ترجمة وتحرير: نون بوست
كانوا يسافرون ليلًا، ولما بدا وكأنه مضى ساعات، كان من الصعب معرفة الوقت بدقة. وكان يونس معصوب العينين، وشعر بالنعاس نتيجة تناول عقار الزاناكس الذي أُعطي له. ولم يكن متأكدًا من مكانه، لكنه كان يستطيع أن يشم رائحة الملح في الهواء عندما توقفت السيارة فجأة. وسمع يونسُ عليًّا، الراكب الآخر، يفتح نافذته ويشعل سيجارة. بينما جلس السائق بلا حراك، وكان يتنفس بصعوبة، ثم مرت عدة دقائق في صمت ثقيل. وفجأة، سمع يونس صوت رنين، حيث كان هاتف أحدهم قد تلقى رسالة.
فُتح الباب المجاور ليونس، وقام رجلان باصطحابه إلى داخل مبنى. وبعد أن أزالا عصبة عينيه، سار الرجلان في ممر طويل وصعدا الدرج إلى الطابق السفلي. وهناك، دخل يونس إلى غرفة حيث كان رجل يرتدي ملابس طبية زرقاء يتحدث إلى علي، السمسار الذي أحضره إلى هنا. وافترض يونس أن الرجل الآخر هو الطبيب الذي سيجري العملية الجراحية. وقبل أن يتمكن يونس من طرح أي أسئلة، تم نقله إلى غرفة أخرى حيث طُلب منه تغيير ملابسه إلى رداء الجراحة، وانتظار أحد الممرضين الطبيين لتحضير المخدر.
وبينما كان يونس ينتظر، كان يفكر في والديه في وطنه إريتريا، وأخيه الأصغر الذي تم تجنيده في الخدمة العسكرية، وأخته التي قُدِّر لها أن تعيش حياة العبودية. وكان يأمل أن تساعدهم تضحيته في تحسين ظروفهم. فجأة، دخلت المرافقة، وخدشت الإبرة ذراعه، بينما بدأت الأضواء الفلورية تتلاشى وتفسح المجال للظلام.
كان يونس قد قام بثلاث محاولات للوصول إلى أوروبا، مرتين من ليبيا ومرة من مصر. لكن في كل مرة كان يتم احتجازه وإجباره على دفع مبالغ كبيرة من المال، تتراوح بين 3,000 و7,000 دولار أمريكي، من أجل إطلاق سراحه. واقترض يونس، الذي كان معدمًا ومثقلًا بالديون بالفعل، أموالًا من المقرضين في القاهرة. وكان يتعرض لضغوط شديدة من دائنيه، الذين كانوا يهددون بالحصول على ديونهم بالقوة إذا لزم الأمر. ولكن قبل كل شيء كان يائسًا بشكل خاص من إرسال المال إلى عائلته في إريتريا. وبسبب وقوعه في دوامة الديون، قام بمقايضة الشيء الوحيد الذي كان يملكه: إحدى كليتيه.
من غير القانوني شراء أو بيع الأعضاء في أي مكان في العالم، باستثناء إيران. وعلى الرغم من ذلك، تشير التقديرات إلى أن حوالي 10 بالمائة من الأعضاء المزروعة تأتي من مصادر غير قانونية. ومع ذلك، لا يتم الإبلاغ عن معظم هذه الحالات، مما يعني أن الرقم الحقيقي من المحتمل أن يكون أعلى بكثير من ذلك.
وقد تم تحديد العديد من البلدان، بما في ذلك باكستان ومصر وبنغلاديش والهند وتركيا والفلبين والصين، كمراكز للاتجار بالأعضاء، ولكن تجارة الأعضاء هي عملية عابرة للحدود الوطنية. وقد حدد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تقريره العالمي للاتجار بالبشر لسنة 2018 أكثر من 700 حالة اتجار بالأعضاء، معظمها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وزعم تقرير للإنتربول لسنة 2021 أن الاتجار بالأعضاء كان مصدر قلق خاص في شمال وغرب أفريقيا، “حيث المجتمعات الفقيرة والسكان المشردون أكثر عرضة لخطر الاستغلال”.
