كثرت الأقاويل والأخبار عن الخطوات التي ستتخذها الحكومة التركية لوقف هبوط عملتها المحلية (الليرة) التي فقدت نحو 35% من قيمتها خلال عام واحد فقط لتعادل أكثر من 7 ليرات للدولار الواحد، وذلك بسبب الأزمة الدبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي تحولت بشكل مفاجئ إلى حرب تجارية.
وبناءً على ذلك، أعلن البنك المركزي سلسلة من التدابير الضرورية التي تهدف إلى الحد من تدهور الليرة وضمان الاستقرار المالي في البلاد، حيث جاءت هذه الإجراءات بالجانب إلى تصريحات رسمية تؤكد قدرة السلطات على مواجهة جميع الاحتمالات الاقتصادية الناتجة عن “الهجوم” الاقتصادي، بحسب ما وصفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
أغلقت مديرية الأمن التركية نحو 346 حسابًا على مواقع التواصل الاجتماعية، مؤكدةً أنها ستتعامل مع هذه الحسابات بالقانون لأنها تستهدف أمن الاقتصاد الوطني وتخلق نظرة تشاؤمية بين الأوساط العامة
لكن هذه البيانات لم تكن كافية للحد من الإشاعات والبلبة التي أحدثتها بعض الحسابات الإلكترونية عن وضع الدولة يدها على الودائع، لذلك ردت مديرية الأمن العام على هذه الاستفزازات بإغلاق نحو 346 حسابًا على مواقع التواصل الاجتماعية، مؤكدةً أنها ستتعامل مع هذه الحسابات بالقانون لأنها تستهدف أمن الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وتخلق نظرة تشاؤمية بين الأوساط العامة.
كما رد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن على هذه الضجة قائلًا “يتمتع الاقتصاد التركي ببنية متينة ويجب عدم الاكتراث للشائعات والأنباء المضللة”، مضيفًا “تركيا ستخرج من هذه المرحلة أكثر قوة”.
سبقت هذه التغريدات تعليقات وزير الخزانة والمالية بيرات البيرق الذي كتب “أن الشائعات التي تروجها بعض الأطراف عن إمكانية وضع الدولة يدها على الودائع في البنوك، عارية عن الصحة تمامًا”، وتابع نافيًا إمكانية تحويل أموال المواطنين المخزنة في البنوك بالدولار إلى الليرة التركية.
كيف يحرس البنك المركزي الاقتصاد التركي من تقلبات الليرة؟
محافظ البنك المركزي التركي مراد جيتين كايا
مع تراجع الليرة إلى مستويات قياسية وتفشي التضخم في البلاد، كان من المتوقع أن يرفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة مرة أخرى، ولكن الحكومة المعارضة لهذه السياسة احتفظت بالنسبة عند معدل 17.75%، وأعلنت خفض متطلبات احتياطي الليرة – السيولة الواجب توافرها لدى البنوك – في البنوك التجارية بمقدار 250 نقطة أساس لجميع فترات الاستحقاق، أي للمدة الزمنية التي يحددها المقترض.
إضافة إلى خفض نسب الاحتياطي لمتطلبات الفوركس -بورصة العملات الأجنبية- غير الأساسية، بمقدار 400 نقطة أساس لاستحقاقات عام وحتى 3 أعوام، مع العلم أن هدف الخطوة الأولى مساعدة البنوك على توفير كمية أكبر من السيولة، ما يزيد من قدرتها على الإقراض وتحفيز النمو الاقتصادي، أما الخطوة الثانية فمن شأنها أن تقلل العرض على الليرة، وبالتالي ترفع من قيمتها في سوق تبادل العملات الأجنبية.
هذا وأكد البنك أنه سيوفر كل السيولة الضرورية للمصارف والعملاء بقيمة بلغت نحو 10 مليارات ليرة و6 مليارات دولار، وما يعادل 3 مليارات دولار من الذهب، ومن المرجح أن تساعد هذه القرارات في إعادة المرونة المالية للأسواق والبنوك التركية.
أشار البنك إلى إمكانية استبدال الدولار باليورو لمقابلة احتياطي الليرة، وهذا ما جعل البعض يعتقد أن تركيا قد تضم أوروبا إلى خياراتها الاقتصادية البديلة عن أمريكا وتتجه إليها من أجل عقد اتفاقيات تجارية
كما أشار البنك إلى إمكانية استبدال الدولار باليورو لمقابلة احتياطي الليرة، وهذا ما جعل البعض يعتقد أن تركيا قد تضم أوروبا إلى خياراتها الاقتصادية البديلة عن أمريكا وتتجه إليها من أجل عقد صفقات واتفاقيات تجارية جديدة تداويها من أزمتها الحاليّة، ولا سيما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت في مؤتمر صحفي أن “زعزعة الاقتصادي التركي ليس من مصلحة أحد”، معبرةً عن رغبتها في رؤية الازدهار الاقتصادي في تركيا. جاء هذا التصريح بالجانب إلى انتقاد وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على تركيا.
تأثرت الليرة بشكل واضح بعد تصريحات البيرق وتدخل البنك المركزي، فلقد انخفضت من 7.24 مقابل الدولار إلى 6.4، لكنها عادت في الوقت الحاليّ إلى السقوط مجددًا لتصل إلى 6.90 مقابل الدولار، ومع ذلك، فمن المتوقع أن تعمل هذه القرارات على تهدئة مخاوف الرأي العام وهواجس المستثمرين الأجانب، خاصةً أن البيرق وضح الأساسيات الاقتصادية الجديدة والتي ستركز على 3 أسئلة عند تقييم الاستثمارات والنفقات وهي: “هل يتم تحقيق إنتاج تكنولوجي أو ذو قيمة مضافة عالية؟ هل تزيد الصادرات؟ وهل تخفض العجز في الحساب الجاري؟”، على أمل أن يتعافى الاقتصاد التركي من المشاكل التي تقع على كاحله.