ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تنفيذ خطط إصلاح جذرية في المملكة العربية السعودية، وهو أمر إيجابي ويستحق الثناء. فقد سمح بن سلمان للنساء السعوديات بقيادة السيارات، وهي خطوة جريئة ورائعة فعلا. كما يحارب بن سلمان الفساد في المملكة، ويريد إجراء تعديلات اقتصادية تحد من اعتماد اقتصاد بلاده على النفط. فضلا عن ذلك، يسعى محمد بن سلمان جدياً وبكل شجاعة للفصل بين الدولة والدين، وهو أمر شبه مستحيل في دولة مثل المملكة العربية السعودية.
في الواقع، إن الفصل بين الدولة والدين يعد بمثابة إعلان الحرب على الإسلام السياسي المتطرف، وهو يصبّ في مصلحة الغرب لكنه يشكل خطراً حقيقياً يحدق ببن سلمان، لأن المتطرفين يُحكمون سيطرتهم على المملكة، وبالطبع سيخسرون الكثير جراء التغييرات التي تحدث في البلاد. ولهذا السبب، يستحق محمد بن سلمان احترام ودعم الغرب على هذه الخطوات الجريئة.
خلال شهر أيار/ مايو من سنة 2017، أدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول زيارة خارجية رسمية له، التي كانت للمملكة العربية السعودية، وقد رفع ذلك شأن المملكة بصورة كبيرة للغاية
لكن يبدو أن الحاكم الشاب الجديد للمملكة يجمع بين سياسة داخلية شجاعة، وسياسة خارجية عدائية للغاية، وهي ليست ضد إيران وحدها التي تعد أسباب العداء بينها والمملكة معلومة. ففي الحقيقة، يمارس محمد بن سلمان سياسة خارجية عدائية ضد اليمن وقطر ولبنان، والسبب الرئيسي الذي يفسر تمسكه بموقفه العدائي هو الدعم الكبير الذي يحظى به من الرئيس الأمريكي.
إعلاء ترامب من شأن السعودية بعد أول زيارة خارجية رسمية للرياض
خلال شهر أيار/ مايو من سنة 2017، أدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول زيارة خارجية رسمية له، التي كانت للمملكة العربية السعودية، وقد رفع ذلك شأن المملكة بصورة كبيرة للغاية. فهناك رابط قوي يجمع بين ترامب والسعودية في المنطقة، ألا وهو إيران، التي أصبحت في مرمى نيران السياسة الخارجية العدائية لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
برز التقارب بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل للعلن منذ سنوات، وكانت شرارة ذلك التقارب العدو المشترك لثلاثتهم وهو إيران. وترتب عن المساندة الأمريكية العلنية للسعوديين تجرؤ المملكة على فعل كل ما تريده في سياستها الخارجية. وبات ذلك واضحا بعد الهجوم المباشر على كندا على خلفية انتقاد وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة.
ففي تغريدة لها على موقع تويتر، انتقت فريلاند عملية القبض على الناشطة الحقوقية، سمر بدوي، وطالبت بالإفراج عنها. وكان رد فعل السعودية أن قامت بسحب السفير السعودي من أوتاوا، وهددت بممارسة بعض الضغوط الاقتصادية عليها.
بعد التغيير الحكومي في ألمانيا، أصبحت الحكومة الاتحادية تضم ائتلافا أوسع مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني. وقد أصدرت قراراً، باعتباري وزيرا للاقتصاد آنذاك، بوقف رخصة بناء المصنع وعارضت تسليم دفعة من الدبابات المقاتلة من طراز “ليوبارد” للرياض.
في الحقيقة، ليست تلك المرة الأولى التي تشن فيها المملكة هجوماً عنيفاً على دول تنتقد أوضاع حقوق الإنسان، فقد فعلت ذلك من قبل مع ألمانيا، ولكن الصراع مع ألمانيا لم يحدث فجأة وإنما تصاعد تدريجياً. وبدأت الشرارة الأولى للخلاف بين ألمانيا والسعودية، إبان إعلان ألمانيا عن إيقاف رخصة تصنيع ما لا يقل عن 250 ألف بندقية هجومية ألمانية من طراز “هكلر آند كوخ جي36″، داخل المملكة.
خلال الفترة الممتدة بين سنة 2009 وحتى سنة 2013، كانت هناك مفاوضات مع الحكومة الاتحادية في ألمانيا، في ظل وجود ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الحر، لإنشاء مصنع أسلحة في السعودية بتكنولوجيا ألمانية وقد تمت الموافقة على المشروع.
أما بعد التغيير الحكومي في ألمانيا، أصبحت الحكومة الاتحادية تضم ائتلافا أوسع مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني. وقد أصدرت قراراً، باعتباري وزيرا للاقتصاد آنذاك، بوقف رخصة بناء المصنع وعارضت تسليم دفعة من الدبابات المقاتلة من طراز “ليوبارد” للرياض. وبعد جلسات مطولة من المفاوضات، تمكّنا من وضع حد للخلاف بين البلدين.