ووفقًا للمرصد العالمي للتبرع وزراعة الأعضاء، لا تتم تلبية سوى 10 بالمائة فقط من الطلب العالمي على عمليات الزراعة كل سنة. وقد تفاقم الطلب المتزايد على عمليات زراعة الكلى، على وجه الخصوص، بسبب النقص في التبرع من غير المتبرعين ومحدودية الوصول إلى خدمات الزراعة. وقد أدى ذلك إلى زيادة الاعتماد على الشبكات الإجرامية التي تحصل على الأعضاء من الأفراد المعرضين للخطر.
وتوجد سوق سوداء للأعضاء البشرية تشمل الكلى والقرنيات وفصوص الكبد، ويعود ارتفاع الطلب على الكلى جزئيًا إلى تفشي ما يعرف بأمراض الثراء، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة، مما يؤدي إلى زيادة حالات الفشل الكلوي. ووفقًا لجمعية رعاية الكلى الخيرية في المملكة المتحدة، شهدت قائمة الانتظار لزراعة الكلى زيادة ملحوظة منذ بداية الوباء. ونتيجة لذلك، يسافر عدد متزايد من الأشخاص إلى الخارج لإجراء عمليات زراعة الكلى. وفي العديد من الدول التي تستقطب سياح زراعة الأعضاء، يتم الحصول على الكلى من الأفراد الفقراء والمحرومين.
بصفتي أكاديميًا قانونيًا، أُجري تحقيقًا في مجال التجارة العالمية للأعضاء البشرية منذ سنة 2014. وعلى مدار العشر سنوات الماضية، قمت بإجراء مقابلات مع 43 فردًا من السودان وجنوب السودان وإريتريا، الذين باعوا كلى بسبب الحاجة الاقتصادية.
وفي معظم الحالات، استُهدف هؤلاء الأفراد من قبل الجماعات الإجرامية نظرًا لوضعهم غير المستقر كطالبي لجوء أو لاجئين أو مهاجرين غير شرعيين. ولم يحصل معظمهم على المبالغ التي وُعِدوا بها، حيث لم يحصل بعضهم على أي تعويض على الإطلاق.
وبسبب وضعهم المزدوج كـمهاجرين غير شرعيين وبائعين للأعضاء، كانوا في موقف غير مؤاتٍ للتفاوض على السعر أو ضمان استلام المبلغ المتفق عليه. علاوة على ذلك، كان من غير المرجح أن يقوموا بالإبلاغ عن الانتهاكات التي تعرضوا لها بسبب وضعهم القانوني غير المستقر.
وفي ظل غياب المسارات القانونية للهجرة، باع الكثيرون كليتهم بعد أن تم اعتقالهم واحتجازهم، وفي بعض الحالات، ترحيلهم إلى بلدان كانت حياتهم فيها مهددة. وقد اختار معظمهم تجنب اللجوء إلى مخيمات اللاجئين، والتي وصفوها بأنها “سجون” و”معسكرات موت” حيث يذهب الناس ليموتوا. وقد خاب أملهم في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وكما أخبرني يونس؛ فقد كان من الأفضل له المخاطرة بعبور الصحراء بدلًا من العيش تحت المراقبة المستمرة، كأسرى ومعتمدين على نظام لجوء معطل. لقد أنفق العديد من الأشخاص، مثل يونس، جميع مواردهم في محاولة للوصول إلى أوروبا وطلب اللجوء، لكنهم صُنّفوا كمهاجرين غير شرعيين ودُفعوا إلى هامش المجتمع، مما عرضهم للاستغلال بأنواعه المختلفة.
وتعتمد الشبكات غير المشروعة التي تزود أسواق الأعضاء البشرية على تعاون وثيق مع الأطباء. ويشارك الوسطاء الإجراميون في التفاوض بشأن الرسوم، وإعداد الأوراق الرسمية التي تُقدَّم كدليل على الموافقة المستنيرة على التبرع الطوعي. كما يقوم هؤلاء الوسطاء، الذين يربطون المرضى بالمحتاجين إلى الأعضاء من “المتبرعين” الفقراء والضعفاء، بإقامة شراكات طويلة الأمد مع الأطباء. وبدون مشاركة الجراحين الذين ينفذون عمليات الزراعة غير القانونية من أجل الربح، فإن تجارة الأعضاء ستختفي من الوجود.
