بدأت الجمهورية التركية مرحلة جديدة من الاستعدادات والوعود بعد أن فاز رجب طيب أردوغان بثاني ولاية رئاسية في انتخابات رئاسية وبرلمانية أجريت يوم 24 من يونيو/حزيران الماضي، لكن هذه المخططات تصادمت بأزمة دبلوماسية وحرب اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية على إثر قضية اعتقال القس الأمريكي أندرو برانسون، عقب محاولة الانقلاب الفاشل بتهمتي الإرهاب والتجسس، ما أثار سخط واشنطن التي فرضت بدورها عقوبات شديدة على أنقرة.
تقلبات اقتصادية مفاجئة
مواطن تركي يرفع لافتة كتب عليها “لا للأزمة الاقتصادية”
لم يستطع الاقتصاد التركي التملص من عواقب هذه الاضطرابات السياسية التي تحولت تدريجيًا إلى حرب تجارية، بعد أن فرضت أمريكا رسومًا جمركية على الواردات التركية من الصلب بنسبة 50% والألمنيوم 20%، هذه الخطوة أثرت بشكل غير مسبوق على سعر العملة التركية الليرة التي هبطت بنسبة 17.5% لتصل إلى 6.5 ليرة لكل دولار، وبهذا تكون هذه المرة الأولى على الإطلاق التي تفقد فيها الليرة أكثر من 30% من قيمتها في شهر واحد ونحو نصفها خلال أسبوع.
بلغت صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية نحو 8.6 مليار دولار، شكلت صادرات الصلب والألمنيوم منها مليار دولار، ولا شك أن الضرائب الإضافية ستؤثر على الصادرات المستقبلية بشكل سلبي
ووفقًا للإحصاءات لعام 2017 بلغت صادرات تركيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية نحو 8.6 مليار دولار، شكلت صادرات الصلب والألمنيوم منها مليار دولار، ولا شك أن الضرائب الإضافية ستؤثر على الصادرات المستقبلية بشكل سلبي.
وعود متفائلة وخطط مدروسة
البيرق يعلن نهجًا اقتصاديًا متوسط المدى
حدثت هذه التقلبات المقلقة بالتزامن مع إعلان وزير الخزينة والمالية بيرات البيرق، يوم الجمعة، النموذج الاقتصادي الجديد المتعلق بالخطة الاقتصادية متوسطة المدى التي ستُنفذ في الأشهر القادمة، وهي أول اختبار حقيقي يمر به البيرق منذ استلامه منصبه الحاليّ.
وبما أن شعبية حزب العدالة والتنمية مبنية في الأساس على ولاء شريحة واسعة من أبناء الطبقة المتوسطة الذين ازدهرت حياتهم بفعل النمو الاقتصادي الذي حققه الحزب خلال 16 عامًا من الحكم، كان لا بد أن يعرض البيرق الأهداف الاقتصادية بنبرة طموحة ومتفائلة تؤكد إصرار الحكومة على خفض معدل التضخم في البلاد بعد أن بلغ أعلى معدلاته في 14 عامًا مسجلًا 15.39%.
توقع البيرق نمو الاقتصاد التركي بين 3 إلى 4% خلال العام القادم، واستقرار عجز الحساب الجاري عند 4%
وبداية من هذا الرقم، عبر البيرق عن عزم المسؤولين على خفض هذه النسبة إلى خانة واحدة، كما توقع نمو الاقتصاد التركي بين 3 إلى 4% خلال العام القادم، واستقرار عجز الحساب الجاري -المؤشر الذي يقيس الفرق بين الصادرات والواردات- عند 4%.
لم يتردد البيرق في تذكير العالم بصلابة تركيا وسط التحولات الكبيرة التي تمر بها، مؤكدًا أنها ستزداد قوة بعد أن تقرر إجراءات تضمن التواصل بفعالية أكثر مع جميع المساهمين في السوق، حيث قال: “الإصلاحات الاقتصادية ستتواصل بدعم الشعب التركي، وسنحارب التضخم ونعمل على استمرار النمو الاقتصادي، وسنستخدم المصادر بشكل فعال أكثر، كما خفضنا الديون بشكل واضح”.
كان العنوان العريض في هذه الخطة هو ضمان الاستقلالية التامة للسياسات النقدية والاستقلال الكامل للبنك المركزي، حيث أشار البيرق إلى أن هاتين السياستين أولويات النهج الاقتصادي الجديد الذي سيتبع سياسات اقتصادية أكثر متانة واستدامة، أي أن وجود أو غياب أي شخص في السلطة لن يؤثر على النمو الاقتصادي، كما أنه سيعزز قوة الصناعات الوطنية بصورة تحد من تأثير التحركات العالمية على السوق المحلي، لكنه في الوقت نفسه سيواكب التغييرات الضرورية التي تجري في العالم إلى أن تصبح تركيا نموذجًا يحتذى به في العالم، على حد قوله.
نوه البيرق أيضًا إلى إجراءات صارمة تخص الانضباط في الميزانية، وذلك من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستمر بعيد كل البعد عن العشوائية وضربات الحظ، تشمل النظام الضريبي ومعاشات التقاعد والديون والبطالة
نوه البيرق أيضًا إلى إجراءات صارمة تخص الانضباط في الميزانية، من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستمر بعيد كل البعد عن العشوائية وضربات الحظ، وأشار إلى تحولات أخرى في القطاع المالي تشمل النظام الضريبي ومعاشات التقاعد والديون والبطالة، وصرح قائلًا “سنعمل في المستقبل على تطبيق نظام ضرائب عادل أكثر، بالإضافة إلى الزيادة في فرص العمل ومحاربة البطالة، سنأهل القوى البشرية حتى نصل إلى مجتمع منتج يلعب دورًا مهمًا في تطوير الاقتصاد الوطني”.
سبقت هذه الوعود دعوة أردوغان للشعب التركي إلى تحويل العملة الصعبة والذهب إلى الليرة واصفًا هذه الأزمة بـ”النضال الوطني” الذي يمكنه تخطي التحديات الاقتصادية عبر زيادة الإنتاج والصادرات والتوظيف، وتبعًا لهذا الموقف الحكومي والشعبي، علق مدير اتحاد التجار والحرفيين الأتراك على هذه الأزمة قائلًا “نحن نمر في مرحلة تتطلب التحلي بالصبر من جميع الأطراف”، متوقعًا بأن تهدأ المضاربة في السوق وتعود إلى وضعها الطبيعي في بداية الأسبوع المقبل.
لكن إلى ذلك، لا يبدو أن الأزمة تتجه إلى مسار أكثر هدوءًا، واعتبارًا لذلك قال ويليام جاكسون خبير اقتصادي في “كابيتل إيكونوميكس” للتحليل والأبحاث، إنه “من المرجح أن يقرر أردوغان رفع سعر الفائدة، لكنه لن يكون الحل الدائم للسيطرة على مشكلة التضخم”، ولا سيما أن خبراء آخرون يشيرون إلى ضيق الخيارات أمام الطرف التركي بسبب عبء الديون الخارجية للشركات التركية، والتي أصبحت أكثر صعوبة في التعامل معها والتحكم بها بعد هبوط عملتها المحلية.