قد يكون السؤال عن الاستراتيجيات الأكثر فعالية لإشباع الجوع والكفّ عن تناول ما هو فوق حدّه لمنع الإفراط في السعرات الحرارية التي تؤدي حتمًا إلى السمنة والوزن الزائد، سؤالًا ملحًّا وضروريًا عند الكثير من الأفراد الذين قد يلجؤون للبحث والقراءة عن تلك الاستراتيجيات أو سؤال خبير التغذية عنها.
لذلك غالبًا ما يحاول خبراء التغذية في الآونة الأخيرة البحث عن أساليب غير تقليدية لعلاج السمنة ومشاكل الطعام، بعيدًا عن التركيز على السعرات الحرارية وكمية الوجبات فقط، منها الاهتمام بحجم الأواني ونوعها وشكلها، أو حتى لونها. ومما لا شكّ فيه أنك سمعت مرةً أنّ الأكل في أطباق صغيرة الحجم يساعد في تخفيف الوزن، فهل تساءلت عن السبب الحقيقي وراء هذا؟
خداع إيبنغهاوس البصري: حجم صحنك يخدعك
لطالما عرف الباحثون بالفعل أن شكل الإناء أو الصحن ومساحته تؤثر على سلوكياتنا الغذائية؛ فالأطباق الصغيرة تحفّزنا لاستهلاك كمياتٍ أقل من الطعام، على عكس الكبيرةِ منها. وبكلماتٍ أخرى، فالأطباق الأكبر حجمًا تجعلك تستهلك كمياتٍ أكبر من الطعام الموجود أمامك. لماذا؟
يعود السبب إلى أنّ الخداع البصري الذي نكوّنه من خلال النظر إلى المسافة أو الفجوة الفاصلة ما بين حافة الصحن وحافّة الطعام بداخله. ويمكننا هنا الاستعانة بما يُعرف في علم النفس التجريبيّ بمصطلح “خداع إيبنغهاوس البصري” لتفسير ذلك، وهو نوع من الخداع البصري لإدراك الأحجام النسبية بين الأشياء. فعلى سبيل المثال، الدائرتان في الرسمة هما متطابقتان في الحجم، لكن تبدو الدائرة المركزية المحاطة بدوائر كبيرة أصغر من الدائرة المركزية المحاطة بدوائر صغيرة.
خداع إيبنغهاوس البصري: الدائرتان المركزيتان متطابقتان في الحجم، لكن تبدو الدائرة المركزية المحاطة بدوائر كبيرة أصغر من الدائرة المركزية المحاطة بدوائر صغيرة.
خذ هذه الرسمة على سبيل المثال، الأطباق الثلاثة جميعها متطابقة بالمساحة، وتحمل نفس الكمية من الطعام. لكنّك حتمًا ترى الطبق الأصغر أكثر امتلاءً وأنّ ما فيه من طعام هو الأكثر، أليس كذلك؟ فإذا وضعت كمّيتين متماثلتين من الطعام في طبق كبير وآخر أصغر حجمًا، فإن الكمية الموجودة في الطبق الأكبر ستبدو أصغر، والعكس صحيح.
هذا بالضبط ما نعنيه بالخداع البصريّ أو الوهم الذي تقع فيه أدمغتنا أمام أطباق وأواني الطعام التي نستخدمها في وجباتنا. لذلك دائمًا ما ينصح خبيرو التغذية باستخدام الأواني ومستلزمات الأكل صغيرة الحجم، ليس لأنّها تحتوي فقط على كميّات صغيرة بالفعل، بل لأنّها توحي للدماغ وتوهمه بأنّ ما في الإناء يكفي حاجة الجسم ويوصله إلى نقطة الشبع.
وقد فهمت المطاعم هذا النوع من الخداع وكيفية انسياق الدماغ البشريّ له جيّدًا، لذلك تميل دومًا إلى تقديم وجبات الطعام في أواني كبيرة يوضع الطعام في نصفها تاركًا مساحةً وفجوةً كبيرة بينه وبين الأطراف، الأمر الذي قد يخدع الدماغ بشكلٍ فعّال بأنّ الطعام لن يكفيه وبالتالي فهو بحاجةٍ لطلب وجبةٍ أخرى. لذلك لعلّك تبدأ أنتَ أيضًا بالابتعاد عن استخدام الأطباق الكبيرة حتى لا تنجرّ أبدًا للأوهام التي تنطلي على عقلك بدون وعيٍ منك ولا شعور. فمعرفتك بأصل الخداع ووجوده لا يساعد أدمغتنا بتجنبه أبدًا.
الألوان: الطبق الأزرق يساعدك في تقليص كمية طعامك
منذ عدة سنوات، قامت شركة M & Ms بإضافة اللون الأزرق لحبيبات الشوكلاتة الصغيرة التي تصنّعها، على الرغم من عدم وجود هذا اللون في أيّ من المنتجات الغذائية لا سيّما الحلوى والشوكلاتة من قبل، ما أثار العديد من الأسئلة والتعجب من قبل الأفراد عن سبب إضافة هذا اللون الغريب إلى المجموعة التي كانت تحتوي على اللون الأحمر والأخضر والأصفر والبرتقالي والبني.