وفي آذار/ مارس 2023، نظرت المملكة المتحدة في أول قضية تتعلق بالاتجار بالأعضاء. فقد أدين سياسي نيجيري وزوجته ووسيطهما بالتآمر لنقل رجل من لاغوس إلى المملكة المتحدة للحصول على كليته لزرعها. وخلال النطق بالحكم، قال القاضي “إن الاتجار بالأشخاص عبر الحدود الدولية لأغراض الحصول على الأعضاء بأنه شكل من أشكال العبودية. فهي تعامل البشر وأعضائهم كسلعة تُباع وتُشترى، وأنها تجارة تستفيد من فقر البشر وبؤسهم ويأسهم”. وللأسف، مع زيادة أعداد النازحين بسبب النزاعات والحرب وأزمات المناخ، لا يوجد نقص في الأشخاص اليائسين الذين يمكن أن يصبحوا فريسة.
وكان قد تم تجنيد يونس في الخدمة الوطنية في إريتريا وهو في الرابعة عشرة من عمره، وأُرسل للتدريب التعليمي في مركز تدريب الدفاع في ساوا، وهو مجمع عسكري مترامي الأطراف في غرب إريتريا يشتهر بالانضباط العسكري والعقوبات البدنية والسخرة. ويتذكر يونس قائلًا: “كان أخي معي هناك. وحاولوا غسل أدمغتنا. فهم لا يريدون أن يكون لدى الناس أفكار وآراء سياسية. لقد كان عليّ أن أهرب من ذلك المكان”.
وفي إحدى ليالي أيلول/ سبتمبر 2012، فر يونس من مركز التدريب في ساوا. وكانت عائلته قد دفعت لمهرب لنقله عبر الحدود إلى السودان، حيث كانت شاحنة تنتظره على الجانب الآخر من المجمع. وللوصول إليها، كان على يونس أن يزحف على يديه وركبتيه تحت سياج الأسلاك الشائكة وعبر الصخور الحادة، محاولًا تجنب أضواء الكشافات التي كانت تجتاح المكان من الأعلى، وكان يعلم أنه إذا تم القبض عليه فسيتم إطلاق النار عليه.
وخارج بلدة حامية قديمة قريبة من الحدود، صعد يونس إلى شاحنة أخرى كانت متجهة إلى العاصمة السودانية، الخرطوم. وعندما وصل إلى أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم الواقعة على الجانب الآخر من النيل، التقى بمُهرب قيل له إنه قادر على تنظيم عملية النقل عبر البحر الأبيض المتوسط.
وكانت الرحلة مكلفة وخطيرة، لكن يونس شعر أنه ليس لديه ما يخسره. فقد بذلت عائلته قصارى جهدها لمساعدته على الهرب من ساوا، وكان مصممًا على الوصول إلى أوروبا لتكريم تضحياتهم. وكان يونس قد سمع قصصًا عن عمليات الخطف التي تحدث على طرق المهاجرين، إلا أن هذا المهرب كان يتمتع بسمعة طيبة، وكان يونس يأمل في أن يتمكن من الوصول.
وبعد رحلة طويلة وشاقة عبر الصحراء الكبرى، بين السودان وليبيا، وصل يونس إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، خارج طرابلس، كما كان متفقًا عليه. في نيسان/ أبريل 2018، تم دفعه للصعود إلى قارب صغير برفقة حوالي 100 مهاجر آخرين، كانوا قادمين من مناطق مختلفة من أفريقيا، مثل إريتريا والصومال والسودان وجنوب السودان وتشاد ونيجيريا. وتولى مسؤولية إدارة القارب أحد الركاب الذي لم يكن لديه خبرة في الإبحار، وبعد حوالي ساعة من الإبحار، تعطل المحرك.
جلس الرجال والنساء والأطفال بلا حول ولا قوة، وقد أصابهم الجفاف والإرهاق بينما كان القارب يطفو بلا حراك. ومرّت ست ساعات قبل أن يعترض خفر السواحل الليبي القارب ويعيدهم إلى البر الأفريقي لإتمام إجراءاتهم. وأُبلغوا أنهم سيتم احتجازهم لمحاولتهم دخول أوروبا بطريقة غير شرعية. ويتذكر يونس أن الركاب، بعد تعطل المحرك، كانوا يعتقدون أنهم قد يلقون حتفهم. وقال: “عندما جاء خفر السواحل، تمنى بعضنا لو أننا كنا قد غرقنا، لأننا كنا نعرف إلى أين نحن ذاهبون.”
