فتح هجوم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على قرى محافظة السويداء السورية ملفات عدة فيما يخص الأزمة السورية، خاصة أن أهالي السويداء اتهموا النظام السوري بأنه يقف وراء هذا الهجوم، وهذا ما ذهب إليه الكثير من المراقبين للشأن السوري، خاصة أن الأيام القليلة التي سبقت العملية العسكرية للتنظيم وراح ضحيتها أكثر من مئتي مدني عدا المخطوفين، شهدت تحركات عسكرية كان من شأنها أن تسهل للتنظيم الدخول لتلك القرى وارتكاب المجازر فيها، وهذا ما فسر على أنه ضغط من النظام السوري للعودة إلى المحافظة والسيطرة الكاملة عليها بعد أن تمتعت بشيء من الإدارة الذاتية منذ انطلاق الثورة السورية.
مبادرات قسد غزل للنظام أم ضمان لاستمرارية الدعم؟
علل الكثير مبادرتي الإدارة الذاتية سواء فيما يخص جاهزية قواتها للذهاب إلى السويداء ومحاربة داعش هناك أم الاستعداد لمبادلة أسرى داعش لديها بمخطوفي السويداء بأنها غزل صريح للنظام السوري ورسالة واضحة للنظام أن الطرفين في ذات الخندق في محاربة التنظيمات المتطرفة بالبلاد.
الأمر الذي نفته الإدارة الذاتية وأكدت أن المبادرتين تأتيان ضمن إستراتيجيتها في محاربة الإرهاب من ناحية وأيضًا إستراتيجيتها التي تجد التراب السوري وحدة جغرافية لا تتقسم وأن قضايا المكونات تعتبر قضايا مركزية بالنسبة لها .
يجد الكاتب الصحفي هبمرفان كوسا أن طرح قوات سوريا الديمقراطية نفسها كمحارب للتنظيم في السويداء هي محاولة لكسب الدعم العسكري وضمان استمراريته
وفي هذا يقول الرئيس المشترك للمجلس التشريعي لإقليم الجزيرة في الإدارة الذاتية حكم خلو: “بالتأكيد لا تأتي المبادرة الأخيرة في سياق التفاوض الأخير بين الحكومة والإدارة الذاتية، كوننا حاربنا داعش خارج مناطق الإدارة الذاتية في الرقة والطبقة وحتى في دير الزور وهي مناطق عربية، لذلك إيمانًا منا أننا أخوة في هذا الوطن مع كل المكونات والأديان والطوائق وبالتالي واجب علينا حماية الشعب السوري ونسيجه الجميل، وخلق العقلية والذهنية أو الحالة الوطنية أن نكون متقاربين وأخوة وأن نبتعد عن التخوين والبروبوغندا السوداء، بتوصيف أحد المكونات بالانفصاليين والآخر بالخونة، هذا التقارب مبدأي بالنسبة لنا وهو مبدأ نقوم عليه أننا سنحارب الإرهاب والاستبداد إلى أن تتحرر سوريا من الإرهاب والاستبداد وأن تكون سوريا فعلاً دولة ديمقراطية، تعددية لا مركزية”.
وتابع خلو بأن قواتهم سورية وليست حكرًا لقومية معينة دون أخرى ويجدون أن محاربة داعش في أي منطقة في سوريا أمر بديهي وواجب عليهم القيام به وقال: “قوات سوريا الديمقراطية من تعريفها هي قوات سورية وليست كردية أو عربية أو سريانية أو حتى طائفية، إنما تحمل مشروع سوري ديمقراطي، وصرحت في كثير من الأوقات أنهم سيحاربون الإرهاب أينما كان، اليوم تراجع الإرهاب أو بات معدومًا في مناطقنا، وله وجود في مناطق أخرى، ومن الطبيعي أن تجد قوات سوريا الديمقراطية الإرهاب في أي منطقة سوريا كعدو لها ومن الواجب استئصاله”.
ويضيف خلو “المبادرات والمواقف السياسية تأتي في سياق فهم طبيعة المجتمع السوري المكون أصلاً من تنوع قومي وثقافي ديني وحتى مذهبي، بكل الأحوال طبيعة سوريا تستوجب هوية سورية جامعة ومشروع سوري جامع لكل السوريين للحفاظ على هذا التناغم وهذه الفسيفساء”.
يقول الرئيس المشترك للمجلس التشريعي في إقليم الجزيرة السيد حكم خلو : “بالنسبة لتبادل الأسرى بالتأكيد الأخوة الدروز أخوة لنا في الوطن والإنسانية ومن واجبنا أن نساعدهم وهذا دليل على أننا نحن الكرد ونحن في الإدارات الذاتية في شمال سوريا، روحنا الوطنية في مستوى عالٍ”
من جهته يجد الكاتب الصحفي هبمرفان كوسا أن طرح قوات سوريا الديمقراطية نفسها كمحارب للتنظيم في السويداء محاولة لكسب الدعم العسكري وضمان استمراريته ويقول: “قوات سوريا الديمقراطية تبحث عن استمرارية الدعم الدولي لها من التحالف أو استعادة الدعم الروسي لأنها تعلم أن نهاية داعش تعني تقليل الدعم ونهايته ووضعها في مواجهة الاحتلال التركي”.