تستخدم شركة M & Ms اللون الأزرق في حبيباتها لكونه يساعد في تثبيط الشهية
ولو سألتكَ عن أيّ نوعٍ من الطعام الذي قد تناولته في حياتك أو لم تتناوله، لوجدتَ أنّ اللون الأزرق غائبٌ من الصورة، أليس كذلك؟ هو غائب عن الطبيعة بشكلٍ تام، فلا يوجد عشبة زرقاء أو فاكهة ذات لون أزرق. وبناءً على هذه الحقيقة، قام الباحثون وخبراء التغذية بافتراض أثر اللون الأزرق على شهيّتنا في حال وجد.
الأزرق ليس من ألوان الطعام في الطبيعة. وبالتالي، لم نقم نحن البشر بتطوير استجابة شهية تلقائية لهذا اللون
وبالفعل، توصّلت العديد من الأبحاث إلى أنّ اللون الأزرق يمكن أن يلعب دورًا في تثبيط الشهية. فقد وجد البحث الذي نشر في مجلة “أبيتايت” أنّ الأشخاص الذين تناولوا الطعام تحت أضواء زرقاء أو أولئك الذين تناولوا طعامًا في أطباق زرقاء اللون، قد استهلكوا كميّاتٍ أقل من أولئك الذين تناولوا في أطباق حمراء أو صفراء.
يمكن تفسير الأمر بشكل عام أنّ اللون الأزرق ليس من ألوان الطعام في الطبيعة. وبالتالي، لم نقم نحن البشر بتطوير استجابة شهية تلقائية لهذا اللون. كما يميل بعض الباحثين للاعتقاد أنّ غريزتنا البدائية كانت تميل للابتعاد عن الطعام الأزرق، نظرًا لكونه غير مألوف وبالتالي قد يكون سامًّا أو غير صالح للأكل، مثله مثل اللونين الأسود والأرجواني، مثل التوت والباذنجان. ولعلّنا هنا نستشفّ من قيام شركة M & Ms بإضافة اللون الأزرق، فهو قادرٌ على منعك من تناول كلّ تلك الكمية الموجودة بين يديك.
كما تخبرنا النظرية الشائعة أنّ العلامات التجارية مثل ماكدونالدز وبرغر كينغ وغيرها تستخدم اللون الأحمر في شعاراتها وتصميم متاجرها أو مطاعمها لأنها تحفز شهية الناس، مما يجعلهم جائعين، مما يجعلهم أكثر عرضة لدخول المطعم ثم شراء وجبةٍ من الطعام حتى وإنْ لم يكونوا جائعين أساسًا.
تشير الدراسات إلى أنّ اللون الأحمر يساعد في تحفيز الشهية
وقد أدرك المختصون النفسيّون أثر لون الصحن أو الوعاء على الطعام منذ سنواتٍ عديدة. فعلى سبيل المثال، توصّل مسؤولو التسويق في شركة 7Up عام 1957، إلى أنّ إضافة 15% من اللون الأصفر إلى العلب الخضراء التي كان مُتعارف عليها آنذاك، تؤدي إلى اعتقاد الناس أنّ المشروب الغازي يحتوي بالفعل على نكهة الليمون، ما يعني زيادة استهلاكه وشرائه مقارنةً فيما سبق حين كانت علبهم خضراء اللون فقط.
تشير العديد من الدراسات إلى أنّ لون الصحن يؤثر على كيفية إدراك الناس لنكهة الطعام الذي يتذوقونه ويأكلونه
وفي دراسة حديثة، توصل عدد من الباحثين إلى أنّ لون الصحن يؤثر على كيفية إدراك الناس لنكهة الطعام الذي يتذوقونه ويأكلونه. فقد تمّ تقديم قطعة من الحلوى بالفراولة لـ53 متطوعًا، بعضهم تناولها في صحنٍ أبيض وبعضهم الآخر في صحنٍ أسود. وقد توصل الباحثون أنّ الفريق الأول أبدى إعجابه بالقطعة أكثر من الفريق الثاني، من ناحية النكهة والجودة. فمن الممكن أن يبدو لون قطعة الحلوى أكثر كثافة على الخلفية البيضاء الفاتحة أكثر منها في حال وضعت في صحنٍ أسود أو ذي لون داكنٍ آخر، ما يعني أنّ الوهم أو الخداع البصري للون الصحن يؤثر على نظرتنا للطعام الذي نتناوله.
وبالنهاية، ما يمكن أنْ نستشفه من كل تلك الدراسات والأبحاث أنّنا كبشر يمكننا دومًا الاستعانة ببعض الحيل الغذائية المبنية على أسسٍ عديدة في علم النفس والتي تساعدنا فعلًا على التعامل مع طعامنا بشكلٍ صحيّ أكثر، أو للتخلص من مشاكل سمنتنا وأكلنا الزائد. مثل استخدام أدوات أكل زرقاء أو وضع غطاء أزرق اللون على طاولة الطعام، أو حتى وضع ضوء أزرق في الثلاجة.