لطالما ارتبط صيت الاقتصاد الصيني بالمنتجات المقلدة ومتدنية الجودة، لكن في السنوات الأخيرة لم تكف وسائل الإعلام عن الحديث حول تمدد الصناعات الصينية إلى الأسواق العالمية وتوسعها في الأسواق المحلية والإقليمية، وخاصة داخل قطاع الهواتف الذكية الذي تغزوه بعدد من الشركات مثل أوبو وشياومي وأهمهم هواوي.
نزعت شركة هواوي عن الصناعات الصينية الانطباعات التقليدية وخلقت من نفسها نسخة مطورة منافسة لأكبر الشركات التكنولوجية في الأسواق المحلية والعالمية، كما أن مشوارها الذي استغرق 30 عامًا من الخطط المدروسة والخطوات الثابتة لم يكن سوى بداية لتحقيق جزء من الحلم الصيني في قيادة عالم التكنولوجيا.
كيف ظهرت هواوي في السوق التكنولوجي؟
يقع المقر الرئيسي لشركة هواوي في مدينة “شينجن” الصينية
لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية حظيت دومًا بحصة الأسد من هذه السوق، لكن الحكومة الصينية قلبت هذه المعادلة عندما أعلنت خلال الثمانينات عن خطتها في تحسين البنية التحتية لشبكة الاتصالات في البلاد، وكانت الهواتف الذكية هي نقطة البداية لتأسيسشركات عملاقة قادرة على مواكبة التطورات العالمية.
بناءً على حماس السلطات الصينية وفرص الدعم المتوفرة، انطلقت شركة هواوي برئاسة المهندس السابق في جيش التحرير الصيني رن زتشنغفي عام 1987؛ مبتدئة برأس مال لا يتجاوز 3.5 آلاف دولار أمريكي
ولم يكن من الممكن تحقيق ذلك، دون أن تفرض الصين القيود على الواردات الأجنبية وتقلل من الطلب المحلي عليها لتكون صناعاتها الوطنية هي البديل، من أجل تنفيذ ذلك كان لابد للحكومة أن تصنع سلع بمعايير تناسب تطلعات المستهلك المحلي والأجنبي، وعلى هذا الأساس قدمت منح حكومية للمستثمرين ورواد الأعمال على أمل لفت أنظارهم وانتباههم إلى سوق الإلكترونيات.
وبناءً على حماس السلطات الصينية وفرص الدعم المتوفرة، انطلقت شركة هواوي برئاسة المهندس السابق في جيش التحرير الصيني رن زتشنغفي عام 1987؛ مبتدئة برأس مال لا يتجاوز 3.5 آلاف دولار أمريكي لبيع مقاسم الهواتف وذلك بالاستعانة بنحو 55 موظف للعمل في مجال البحث والتطوير.
استراتيجيات متينة دفعت هواوي إلى المقدمة
من الصعب التصور أن النجاح الرنان الذي أحدثته هواتف هواوي كان مصادفة عشوائية، فمن الواضح أن القواعد التي اتبعتها الشركة لم تخلو من التخطيط الدقيق، لذلك نجد أن هواوي ركزت بشكل كبير على جانب البحث والتطوير، وخصصت جزء من ميزانيتها بنسبة 10% لهذا القسم؛ ما ساعدها لاحقًا في افتتاح مراكز في دول مختلفة لتضم في النهاية نحو 70 ألف شخص أي ما نسبته 45% من إجمالي الموظفين العاملين في هذا القطاع.
دفعت هذه السياسة الشركة إلى الأمام بشكل ملحوظ، حيث ظهر اسمها لأول مرة عام 2010 في قائمة أغنى 500 شركة في مجلة “فورتشن” الأمريكيةـ، بعد أن حققت مبيعات بقيمة 21.8 مليار دولار وصافي نصيبها من الأرباح 2.67 مليارد، لذلك رفعت نسبة الاستثمار في قسم البحث والتطوير إلى 14% من إجمالي عائدات مبيعاتها أي 5.4 مليار دولار؛ ما أثار اهتمام وفضول العالم نحوها ولا سيما أن هواوي نفسها قدمت أكثر من 44 ألف طلب براءة اختراع داخل الصين في عام 2013، وحوالي 19 ألف طلب خارج الصين.
بدأت الشركة تحصد جهودها بشكل حقيقي عام 2016 عندما سيطرت على 10% من إجمالي حجم السوق العالمي بعد أن نجحت في شحن حوالي 149.3 مليون هاتف ومعدات اتصال
وبعيدًا عن الإعجاب العالمي بمنتجاتها، بدأت الشركة تحصد جهودها بشكل حقيقي عام 2016 عندما سيطرت على 10% من إجمالي حجم السوق العالمي بعد أن نجحت في شحن حوالي 149.3 مليون هاتف ومعدات اتصال محققة نمواً بنسبة 30.2%، وذلك مقارنة مع عدد الشحنات من 75 مليون وحدة في عام 2014 التي بلغت 75 مليون قطعة، لتحتل المرتبة الثالثة عالميًا بعد شركتي سامسونج وآبل.
