تقع جمهورية باشكورستان أو بشكيريا كما ينطقها الروس على بعد 1100 كيلومتر شرق موسكو، بين ضفاف نهر الفولغا وسفوح جبال الأورال الواصلة بين قارتي أوروبا وآسيا، ويحدها إقليم بيرم (شمال)، ومقاطعة سفيردلوفسك (شمال شرق)، ومقاطعة تشيليابينسك (شمال شرق/جنوب شرق)، ومنطقة أورينبورغ (جنوب شرق/جنوب غرب)، وجمهورية تتارستان (غرب)، وجمهورية أودمورتيا (شمال غرب).
يأتي اسم جمهورية باشكورستان من اسم سكانها الأصليين البشكير واللاحقة “ستان” التي تعني “دولة” باللغة الفارسية، وهو ما يؤكد ملكية البشكير التاريخية للمنطقة، لكن على النقيض، البشكير ليسوا القومية الأكثر عددًا في جمهوريتهم التي تحمل اسمهم، حيث يعيش ما يقرب من 60% منهم في باشكورستان نفسها، والباقي في المقاطعات المجاورة.
نستكشف طبيعة هذه البلاد وسكانها ضمن ملف “ديار الإسلام في روسيا” وفيه نسرد تاريخ منطقة سيبيريا وجمهوريات شمال القوقاز التي تضم الشيشان وإنغوشيا وداغستان وقبردينو بلقاريا وقره شاي شركيسيا، وجمهوريتي تتارستان وبشكيريا، وهي أقاليم روسية تقطنها غالبية مسلمة، يقدر عددها بنحو 25 مليونًا.
جمهورية باشكورستان.. موجز تاريخ البشكير وخلفيتهم الدينية
تغطي مساحة باشكورستان 142 ألفًا و900 كيلومتر مربع، ويعيش فيها أكثر من 100 مجموعة عرقية، ووفقًا لتعداد 2024، فقد بلغ عدد السكان أكثر من 4.5 مليون نسمة، يأتي الروس في المقدمة بنسبة 37%، ثم البشكير 31%، يليهم التتار 24%، ثم التشوفاش والماري والأوكرانيون والأدمورتيون وغيرهم.
تتمتع باشكورستان بثقافة غنية تمتد إلى قرون عدة، ويحترم البشكير تقاليدهم وعاداتهم القديمة، وهم ودودون للغاية ومضيافون، ولا تزال تقاليدهم وحرفهم المحلية موجودة إلى اليوم، وإن باتت تشهد اختفاءً متسارعًا.
الأرثوذكسية والإسلام هما الديانتان الأساسيتان في باشكورستان (67% مسلمون و22% مسيحيون)، وغالبية البشكير والتتار يتبعون المذهب الحنفي، كما يتحدث البشكير اللغة البشكيرية التي تنتمي إلى عائلة اللغات التركية، وكانت تكتب بالأبجدية العربية ثم اللاتينية في عام 1929، إلى أن فرض الروس الأبجدية السيريلية في عام 1939.
التتار والبشكير مرتبطان ببعضهما ارتباطًا وثيقًا، حيث تتشابه لغاتهما وثقافتهما وكذلك الهوية الدينية، لكن العلاقات بينهما اليوم متوترة، بسبب التقسيم الذي قام به ستالين لإضعاف التتار والبشكير والسماح لموسكو بالسيطرة على كليهما. ورغم أن أكثر من نصف سكان باشكورستان مسلمون، فإنها مثل تتارستان المجاورة يغلب على سكانها الطابع العلماني، عكس الشيشان أو داغستان، لكن العديد من البشكير متدينون بشدة.
البشكير هم جزء من العالم التركي الضخم الذي استوطن المنطقة الممتدة من بحر البلطيق والبحر الأسود في الغرب حتى بحر أوخوتسك والمحيط الهادئ في الشرق، ومن القوقاز حتى جبال الهيمالايا في الجنوب، كانت هذه المنطقة مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين.