إن مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا، التي يتم تمويلها جزئيًا من الاتحاد الأوروبي سيئة السمعة. فقد تعرض المحتجزون للتعذيب والمضايقات والعنف الجسدي والاستغلال الجنسي والعمل القسري، دون تسجيل رسمي أو إجراءات قانونية أو إمكانية الوصول إلى محامين أو أي سلطات قضائية. ولم يتحدث يونس إلى أي ممثلين من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو المنظمة الدولية للهجرة. وقال: “أعتقد أن أحدًا من هؤلاء قد جاء لزيارتنا، لكنهم اكتفوا بالمراقبة فقط.”
وفي ظل غياب الإجراءات القانونية، فإن الطريقة الوحيدة للهروب من ظروف مراكز الاحتجاز العقابية هي دفع رشوة للضباط. وقال يونس: “عندما يتلقى الحراس المال، يتركونك في الصحراء. ثم تحاول فقط ألا يتم القبض عليك (اعتقالك) مرة أخرى.”
وكان يونس قد ترك بعض المال مع أصدقائه في مصر في حالة الطوارئ. كما كان لديه أقارب يعيشون في السويد وهولندا والمملكة المتحدة، والذين قاموا بجمع الأموال لمساعدته في دفع تكاليف خروجه من مقر الاحتجاز في ليبيا. وقال: “تم إرسال الأموال إلى حساب مصرفي ليبي عبر ويسترن يونيون”. مضيفًا أنه دفع لحراس السجن حوالي 7,000 دولار أمريكي. وبعد إطلاق سراحه، سافر يونس إلى القاهرة.
وبحلول الوقت الذي كان قد دفع فيه رشوة للخروج من الاحتجاز في ليبيا، كان يونس قد استنفد الأموال التي تلقاها من الأصدقاء والعائلة. وبمجرد وصوله إلى القاهرة، اقترض 30,000 جنيه مصري (حوالي 470 جنيهًا إسترلينيًا) من المقرضين، وهو إجراء مؤقت، كما كان يعتقد، لتغطية تكاليف الطعام والإقامة أثناء بحثه عن عمل.
مر شهران، ولم يتمكن يونس من العثور على عمل ثابت، مما جعله غير قادر على سداد أي أقساط. وكان يعلم أنه إذا لم يدفع الدفعة التالية، فستكون هناك عواقب وخيمة. قال يونس: “أخبرني هذا الرجل (محصل الديون) أنه سيأخذ سنًا مقابل كل دفعة فاتتني.”
كان يونس قد فقد الأمل في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عندما اقترب منه رجل سوداني، ذكر أن اسمه علي، في أحد أسواق القاهرة، وأخبره يونس بقصته. وقال علي إنه يعرف طريقة يستطيع بها يونس تسديد جميع ديونه وتأمين مكان على متن سفينة صيد أكثر موثوقية تعبر من مصر إلى إيطاليا. وأخبر يونس أن بإمكانه بيع كليته وكسب الكثير من المال وإنقاذ حياة شخص في هذه العملية.
كانت لدى يونس شكوكه، لكن الديون الكبيرة التي تراكمت عليه بسبب محاولته عبور البحر الأبيض المتوسط وما كان يتعرض له من ضغوط لتسديد ديون الأصدقاء والعائلة والمقرضين. وأوضح قائلًا: “هذا آخر شيء ترغب في فعله، ولكن بالنسبة لي لم يكن هناك خيار آخر”. وكان علي، الوسيط، أنيقًا وبدا صادقًا، مما أعطى يونس بعض الثقة. ووافق يونس على الصفقة، حيث وعده علي بمبلغ 10,000 دولار مقابل كليته. وكان يأمل أن يكون هذا المال كافيًا لتسديد ديونه وتغطية تكاليف رحلته عبر البحر الأبيض المتوسط.
وأجريت الجراحة في منشأة طبية بالقرب من الإسكندرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. وقال يونس: “أتذكر أنني استيقظت من التخدير وشعرت بالارتباك.” كان أول ما لاحظه هو صوت أزيز صادر من مصباح كهربائي مفكوك، يشبه صوت حشرة محاصرة. وشعر بعد ذلك بالألم، ثم الخوف والذعر والغضب. وأضاف: “كنت أصرخ بأعلى صوتي. أردت فقط الخروج من هناك”، ثم تدحرج يونس وتقيأ على الأرض.
