ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الراهن، تقود “إسرائيل” حربا شرسة على نحو متزايد ضد النشطاء الموالين للفلسطينيين، بما في ذلك النشطاء اليهود الأمريكيين. وعوضا عن البقاء مكتوفة اليدين، تبنت “إسرائيل” موقفا عدوانيا ضد هذه المجموعة الموالية للقضية الفلسطينية. وفي هذا الصدد، قال وزير الأمن العام الإسرائيلي، جلعاد أردان، أحد أعضاء مجلس الوزراء الذي يتولى مسؤولية هذه المسألة: “لقد مررنا من الدفاع إلى الهجوم”.
في إطار هذه الخطة، قام عناصر الشرطة الإسرائيلية المتمركزة على حدود طابا بين “إسرائيل” ومصر، باعتقال الناشطتين المواليتن لفلسطين، سيمون زيمرمان وأبيجيل كيرشباوم، لساعات. وبالنسبة لهاتين الشابتين اللتين عادتا من عطلة نهاية الأسبوع في شبه جزيرة سيناء، لم يكن اعتقالهما أمرا مفاجئا.
“لماذا تعمل مع الفلسطينيين، ولا تعمل مع اليهود؟”
خلال اعتقالهما، طرحت شرطة الحدود العديد من الأسئلة على الشابتين خلال مدة تجاوزت الثلاث ساعات. وكانت هذه الأسئلة التي طلبت شرطة الحدود الإجابة عنها منقسمة إلى قسمين؛ تلك التي حررتها الشرطة بنفسها، وتلك التي أرسلتها أجهزة الشاباك السرية إلى الشرطة. ومن بين الأسئلة التي وجهت إلى زيمرمان، نذكر “لماذا تعمل مع الفلسطينيين ولا تعمل مع اليهود”، أو الأسئلة الأخرى المتعلقة برأي الناشطة حول رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أو وجهة نظرها حول السياسات الإسرائيلية عامة.
بالنسبة للقادة الإسرائيليين، من السهل جدا اتهام غير اليهود “بمعاداة السامية”؛ لكن لا يمكنهم توجيه مثل هذه الاتهامات إلى أشخاص مثل زيمرمان أو يهود آخرين يزورون “إسرائيل” ويرون ما يحدث في الأراضي المحتلة بعيون مختلفة
في وقت سابق، وتحديدا خلال سنة 2014، أنشأت زيمرمان حركة “إف نوت ناو” التي تكافح الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويقود هذه الحركة مجموعة من اليهود الأمريكيين الذين يسعون إلى إنهاء الاحتلال. وقد اعتادت هذه المجموعة على القيام بنشاطات معارضة للحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية على حد السواء.
من جهة أخرى، أثار ظهور مجموعات على غرار “إف نوت ناو” في الولايات المتحدة الأمريكية مخاوف الحكومة الإسرائيلية. وبالنسبة للقادة الإسرائيليين، من السهل جدا اتهام غير اليهود “بمعاداة السامية”؛ لكن لا يمكنهم توجيه مثل هذه الاتهامات إلى أشخاص مثل زيمرمان أو يهود آخرين يزورون “إسرائيل” ويرون ما يحدث في الأراضي المحتلة بعيون مختلفة.
في واقع الأمر، تخصص “إسرائيل” أموالا طائلة من أجل مكافحة الاحتجاجات التي يقودها النشطاء اليهود، التي تشمل جبهة الحملة الدولية لمقاطعة “إسرائيل” (المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات)، التي تعارض الاحتلال الذي دام أكثر من نصف قرن. ومؤخرا، خصصت وزارة الشؤون الاستراتيجية ما قيمته 32 مليون يورو لمكافحة “هذا العدو”، وقد نسجت وزارات أخرى على نفس المنوال، إذ خصصت موارد هامة لدعم هذا المخطط.
تجدر الإشارة إلى أن زيمرمان تقيم حاليا في “إسرائيل”، وترافقها الناشطة اليهودية الأمريكية أبيجيل كيرشباوم، التي خضعت لاستجواب مباشر من قبل الشرطة، وبشكل غير مباشر من قبل الشاباك. وتعي الصديقتان جيدا أن أسوأ ما يمكن أن يحدث لهما هو الترحيل من البلاد؛ الأمر الذي عايشته الناشطتان سابقا.