يعود تاريخ البشكير في المنطقة إلى القرن السابع، وكانوا جزءًا من دولة بلغار الفولغا، وعاشوا إلى جانب شعوب التتار والبلغار وغيرهم. وحسب وصف الفارسي أبو زيد البلخي، فإن البشكير أمة مستقلة ومنقسمة إلى مجموعتين: إحداهما تعيش على جانبي جبال الأورال بين نهر الفولغا، والأخرى تعيش بالقرب من حدود بيزنطة.
وفي عشرينيات القرن العاشر، ذكر أحمد بن فضلان سفير الخليفة ببغداد إلى حاكم البلغار، بلاد البشكير في مساره، ورأى العديد من الجماعات التركية الأخرى في طريقه إلى دولة البلغار، حسب وصف ابن فضلان، فالبشكير أتراك عاشوا على المنحدرات الجنوبية للأورال حتى نهر فولغا، وهم شعب قوي مولع بالحرب، ويعملون في تربية الماشية.
ووفقًا لابن فضلان، فقد عَبَد البشكير 12 إلهًا: الشتاء والصيف والمطر والرياح والأشجار والخيول والماء والليل والنهار والموت والسماء والأرض، وأبرزهم إله السماء.
وبعد أكثر من قرن على رحلة ابن فضلان، ذكر الرحالة والجغرافي الآخر ياقوت الحموي (1179-1229) لقاءه بعدد من طلاب العلم البشكير في مدارس حلب، وقد قدموا إليها بهدف دراسة الإسلام ونشره بين بقية البشكير، أجرى الحموي معهم لقاءات عدة ورووا له فيها أن اعتناقهم للإسلام كان بفضل اعتماد دولة البلغار الإسلام كدين للدولة في عام 922، وقد شملت دولة البلغار العديد من أراضي البشكير الغربية.
هذا يثبت أن البشكير كانوا في مرحلة مبكرة جدًا من تاريخهم في المنطقة مسلمين، وكانوا في ذلك الوقت من أوائل البدو الرحل الذين بدأوا في إنشاء طبقة من علماء المسلمين الخاصة بهم.
وبعد أن استمرت الحروب بين المغول والبشكير لمدة 14 عامًا، سقطت أراضي البشكير تحت حكم المغول في عام 1236. وبحلول عام 1294، انقسمت إمبراطورية المغول، وأصبح البشكير تحت سلطة القبيلة الذهبية، وكما ذكر المتخصص في التاريخ الإسلامي لروسيا ألين ج. فرانك فإن الإسلام انتشر بين البشكير بشكل أكبر من السابق بعد فترة وجيزة من إسلام القبيلة الذهبية.
أما الروايات البشكيرية، فتذكر أن غالبية البشكير اعتنقوا الإسلام بفضل الدراويش الصوفيين الذين قدموا من آسيا الوسطى وبغداد والأناضول، لكن في كل الأحوال لم يكن من المستغرب أن يعتنق البشكير الإسلام على نطاق واسع، حيث كانوا محاطين بدول إسلامية قوية في الشمال ومسلمين من آسيا الوسطى في الجنوب.
مستعمرة روسية
بعد تفكك القبيلة الذهبية في القرن الرابع عشر، وقعت أراضي البشكير تحت سيطرة خانات قازان وسيبيريا وقبائل النوغاي. لم يكن لدى البشكير مركز واحد وقيادة واحدة، بل كانت أراضيهم خاضعة لعدد من الخانات: خانية سيبير في الجزء الشرقي من أراضي البشكير، وخانية نوغاي في الجنوب الشرقي، وخانية أستراخان في الجنوب الغربي. ومن ناحية أخرى، كان البشكير منظمين في 30 قبيلة على الأقل.
غزا الروس عدوهم القديم خانية قازان في عام 1552، ومع سقوط قازان في القرن السادس عشر، بدأت القوات الروسية بقيادة إيفان الرهيب في التوسع بجبال الأورال واتصلوا بالبشكير الذين كانوا تابعين سابقين لخانات التتار التي أسقطها الروس، ورغم المقاومة الشرسة، بدأ الروس في غزو أراضي البشكير عام 1557.
