كم تعتقد أن يستمر نظام كوريا الشمالية؟ هل يصدق الكوريون الدعايا الحكومية؟ هل يفتقد المغتربون الكوريون بلادهم؟ هل تعتقد أن تنجح الرأسمالية في كوريا الشمالية؟
هذه كانت الأربعة أسئلة التي عُرضت على عشر مواطنين من كوريا الشمالية هربوا إلى الجارة الجنوبية في محاولة من صحيفة الإندبندنت البريطانية لتسليط للضوء على الأوضاع في البلد الأكثر غرابة في العالم الحديث، كان من ضمن العشرة طلابًا، مسؤول حكومي سابق، جندي متقاعد، أستاذ جامعي، عامل في مجال الإعلام، وصحفي.
“سو كيونغ كونغ” مسؤول تجاري سابق في حكومة بيونغ يانغ قال إن “البعض ليسوا متأكدين مما إذا كانت كوريا الشمالية ستتكيف مع الديمقراطية بعد ستة عقود من الديكتاتورية”.
وتابع قائلاً “المسجونون لفترات طويلة يجدون صعوبات حقيقية في التأقلم مع العالم بعد الإفراج عنهم، لكن هذا لا يعني أنهم سيفضلون مجتمعًا يتمتعون فيه بحريتهم”.
ربما تعبر تلك الإجابة عن الواقع في العديد من البلدان التي تُفضل شعوبها أنماطًا أكثر استبدادًا من السلطة، فبسبب عدم القدرة على التأقلم مع الديمقراطية أو مع الحرية، فإن العديدين يفضلون العودة للسجن مرة أخرى.
“جيمين كانغ” وهو شاب هرب من كوريا الشمالية في أواخر العشرينات من عمره ويعيش الآن في بريطانيا، يقول “إن الكوريين لم يتعرضوا أبدًا للمنافسة، لذلك فإن الطبيعة التنافسية للرأسمالية لا تروق لهم ولا يمكنهم فهمها”.
في الأوقات التي يتم فيها غلق المجال السياسي، وتُقدم صورة متطرفة من الشيوعية، تتبدى فيها انعدام قيمة المنافسة، ويظهر فيها انعدام الرغبة في العمل، الإمام عبد الرحمن بن خلدون وفي فصل من فصول مقدمته “في أن الظلم مؤذن بخراب العمران” يقول: “اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرًا عامًا في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك، فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران”.
النظام الكوري استطاع بالفعل أن يقضي على الرغبة في التنافس والرغبة في العمل، هذه ليست دعوة للرأسمالية لكن الطبيعة البشرية التي جُبلت على الاختلاف لا يمكن لها أن تستقر في بيئة منعدمة الفرص معدومة الأمل في المستقبل.
الكثيرون في كوريا الشمالية يتوقعون سقوط النظام، لكن لا أحد يتفق حول محفزات التغيير أو ما قد يقود للتغيير. البعض يقولون إنه في ظل سيطرة النظام على كل جانب من جوانب حياة الناس، فإن من المستحيل تخيل حركة مدنية أو ثورة شعبية، يقول “إناي هيون” أستاذ فلسفة سابق وهارب كذلك “فقط انقلاب عسكري ناجم عن صراع أجنحة النظام المختلفة قد يخلق تغييرًا”.
الجميع يفتقدون الجو الأسري في كوريا الشمالية، كان كل شيء بسيطًا، كانت قيم العائلة سائدة هناك، أحدهم يقول إنه يفتقد “طبق الحساء والأرز في منزله مع عائلته، رغم أنه لم يكن هناك على الطاولة غيره”.
الإعلام مؤثر للغاية في كوريا الشمالية ومثله في كل الأنظمة المستبدة في العالم، لكن لو أن هناك دليلاً واحدًا على أن النظام في كوريا الشمالية لن يستطيع الاستمرار، فغالبية الكوريين لا يصدقون الدعايا الحكومية، فبحسب الاستقصاء قال البعض إن أقل من 20٪ فقط يصدقون الإعلام الحكومي، وأن الجميع يعتمد على “النميمة” في السوق.
فتاة في العشرين من عمرها، تُدعى يونمي بارك، قالت إنها كانت تعتقد – حتى الخامسة عشرة من عمرها حين فرت من البلاد مع عائلتها- أن كيم يونغ إل، ديكتاتور كوريا الشمالية السابق، كان إلها يستطيع أن يقرأ الأفكار، لذلك فلم تكن قادرة حتى على التفكير في مساوئه لأنها كانت تخشى من أن يعرف ما تفكر فيه ثم يقتلها!
في نظام يعدم من يشاهد المسلسلات القادمة من كوريا الجنوبية بشكل علني في الشوارع، تغدو قيمة التصديق نفسها غير مهمة، حيث إنهم في كلتا الحالتين لن يستطيعوا فعل أي شيء.