خلال هذا اليوم من كل سنة، أي في العيد الوطني للمرأة التونسية الموافق الـ13 من شهر أغسطس/آب، يخرج العديد من السياسيين إن لم نقل جميعهم للحديث عن المرأة وحقوقها، ساردين معاناتها ومطالبها، متعهدين بالنضال والمضي قدمًا لتحقيق آمال نسوة تونس، وما إن ينبلج فجر يوم الغد حتى ينسوا ما قالوا بالأمس، ليتذكروه العيد القادم أو الانتخابات المقبلة، حتى أضحت معاناة المرأة وحقوقها مطية لبعض السياسيين لتحقيق مكاسب سياسية لا أكثر.
مكانة كبيرة في المجتمع
تثمن العديد من النسوة في تونس ما وصلن له من مكان لم يصل إليه غيرهن في باقي الدول العربية، فالمرأة في تونس تتمتع برعاية حقوقية ومساواة مع الرجل في الحقوق والحريات، فلها ما له وعليها ما عليه حسب الدستور والقوانين، إلا أن ذلك لا يمنع أن تكون هناك نقائص عديدة.
في مثل هذا اليوم من 62 سنة مضت صدرت مجلة الأحوال الشخصية في تونس، المجلة اعتبرت، حسب العديد من الخبراء، منطلق تحرر المرأة التونسية وثمرة اجتهاد مصلحين وبداية خلق حد من التناسب بين ما تقدمه المرأة لفائدة الأسرة والمجتمع، وما يجب أن تحظى به من حقوق هي بها جديرة، بعدما أثبتت كفاءتها في أداء ما فرضته عليها ظروف البلاد من واجبات.
يستنجد السياسيون في تونس سواء في المعارضة أم في الحكم، خاصة الذين يدعون الحداثة، بحقوق المرأة لكسب نقاط إضافية
نصت مجلة الأحوال الشخصية في تونس على العديد من الحقوق للمرأة، من بينها منع تعدد الزوجات وحقها في اختيار زوجها وألا تطلق إلا في المحكمة، كما نصت أيضًا على حقها في حسن المعاملة من الأب والأخ والزوج والسماح لها بالتعلم في مختلف مراحل الدراسة وحقها في الإنفاق عليها حتى بعد الطلاق.
كما ساهم دستور تونس الجديد الصادر في فبراير/شباط 2014، وتوقيع البلاد على اتفاقيات دولية تتعلق بالقضاء على أشكال التمييز ضد النساء، في تبوء المرأة مرتبة متقدمة عربيًا تكرست شيئًا فشيئًا على أرض الواقع، بفضل استفادتها من إجبارية التعليم وتعميم الصحة مما جعلها تقتحم مجال العمل والسياسة والسلطة.
نقائص عدة
62 سنة مضت حققت فيهم المرأة التونسية مكاسب اقتصادية واجتماعية وسياسية عديدة، وأثبتت خلالها نسوة تونس قدرة عالية على التعبير عن رأيهن والدفاع عن أنفسهن وعن أبنائهن وبلادهن، إلا أن ذلك لا يحجب العديد من النقائص.
رغم المكاسب اللي حصلت عليها المرأة بفضل مجلة الأحوال الشخصية، فإن ذلك لا ينفي أن المرأة التونسية ما زالت تعاني من عدة نقائص من أجل إرساء حقيقي لمبادئ المساواة التي أقرها دستور 2014، من ذلك غياب التوعية وعدم دراية معظم النساء بالقوانين التي تضمن حقوقها، الأمر الذي يساهم في تزايد معدل الجريمة ضدها.
تعاني المرأة في تونس من مشاكل اقتصادية كبيرة
كما أن العديد من القوانين لا تطبق، وبقيت حبرًا على ورق، فعدد مهم من النساء في تونس – خاصة في الأرياف – لا يتمتعن بحقهن الذي ضمنه لهن القانون التونسي، فلإن استطاعت المرأة المتعلمة الاستفادة بما نصت عليه قوانين البلاد، فقد حرمت غيرهن في الأرياف من حقهن.
وما زالت المرأة الريفية تعاني من تهميش وظلم كبير من مجتمعها، فهي لا تتمتع بأبسط حقوقها مثل التعليم بحجة الظروف أو الزواج، وتبين الأرقام أن 64.5% من الريفيات يشتغلن بالفلاحة دون عقود عمل وتغطية اجتماعية، في ظل ظروف غير محترمة لقوانين الشغل من حيث عدد ساعات العمل والمقابل الزهيد الذي لا يكفي للإيفاء بأبسط الحاجيات الحياتية.