وحسب الرواية الروسية الرسمية، فبعد سقوط قازان في يد إيفان الرابع في أكتوبر/تشرين الأول 1552، تقدم ممثلو القبائل البشكيرية إلى القيصر بطلب الانضمام طواعية إلى الإمبراطورية الروسية في عام 1557. وما زال الجدل قائمًا اليوم حول ما إذا كان هذا “الدمج” طوعيًا أم نتيجة للغزو.
لكن هناك روايات أخرى تؤكد أن البشكير قاوموا بلا هوادة الغزوات الروسية ولم تنضم بلادهم أبدًا إلى الإمبراطورية الروسية من تلقاء نفسها، بل تم غزوها وتحويلها إلى مستعمرة روسية، كما يرى العديد من المؤرخين أن ما يسمى “الدمج الطوعي للبشكير” في الإمبراطورية الروسية لم يكن إلا من 3 من شيوخ البشكير الذين انحنوا أمام إيفان الرهيب. وحسب المؤرخ البشكيري زينوروف فهناك حرب مريرة استمرت 5 سنوات بين الروس والعديد من القبائل البشكيرية.
والواقع أن كل البشكير لم يعترفوا بالسلطة الروسية على الفور وبطريقة سلمية، واستمرت حرب روسية-بشكيرية لمائتي عام، ففي عام 1557، كانت بشكيريا بمثابة لقمة كبيرة لا يستطيع الروس ابتلاعها في وقت واحد، حيث امتدت أراضيهم من نهر الفولغا الأوسط في الغرب إلى نهر توبول في الشرق.
وبينما خضع البشكير في أقصى الغرب للسيادة الروسية في خمسينيات القرن السادس عشر، لم تدخل القبائل البشكيرية الموجودة في الشرق في مجال النفوذ الروسي إلا في عشرينيات القرن السابع عشر عندما ضمها الروس بشكل دموي إلى إمبراطوريتهم.
خرج البشكير من معظم حروبهم مع روسيا أكثر ضعفًا وخاصة خلال الحروب الروسية البشكيرية 1704-1735. وبحلول نهاية خمسينيات القرن الثامن عشر، أعلنت الحكومة الروسية السيادة على بشكيريا، وقامت ببناء منطقة حدودية جديدة وعدد من الحصون والقلاع والبؤر الاستيطانية التي تحيط بأراضي البشكير، ومنعتهم من التحرك خارج الحدود التي رسمتها.
بالنهاية أجبرت موسكو البشكير على دفع جزية متزايدة باستمرار، وفرضت عليهم التنصير والثقافة الروسية، كما بدأ الروس في استيطان أراضي البشكير، وهو ما أدى إلى تغييرات ديموغرافية هائلة بالمنطقة ما زالت آثارها محسوسة اليوم.
في نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر أصبحوا مجتمعًا مستقرًا إلى حد كبير، لكن انتهى بهم الحال إلى أن باتوا أقلية عرقية في أراضيهم الأصلية، ومن ناحية أخرى، قسم الروس في عام 1881 أراضي البشكير إلى مقاطعتين: أوفا وأورينبورغ، وصارت الأخيرة خارج حدود أراضي البشكير التاريخية، وهو التقسيم الذي لا يزال معمولًا به إلى اليوم.
انهيار حلم الاستقلال
في أعقاب انهيار الإمبراطورية الروسية، أعلن العديد من زعماء البشكير الاستقلال عن روسيا عام 1917، وطالب العديد من البشكير بالاتحاد مع التتار، إذ كان مشروع الكونفدرالية الموحدة بين التتار والبشكير رائجًا لبعض الوقت، وبالفعل شكل التتار والبشكير دولة واحدة عرفت باسم “إيدل-أورال”.
ثم في ديسمبر/كانون الأول 1917، صوت مندوبو المؤتمر التأسيسي لعموم البشكير بالإجماع لصالح الاستقلال، وبطبيعة الحال لم ترضَ موسكو عن فكرة اتحاد التتار والبشكير أو استقلال البشكير، ورفض القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية الأدميرال كولتشاك استقلال البشكير.