نشأت ظاهرة غير منتظرة أو متوقعة، تتمثل في إبداء الشباب اليهودي الأمريكي اهتماما كبيرا بحياة الفلسطينيين، مما جعلهم يسافرون إلى الأراضي المحتلة لمعاينة وضع المواطنين الفلسطينيين عن كثب وتسليط الضوء على حياتهم اليومية في ظل الاحتلال العسكري
يبدو أن القلق الإسرائيلي مبرر، لذلك تهتم الحكومة الإسرائيلية بشكل خاص بالزيارات المجانية للشباب اليهود القادمين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى “إسرائيل”. وخلال أيام الزيارة، يُروى إلى هؤلاء الشباب التاريخ الرسمي للصهيونية دون التطرق إلى القضايا التي تسلط الضوء على انتهاكات الاحتلال.
يهتم بعض السياح بحياة الفلسطينيين وهو ما لا يروق للإسرائيليين
خلال السنوات الأخيرة، نشأت ظاهرة غير منتظرة أو متوقعة، تتمثل في إبداء الشباب اليهودي الأمريكي اهتماما كبيرا بحياة الفلسطينيين، مما جعلهم يسافرون إلى الأراضي المحتلة لمعاينة وضع المواطنين الفلسطينيين عن كثب وتسليط الضوء على حياتهم اليومية في ظل الاحتلال العسكري. بطبيعة الحال، لا يروق للإسرائيليين هذا الاهتمام بالفلسطينيين أو بعض الأنشطة الأخرى على غرار حركة “إف نوت ناو” التي تنظم حملات توعوية في الجامعات الأمريكية الموجهة بشكل خاص إلى الشباب اليهودي، مما جعل الكثير منهم يعي بحقيقة الاحتلال لأول مرة، وهو ما تحقق في الفترة الأخيرة.
لا يقتصر نشاط هذه الجمعية على إدانة الاحتلال فقط، وإنما يهتم أيضا بالقضايا الإنسانية الخاصة بمسلمي الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، نددت حركة “إف نوت ناو” بالقيود التي أقرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف دخول المواطنين القادمين من البلدان ذات الأغلبية المسلمة إلى أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، مع العلم أن هذه البادرة لم تنل رضا الإسرائيليين أيضا.
قامت وزارة الداخلية الإسرائيلية، التي تتمتع بسلطة على الحدود، بطرد العديد من النشطاء الغربيين حتى قبل دخولهم الأراضي المحتلة في بعض الأحيان
مثل قانون العودة، وهو القانون الذي يسمح لأي يهودي من جميع أرجاء العالم بالهجرة إلى “إسرائيل” والحصول على الجنسية بشكل فوري، عقبة أمام التدابير التي تتوخاها الحكومة الإسرائيلية ضد اليهود المستنكرين للاحتلال. ولكن إذا لم يرغب هؤلاء اليهود في الهجرة إلى “إسرائيل”، وأتوا لتمضية يومين أو ثلاث ثم غادروا البلاد، فيمكن أن يصبحوا هدفا للأعمال الانتقامية للسلطات الإسرائيلية.
في هذا الصدد، قامت وزارة الداخلية، التي تتمتع بسلطة على الحدود، بطرد العديد من النشطاء الغربيين حتى قبل دخولهم الأراضي المحتلة في بعض الأحيان، وكان من بينهم الشباب اليهودي الذين بإمكانهم الهجرة إلى “إسرائيل” إذا رغبوا في ذلك. وفي بداية شهر تموز/ يوليو الماضي، طردت السلطات الإسرائيلية الناشطة الأمريكية اليهودية آرييل غولد من “إسرائيل” فور دخولها مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب.
قائمة المنظمات والحركات غير المرحب بها في “إسرائيل”
خلال شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، نشرت إسرائيل قائمة تضم عشرين جمعية وحركة غير مرحب بها في البلاد. ويمكن للوزارات التي ترصد حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أن تمنع دخول أي عضو من أعضاء المنظمات والحركات المذكورة في هذه القائمة. علاوة على ذلك، تسمح السلطات الإسرائيلية بمنع مراقبي حقوق الإنسان من الدخول “إسرائيل” لأنها تعتبرهم معادين للدولة.
يوم الاثنين الماضي، صرح جهاز الأمن العام الإسرائيلي المعروف باسم “شاباك” بأنه لم يستجوب الناشطتين سيمون زيمرمان وأبيجيل كيرشباوم بشكل مباشر، ولكن ذلك لم يمنع شرطة الحدود من استجوابهما وطرح الأسئلة التي أرسلتها “الشاباك”. ونفت أجهزة الأمن ما صرحت بها الناشطتان حول مسألة استجوابهما ومعرفة آرائهما السياسية.
المصدر: بوبليكو