ترجمة وتحرير: نون بوست
قتلت قوات الأمن المصرية أكثر من ألف شخص خلال عملية إخلاء معسكر المناصرين للرئيس السابق محمد مرسي في 14 آب/ أغسطس سنة 2013. وعموما، سيتذكر عدد كبير من المصريين هذا اليوم كمحطة مهمة غيرت حياتهم. وبعد اندلاع ثورات الربيع العربي خلال سنة 2011، تمكن المصريون من الإطاحة بالدكتاتور حسني مبارك، ثم التخلص من الحكومة المؤقتة التي تولى الجيش إدارتها بعد هذه الأحداث. وفي وقت لاحق، دعم الشعب المصري، بحماس وخوف، صعود محمد مرسي إلى الحكم. وبنفس حجم الخوف والحماس، قبل الشعب المصري حادثة الإطاحة بالرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
في الثالث من تموز/ يوليو سنة 2013، غصت الشوارع المصرية بمظاهرات واسعة النطاق تطالب بإقالة محمد مرسي، علما وأن مرسي يعد أول وآخر رئيس أُنتخب بطريقة ديمقراطية في مصر. في الأثناء، توج القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبد الفتاح السيسي، هذه المظاهرات بانقلاب، مستندا إلى حجة فشل مرسي في تلبية مطالب الشعب.
وفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، “فمن المحتمل أن يكون أكثر من ألف متظاهر قد ماتوا في ميدان رابعة” ما يجعل هذه الحادثة “واحدة من أكبر جرائم قتل المتظاهرين في التاريخ الحديث خلال يوم واحد”
في هذا الشأن، دعمت عديد الجهات في المجتمع المصري السيسي في تنفيذ هذا الانقلاب. ويعود السبب وراء هذا الدعم إلى أن هذه الجهات شعرت بالخوف والشك من نوايا الإسلاميين في السلطة والتحولات الطائفية والاستبدادية التي يمكن أن يقوموا بها حين يشغلون بعض مؤسسات الدولة. في المقابل، رفض مناصرو محمد مرسي هذا الانقلاب غير الشرعي، وعبروا عن غضبهم بخروج حشود كبيرة من المتظاهرين للمطالبة بإعادة مرسي، في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، بالقرب من المسجد الذي يحمل اسم الميدان.
بعد نجاح الانقلاب، دخلت جماعة الإخوان المسلمين والجماعات العسكرية في صراع شامل، وقد شهد ذلك الشهر بالفعل حلقات دموية ارتفع فيها عدد الضحايا من طرف الإخوان المسلمين بشكل كبير. وقد ارتفعت حدة التوتر بين الطرفين دون توقف. ولكن، مع حلول شهر آب/ أغسطس، كان الكثير من المصريين على قناعة بأن الأسوء لم يحن بعد. وقد شهد المصريون الكارثة الكبرى في 14 آب/ أغسطس، بعد الساعة السادسة صباحاً ببضع دقائق، حيث باشرت الشرطة، بمساعدة الجيش المصري، بإخلاء ميدان رابعة باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي.
في الواقع، استمر هذا الاعتداء لحوالي 12 ساعة إلى حين غروب الشمس، ما جعل الكثيرين عاجزين عن مغادرة الميدان. من جهته، صرح أحد مؤيدي الإخوان المسلمين الذي كان حاضرا في ميدان رابعة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته، قائلا: “منذ الطفولة، علمونا في المدرسة أن مهمة جيشنا تتمثل في حمايتنا من إسرائيل. لكن في ذلك اليوم، كنا نحن الهدف”.
تحتل مصر المرتبة الثانية من حيث إصدار عقوبات الإعدام، والبلد السادس الذي نفذ عددا كبيرا من عقوبات الإعدام سنة 2017
وفقا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، “فمن المحتمل أن يكون أكثر من ألف متظاهر قد ماتوا في ميدان رابعة” ما يجعل هذه الحادثة “واحدة من أكبر جرائم قتل المتظاهرين في التاريخ الحديث خلال يوم واحد”. علاوة على ذلك، خلّف هذا الاعتداء آلاف الجرحى وتم القبض على أكثر من 800 شخص، بين من عُذبوا ومن أُعدموا. وتعليقا على هذه المسالة، أورد عمرو مجدي، عضو منظمة هيومن رايتس ووتش، أن “ما حدث في ميدان رابعة لا يعد مجرد سوء تصرف قام به عدد ضئيل من الضباط، بل هو خطة اعتمدتها الحكومة التي توقعت سقوط هذا العدد من القتلى والجرحى”.
