هناك علاقة وطيدة بين كل ما يتوقعه المرء واستجابته للأمور، كان لهذا أثر واضح في التجارب التي أجراها بعض الأطباء لمعرفة ما إن كان هناك اختلاف في تقدير الألم بين النساء والرجال، أو في سياق آخر هل هناك توقعات معينة للشعور بالألم لدى النساء والرجال من الأطباء وبناءً عليه يتم الاستجابة لتلك التوقعات بطريقة معينة تجاه النساء وبطريقة مختلفة تجاه الرجال؟
قد لا يقتنع الكثيرون بتأثير “الجندرية” في عالم الطب على تقدير الشعور بالألم، لا يكون هؤلاء على حق دومًا، إلا أنهم أيضًا لا يدركون أن الجندرية في عالم الطب قد تطول كل من النساء والرجال وتؤثر عليهم سلبًا بشكل قد يغير مضمار حياتهم للأبد.
قبل بضع سنوات بدأت موجة عنيفة من النقد للعنصرية الجنسية ضد النساء في عالم الطب، بدعوى أن شكوى النساء الطبية لا تؤخذ على محمل الجد، وعلى إثرها بدأ الكل يروي تجاربه الشخصية على مواقع الصحافة الرقمية المختلفة، ووصف الكثير من الرجال المعاناة التي شهدتها زوجاتهم في غرف الطوارئ بالمستشفيات كما شهدوا بأنفسهم، حتى وصف أحدهم قائلًا في مقال بالمجلة الأمريكية “ذا أتلانتيك” “تُعامل النساء بجدية أقل من الأطباء في المستشفيات حتى يثبتوا أنهم مرضى كما يمرض الرجال”.
بدأت صحيفة “النيويورك تايمز” موجة الانتقادات في المجتمع الغربي منذ عام 2013 بمقال عنوانه “الفجوة ما بين الجنسين في الشعور الألم”، حيث أشارت الصحيفة في المقال باختلاف التعامل الطبي بين الرجال والنساء في كثير من الجوانب من بينها جرعة الدواء المحددة، حيث تم خفض الجرعة المحددة من بعض الأدوية المهدئة للنصف بالنسبة للنساء الأمريكيات من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مقارنة بالجرعة المحددة للرجال.
هل هناك فجوة بين الجنسين في التشخيص الطبي؟
تلعب الاختلافات البيولوجية دورًا مهمًا في تأثير الدواء على كل من النساء والرجال، فالرجال أكثر تأثرًا بالكافيين على سبيل المثال، ويكون تأثير التخدير على النساء أقل مما هو على الرجال، كما أنهم عرضة للإصابة بمتلازمة التعب المزمن بمعدل ثلاثة أضعاف الرجال.
هناك اختلافات بيولوجية بين الجنسين لا يمكن أخذها بالاعتبار في مسألة “العنصرية الجنسية” في التعامل مع الألم، إلا أن هناك مسألة مهمة تؤثر بشكل كبير على تشخيص المرض بالنسبة للرجال والنساء، وهي الجندرية والعوامل الثقافية والتوقعات المنسوبة لكل جنس، تلك التي تحدد أن كل ما هو أنثوي أكثر حساسية نحو الألم وكل ما هو ذكوري أكثر تحملًا للألم، وهذا لا يعني أن كل أنثى أكثر حساسية للألم والعكس بالنسبة للرجل، ولكن يعني كل من لديه صفات أنثوية وصفات ذكورية ينطبق عليه الكلام نفسه بغض النظر عن جنس الإنسان.
النساء أكثر عرضة للشعور بالألم ولكنهم أقل من الرجال في التبليغ عنه لدى الجهات الطبية المختصة، وذلك لأن لديهم قابلية أكثر من الرجل على تحمل الألم
دراسة المعهد الطبي الأمريكي
اجتمعت العديد من الدراسات الطبية المنشورة اعتمادًا على نتائج أبحاث طبية في دول عدة من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والشرق الأوسط على أن للثقافة والأدوار الجندرية في المجتمع تأثيرًا على نظرة الطب والطبيب لشكوى المرضى من الجنسين المختلفين، وهو ما أدى في المجتمعات بشكل غير مباشر إلى اعتبار ألم المرأة أقل جدية عند التبليغ عن الألم لدى الطبيب، وأن ألمها ذلك نابع من عاطفة مبالغ فيها أو حساسية زائدة تجاه الألم، وبالتالي يميل الطبيب لا شعوريًا إلى عدم تصديق الشكوى في المقام الأول.