لقد كانت النقاشات بيننا وبين العائلة المالكة في السعودية مقعدة للغاية، بعد طلب ألمانيا الإفراج عن الناشط في مجال حقوق الإنسان، رائف بدوي. لقد خضنا العديد من النقاشات العلنية والمباشرة مع الحكومة السعودية وعلى جميع المستويات حول ملف رائف بدوي. أما آخر التوترات، فكانت على خلفية الاستقالة المفاجئة التي أعلنها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أثناء فترة تواجده في المملكة.
حتى الآن، لا يبدو الدور الذي لعبته السعودية في استقالة الحريري واضحا، ولا يمكن استبعاد أن المملكة غير راضية تماما عن سياسة الحريري الداخلية، بسبب تعاونه الضروري مع الذراع السياسي للشيعة في لبنان، حزب الله. لذلك، أرادت السعودية ممارسة بعض الضغوط عليه. وعندما حذرت من “روح المغامرة السياسية” السعودية خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية اللبناني في برلين، أعربت الرياض عن امتعاضها من هذا التصريح.
تعتبر كندا ثاني دولة وجّهت انتقادات لحقوق الإنسان في السعودية، وقد ردت السعودية على هذه الانتقادات بممارسة ضغوط اقتصادية
بعد ذلك مباشرة، سحبت المملكة العربية السعودية سفيرها من ألمانيا ولم ترجعه إلى حد الآن، كما أعلنت الحكومة السعودية أنها بصدد سحب عقود تجارية في ألمانيا، كأداة لتهديد الاقتصاد الألماني. وهذا ما يحدث الآن مع الكنديين، بسبب تشددهم في لوائح تصدير الأسلحة، وانتقادهم لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة.
لا يوجد ما هو أكثر أهمية من حقوق الإنسان
اتهمت المملكة العربية السعودية وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحجة كانت معتمدة فيما مضى من قبل الاتحاد السوفيتي، عندما كان يطالب الغرب بمراعاة حقوق الإنسان في الدول الشيوعية، كما لو أن للدولة حق التصرف في حقوق الإنسان كما تشاء. عموماً، إن حقوق الإنسان تخص الإنسان نفسه ولا يمكن للدول أو الحكومات منحها أو إنكارها. ولا تقبل حقوق الإنسان المساومة، ويسعى ميثاق الأمم المتحدة للاعتراف بحقوق الإنسان عالميا، ولا يوجد ما هو أكثر أهمية من حقوق الإنسان.
تعتبر كندا ثاني دولة وجّهت انتقادات لحقوق الإنسان في السعودية، وقد ردت السعودية على هذه الانتقادات بممارسة ضغوط اقتصادية. وتريد المملكة أن توجه رسالة للغرب مفادها أنه يجب أن يقبل بأوضاع حقوق الإنسان في المملكة دون اعتراض. وسيكون من الرائع أن يدعم الأوربيون كندا ووزيرة خارجيتها، لأنه عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان يجب ألا يكون هناك مصالح.
لكن لن يفعل الأوربيون ذلك خوفا من العقوبات الاقتصادية التي قد تلجأ لها المملكة. ويبدو أن الغرب أصبح يتعامل مع السعودية بحذر شديد، فلا مكان للقيم والمبادئ أمام حقائب النقود التي تصلهم من المملكة. وهنا لسائل أن يسأل: من نقصد بالغرب تحديدا؟ فتحت رئاسة دونالد ترامب، باتت الولايات المتحدة تدعم مواقف السعودية.
المشكلة في السعودية تكمن في سوء فهم العلاقات الخارجية، فإما أن تبقى صديقي أو تكون عدوي
من جهتهم، يعلم السعوديون جيداً أن العلاقة بين الرئيس الأمريكي ترامب، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ليست على ما يرام. وهذه المرة الأولى التي يترأس الولايات المتحدة الأمريكية رئيس لا يتحدث مطلقا عن قضية حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، ولا ينتقد طريقة تعاطي العائلة المالكة مع هذا الموضوع.
يجب أن تبقى أوروبا حاملة لشعلة الغرب، حتى لو قررت القائدة السابقة له، الولايات المتحدة، مغادرة صفوفه. ففي حال التزمت أوروبا الصمت الآن ولم تدعم كندا، فحينها لن يكون هناك فرق بين الدول الأوروبية وترامب. فنحن ندافع عن قيم الغرب التي هي بالأساس قيم عالمية. ولكن يجب أن يتم ذلك بالطريقة الصحيحة، لأن الانتفاض أخلاقيا من أجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية والعودة فيما بعد لحياتنا الطبيعية ليس كافيا لوضع حد للانتهاكات.
بالطبع، لا أتحدث هنا عن مقاطعة العائلة المالكة أو المجتمع السعودي، وإنما من خلال المزيد من الحوار. فالمشكلة في السعودية تكمن في سوء فهم العلاقات الخارجية، فإما أن تبقى صديقي أو تكون عدوي. ولكن لا غرابة في أن ندعم الإصلاحات في السعودية وننشئ شراكات معها، مع مواصلة انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يصب في مصلحة المملكة العربية السعودية على المدى المتوسط والبعيد.
نصيحة للسعوديين: إن الصدق والانفتاح في العلاقات الثنائية مع ألمانيا وأوروبا يعتبران أساسا أكثر ثقة من صفقات السلاح التي تكلف مليارات الدولارات، أو من الصمت الانتهازي خوفا من الممارسات الاقتصادية القمعية.
المصدر: تاغس شبيغل