في ظل هذه الظروف، تحالف البشكير مع السوفيت، وفي خلال فترة وجيزة اجتاح الجيش الأحمر المنطقة، وأنشأ كيانًا منفصلًا للبشكير في مارس/آذار 1919 أطلق عليه بشكيريا الصغرى، وهو ما أثار سخط الكثيرين. ثم في عام 1922 وسعت موسكو حدود كيان البشكير، فنقلت مقاطعة أوفا التي يقطنها روس إلى أراضي البشكير، ما أدى إلى جلب أعداد كبيرة من الروس الذين فاق عددهم عدد البشكير في جمهوريتهم.
والواقع أن البشكير انتفضوا عدة مرات ضد البلاشفة بسبب عدم رضاهم عن سياسات النظام السوفيتي الذي جلب إليهم العديد من المآسي، من مجاعات وإبادة وتهجير وإعدامات وتدمير المساجد، وإغلاق المؤسسات التعليمية الدينية.
وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، بدأت الحركة الوطنية في باشكورستان بالاستيقاظ من جديد، ودعت إلى الانفصال عن روسيا، وأعلن البشكير في أكتوبر/تشرين الأول عام 1990 سيادة البلد، ومع ذلك تمكنت موسكو من قمع هذه الاتجاهات من خلال الوعود بالحكم الذاتي.
وقعت باشكورستان بعد 3 سنوات عدة اتفاقيات مع موسكو بشأن السلطات والصلاحيات والاختصاص القضائي، والتي منحت البشكير استقلالًا ذاتيًا واسع النطاق وسيطرة على مواردهم الطبيعية، بجانب الحق في إبرام الاتفاقيات الدولية وتحصيل الضرائب.
خزائن موسكو
باشكورستان منطقة فريدة من نوعها، وواحدة من أكبر وأغنى مناطق “الاتحاد الروسي”، إذ تتمتع بثروة طبيعية ومعدنية هائلة، ويوجد بها أكثر من 13 ألف نهر، و7900 بحيرة وخزان مائي، بجانب الاحتياطيات الهائلة من النفط والغاز والذهب والمعادن الأخرى. ويُطلق البعض على باشكورستان اسم “سويسرا الثانية”.
ورغم أن باشكورستان تتمتع باقتصاد متنوع، بما في ذلك قطاعان: سياحي وزراعي كبيران، إذ تحتل المرتبة الأولى بين المناطق الروسية من حيث الغذاء كإنتاج الماشية والخيول والعسل والحليب. مع ذلك، فإن قطاعها الصناعي هو الأكثر أهمية، وذلك بفضل ما تملك من وفرة في قطاع الوقود والطاقة.
رغم أن باشكورستان لا تمثل سوى 2.1% من روسيا، فإنها شهدت رابع أعلى خسائر عسكرية في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بسبب العدد الكبير من البشكير الذين انضموا إلى القوات الروسية هربًا من الفقر
لكن معظم الإمكانات الاقتصادية والثراء الذي تتمتع به باشكورستان يعود إلى خزائن موسكو، فالأخيرة هي التي تستخرج الموارد الطبيعية وتحتفظ بالأموال لنفسها، بجانب أن أغلب الشركات الكبرى في باشكورستان مملوكة للروس، والبشكير ليسوا أكثر من مجرد مستعمرة، لذلك يعانون من انخفاض مستوى معيشتهم، ويضطر الكثير منهم إلى الانتقال لمناطق أخرى للبحث عن عمل، كما أن أجورهم أقل بنسبة 26% من المتوسط الروسي.
سعى بوتين منذ فترة طويلة إلى استعادة المركزية وتقليص الثقافات والهويات الجماعية غير الروسية في باشكورستان، ونفذت هذه الاستراتيجية بشكل فعال من خلال تعديل السرديات التاريخية واستبعاد اللغات الأصلية من التعليم والحياة اليومية، وكبح جماح المنظمات الوطنية التي كانت قوية ومستقلة ذات يوم.