يُنظر إلى شكوى المرأة الطبية في كثير من المجتمعات على أنها نابعة من شعور هستيري أو مذعور، وبالتالي لا يأخذ الطبيب الشكوى بعين الاعتبار كما تصفها المرأة، وعليه فإنه يقلل خطر الشكوى إلى النصف أحيانًا خصوصًا في غرفة الطوارئ، وهو ما جعل الطبيب يشعر بالشك حيال شكاوى المرأة الطبية بشكل يتضاعف بالنسبة للمرضى الرجال بحسب رأي بعض المجلات الطبية.
عام 2008، نشرت المجلة الأكاديمية الخاصة بطب الطوارئ دراسة أفادت فيها أن النساء المصابات بأمراض ضمن فئة الأمراض النسائية يكن أكثر عرضة للتشخيص الخاطئ بأمراض ترتبط بالجهاز الهضمي، مثل الزائدة الدودية أو عسر الهضم، إلخ، وبالتالي فإن تشخيصهن في غرف الطوارئ ومعاملتهن على أنهن مرضى بأحد الأمراض النسائية يتأخر كثيرًا مقارنة بمعالجة الرجال وقد يؤدي كثيرًا إلى مضاعفات جسدية لدى المرأة مقارنة بالرجل.
شارك كثير من الرجال في الدراسات الطبية التي تناولت “العنصرية والتحيز ضد المرأة طبيًا”، وشاركوا قصصهم الخاصة وشهادات على التحيز ضد شكوى المرأة الطبية سواء في حالة زوجاتهم أم أقارب لهم، وأكدوا وجود تحيز عنصري ضد المرأة في غرف الطوارئ تحديدًا، حيث يُوصف علاج مخالف لشكوى المرأة كليًا، فإذا عانت المرأة أحيانًا من ألم في الصدر أو صعوبة في التنفس قد يصف لها الطبيب في كثير من المرات أدوية تعالج القلق أو الذعر، لنظرته للشكوى على أنها شكوى نفسية وعاطفية بدلًا من كونها جسدية.
لعبت الثقافة المجتمعية السائدة دورًا في التشخيص الطبي بين الجنسين في مجتمعات الشرق الأوسط، إذ سادت شكوى النساء في أعراض مثل صداع الرأس أو أوجاع في منطقة البطن، بينما كثرت شكوى الرجال في أمراض لها علاقة بآلام الظهر مثلًا، أوضحت العديد من الدراسات أن التشخيص الطبي في ثقافات كتلك يكون بشكل جماعي كما هو حال ثقافتهم الجماعية كذلك “Collective Culture”، التي يكون لها تأثير مختلف على التشخيص الطبي عن المجتمعات الفردانية، فعلى سبيل المثال يكون تجنب الخوف من المرض مسألة مهمة تجعل عديد من الرجال والنساء على حد سواء يتأخرون في التبليغ عن شكوى المرض مما يؤثر على نظرة الطبيب للشكوى فيما بعد.
من الممكن أن يكون هناك عواقب للفجوة بين النساء والرجال في حالة التشخيص الطبي الخاطئ أو التشخيص الطبي غير الكامل في طرق العلاج المتبعة فيما بعد، وهذا يعني أن كثيرًا من النساء قد لا تتلقى علاج على الإطلاق أو علاج أقل جدية مثل مسكنات الآلام أو المهدئات، لنفس الأعراض المرضية التي يُعالج الرجل منها بشكل مختلف وأكثر جدية في بعض الأحيان.
