لطالما لاحظ المعنيون حجم البيروقراطية الكبير في وزارة الخارجية التركية بل وربما وجود فوارق فكرية وأيديولوجية بين العاملين في وزارة الخارجية من جهة وحكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان من جهة أخرى، وكانت وزارة الخارجية قلعة معزولة عن بقية الحكومة وكان العمل فيها والسلوك محكومًا بتقاليد أتاتوركية قديمة ووجود قوانين منظمة لعمل الوزارة ودبلوماسيين لديهم قناعات ورؤى مختلفة أحد العوائق الكبيرة أمام تعيين أشخاص جدد وتنفيذ سياسات جديدة.
كانت مقاربة رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية قبل ذاك أحمد داوود أوغلو للتعامل مع الوزارة هو العمل مع كادر الدبلوماسيين الموجودين من جهة في إدارة العمل الدبلوماسي التركي، ولكن هذا لم ينجح إلى حد بعيد، وقد كان هناك دبلوماسيون موضع الشك من ناخبي حزب العدالة والتنمية مثل نائب الوزير فريدون سينرلي أوغلو الذي أصبح وزيرًا للخارجية فترة استقالة الحكومة في 2015 واتهمته هيئة الإغاثة الإنسانية التركية بلقاء الإسرائيليين سرًا في أثناء القطيعة الدبلوماسية، وآخرين من أحزاب معارضة مثل قنصل تركيا في الموصل الذي اختطف على يد داعش وهو يلماز أوزتورك وهو حاليًّا نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري وقد انتقد داوود أوغلو من مقربين من حزب العدالة بأنه لم يستطع تعيين دبلوماسيين مقربين من الحكومة.
وزارة الخارجية تأسست رسميًا عام 1920 وبدأت بتوسيع أجهزتها عام 1927 وفقًا لقانون 1154 الذي يعتبر هو وقانون 1985 القانون المنظم لهيكلية وعمل الوزارة حتى يوليو/تموز 2018
ومع ذلك فإن القانون والشروط السابقة المنظمة لهيكلية الوزارة كانت تحول دون ذلك، وحتى لو تم تجاوزها فيكون في إطارات ضيقة جدًا، وأمام أهمية الوزارة وأهمية انسجامها مع صانع القرار كونها من أهم الأدوات؛ أقر الرئيس أردوغان في شهر يوليو/تموز الماضي من خلال مرسوم رئاسي بعد الانتخابات عددًا من القرارات التي تعد تغييرات مهمة على أدوات السياسة الخارجية:
-
إقرار هيئة السياسة الخارجية والأمن التي ستكون تابعة للرئاسة وستساهم في صناعة قرار السياسة الخارجية.
-
إلغاء القانون المنظم لهيكلية وزارة الخارجية.
-
وفق المرسوم الجديد أصبح من الممكن تعيين موظفين في الوزارة من خارج المؤسسة الرسمية.
-
جعل شرط تعيين مدير عام/مساعد أو مدير عام/مدير دائرة في الوزارة هو شهادة جامعية وخبرة 5 سنوات في مؤسسات الدولة أو في القطاع الخاص أو في عمل حر.
-
أصبح من الممكن تعيين أشخاص في المستويات العليا في الوزارة كالسفراء والمستشارين من خارج الوزارة.
-
إلغاء مسؤولية المستشار عن رئاسة “لجنة توجيه السياسة الخارجية” التي كانت تضم 6 مساعدين للمستشار وسيتم إعادة تشكيل هذه اللجنة من وزير الخارجية وبعضوية 15 عضوًا.
-
إلغاء منصب مساعد المستشار، حيث كان يوجد 6 مساعدين كبار لديهم سيطرة على دوائر الوزارة كافة وبالتالي أصبحوا بلا وظيفة ومن المتوقع إرسالهم كسفراء أو مسؤولي بعثات في أماكن أقل أهمية.
-
ضم وزارة الاتحاد الأوروبي إلى وزارة الخارجية تحت مسمى رئاسة شؤون الاتحاد الاوروبي، وقد تأسست وزارة الاتحاد الأوروبي عام 2011 بمعنى أنها شكلت وفق رؤية حزب العدالة والتنمية ولذا فإن إضافتها للخارجية يحدث توازنًا داخل الوزارة لصالح حزب العدالة والتنمية.
-
إلغاء معايير الترفيع القديمة للسفراء وللدبلوماسيين داخل الوزارة وإلغاء اختبار باش كاتب الذي كان ينظم هذه العملية واستبداله بآليات جديدة سيتم إعلانها.
-
تغيير مسؤولية السفير من أن يكون مرجعية عمل مؤسسات بلاده في الخارج إلى مسؤولية التنسيق بينها.
-
في حال الأزمات يتم نقل السفراء وإدارة حركتهم من بلد لبلد أو للمركز من الوزير مباشرة بموافقه شفهية من الرئيس.
-
المفاوضات وتوقيع الاتفاقات مع أطراف خارجية لا تكون إلا بمرسوم من الرئيس وما دون ذلك لا يعتد به.
-
تعيين 3 مساعدين لوزير الخارجية.
من المعلوم أن وزارة الخارجية تأسست رسميًا عام 1920 وبدأت بتوسيع أجهزتها عام 1927 وفقًا لقانون 1154 الذي يعتبر هو وقانون 1985 القانون المنظم لهيكلية وعمل الوزارة حتى يوليو/تموز 2018، وقد بلغ عدد الدبلوماسيين في الوزارة حتى عام 2016 نحو 2300 دبلوماسي تقريبًا، أما عدد العاملين إجمالاً الذي يشمل الخبراء والمراقبين والمستشارين والمترجمين والموظفين الآخرين فيصل لقرابة 7 آلاف، وتمتلك تركيا 234 بعثة خارجية منها 135 سفارة و15 بعثة دائمة.
يعتقد أن التغييرات الجديدة ستفيد عملية تنفيذ القرارات بشكل سريع وستقوي أذرع تركيا الخارجية وستساهم في تحسين العمل في العديد من الملفات
جرت بعض الانتقادات من دبلوماسيين سابقين وكتاب معارضين بأن التعيين في الوزارة سيصبح بناءً على الولاء وليس بناءً على الكفاءة كما كان سابقًا، لكن مدى الانتقادات كان محدودًا ولم يكن مؤثرًا وربما هذا لأن عملية التغيير الفعلي لم تبدأ بقوة ويتوقع أن تتم تدريجيًا خلال السنة الحاليّة والقادمة، وتم تعيين 12 دبلوماسيًا جديدًا خلال فترة السنة الماضية أغلبهم سفراء مثل سفيرة تركيا في ماليزيا مروة قاوقجي والسفير في اليابان وهم نواب سابقين عن حزب العدالة.
يعتقد أن التغييرات الجديدة ستفيد عملية تنفيذ القرارات بشكل سريع وستقوي أذرع تركيا الخارجية وستساهم في تحسين العمل في العديد من الملفات وربما يكون لهذه القرارات انعكاس سلبي عى العلاقة مع بعض الدول مثل الولايات المتحدة و”إسرائيل”، كما قد يكون مفيدًا على مستوى العلاقات مع روسيا وإيران.