مرت ساعات، وأخيرًا فُتح الباب ودخل رجل يحمل لوحًا. أخبره الرجل أن علي سيأتي قريبًا، وعندها يمكنه مغادرة المكان. وأعطى الرجل قرصين مسكنين وكوبًا من الماء ليونس، ثم خرج من الباب قبل أن يتمكن يونس من طرح أي أسئلة.
وعندما ظهر علي أخيرًا، طلب من يونس أن يرتدي ملابسه. وكان صوته قاسيًا، وقد اختفت معاملته الحسنة السابقة. وقامت إحدى الممرضات بإزالة المحلول الموصول بيد يونس، ثم رافقه رجلان بدينان إلى السيارة. وقضى يونس فترة النقاهة الأسبوعين التاليين في شقة بالقاهرة، حيث كان تحت مراقبة دقيقة لتجنب أي محاولة لمغادرة الشقة؛ حيث لم يرغب المشرفون في لفت الانتباه، خوفًا من أن يراه أحد ويبلغ الشرطة بوجوده. لذلك، كان من الأفضل إبقاؤه مختبئًا أثناء فترة تعافيه.
وكان يونس قد وُعد بمبلغ 10,000 دولار أمريكي، لكنه لم يحصل سوى على 6,000 دولار أمريكي في شكل أوراق نقدية. وكان هذا المبلغ كافيًا لسداد ديونه الحالية، لكنه لم يكن كافيًا لتغطية تكلفة رسوم المهربين (3,500 دولار) للمرحلة التالية من رحلته عبر البحر الأبيض المتوسط. وذهب يونس إلى الشرطة وأبلغ عن علي بتهمة التهريب. وكان يحاول أن يشرح أنه تعرض للخداع لبيع كليته بينما كان ضابط آخر يدخل إلى الغرفة الذي أبلغه أن بيع الكلية يعتبر جريمة جنائية، ثم أخرج دفتر ملاحظات وطلب من يونس أوراقه الثبوتية، فبدأ يونس في البحث في جيوبه عن وثائق يعرف أنها ليست بحوزته.
وقال رجال الشرطة مازحين إن يونس لا يبدو مصريًا، مشيرين إلى بشرته السمراء وشعره المجعد، واقترحوا عليه أنه إذا كان لاجئًا، فعليه أن يذهب ويشتكي إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكنهم أشاروا إلى أنه قد لا يكون لاجئًا بل ربما مهاجرًا غير شرعي. ثم ذكّره الضابط الثاني بأنه قد يتعرض للاعتقال أو الترحيل لعدم تقديمه أوراقه الثبوتية.
لقد ندم يونس على ذهابه إلى الشرطة، ونظر حوله منتظرًا بعصبية أن يتكلم أحد ما، فابتسم الضابط الثاني بازدراء وطلب منه المغادرة.
وفي بحثي، أردتُ أن أعرف المزيد عن كيفية تنظيم تجارة الأعضاء، وكيف كان السماسرة يبررون ما يفعلونه. وكما اتضح فيما بعد، كان بعض السماسرة على علم بعملي، وأراد بعضهم مقابلتي وسؤالي عن ذلك وشرح وجهة نظرهم.
لم يكن السماسرة الذين قابلتهم يرون بالضرورة أن ما كانوا يفعلونه خطأ، وقالوا إنه إذا كان هناك من يقع عليه اللوم، فهم الأطباء الذين أجروا عمليات زراعة غير قانونية عن علم. بالنسبة للجزء الأكبر، فقد رأوا أنفسهم كمقدمي خدمات، وجزء من سلسلة توريد لنظام طبي فاسد بالفعل. بالنسبة لهم، كان الأمر مجرد عمل.
