ترجمة وتحرير: نون بوست
إلى جانب تداعيات الحروب والمشاكل الجيوسياسية، تتأثر بلدان الشرق الأوسط بالتغيرات المناخية المتعلقة بدرجات الحرارة التي ما فتئت ترتفع بشكل مستمر. ومنذ سنة 2016، سجلت الكويت رقما قياسيا عالميا لمعدل الحرارة بلغ 54 درجة مئوية، ولكن لم يعد هذا الأمر مجرد استثناء.
نحن في وقت الظهيرة تقريبا، وقد بدأت الظلال تتراجع تدريجيا، بينما يستمر مقياس الحرارة الخارجي للسيارة المستأجرة في تسجيل أرقام متصاعدة شيئا فشيئا. فمنذ أكثر من نصف ساعة، كانت المعدلات المسجلة في حدود 48 درجة مئوية. كنت أسلك طريقًا غير معبّد للاقتراب من محطة الأرصاد الجوية في منطقة مطربة، قبل أن أصطدم بسياج يمنع دخول العامة إليها. لا يوجد العديد من الزوار لهذا الركن الصحراوي الكويتي، ربما باستثناء أولئك الذين يرغبون في التعرف على النقطة التي سُجل فيها أعلى معدل للحرارة على سطح الأرض الذي بلغ 54 درجة مئوية يوم 22 تموز/ يوليو سنة 2016.
في الحقيقة، لم ألتقِ بأحد في هذه المنطقة في منتصف شهر حزيران/ يونيو من سنة 2018. أوقفت السيارة على جانب الطريق، وانتظرت بضع دقائق حتى أتفحص مقياس الحرارة. ولا يُعد هذا المقياس أداة موثوقا بها، ولكنه يُقدم على الأقل معدلات تقريبية. وفي هذه الساعة بالذات، حيث يُسجل 51 درجة مئوية، فتحت الباب وغادرت السيارة المكيفة. لا شك في أن الجو حار، لكن بما أن مستوى الرطوبة ليس مرتفعا في يومنا هذا فإن الحرارة ليست حارقة.
في مثل هذه الظروف المناخية، سيصاب جسم الإنسان باختلالات وظيفية، خاصة إذا لم يتمكن في غضون ساعات من إيجاد مكان تكون فيه درجات الحرارة معقولة أي أقل من 37 درجة مئوية
يعمل جسم الإنسان مثل مبادل حراري متقن يحافظ على درجة حرارة ثابتة، وتتراوح درجة حرارة الجسم البشري بين 36.5 و37.5 درجة مئوية. وعندما تؤدي الحرارة الخارجية إلى ارتفاع درجة الحرارة الداخلية يبدأ الجسم بالتعرق. وعن طريق عملية التبخر، يتسبب العرق في تبريد الجسم مما يساعده على تعديل درجة حرارته وإعادتها إلى مستواها الطبيعي، أي 37 درجة مئوية.
لكن، تبدأ المشكلة عندما يتعرض الجسم لفترات طويلة لدرجات حرارة مرتفعة، ما يؤدي إلى تراجع أداء المبادل الحراري، ألا وهو الجلد. ولأخذ قسط من الراحة، يجب أن تبحث عن مكان ظليل وبارد، وإذا كان ذلك ممكنا، فلا تقلق ستعود درجة حرارة جسمك إلى مستواها العادي وسيتعافى الجلد.
لسوء الحظ، من بين إحدى الظواهر التي تواجه دول الخليج العربي ارتفاع درجات الحرارة بصفة مستمرة. ففي هذه المنطقة، لا تنخفض درجات الحرارة بما فيه الكفاية، وخاصة في الليل، ليتمكن جسم الإنسان من الحصول على الراحة اللازمة. وفي نهاية شهر حزيران/ يونيو من هذه السنة، صُنفت مدينة قريات الواقعة في سلطنة عمان، المدينة ذات أعلى درجة حرارة صغرى؛ فلمدة 24 ساعة متتالية لم ينخفض مقياس الحرارة إلى ما دون 42.6 درجة مئوية.
في مثل هذه الظروف المناخية، سيصاب جسم الإنسان باختلالات وظيفية، خاصة إذا لم يتمكن في غضون ساعات من إيجاد مكان تكون فيه درجات الحرارة معقولة أي أقل من 37 درجة مئوية. في هذه الحالة، تصبح مسام الجلد غير قادرة على تنظيم عملية التعرق بشكل صحيح. وحتى عندما يكون المناخ رطباً ويستمر الجسم في التعرق بغزارة، لا يعود بإمكان عملية التبخر تبريد الجسم، ناهيك عن أن شرب الماء لن يخفف الإحساس بالعطش، وهذا يساهم في بداية ارتفاع درجة حرارة الجسم.
