ترجمة وتحرير: نون بوست
“نادوني ياكوف”، قال المستوطن البدين ذو اللحية الحمراء للقرويين الفلسطينيين الذين يعيشون في ظله، وكان من المفهوم أنه ينبغي عليهم أن يعتبروه مختارهم ورئيسهم وعمدتهم ومأمورهم.
ولم يعرفوا اسمه الحقيقي: يتسحاق ليفي فيلانت، إلا بعد أن فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات عليه الأسبوع الماضي.
على الورق، فيلانت هو فقط المنسق الأمني (رافشاتز) لمستوطنة يتسهار، التي تقع على قمة تل في الضفة الغربية جنوب نابلس وتطل على سلسلة من القرى الفلسطينية القديمة المنتشرة على المنحدرات الشديدة الانحدار في الأسفل.
ولكن باستخدامه المتكرر والتعسفي للقوة؛ جعل فيلانت من نفسه أمير حرب لوادي جبل سلمان بأكمله، وقد برز من بين كتيبة من زعماء المستوطنين المتوحشين ليحصل على لقب “مواطن ذو تصنيف خاص” من وزارتي الخزانة والخارجية الأمريكيتين، بسبب “أنشطته الخبيثة خارج نطاق سلطته”؛ حيث تم إدراجه على القائمة السوداء وحظره من تلقي الأموال من الأمريكيين.
وأشارت لائحة الاتهام الموجهة ضده الشهر الماضي إلى حادثة وقعت في شباط/فبراير من هذه السنة عندما “قاد مجموعة من المستوطنين المسلحين لإقامة حواجز على الطرق وتسيير دوريات لملاحقة الفلسطينيين في أراضيهم ومهاجمتهم وطردهم من أراضيهم بالقوة”.
وكانت هذه مجرد عينة واحدة فقط من نمط منتظم من الترهيب الذي استمر حتى فرض العقوبات في 28 آب/أغسطس. وقبل ذلك بأسبوع؛ أطلق رجال مسلحون الغاز المسيل للدموع على ملعب كرة القدم في مدرسة بورين الثانوية بينما كان الأطفال يلعبون فيه.
وقال غسان النجار، رئيس إحدى التعاونيات الزراعية، الذي ساعد أيضًا في تدريب كرة القدم: “لم نأت إلى هنا منذ أكثر من أسبوع لأننا نخشى أن يتعرض الأطفال للإصابة. لا يمكننا تحمل مسؤولية ذلك”.
كان النجار يتحدث بالقرب من جدار حجري منخفض في الجزء الخلفي من الملعب، وكان يراقبه باهتمام رجال مسلحون في نقطة مراقبة خرسانية على بعد 100 متر على سفح التل.
وقال إنه كان من المستحيل معرفة ما إذا كانوا قوات نظامية من الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين يرتدون الزي العسكري، فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما أدى هجوم حماس المفاجئ إلى مقتل 1,200 إسرائيلي واندلاع حرب غزة، أصبح الفرق بينهم غير واضح.
وتم استدعاء جنود الاحتياط مثل فيلانت إلى الخدمة مجددًا، كما قام بتجنيد شباب المستوطنين الذكور لتشكيل ما يُعرف محليًا باسم “جيش ياكوف”. وتُعرف مدرسة يتسهار الدينية أو ما يُعرف بـ”اليشيفا” بتعليم التشدد اليهودي، وقد تم إغلاقها لأكثر من سنة في 2014 على أساس أنها كانت بمثابة قاعدة لشن هجمات على الفلسطينيين.
وفي ظهيرة يوم 18 حزيران/ يونيو، هجمت تلك الميليشيا على بورين وهاجمت كل من وجدته في الشارع.
ويتذكر النجار قائلاً: “رأيت الناس يهربون وظننت في البداية أنه الجيش، ثم رأيت الرجال الذين هاجمونا عراة من الخصر إلى أعلى وكانوا يضعون قمصانهم حول رؤوسهم لإخفاء وجوههم. وأضرموا النار في سيارة، وهاجموا سائقها، وهاجموا متجر البقالة هنا”.
وذكر أن جنود الجيش الإسرائيلي وصلوا إلى القرية بعد فترة قصيرة من بدء الهجوم، ولكنهم لم يتخذوا أي إجراء لوقفه، بل على العكس تمامًا قاموا بدعمه.
وأضاف قائلاً: “لم يتمكنوا من إبعاد المستوطنين، بل بدأوا في استخدام الرصاص المطاطي وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع ضد سكان القرية والفلسطينيين”.
لدى كل شخص في المنطقة رواية عن “ياكوف” ورجاله. وكانت شاحنته البيضاء الصغيرة، التي تميزت بالأضواء الصفراء الوامضة والهوائيات المرفوعة على سقفها، تمثل مشهدًا متكررًا ومخيفًا. فهو وأفراد عصابته ينصبون نقاط تفتيش غير رسمية بين القرى، وتُوجه إليهم الاتهامات بالاعتداء على السائقين وسرقة أموالهم.