كما تعتبر نسبة مشاركة المرأة في الحكومات المتعاقبة بعد الثورة ضعيفة جدًا، مثلما هو الحال بالنسبة إلى نشاطها في النقابات والأحزاب، وهو ما يؤكد وجود احترازات كبيرة من تصدر المرأة المشهد السياسي في البلاد ورفض شغلها مناصب مهمة في الدولة.
استغلال لمطالبها
هذه النقائص التي تعاني منها المرأة لا تُذكر إلا يومًا في السنة في الـ13 من شهر أغسطس/آب أو خلال الانتخابات، ما يؤكد تواصل نهج المسؤولين التقليدي في استخدام حقوق المرأة كأداة لأغراض سياسية، وخدمة لمصالحهم الشخصية.
ويستنجد السياسيون في تونس سواء في المعارضة أم في الحكم، خاصة الذين يدعون الحداثة، بحقوق المرأة لكسب نقاط إضافية وإضعاف خصومهم السياسيين والتلاعب بالرأي العام وإخفاء تجاهل الأحزاب التام لمطالب الثورة التونسية.
كمثال على هذا، أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي اليوم، في خطاب بقرطاج بمناسبة عيد المرأة، اقتراح مشروع قانون على مجلس نواب الشعب للمساواة في الإرث ليصبح قانونًا، وأكد السبسي أنه حسم أمره لتقديم مشروع قانون بشأن المساواة في الإرث باعتبار أنه الراعي والضامن لتطبيق الدستور الذي ينص على المساواة وعلى أن تونس دولة مدنية.
نفس السياسيين الذين ينادون اليوم بحقوق المرأة وحقها في المساواة في الميراث، صفقوا للمنشور عدد 108 الذي حرم النساء من حق وضع الحجاب
السبسي أراد من خلال هذا الاعلان مغازلة جزء مهم من نساء تونس، خاصة أنه يعلم أن للنساء الفضل الكبير في وصوله إلى قصر قرطاج أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2014، حيث كانت أصوات النساء في تونس حاسمة في فوز السبسي في انتخابات الرئاسة على منافسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
ويروج أتباع السبسي أن الهدف من هذا القرار الذي أعلنه الرئيس تعزيز مكاسب المرأة وتحقيق جزء مهم من مطالب التونسيين من عقود خلت، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك فالرئيس لا يهمه المرأة قدر ما يهمه المنصب ومواصلة حكم تونس، خاصة أنه عُرف بإهانته للمرأة.
ازدواجية في الخطاب
نفس السياسيين الذين ينادون اليوم بحقوق المرأة وحقها في المساواة في الميراث وفي الزواج من غير المسلم، صفقوا للمنشور (108) الذي حرم النساء من حق وضع الحجاب في المؤسسات العامة، ما أدى إلى عقود من المضايقات والسجن والاضطهاد على يد الحكومة.
ونفسهم غضوا النظر عن معاناة آلاف النساء اللواتي يرتدين الحجاب في ظل نظام بن علي ولم يستنكروا أبدًا السياسات المانعة للحجاب، ومن يهينون المرأة طوال السنة في مكاتبهم وشركاتهم ومؤسساتهم نجدهم اليوم يتسابقون لتأكيد التزامهم بالدفاع عن حقوق المرأة، دفاع بالكلام لا بالفعل.
تتاجر النخبة السياسية في تونس بحقوق المرأة لتحقيق مكاسب سياسية
غالبًا ما تستغل الشركات النساء، خصوصًا في قطاع الخياطة والمنسوجات، فوفقًا لقانون 1972 تتقاضى النساء أجرًا زهيدًا ضمن عقود محدودة في الزمن لجذب المستثمرين الأجانب، والتأمين الاجتماعي غير موجود، وفي بعض الأحيان تعاني النساء من التحرش الجنسي في مكان العمل، ولكن قلما يُسلط الضوء على هذا الموضوع.
غياب الإرادة السياسية يمثل أبرز أسباب تواصل معاناة نساء تونس في مجالات عدة، فنفسهم من يتصدرون المنابر لتأكيد التزامهم الدفاع عن المرأة وحقوقها، يساهمون في اضطهاد المرأة وتراجع مكانتها في المجتمع.