عند وصول درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية، يحاول الجسم تبريد الجلد عن طريق تحويل الدم إلى الشعيرات الدموية مما يبطئ وظائف الأعضاء الحيوية. نتيجة لذلك، يصبح من غير الممكن تغذية الدماغ بشكل صحيح، وبعبارة أخرى “تفقد عقلك”. وشيئا فشيئا، تصبح الأضرار الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الجسم غير قابلة للعلاج، حيث يواصل القلب ضخ الدم أكثر فأكثر حتى يصل إلى مرحلة الإرهاق، مما يؤدي إلى توقفه. وهذا ما يطلق عليه اسم “النوبة الحموية”.
بعد قضاء حوالي عشر دقائق في صحراء الكويت الحارة، عدت إلى قمرة القيادة في سيارتي لأغادر منطقة المطربة. وعلى بعد ساعة بالسيارة جنوباً توجد مدينة الكويت، التي تكون جميع فنادقها وفيلاتها ومكاتبها ومراكز التسوق مكيفة إلى درجة حرارة 20 درجة مئوية، حيث يمكن لروادها والعاملين بها الهرب من الوهج المحيط بها.
ليست موجات الحرارة مجرد فترات عابرة، لأن درجات الحرارة سوف تتضاعف في المستقبل
على بعد 60 كيلومترا شمالا، توجد ثاني أكبر مدينة في العراق البصرة، التي تضم أكثر من 2.5 مليون نسمة. وعلى الرغم من أنها العاصمة الاقتصادية للعراق، إلا أنها تعاني من الفقر المدقع والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، فضلا عن افتقارها للخدمات الأساسية تقريبا. ومن هذا المنطلق لسائل أن يسأل: كيف يتصرف سكانها لمقاومة حرارة مماثلة لا تختلف عن حرارة مدينة مطربة سوى ببضع درجات؟
لابد من الإشارة إلى أن موجات الحر تتسبب سنويا في موت الكثيرين المنتمين للفئات المستضعفة والمهمشة، وهم الفقراء، والمسنين، والرضع، وأولئك الذين يعيشون بمفردهم. وخير مثال على ذلك موجة الحر التي عرفتها فرنسا خلال شهر آب/ أغسطس من سنة 2003، حيث ارتفعت الحرارة حوالي خمس درجات مئوية فوق المعدل الموسمي. وقد تم تسجيل زيادة في الوفيات بلغت 15000 حالة وفاة، ولكن الأمر استغرق عدة أشهر للتوصل إلى هذا التقرير. أما خلال الأسابيع الحرجة، تم تجاهل هذه الظاهرة أو التقليل من شأنها.
عادة ما يعتبر العمر أو الحالة الصحية أو الظروف المعيشية من أسباب وفاة أكثر الفئات عرضة للحرارة، التي يتجاهلها المجتمع أكثر من غيرها، في حين أنها في الحقيقة ليست إلا نتيجة مباشرة لارتفاع درجات الحرارة وغياب إجراءات التخفيف منها. وإذا كانت موجات الحر مجرد ظاهرة جوية نادرة، فهذا لا يعني تجاهلها. وفي الواقع، يقول البعض “إن الجو حار، ماذا في ذلك؟ إنها فترة وستمر!”، ولكن الشعور بالقلق وفهمنا للمناخ والتغيرات المناخية وكل ما يمكن أن يترتب عن ذلك سيحول دون تجاهلنا لهذه الظاهرة.
في الواقع، ليست موجات الحرارة مجرد فترات عابرة، لأن درجات الحرارة سوف تتضاعف في المستقبل. ففي العقد الماضي، عرفت روسيا (سنة 2010)، وأمريكا الشمالية (سنة 2012) وأستراليا (2012-2013) والصين (سنة 2013) موجات حر غير طبيعية. وبناء على ذلك، يعتبر الشرق الأوسط حالة خاصة لأن الطقس هناك حار بالفعل وسوف يزداد سوءاً، إلى درجة أن العيش سيصبح صعبا أكثر وشبه مستحيل في هذه المنطقة ذات المناخ القاسي.