وفي آذار/ مارس من السنة الماضية، كان إدريس وأمالا خليفة قد انتهيا للتو من التسوق استعدادًا لشهر رمضان وركبا سيارة ابنهما مع زوجته وابنته عندما هاجمتهم عصابة من المستوطنين من يتسهار الذين حطموا النوافذ بفأس، وضربوا إدريس بحجر ورشوا رذاذ الفلفل على الركاب.
تمكن ابنه من الرجوع إلى الخلف فجأة والفرار من الهجوم، لكن تم اعتراض سيارتهم ومطاردتهم من قبل فيلانت نفسه، الذي قال آل خليفة إنه أطلق رصاصة عبر النافذة الخلفية.
وقالت أمالا: “السبب الوحيد في عدم إصابة أحد هو أن وجوه النساء كانت تحترق من رذاذ الفلفل وكنا جاثيتين في مقاعدنا لحماية حفيدتنا”.
وفي وقت الحصاد، يقوم المستوطنون بشكل روتيني بمنع القرويين من الوصول إلى أشجار الزيتون الخاصة بهم، وفي بعض الأحيان، يضرمون النار في بساتين التلال.
ووفقاً لما ذكره النجار ومواطن آخر من سكان القرية، قام المستوطنون بإشعال النار في الأشجار في أوائل آب/ أغسطس. ومنع فيلانت سيارة إطفاء القرية من الوصول إلى موقع الحريق في دقائق حاسمة كانت ضرورية لإخماده قبل وصول الجيش بسيارة إطفاء عسكرية، وقد نتج عن ذلك خسائر كبيرة
وقالت منظمة “يش دين”، وهي منظمة إسرائيلية لحقوق الإنسان تراقب المنطقة، إنها “وثقت حوادث عنف ضد الفلسطينيين من قبل المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية على مر السنين، بما في ذلك عشرات الحوادث التي تورط فيها فيلانت”.
ولم تستجب إدارة مستوطنة يتسهار لرسائل البريد الإلكتروني التي تطلب التعليق، وكذلك الجيش الإسرائيلي. بينما أصدر مجلس السامرة الإقليمي، الذي يمثل المستوطنات في الجزء الشمالي من الضفة الغربية، بيانًا يرفض فيه الادعاءات ضد فيلانت ويشكو من أن العقوبات ستسبب مصاعب لعائلته.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه ينظر بـ”أقصى درجات الخطورة” إلى العقوبات الأمريكية المفروضة على فيلانت ومجموعة تدعى “هاشومير يوش” التي توفر حراسًا للبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية. كما انتقد قرار بايدن جمهوريون أمريكيون مثل السيناتور ماركو روبيو الذي قال “لدى إسرائيل نظام قضائي فعال قادر تمامًا على محاكمة الجرائم المرتكبة داخل حدودها”.
أما في الضفة الغربية المحتلة، أياً كان النظام القضائي القائم، فهو غير منتظم، ويعتمد على المنطقة المعنية وما إذا كان الضحايا والجناة إسرائيليين أو فلسطينيين. وفي الممارسة العملية، يخضع الجنود لـ”فيلانت”، كما قال القرويون.
وعندما هدد أحد السكان المحليين بتقديم شكوى إلى مكتب الارتباط اللوائي التابع للجيش الإسرائيلي، ورد أن “ياكوف” قال له “أنا مكتب الارتباط اللوائي، أنا الشاباك [جهاز الأمن]، أنا الشرطة، أنا الجيش.. أنا كل هؤلاء. أنا العالم بأسره”.
وقال زيف ستال، رئيس منظمة “يش دين”: “ما يحدث على أرض الواقع هو أن المنسق الأمني يصبح بمثابة قائد للجنود، وليس العكس، كما يفترض أن يكون”.
وقالت ستال إنها تعتقد أن العقوبات الأمريكية على فيلانت وهشومير يوش، بالإضافة إلى التدقيق من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية منذ بدء الحرب على غزة، بدأت أخيرًا تهدد إفلات المستوطنين مثل فيلانت من العقاب.
وقالت: “أعتقد أنه مع الجمهور الإسرائيلي أيضًا، هناك تغيير لأن هناك المزيد من الحديث عن عنف المستوطنين. لقد أصبحت القضية أكثر على جدول أعمال وسائل الإعلام.“
وأضافت: “أعتقد أن هناك تغيرًا أيضًا في موقف الجمهور الإسرائيلي، حيث أصبح الحديث عن عنف المستوطنين أكثر شيوعًا. لقد باتت هذه القضية الآن على جدول أعمال وسائل الإعلام”.
ومع ذلك، تم حتى الآن تجاهل رسالة من منظمة “يش دين” إلى قيادة الجيش الإسرائيلي التي تطالب بطرد فيلانت.
وفي بورين، يشكك النجار في حدوث أي تغيير دراماتيكي نحو الأفضل في حياة القرى المحلية.
وسأل قائلاً: “هل تعتقد أن هذا سيوقفه؟”. وأضاف: “أنا لا أريد معاقبة ياكوف. ما أريده هو أن يمارس الأمريكيون ضغوطًا على الحكومة لوقف هذه الأفعال. حتى إذا نجحنا في إيقاف ياكوف، فهناك العديد من الأشخاص مثل ياكوف الآخرين في المستوطنات”.
المصدر: الغارديان