للجندرية أهداف مختلفة
This is a true statement, with the hyper changes in tech. @RichieEtwaru has plenty of insights on this topic!! '#ArtificialIntelligence #AI & #Blockchain in #Medicine will save Millions of People from Mistaken Diagnoses' https://t.co/6ZXN7Bt8Bw by @bitcoinist
— Amelia.ai (@TheAmeliaAI) February 27, 2018
تغريدة تفيد بأن التطور التكنولوجي في عالم الطب من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي ستحمي كثيرًا من المرضى من تشخيص الأطباء الخاطئ
منذ عام 2013 بدأت التحذيرات الطبية بخصوص التشخيص الخاطئ للمرضى من الجنسين تنتشر شيئًا فشيء، وعلى إثرها خرجت إحصاءات تقوم بعد المرضى الذين مروا بتجربة تشخيص خاطئة كلفتهم مئات الآلاف من الدولارات في المضي في أخذ وسائل علاجية خاطئة، حيث وجدت أنه في عام 2014 عانى 12 مليون أمريكي من التشخيص الطبي الخاطئ وتكلفوا عشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الدولارات للحصول على علاج لا يجب عليهم الحصول عليه في الأساس، كما سجلت تلك الإحصائية أن نسبة كبيرة من هؤلاء عانوا من عواقب جسدية مهلكة نتيجة التشخيص الخاطئ.
قد يكون للجندرية في التشخيص الطبي تأثير سلبي على المرضى النساء بعدم أخذ شكواهن على محمل الجد، إلا أنه يكون لها غرض تجاري في بعض الأحيان من المرضى الرجال، إذ قد يبالغ الطبيب في أخذ شكوى المريض الرجل على محمل الجد لكي ينتفع هو وشركة التأمين الصحي منه ويتم إرشاده إلى طرق علاجية باهظة الثمن قد لا تحتاجها حالته على الإطلاق، كما يحاول بعض الأطباء المماطلة مع المرضى الرجال وتمديد مدة العلاج فترة أطول ليستطيعوا خلالها التربح منه قدر الإمكان، إذ قد يماطل الطبيب في التشخيص على الرغم من معرفته به ويحاول إيهام المريض بحاجته لكثير من الأشعة غير الضرورية على سبيل المثال.
بحلول عام 2014 كان هناك 12 مليون أمريكي عانوا من التشخيص الطبي الخاطئ
قد يبدو الدوار والتعرق والغثيان من أعراض الإصابة بالإنفلونزا، لكنها أيضًا قد تكون مؤشرات على الإصابة بنوبة قلبية، ولأن الطبيب على حق دومًا من وجهة نظر المريض فحتمًا سيصدق كل ما سيمليه عليه الطبيب من تعليمات من بينها الأدوية المطلوبة والوسائل العلاجية التي يجدها الطبيب مناسبة لحالة المريض، إلا أنها قد تكون في النهاية وسيلة لتحقيق الطبيب اتفاقًا كان قد عقده مع مركز للعلاج الطبيعي أو اتفاقًا ما مع شركة أدوية.
التشخيص الخاطئ، والأخطاء الطبية، والعلاج غير المناسب أو غير الضروري، وعدم كفاية المرافق أو الممارسات الإكلينيكية وعدم سلامتها، أو افتقار مقدمي هذه الخدمات للقدر الكافي من التدريب والخبرة هي السمات السائدة في جميع البلدان هذه الايام. https://t.co/AyBjSA0IcR pic.twitter.com/7U0IggEDBV
— البنك الدولي (@AlbankAldawli) July 9, 2018
تعد الأمراض الدماغية من أكثر الأمراض التي يتم تشخيصها بالخطأ أو المماطلة في تشخيصها بعد أن يُطلب من المريض الكثير من الأشعة الدماغية المكلفة ليتبين مع الطبيب التشخيص الصحيح، أوضحت في ذلك صحيفة التلغراف البريطانية أن واحدًا من كل عشر حالات مرض التصلب المتعدد “Multiple Sclerosis”، مرض مناعي يصيب خلايا الدماغ، يُشخص خطأ ويُلزم بعلاج باهظ الثمن.
لا يُفترض أن يكون للنوع أو الجنس أي تدخل في طريقة التعامل مع أي مريض، ولكنه مع الأسف وفقًا لكثير من المجتمعات التي تختلف ثقافتها عن الأخرى كان له تأثير واضح في طريقة معالجة كل من الرجل والمرأة، أدى بعضها إلى عدم تقدير الشكوى كما يُفترض، وأدى البعض الآخر إلى المبالغة في التقدير حتى وصل إلى معاملة تجارية وربحية بحتة هدفها المنفعة من شركات التأمين الصحي والأدوية ومراكز الأشعة والتحاليل وأولهم بالطبع الطبيب، الذي كان كونه على حق، مؤذيًا في كثير من الأحيان.