وصلت إيران والعراق تقريباً إلى درجة حرارة مماثلة خلال سنة 2017. ولكن كل التدابير المتخذة لا تأخذ بعين الاعتبار عامل الرطوبة، الذي يلعب دورا مهما
وفقا لمعهد “ماكس بلانك”، ستزيد درجات الحرارة خلال فصل الصيف في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بحلول سنة 2050، بمعدل أسرع مرتين من المعدل العالمي. وستكون موجات “الحرارة الشديدة”، التي تفوق 46 درجة مئوية، أكثر بخمس مرات مقارنة ببداية القرن الحادي والعشرين، ما يعني أنها ستحدث بمعدل 16 يومًا في السنة.
بناء على ذلك، لن يكون مستوى درجة الحرارة المُسجل في مدينة مطربة حالة شاذة. فقد وصلت إيران والعراق تقريباً إلى درجة حرارة مماثلة خلال سنة 2017. ولكن كل التدابير المتخذة لا تأخذ بعين الاعتبار عامل الرطوبة، الذي يلعب دورا مهما. فعلى سبيل المثال، تسمح درجة الحرارة 46 درجة مئوية والرطوبة 50 بالمائة، الذي يعد معدلا شائعا إلى حد ما في المناطق الساحلية في الخليج العربي (خاصة عندما تسرّع الحرارة من تبخر مياه البحر)، للإنسان الذي يتمتع بصحة جيدة بالتحمل لمدة ست ساعات
إذا تم تجاوز هذه المدة، يواجه الجسم الأعراض المذكورة آنفا. أما بالنسبة لشخص ضعيف أو يعاني من حالة صحية هشة، تؤدي بضع ساعات من التعرض للشمس إلى الموت. ووفقا لدراسة نشرت في مجلة “نيتشر”، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من تغير المناخ، فإن معظم المدن في الخليج العربي في النصف الثاني من القرن 21 ستصل إلى درجة حرارة 45 درجة مئوية، فضلا عن بلوغ ذروة الحرارة في مدينة الكويت إلى 60 درجة مئوية.
في الكويت، ارتفع متوسط درجة الحرارة بين 1.5 درجة مئوية و2 درجة مئوية منذ سنة 1975، وهو ما يعد الارتفاع الأعلى مقارنة بأي مكان آخر في العالم. في الأثناء، ظل مستوى هطول الأمطار البالغ 125 ملم على حاله، ولكن هذه النسبة من هطول الأمطار لا تتواصل على مدار العام كله، حيث تظهر غالبا خلال العواصف المفاجئة، قبل أن تمر البلاد بفترات طويلة من الجفاف. بالإضافة إلى ذلك، تزداد العواصف الرملية والترابية حدة وكثافة.
من جانبه، أفاد عالم الرياضيات والمختص في نمذجة المناخ، حسين الصراف، أن “هذه العواصف قد قل عددها مقارنة بالسابق، ولكنها تظل قوية. نحن نركز أغلب الأحيان على درجة الحرارة، ولكن الوضع البيئي بأكمله سوف يتغير بالنسبة لنا في الكويت، خاصة على مستوى قوة واتجاه الرياح، ورطوبة التربة، وارتفاع مستوى سطح البحر”.
في مدينة الكويت، نمط العيش يثير المشاكل
كان حسين الصراف يجلس على الساعة العاشرة والنصف ليلا في مركز تجاري ضخم وفاخر يقع وسط مدينة الكويت، أين تفتح جميع المتاجر. وقد كان على المارة وضع سترات تقيهم من ارتداد مكيفات الهواء داخل المحلات، في حين تبلغ درجة الحرارة في الشارع 42 درجة مئوية. في هذا الصدد، أشار حسين الصراف إلى أنه “يمكننا تحمل 55 درجة مئوية، إذ أننا نعيش بشكل رئيسي في منازلنا ومكاتبنا وسياراتنا. ولكن هل هذه الحياة قابلة للنجاح اقتصاديا؟ يدرك الناس هذا السؤال ويعرفون إجابته، ولكنهم يفضلون تجاهله”.