اضطرت باشكورستان إلى تنفيذ توجيهات الكرملين بهدوء، ففي عام 2007، تم إلغاء ما يسمى بـ”المكون الإقليمي” في سياسة التعليم، ما يعني أن باشكورستان لم تعد قادرة على طباعة الكتب المدرسية الخاصة بها دون موافقة موسكو، كذلك منع الروس إحياء ذكرى الأبطال الوطنيين والمناقشة الحرة لموضوعات مثل انتفاضات البشكير والقمع الذي عانوا منه خلال الهيمنة الروسية.
وفي عام 2018 عدل البرلمان الروسي قوانين التعليم لجعل اللغة البشكيرية واللغات الأخرى غير إلزامية، وبالتالي أصبح التعليم اليوم في المقام الأول باللغة الروسية، ولا يمكن إجراء امتحانات التخرج إلا باللغة الروسية، وصار تدريس اللغة البشكيرية اختياريًا.
والواقع أن معظم الطلاب الذين يفكرون في مستقبلهم بسوق العمل سيختارون اللغة الروسية، والعديد من التقارير تشير إلى أن البشكير يُجبرون على التحدث بالروسية في العمل، وبحسب إلدار إيتكولوف نائب وزير التعليم البشكيري السابق، فإن النظام المدرسي البشكيري ينهار، خاصة في المناطق الريفية. وأضاف إيتكولوف أن البشكير لا يتعلمون لغتهم الخاصة رغم أنها لغة رسمية للجمهورية.
احتجاجات البشكير
إضافة إلى مطالبة البشكير بحقوقهم اللغوية والثقافية، فقد شهدت باشكورستان ظهور حركات اجتماعية وبيئية عدة، من أبرزها حركة “باشكورت” لحماية البيئة في باشكورستان من الدمار الذي تتسبب فيه موسكو، وقد حظرتها السلطات المحلية عام 2020 بتهمة التطرف.
فقد البشكير حقوقهم في هويتهم الوطنية الخاصة، وبدلًا من ذلك، أجبروا على التكيف مع هوية روسية، بجانب تعرض انتفاضاتهم للقمع والاعتقالات الواسعة ضد المعارضين والصحفيين المحليين الذين يكتبون عن الفساد والقومية أو من يعارضون الحرب في أوكرانيا، بجانب فرض التعتيم على المعلومات وحجب وسائل الإعلام.
لذا شعر البشكير بهذا الوضع المشؤوم وتفاقمت لديهم مشاعر الاستياء والاغتراب، ففي بداية عام 2024 اندلعت احتجاجات عنيفة في باشكورستان بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ونظرًا لأن هذه الجمهورية المسلمة تقع في عمق الاتحاد الروسي، فإن الشرطة الروسية تحركت بسرعة لقمع الاحتجاجات.
حسب عالمة الاجتماع غوزيل يوسوبوف فطبيعة الاحتجاجات الأخيرة في باشكورستان لم تكن متعلقة بالقومية أو الانفصالية، بل ثار البشكير للتعبير عن مظالمهم العرقية وغضبهم من الظلم والفساد الذي يتعرضون له. على سبيل المثال، على الرغم من أن باشكورستان لا تمثل سوى 2.1% من سكان روسيا، فإنها شهدت رابع أعلى خسائر عسكرية في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بسبب العدد الكبير من البشكير الذين انضموا إلى القوات الروسية هربًا من الفقر.
إذ تعمل روسيا على توسيع عدد الكتائب شبه العسكرية التطوعية من المناطق غير الروسية في حربها بأوكرانيا، وخاصة من باشكورستان، لذا اتهم مراقبون الكرملين باستخدام الحرب في أوكرانيا لتطهير القوميات غير الروسية، ما دفع البشكير إلى إشعال النار في مكاتب التجنيد العسكري المخصصة لإرسال الشباب إلى الحرب في أوكرانيا.
هكذا ظل الوضع في باشكورستان متوترًا بشكل متزايد على مدى العقود الثلاث الماضية منذ أن أصبح بوتين رئيسًا، إذ سحب منهم كل وعود الاستقلال الذاتي والازدهار الاقتصادي تدريجيًا، ما أدى إلى إعادة مركزية السلطة في أيدي موسكو، وممارسة القمع بأشكال مختلفة ضد البشكير، سواء في الاقتصاد أو التعليم والتوظيف وحتى الديموغرافيا.