ترجمة وتحرير: نون بوست
حُذفت مقاطع الفيديو التابعة لأحد أكثر المؤمنين بنظريات المؤامرة إثارة للجدل من قبل آبل ويوتيوب وسبوتيفاي وفيسبوك، كما تم حظر بث تدويناته الصوتية على هذه المنصات. وقد أثار أليكس جونز (الظاهر في صورة أعلاه)، مقدم أحد البرامج الإذاعية وصاحب عدد من المواقع الإلكترونية، بما في ذلك موقع “أنفووارز”، الشكوك حول مقتل 26 طفلا ومعلما على إثر حادثة إطلاق النار التي جدت بمدرسة “ساندي هوك” الابتدائية، حيث ادعى بأنه وقع فبركة هذه القصة من قبل مؤيدي تنظيم ملكية السلاح.
إلى جانب ذلك، أشار أليكس جونز إلى أن الحكومة الأمريكية كانت متورطة في حادثة التفجير في مدينة أوكلاهوما سنة 1993، والهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. كما أفاد أليكس جونز سابقا بأن اللقاحات تتسبب في إصابة الأطفال بالتوحد، ناهيك عن أنه حذّر مرارا من أن الولايات المتحدة الأمريكية على شفا حرب أهلية أخرى.
إلى حد الآن، لاتزال مواقع جونز الإلكترونية التي تروج إلى هذا الهراء قيد العمل، ولكن تسبب حذف صفحاته ومنشوراته من أكبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، على مدار الأيام القليلة الماضية، في خسارته لملايين المستمعين والمشاهدين. وبطبيعة الحال، اعتبر جونز هذه السلسلة من الأحداث مكيدة تحاك ضده. فمن وجهة نظر جونز، ساهمت القرارات التي اتخذتها أبل، ومواقع التواصل الاجتماعي التي سرعان ما حذت حذوها، في تأكيد صحة نظرياته حول توجه وسائل الإعلام الرئيسية.
لا يوجد أي مبرر يفسر اتخاذ شركات التكنولوجيا لهذه الخطوة خلال هذا الأسبوع بالتحديد من أجل شن هذه الحملة على أليكس جونز، خاصة أن نظرياته الغريبة والتهديدات بالعنف والإساءات الموجه للمستضعفين ليست بالأمر الجديد بالنسبة له
في السادس من شهر آب/ أغسطس، كتب أحد المدونين في موقع “إنفووارز”: “أقدم كل من آبل وسبوتيفاي، فضلا عن فيسبوك ويوتيوب على حظر جل صفحات “إنفووارز” تباعا، بفارق 12 ساعة فقط بين كل منها”. وقد أشار المصدر ذاته إلى أن موجة الحظر دليل قاطع على أن “هذا النوع من التطهير يرجع إلى مجهود جماعي ممنهج” من أجل عرقلة الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وليس مجرد خطوة لتفعيل سياسات هذه المواقع المتعلقة بخطابات الكراهية.
في الحقيقة، لا يوجد أي مبرر يفسر اتخاذ شركات التكنولوجيا لهذه الخطوة خلال هذا الأسبوع بالتحديد من أجل شن هذه الحملة على أليكس جونز، خاصة أن نظرياته الغريبة والتهديدات بالعنف والإساءات الموجه للمستضعفين ليست بالأمر الجديد بالنسبة له. لكن، في ظل الضغوط المتزايدة من أجل التخلص من كافة أنواع المنشورات الكاذبة والمضللة، بما في ذلك المحاولات الممنهجة التي تقودها بعض الحكومات الأجنبية بهدف تضليل الرأي العام في فترة ما قبل الانتخابات النصفية، لا تعد هذه الخطوة قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات أمرا مستغربا.
في هذا الإطار، أعلن فيسبوك أنه قام بحذف صفحة أليكس جونز عقب موجة من التقارير الواردة عن مستخدمي الموقع، مفادها أن صفحته “تحرض على العنف” فضلا عن أنها “تعتمد ألفاظا مهينة لوصف الأشخاص المتحولين جنسياً والمسلمين والمهاجرين”. كما لجأ المتحدث باسم موقع يوتيوب إلى الحديث بنبرة حادة، مشيرا إلى أنه عند انتهاك المستخدمين “للسياسات التي تحظر نشر خطاب الكراهية والمضايقات” أو عدم تقيدهم بسياسات الموقع، “نقوم مباشرة بحذف حساباتهم”.
ساهم حظر نشاط أليكس جونز على مواقع التواصل الاجتماعي في الحد من نطاق تأثيره، ولكن هل يعد هذا انتهاكا لحقه في حرية التعبير؟
لقد قدم بريان فيلدمان من مجلة “نيويورك” حجة مقنعة أرجع فيها السبب وراء هذا القرار إلى النفوذ الذي تتمتع به شركة آبل، حيث قال: “في حين برر كل من فيسبوك ويوتيوب وسبوتيفاي قراراتهم الأخيرة مشيرين إلى أنها مجرد إجراءات لردع خطاب الكراهية ومعاقبة المخالفين لسياسة هذه المواقع، يبدو أن السبب غير المعلن يعود إلى حقيقة أن امتناع هذه المنصات عن الاقتداء بآبل قد يتسبب في حذف تطبيقاتهم من “الآب ستور”. وفي الوقت الذي يخلي فيه القانون الفيدرالي مواقع التواصل الاجتماعي من أي مسؤولية عما ينشره المستخدمون، فإن سياسات شركة آبل لا تفعل.