بحلول سنة 2030، سيتم استخدام ثلث نفط الكويت (الذي يشكل 10 بالمائة من الاحتياطي العالمي) لإنتاج الكهرباء والماء عبر محطات تحلية المياه التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة
تعد مدينة الكويت أشبه بمدينة من شمال الولايات المتحدة في وسط الصحراء، فهي على شكل ضواحي واسعة مرتبطة عبر طرق سيارة ذات ثمانية فروع، كما تشتهر المدينة بناطحات سحاب زجاجية، وهو ما يشير إلى أن تخطيط المدينة لا يتناسب تماما مع مثل هذا المكان. ولكن عندما نلقي نظرة على الصور القديمة للمدينة في منتصف القرن العشرين، أي قبل الطفرة النفطية، نلاحظ مباني من طابقين أو ثلاثة طوابق بنيت بشكل مكثف، مع شوارع ضيقة وأزقة وأفنية مقامة من الخشب والحجر. وتوفر هذه العَمارة الظل وتسهل دوران الهواء، كما تقلص من المسافات التي يتعين قطعها. وقد تم بناؤها عبر استخدام مواد تحافظ على البرودة. ويختلف هذا المعمار تماما عن الذي نراه اليوم.
“هل من الضروري ضبط الحرارة على 18 درجة مئوية، كما يحدث غالبًا في الكويت؟”
تعد المباني المكتبية زجاجية بالكامل في مدينة الكويت، والدوحة ودبي، مما يكسبها مناظر بانورامية مذهلة تنافس نظيراتها في نيويورك أو هونغ كونغ. ولكن تشييد مثل هذه الأبنية يعد ضربا من الجنون في دولة جعلت منها الشمس أشبه بفرن. وفي الوقت الحاضر، يتم استخدام قرابة 10 بالمائة من استهلاك الكهرباء في العالم لتشغيل مكيفات الهواء أو مراوح التهوية. ومن المؤكد أن هذه النسبة من استغلال الكهرباء في عمليات التهوية والتبريد مرتفعة جدا في دول الخليج الفارسي التي لديها الوسائل والموارد الطاقية لتركيب أنظمة التبريد في كل مكان.
بحلول سنة 2030، سيتم استخدام ثلث نفط الكويت (الذي يشكل 10 بالمائة من الاحتياطي العالمي) لإنتاج الكهرباء والماء عبر محطات تحلية المياه التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، والتي تزود تقريبا كامل البلاد بالماء، وبالتالي، ستدور البلاد في حلقة مفرغة. فما العمل لمواجهة هذه السيناريوهات؟
في هذا الصدد، يسعى مؤسس شركة “أجي” المعمارية، ناصر أبو الحسن، إلى تعزيز هيكلة المباني الأصغر حجما بتوجيهٍ منظم وأقل استهلاكا للطاقة. وقد اعترف بأن مشروعه لا يلقى القبول الكافي خلال كشفه عما يخطط له لعملائه. وقد جاء على لسانه أنه “كثيرا ما أُسأل، لماذا لا تكون النوافذ أكبر؟ لماذا لم يعد هناك مساحة أوفر في المكاتب الفردية؟ وعلى الرغم من توضيح المكاسب الاقتصادية التي يمكن أن نجنيها من التخطيط الجديد، إلا أن العديد لا يتقبلون الفكرة”. وقد طرح عليهم أبو الحسن سؤالا وهو: “ما الذي نحتاجه حقًا؟” هل من الضروري ضبط الحرارة على 18 درجة مئوية، كما يحدث عادة في الكويت، أم نشعر بالراحة أكثر عند ضبط الحرارة على 26 درجة مئوية؟ في الأثناء، جربوا فتحات الهواء الصغيرة وسترى أنك ستحتاج إلى مصابيح كهربائية أقل لأن العين البشرية سرعان ما تتأقلم”.
على الرغم من عمله في تصميم المباني، إلا أن ناصر أبو الحسن يعتقد أن الحلول لمشكلة الاستهلاك المفرط هذه تتجاوز مجرد إطار العمارة أو التخطيط الحضري. وأضاف أبو الحسن قائلا: “نحن بحاجة إلى اتباع نهج شامل يأخذ بعين الاعتبار مشاكل التنظيم. فعلى سبيل المثال، يتم اليوم تحديد الحد الأدنى من السطوع في المباني من قبل الشركات المصنعة للمصابيح الكهربائية. أما من الناحية الاجتماعية، فهل تريدوننا أن نعيش بعيدا عن بعضنا البعض؟”.
