تعددت الأسئلة بشأن “الحرب” التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب على تركيا، خاصة فيما يتعلق بتفاصيلها وأسبابها وكيف تواجهها أنقرة، وهل فعلًا ينطبق على ما يحصل حاليًّا مصطلح حرب وإن كان بمعناها الاقتصادي؟
لكن مع كل هذا هناك سؤال ننظر إليه كونه مهمًا جدًا وهو: هل فعلًا هذه الحرب جاءت على خلفية أحداث معينة حصلت في الفترة الأخيرة، على غرار رفض تركيا الإفراج عن القس الأمريكي المتهم بالتورط في المحاولة الانقلابية؟
أمريكا أطلقت حربًا ولم تفعل عقوبات، ولو أمكنها تجنبها والاكتفاء بحزمة عقوبات لفعلت لأنها تدرك جيدًا كون التعامل مع قوى من قبيل روسيا وتركيا ليس محكومًا بعقوبات فقط، فهي ستقابل برد مماثل
لو تعاملنا مع الملف بسطحية فيمكن أن نبحث عن الأجوبة السهلة، من قبيل أن إدارة ترامب تحركت للرد على ما تعتبره رفض تركيا تنفيذ المطالب الأمريكية، لكن مع هذا فإن المطلوب الغوص بجدية أكثر في الملف والخلفيات، لأن الحقيقة التي تكاد تكون ثابتة هي أن مثل هذه الحرب لا يمكن أن تكون فجائية ويُعد لها في بضعة أيام فقط، بل المنطق أنها تطلبت فترة طويلة من التحضير والاستعداد.
بالتالي علينا البحث عن السبب الحقيقي لإطلاق حرب اقتصادية على تركيا من الولايات المتحدة.
هنا علينا أن نحيل على مسألة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى، وهي أن أمريكا فعلًا أطلقت حربًا ولم تفعل عقوبات، ولو أمكنها تجنبها والاكتفاء بحزمة عقوبات لفعلت لأنها تدرك جيدًا كون التعامل مع قوى من قبيل روسيا وتركيا ليس محكومًا بعقوبات فقط، فهي ستقابل برد مماثل.
بمعنى أوضح من كل هذا فإننا إزاء معركة حقيقية، تسعى من خلالها الولايات المتحدة للجم قوة بلد تدرك أن مستقبله يخيفها وحاضره يؤرقها.
نعود للتساؤل الأساسي وهو سبب إطلاق هذه الحرب الاقتصادية، وعلينا هنا ألا نفصل ما يحصل حاليًّا عن المحاولة الانقلابية التي حصلت في 2016، لندرك أنها الحلقة الثانية أو المحاولة الثانية لإخضاع هذا البلد للإرادة الأمريكية، فواشنطن تدرك أن غايتها ليست فقدان حليفها الأهم في المنطقة، لكنها في نفس الوقت تريد منه أن يكون تابعًا لسياساتها وإرادتها كما دول كثيرة في المنطقة تأتمر بأمرها، وهي ليست مبالغة لكن الواقع يعكس هذا.
الولايات المتحدة ليست راغبة ولا مستعدة لخسارة حليف قوي في المنطقة، أي أنها تضغط وتشن حربًا اقتصادية لكنها في نفس الوقت تضع خطوطًا حمراء، وهي أن هناك نقطة ما لا يجب الوصول إليها
أيضًا لا يمكن فصل سياسة ترامب ضد تركيا عن التأثير الصهيوني في الولايات المتحدة، وهي كلها عوامل اجتمعت معًا لتتحول إلى حرب فعلية على بلد استطاع النهوض خاصة في العقدين الأخيرين وحقق قفزة اقتصادية قل أن يكون لها مثيل، إضافة إلى تأثير إقليمي كبير ومستقبل لن يكون بعيدًا، ستتمكن خلاله تركيا وفق ما تخطط له من مضاعفة قوتها الاقتصادية وتنتقل من مجموعة الـ20 إلى التموقع ضمن أقوى الاقتصادات العالمية.
نعود مجددًا لمسألة لا بد من توضيحها وقد كنا أشرنا إليها فقط، وهي أن الولايات المتحدة ليست راغبة ولا مستعدة لخسارة حليف قوي في المنطقة، أي أنها تضغط وتشن حربًا اقتصادية لكنها في نفس الوقت تضع خطوطًا حمراء، وهي أن هناك نقطة ما لا يجب الوصول إليها، وهي نقطة تحويل تركيا إلى عدو أو خصم لأنها تعي جيدًا أن لها بدائل، منها الدخول في حلف آخر مع أصدقاء وشركاء آخرين مثل روسيا، أو الانضمام إلى مجموعة “البريكس” هذا التكتل الذي يمثل عملاقًا اقتصاديًا يضم حاليًّا روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، ويبلغ الناتج الإجمالي لدوله مجتمعة أكثر من 16 تريليون دولار. وبالتالي فإن هذه “الحرب” ظاهرها اقتصادي لكن باطنها سياسي.