عموما، استغل أليكس جونز هذه الحادثة ليَظهر للملأ في دور المدافع عن التعديل الأول للدستور الأمريكي. ومن هذا المنطلق، كتب جونز “تعد حرية التعبير القضية الأساسية، فهي جوهر الموضوع”. وفي تغريدة له على حسابه على تويتر الذي لا يزال نشطًا، قال جونز مرتديا عباءة “أنا شارلي” “إن الرقابة المسلطة على “إنفووارز” تثبت صحة نظرياتنا… والآن، كلنا أليكس جونز”. وفي تغريدة أخرى، كتبت ميلي ويفر مراسلة “موقع إنفووارز”، “بات التضييق على حرية التعبير معتركا الديمقراطيين. إنهم يسعون جاهدين إلى سلب أسلحتنا وإخماد أصواتنا”.
ساهم حظر نشاط أليكس جونز على مواقع التواصل الاجتماعي في الحد من نطاق تأثيره، ولكن هل يعد هذا انتهاكا لحقه في حرية التعبير؟ الأمر ليس كذلك بناء على الفهم المباشر للمبدأ الدستوري. فتجريم “قمع حرية التعبير” بموجب التعديل الأول للدستور الأمريكي يعني أن الحكومة غير قادرة على فرض رقابة أو عقوبات على آراء الأفراد الشخصية. ولا يجوز لأي سلطة ضمن الحكومة ممارسة العنصرية والتمييز على أساس وجهات النظر عند سن القوانين في إطار عام.
أشار لورنس ترايب، وهو خبير في القانون الدستوري بجامعة هارفارد، إلى أنه “تم الاعتراف بالصبغة الحكومية التي تكتسيها مجموعة محدودة للغاية من الجهات الفاعلة الخاصة”.
في ظل مفهوم المحكمة العليا الموسَّع حول حرية التعبير، حتى الخطاب المسيء أو خطاب الكراهية يعد مقبولا ما لم يخل ببضع الاستثناءات، بما في ذلك التحريض المباشر على العنف أو ما يسمى بـ “العبارات المستفزة”؛ وهي كلمات أو مصطلحات يمكن أن تتسبب في شجار في حال تفوّه بها أحد الأشخاص. لكن الشركات الخاصة ليست بالحكومات، وهذا يعني أن كلا من آبل ويوتيوب وفيسبوك قادرون على وضع شروط خاصة بهم ومراقبة المنشورات كما يشاؤون. وفي حال لم يكونوا راغبين في نشر محتوى يرونه مسيئًا أو محرضا، فلا شيء يمنعهم من ذلك.
حيال هذا الشأن، أشار لورنس ترايب، وهو خبير في القانون الدستوري بجامعة هارفارد، إلى تحفظ صغير لكنه مهم ضمن هذا الخط الرفيع الذي يفصل بين الرقابة الحكومية والخاصة. وقد أوضح ترايب أنه “تم الاعتراف بالصبغة الحكومية التي تكتسيها مجموعة محدودة للغاية من الجهات الفاعلة الخاصة”.
فعلى سبيل المثال، في قضية مارش ضد ألاباما (سنة 1946)، تم إبلاغ إحدى المدن التابعة لإحدى الشركات بأن التعديل الأول يمنعها من اعتقال أحد شهود يهوه على خلفية توزيعه لمنشروات دينية بالقرب من مكتب البريد. وقضت المحكمة العليا بأن هذه المدينة، رغم كونها ملكا للقطاع الخاص، إلا أنها تنظم كبلدية تقليدية وبذلك يتعين عليها احترام الحقوق الدستورية للمبشر المسيحي.
بناء على ذلك، أكد ترايب أنه بموجب القانون الحالي لا يمكن تصنيف هذه المنصات على نفس النحو. لكن، يخشى ترايب من إمكانية أن تكون هذه “الكيانات ذات التأثير الكبير وبعيد المدى” متقلبة ومتحيزة في تطبيقها للقوانين، ما من شأنه أن يعرض نموذج المجتمع المتفتح إلى الخطر.
مع ذلك، أضاف ترايب أنه “يمكن لتأثير بعض هذه الكيانات الخاصة أقوى من تأثير ولاية أو حتى دولة بأكملها، وهذا يعني أن حرية التعبير في عصر الإعلام الاجتماعي غير واضحة. وحسب ترايب باتت حرية التعبير “لغزا محيرا”، حيث أصبحت مجرد نموذج قانوني تُحاسب بموجبه هذه الشركات على قراراتها التحريرية دون تقويض استقلاليتها وحريتها في تصفية المعلومات الزائفة والفاسدة والخطيرة والمضللة”.
المصدر: الإيكونوميست