الطقس الحار فهو عبارة عن “قاتل صامت” يتسبب في عشرات بل مئات الآلاف من الوفيات كل سنة، ولكن تكمن المشكلة في إحصاء عدد هذه الوفيات بالضبط
في السياق ذاته، أضاف أبو الحسن: “لقد نجحنا في إعادة تدوير زجاجات المياه البلاستيكية، لكننا لا زلنا نركب السيارات عندما نريد شراء زجاجة ماء من المحل. أما من وجهة نظر سياسية، فالكويت دولة ذات رفاهية وهي دولة تدعم مواطنيها. لذلك، من الصعب أن تلقي اللوم على مواطنيها عندما يدفعون ثمن مياههم أو غازهم أو كهرباءهم ثلاثة أضعاف أكثر من أي شيء آخر”.
في المقابل، تعد الكويت بلدا يمثل 70 بالمائة من سكانه عمالا ومهاجرين قدموا من آسيا، وبلدان المغرب العربي ومناطق أخرى من الشرق الأوسط. لكن هؤلاء الأجانب لا يحظون “بدعم” كبير مقارنة بالسكان الأصليين، وهم أول ضحايا عواقب تغير المناخ. فهم الذين ينتقلون في الهواء الطلق إلى مواقع البناء وفي الحدائق، كما يعملون كباعة متجولين أو حراس مآوي السيارات.
في الواقع، يحظر القانون الكويتي الحالي العمل في الهواء الطلق بين بداية فترة الظهيرة والرابعة مساءً، ولكن لا يخفي ذلك حقيقة أنه عندما تتجول في مدينة الكويت لمشاهدة عمال البناء في أي وقت من اليوم، فستلاحظهم وهم يبحثون عن ظل جدار أو سقالة يختبئون تحته. ومن جانبه، نوه عمر، وهو ممثل عن مجموعة من العمال المصريين، بأنه نظرًا “لتوفر أنظمة التعاقد الخارجية وسلطات تصريح الإقامة التي تدير علاقات العمل في الكويت، لم يشتك أحد من ذلك”. ويشرف عمر على عمال مصريين يعملون في حظيرة بناء لناطحة سحاب مستقبلية في العاصمة.
كما أضاف عمر أن “لا أحد يمكنه عدّهم، ولكن هناك مئات الوفيات كل سنة في حظائر البناء، التي يكون سببها غالبا حوادث الشغل، ولكن أيضا جراء التعرض لضربة الشمس. وفي حال وفاة عامل جراء ضربة الشمس، فسيبررون حالة الوفاة زاعمين أنه لم يشرب كمية كافية من الماء أو نظرا لأن بنيته الجسدية ضعيفة أو جراء تعرض جسده للجفاف، ولكننا نعلم جميعا جيدا أن سبب الوفاة الأساسي يبقى ظروف العمل الصعبة”.
الشرق الأوسط يعد الأقرب للتعرض لهذه المفارقة، فثروته التي ورثها خلال السنوات السبعين الأخيرة تؤثر سلبا على نمط عيشه خلال الخمسين سنة القادمة
على عكس ما قد يعتقد الكثيرون بأن الطقس البارد لا زال يطغى على بقاع عدة من العالم، بالنظر إلى الصور المذهلة لمتسلقي جبال الهيمالايا الذين لقوا حتفهم أثناء التسلق أو عبر دعوات بذل مزيد من الجهود لمساعدة المشردين في فصل الشتاء، فالحقيقة مغايرة تماما، حيث أن الجو البارد أضحى نادرا اليوم في العالم. تجدر الإشارة إلى أن مقاومة الطقس البارد تقتصر على حماية جسمك من الاتصال بالهواء مباشرة أو عبر ارتداء طبقات من الملابس وتجنب انخفاض درجة حرارة الجسم.
أما الطقس الحار فهو عبارة عن “قاتل صامت” يتسبب في عشرات بل مئات الآلاف من الوفيات كل سنة، ولكن تكمن المشكلة في إحصاء عدد هذه الوفيات بالضبط. ولن تنخفض درجة الحرارة حتى ولو خرجت عاريا والتزمت بعدم الحراك، أو حتى عبر شرب المياه بصفة كافية. فدرجة الحرارة لن تنخفض، وإذا لم يتم التعرض لهواء منعش، فسيكون الموت في غضون بضع ساعات.
في ظل هذه الظروف، يكمن الحل في “التكييف”، الذي يتسبب بدوره في زيادة خطورة التغير المناخي. ومع كل مخزونه من النفط، فإن الشرق الأوسط يعد الأقرب للتعرض لهذه المفارقة، فثروته التي ورثها خلال السنوات السبعين الأخيرة تؤثر سلبا على نمط عيشه خلال الخمسين سنة القادمة.
المصدر: ميديابار