المميز في أجهزة هواوي هو أنها تتوافق مع توقعات المستهلكين
وصلت هواوي إلى مكانة مرضية نسبيًا، إذ انتشرت منتجاتها في أكثر من 170 دولة حول العالم وتخدم أكثر من ثلث سكان العالم، وبذلك أصبحت أكبر منتج لمعدات الاتصالات في العالم وثالث أكبر مورد للهواتف الذكية، جدير بالإشارة إلى أن 4 شركات صينية من أصل 5 من أكبر شركات تصنيع الهواتف الذكية في العالم تحتل السوق الهندية.
بالرغم من تركيز الصين على سوقها المحلي والآسيوي، إلا أنها تتمدد بثبات في مناطق مختلفة، ومن أهمها الشرق الأوسط التي افتتحت فيه 10 مكاتب وأسست مقرها الرئيسي في دولة البحرين مع وجود نحو 4 آلاف موظف.
لم تترد هواوي في استخدام كلمات وعبارات تصف منتجاتها بـ”الأفضل” و”الأسرع” لتجذب المستهلك إلى أجهزتها ومعداتها، وهذا بالجانب إلى التقنيات الرفيعة التي استخدمتها في العرض والتسويق
فتحت استراتيجية البحث والتطوير أبواب عديدة أمام هواوي، فمنحتها ميزة توقع احتياجات العملاء المستقبلية والتطوير على المعايير الأجهزة الحالية، ولم يكن ذلك ممكن دون وجودة إدارة تنفيذية مرنة وعميقة الرؤية، لذلك اتبعت الشركة سياسة تعدد المدراء التنفيذيين وإقرار سياسة التناوب عليهم من أجل التمتع بأكبر حصة من الخبرات الموجودة في الشركة. كما لعبت الشركة على وتر الترويج الخداع، فلم تترد في استخدام كلمات وعبارات تصف منتجاتها بـ”الأفضل” و”الأسرع” لتجذب المستهلك إلى أجهزتها ومعداتها ، وهذا بالجانب إلى التقنيات الرفيعة التي تستخدمها في العرض والتسويق بالتعاون مع أبرز المجموعات التسويقية والإعلانية العالمية.
بين هواوي وسامسونج عام واحد من التحديات
خلال العام الحالي، وتحديدًا في الربع الثاني باعت الشركة حوالي 54 مليون هاتف، وعلى إثر ذلك ارتفعت مبيعاتها إلى أكثر من 40%، هذه الأرقام والنسب ضيقت الفجوة بينها وبين شركة سامسونغ التي باعت نحو 70 مليون جهاز بالمقابل، واعتبارًا لهذه التطورات المستمرة قد تقود هواوي وحدها شركات الهواتف الذكية في العالم.
خاصة أن هواوي تزيد مبيعاتها السنوية لذلك تعتبر تهديد مباشر لشركة سامسونج بسبب تقنياتها الحديثة التي تنافس أجهزتها بشكل شرس، إذ من المفترض أن يزداد السباق جدية العام المقبل، فمن المتوقع أن تطرح سامسونج أول هاتف قابل للطي ويكلف حوالي ألفي دولار، وفي الوقت ذاته، أعلنت هواوي أنها تقوم باختبار التقنية نفسها على أجهزتها، وعلى هذا الأساس قد يكون عام 2019 عام الحسم بين الشركتين، فهل تستطيع هواوي هزيمة سامسونج؟
استراتيجية الشركة التسويقية والتسعيرية التي تستهدف شريحة المستهلكين المناسبة تضمن لها التقدم بخطوات واسعة في عالم التكنولوجيا
قبل سنوات معدودة، لم يكن يعرف العالم عن هواوي، وخلال السنوات القادمة قد لا يسمع المستهلكون سوى عن هذه الشركة التي تواجه منافسة شرسة خاصة من قبل الشركات الأمريكية، لكن استراتيجية الشركة التسويقية والتسعيرية التي تستهدف شريحة المستهلكين المناسبة تضمن لها التقدم بخطوات واسعة في عالم التكنولوجيا، ومع ذلك يستبعد المحللون إمكانية توسعها في السوق الأمريكي بسبب جميع القيود التي تفرضها السلطات الأمريكية على الصناعات الصينية بسبب تخوفها من التجسس واختراق أمنها القومي.