هل المبادرة بخصوص مخطوفي السويداء إنسانية في عمقها أم دعاية إعلامية؟
أثارت مبادرة قوات سوريا الديمقراطية بشأن استعدادها لمبادلة مخطوفي السويداء ردات فعل متباينة، بحيث ذهب الكثير إلى أن المبادرة تحمل بين طياتها شيئًا من الإنسانية ولها مدلول على وحدة الحال بين السوريين في خضم ما يجري من تناحر وفقدان اللوحة السورية للبُعد الإنساني وهذا ما جاء في رسالة رئاسة طائفة المسلمين الموحدين الدروز التي شكرت فيها قوات سوريا الديمقراطية على مبادرتها.
في وقت ذهب البعض الآخر إلى أن في المبادرة شيئًا من اللامنطقية خاصة أن المئات من الأسرى أبناء الشمال السوري ما زالوا أسرى لدى التنظيم سواء من كوباني أم الرقة ودير الزور ولا يأتي أحد على ذكرهم.
وعن هذه النقطة يقول الرئيس المشترك للمجلس التشريعي في إقليم الجزيرة السيد حكم خلو: “بالنسبة لتبادل الأسرى بالتأكيد الأخوة الدروز أخوة لنا في الوطن والإنسانية ومن واجبنا أن نساعدهم وهذا دليل على أننا نحن الكرد ونحن في الإدارات الذاتية في شمال سوريا، روحنا الوطنية في مستوى عالٍ وكل مأساة وكل جرح في جسد الوطن السوري جرح لنا، وبالتالي من واجبنا أن نهرع لمساعدة أخوتنا الدروز اللذين كانت أياديهم بيضاء في كل الأزمة السورية وحاولوا أن يتجنبوا الانتماء لأي طرف كان”.
يقول الكاتب الصحفي همبرفان كوسا “مسألة المخطوفين أخلاقية وإنسانية وأظن أن قوات سوريا الديمقراطية ستنفذ هذا الأمر إن وافق تنظيم داعش، رغم ظني أنها دعاية إعلامية، فمثلاً مئات المعتقلين الكرد لدى داعش لماذا لم تطلب منهم تبادل الأسرى؟”
وأضاف خلو “وهذا يسجل لهم، لكن الأطراف الأخرى لم تكن ترضى بهذا الحياد للأخوة الدروز، ونحن اليوم في شمال سوريا في الإدارات الذاتية يدنا بالتأكيد ممدودة لتقديم أي نوع من الدعم لأي مكون، مع العلم إن رجعت إلى تاريخ سوريا، ترى أن الأخوة الدروز لهم الراية البيضاء في الدفاع عن سوريا وثورات سلطان وثورات جبل حوران كلها دليل على وطنيتهم، اليوم نحن أحوج أن نمد يد العون لبعضنا البعض في مأساتنا للخلاص من الاستبداد والإرهاب الذي بات يفتك بمجتمعاتنا ويخلق الكثير من المشاكل”.
في ذات السياق كانت هناك أصوات في المنطقة تدعو الإدارة الذاتية أن تبدأ بحل قضايا المخطوفين الكرد والعرب من أبناء المنطقة قبل أن تذهب لتساعد أهالي السويداء وهم أقدر على الدفاع عن أنفهسم، وفي هذا يقول الكاتب الصحفي همبرفان كوسا “مسألة المخطوفين أخلاقية وإنسانية وأظن أن قوات سوريا الديمقراطية ستنفذ هذا الأمر إن وافق تنظيم داعش، رغم ظني أنها دعاية إعلامية، فمثلاً مئات المعتقلين الكرد لدى داعش لماذا لم تطلب منهم تبادل الأسرى؟”.
في المجمل لم يتجاوب تنظيم داعش حتى الآن للمبادرات المطروحة، بل ذهب لإعدام أحد المخطوفين لديها، وبالتوازي لم تسفر المفاوضات بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية حتى الآن عن نتائج ملموسة، لكن قضية هجوم داعش على السويداء، أثارت مرة أخرى حقيقة ما تعيشه سوريا من أزمة فعلية في التجانس بين المكونات، ومسببيها سواء كان الإرهاب في شكل مجموعات متطرفة أم في شكل نظام يدعي العلماينة، وأثبتت أن السوريين لم يتجاوزوا حقيقة كونهم أرقامًا لدى القوى المتصارعة والدم السوري ما زال على طاولة البازارات المحلية والإقليمية.