والتقيت بحكيم في مصر في شباط/ فبراير 2020؛ حيث كان قد دخل مجال السمسرة بعد أن واجه صعوبات مالية، وقال لي حكيم: “أخذني عمي تحت جناحه”. كانت أسرته من الخرطوم، وكان عمه سمسارًا راسخًا في مجال سمسرة الأعضاء، ولديه علاقات مع الأطباء ووحدات زراعة الأعضاء في مصر والخارج، خاصة في السعودية وسلطنة عمان والإمارات. وقال حكيم إن عمه عرّفه “على جميع الرجال الكبار والأطباء والوسطاء [السماسرة] الذين يعملون مع العملاء”. وكان العملاء من مرضى زراعة الأعضاء، بعضهم من مصر والبعض الآخر من جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية.
عندما التقيت به، كان حكيم مقيمًا في القاهرة وكان مسؤولًا عن تجنيد المتبرعين وإحالتهم إلى عمه. وفي آذار/ مارس 2004، كانت الحكومة المركزية في الخرطوم، بدعم من ميليشيا الجنجويد في ذلك الوقت، قد شنت حملة وحشية لمكافحة المتمردين في دارفور، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين وتشريد آلاف آخرين. ووسط هذه الفوضى، رأى حكيم فرصة للتجنيد. فاتصل بالمهربين في الخرطوم، الذين كان للعديد منهم علاقات مع مسؤولي الحدود على الحدود السودانية المصرية، والذين كان لديهم القدرة على السماح للمهاجرين بالعبور مقابل دفع المال. وبدأ السماسرة في التماس الأشخاص الفارين من القتال الذين قد يكونون يائسين بما يكفي لبيع كليتهم. وقال حكيم: “فكرت: إنهم في موقف صعب للغاية. ربما سيبيعون كلية مقابل 5,000 دولار. بينما سيطلب شخص ما في القاهرة أكثر من ذلك”.
في جميع أنحاء العالم، تتراوح تكلفة عملية الزراعة في السوق السوداء من 20,000 دولار إلى 200,000 دولار – ويعكس السعر الأعلى عمومًا علاجًا ورعاية أفضل. وعادةً ما يتلقى “المتبرع” جزءًا بسيطًا من هذه التكلفة. ويختلف المبلغ الذي يتلقونه من بلد إلى آخر. ففي الفلبين وكولومبيا تم توثيق حصول عمال المزارع الفقراء وعمال السخرة في الفلبين وكولومبيا على أقل من 2000 دولار مقابل الكلية. وفي المقابل، تم بيع الكلى بمبلغ يتراوح بين 10,000 دولار و20,000 دولار في إسرائيل وتركيا.
وفي مصر يمكن أن تباع الكلية الواحدة بمبلغ يتراوح بين 5,000 دولار و20,000 دولار. بينما يدفع المرضى، أو “سياح زراعة الأعضاء”، ما بين 50,000 دولار و100,000 دولار مقابل عملية زراعة الكلى، بما في ذلك السفر والإقامة. ويعتمد السعر بشكل عام على طلب السوق. بالنسبة للكلية، يمكن أن يتراوح السعر المدفوع للبائع بين 5,000 دولار و20,000 دولار. ويتمثل جزء من مهمة الوسيط في معرفة مدى ثراء المشتري وتحديد الحد الأدنى المطلق الذي يكون البائع مستعدًا لقبوله. فالبائع الفقير والعاطل عن العمل الذي لا يتمتع بوضع قانوني ليس في وضع يسمح له بالتفاوض. ولهذا السبب، يشكل المهاجرون غير الشرعيين أهدافًا ثمينة.
لقد أدت سلسلة من الصراعات الطويلة الأمد في المنطقة إلى تدفق مستمر من الناس الذين يمكن تحويل يأسهم إلى سلعة بطرق مختلفة: تهريب الجثث أو بيعها أو حصادها. وقال حكيم إنه أحال ما بين 20 و30 بائعًا أسبوعيًا، والذين يحيلهم إليه معارفه في الخرطوم. وقال: “إنهم يتفقون على الصفقة [بيع الأعضاء] مسبقًا، وأتصل بعمي لاستلامهم. وبعد انتهاء العملية، يواصلون الرحلة إلى الساحل لمحاولة العبور”، وأضاف أن معظمهم لا ينجحون في عبور البحر الأبيض المتوسط.