بالنسبة للنظام المصري، مثلت حادثة ميدان رابعة، التي لم تلقى الكثير من التنديد من قبل المجتمع الدولي، منبع السياسة الاستبدادية الحالية. وقد صرح عمرو مجدي بكل أسف قائلا: “عندما يتمكن أحد من الإفلات من العقاب على ارتكابه مثل هذه المذبحة، يكون من السهل عليه ترسيخ نظام استبدادي يسنّ قوانين تقييدية ويقمع النشطاء”.
في هذا الصدد، ووفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود، تحتل مصر المرتبة 161 من إجمالي 180 دولة في حرية الصحافة، كما تعد البلد الثالث الذي يضم أكبر عدد من الصحفيين القابعين في السجون. فضلا على ذلك، تحتل مصر المرتبة الثانية من حيث إصدار عقوبات الإعدام، والبلد السادس الذي نفذ عددا كبيرا من عقوبات الإعدام سنة 2017. وقد أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في نهاية سنة 2016، أن السجون المصرية تحتجز ما يصل إلى 60 ألف سجين سياسي.
كان بالإمكان أن تحل الحكومة المصرية الخلاف مع مناصري محمد مرسي بطريقة سلمية دون المرور إلى حل المذبحة الدموية في الفترة ما بين 30 حزيران/ يونيو و14 آب/ أغسطس سنة 2013
من جهة أخرى، يعتبر نظام السيسي أن الأوضاع المتردية الحالية مجرد محطة يجب على المصريين عبورها إذا أرادوا استعادة الأمن والاستقرار الاقتصادي ما قبل الثورة. مع ذلك، وبعد مرور خمس سنوات على الانقلاب العسكري، لم تتحقق النتائج التي وعد بها النظام الشعب المصري بعد. والجدير بالذكر أن الحكومة قامت بتنفيذ إصلاحات هيكلية بعد الاتفاق الذي أبرمته مع صندوق النقد الدولي سنة 2016. كما شهد الاقتصاد المصري نموا بنسبة 5.5 بالمائة.
في المقابل، لا تزال نسبة التضخم والبطالة في ارتفاع بنسبة 10 بالمائة، في حين انخفضت القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من السكان. كما تشير التقديرات إلى أنه منذ الانقلاب، ازداد معدل الفقر في مصر بأكثر من خمسة بالمائة، وهو ما أزم الوضع خاصة في ظل عدم انتعاش القطاع السياحي أيضا. وتعتبر الإنجازات في مجال الأمن متباينة أيضاً، وهي التي تشكل أكثر المجالات التي تحظى باهتمام الدولة. وعلى الرغم من أن الجيش لا يزال غير قادر على تأمين شمال سيناء، وهو مكان تمركز فرع تنظيم الدولة في البلاد، إلا أن المناطق التي يتركز فيها غالبية السكان تعد تحت السيطرة.
لكن، لا يرى منتقدو النظام المصري أن هذه النتائج يمكن أن تبرر ما اقترفه السيسي في حق المصريين. ومن جهته، أكد شادي حميد، الزميل المسؤول في معهد بروكينغ للأبحاث، أنه كان بالإمكان أن تحل الحكومة المصرية الخلاف مع مناصري محمد مرسي بطريقة سلمية دون المرور إلى حل المذبحة الدموية في الفترة ما بين 30 حزيران/ يونيو و14 آب/ أغسطس سنة 2013. وقد أشار حميد إلى أن الحل السلمي كان بإمكانه “ألا يدمر الديمقراطية بشكل كامل في مصر بعد الانقلاب”.
المصدر: صحيفة لاراثون الإسبانية