 يناير 2011.
انطلقت الأذرع الموالية للنظام المصري في الهجوم على الدبلوماسي السابق، واتهمته بالخيانة والعمالة لصالح جهات خارجية، بل وطالب بعضها بمحاكمته، مدعية أن مبادرته تهدف لقلب نظام الحكم
ورأى كمال حبيب الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن “مبادرة السفير معصوم مرزوق عمل نبيل يستحق الإشادة والإعجاب، وهو في النهاية تعبير عن شعور بخطر حال يحيط بالأمة المصرية مجتمعًا ودولة”.
دعوة لقلب نظام الحكم
على الجانب الآخر، انطلقت الأذرع الموالية للنظام المصري في الهجوم على الدبلوماسي السابق، واتهمته بالخيانة والعمالة لصالح جهات خارجية، بل وطالب بعضها بمحاكمته، مدعية أن مبادرته تهدف لقلب نظام الحكم.
الإعلامي المؤيد للسيسي أحمد موسى، هاجم مرزوق، في برنامجه “على مسؤوليتي”، قائلًا: “معصوم قرر الانقلاب على الدولة والدستور، وتحدي الشعب المصري”.
فيما طالب مرتضى منصور عضو مجلس النواب ورئيس مجلس إدارة نادي الزمالك، بمحاكمة معصوم بدعوى التحريض على قلب نظام الحكم.
وهاجم نبيل زكي المتحدث باسم حزب التجمع، مبادرة مرزوق، قائلًا: “نرفض دعواته شكلًا ومضمونًا”، مؤكدًا أن “التجمع يفرق جيدًا بين توجيه انتقاد للحكم القائم وبين دعوات هدم نظام الحكم”.
كما طالب البرلماني ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، بمحاكمة مرزوق، معتبرًا أن هذه الدعوة هدفها التحريض على الدولة المصرية وضرب استقرارها.
وأعلن كذلك محمد أبو حامد عضو مجلس النواب، رفضه لمبادرة مرزوق، قائلًا: “مصر دولة قانون ودستور، وأي دعوات خارج الدستور وإجراءاته الخاصة بالحكم والنظام السياسي فهي جريمة دعوة لقلب نظام الحكم وهدم المؤسسات الدستورية، ومثل هذه الأمور تطلب تفعيل القانون بمنتهى الحسم”.
رد مرزوق على أذرع السيسي
في تعليقه على حملة الهجوم الشرسة التي استهدفته ومبادرته، قال السفير معصوم مرزوق، خلال مداخلة هاتفية على فضائية “مكملين”: “لن أهبط إلى مستوى القنوات الموالية للنظام التي حاولت اغتيالي معنويًا”، مضيفًا “أنا أشفق عليهم، لأنهم مجرد أدوات، ولن أرد عليها، ولكن على من يستخدم هذه الأدوات”.
هل سيحاكم السيسي بطل أكتوبر؟
لم تكتفِ أذرع السيسي بالهجوم على مرزوق، بل انطلقت حملة البلاغات ضد الرجل، تتهمه بإثارة الرأي العام وقلب نظام الحكم، حملت أرقام 5060 جنح الوايلي، 7762 جنح مصر الجديدة، 15804 جنح المطرية، والبلاغ رقم 4817 لسنة 2018 عرائض المحامي العام لنيابات استئناف الإسكندرية الذي تضمن المطالبة بضبطه وإحضاره وإدراجه على قوائم الممنوعين من السفر.
فهل يضم النظام لقائمة المعتقلين السياسيين سفير سابق وأحد أبطال حرب أكتوبر؟ وهل تتجاوز المعارضة المصرية خلافاتها وتلتف حول المبادرة؟ وهل سيستجيب الشعب المصري لنداء معصوم مرزوق؟