سألتُه عما إذا كان يشعر بأي ندم تجاه الأشخاص الذين يستغلهم، فأجاب: “نعم، أشعر بالأسى تجاههم. ولكنني دائمًا ما أُعطيهم أموالهم. هناك سماسرة آخرون يتفقون معك على السعر ثم يختفون بعد العملية دون أن يدفعوا لك. وهو ما يحدث في 40 بالمائة من الحالات على الأقل”.
إن معظم الناس لا يحصلون على ما وُعدوا به، ولكن نظرًا لأن بيع الكلى غير قانوني، فليس هناك الكثير مما يمكنهم فعله. ويدرك السماسرة والمهنيون الطبيون الذين يعملون معهم ذلك، ويستغلون التهديد بالملاحقة الجنائية لإسكات ضحاياهم.
التقيت هبة، وهي أم شابة عزباء من السودان، في القاهرة في آذار/ مارس 2020، والتي قامت ببيع كليتها لمساعدتها في إعالة ابنتها الصغيرة. وكانت قد وُعدت بمبلغ 10,000 دولار، لكنها تلقت فقط 4,000 دولار. وبعد تعافيها من العملية الجراحية، عادت إلى المستشفى لتطلب الحصول على أموالها. ولكن كانت قد وقعت قبل إجراء الجراحة على وثائق تنص على أنها تتبرع بكليتها مجانًا، وهو ما وفر تغطية قانونية للمشاركين في العملية الجراحية. والآن، إذا اختارت هبة إبلاغ الشرطة عنهم، فقد يتم القبض عليها بتهمة ارتكاب جريمة جنائية تتعلق ببيع الكلى. ولقد كانت عاجزة عن الحصول على كامل الأتعاب التي وُعدت بها.
إن أحد الأسباب التي تجعل الإدانات في قضايا إزالة الأعضاء غير المشروعة نادرة للغاية في جميع أنحاء العالم هو تردد الضحايا في تقديم الشكاوى. وهناك سبب آخر وهو الفساد المنهجي؛ حيث أشار حكيم إلى أن الأطباء يدفعون رشاوى لحماية أنفسهم من تحقيقات الشرطة، ولكنه أضاف بشكل غامض: “الأطباء لا يسيطرون على العمل. الأشخاص الذين يديرون هذا العمل يتلقون عمولات من الأطباء. أنت لا تعرفهم أو تعرف ماذا يفعلون. وكل ما تعرفه هو أن هؤلاء الأشخاص يأخذون عمولات من الأطباء، وهم من يسيطرون على العملية [تجارة الأعضاء] – وإلا فلن يتمكن أي طبيب من إجراء عمليات زراعة الأعضاء”.
وعندما سألت حكيم عما إذا كان يقصد المسؤولين الحكوميين، أجابني ببساطة: “إنهم أشخاص أعلى مرتبة”. وزعم حكيم أن التهديد بالاعتقال يعمل كشكل من أشكال الابتزاز الرسمي. ولن يتم التحقيق مع المهنيين الطبيين الفاسدين، الذين يجرون عمليات الزراعة غير القانونية، الذين يدفعون مقابل الحماية، بينما يمكن اعتقال من يرفضون الدفع.
وبعد ثلاث سنوات، في آذار/ مارس 2023، التقيت بحكيم مرة أخرى في الخرطوم. وكنت أتابع تقارير من جهات اتصال في مصر زعمت أن أشخاصًا، معظمهم من دارفور، يتم الاتجار بهم من الخرطوم إلى القاهرة لانتزاع أعضائهم، وكانوا يتلقون وعودًا بالمرور الآمن عبر البحر الأبيض المتوسط، كجزء من مخطط “اذهب الآن وادفع لاحقًا”. ولكن عندما وصلوا إلى القاهرة، أُجبروا على التخلي عن إحدى كليتيهم كثمن لمواصلة رحلتهم.
راسلت حكيم على واتساب لمعرفة ما إذا كان يعرف أي شيء عن هذا الأمر. فأجاب: “إذا كنت تريد التحدث، فأنا في الخرطوم الآن. أنا لا أتحدث عن هذا على الهاتف”.
لا أعلم إن كان ذلك لإضفاء تأثير درامي، لكنه رتب للقاء معي في مقبرة قريبة من جزيرة توتي، حيث ينقسم نهر النيل. لقد ناقشنا التوتر المتصاعد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية. وفي الشهر التالي، اندلعت معارك شوارع عنيفة بين هذين الفصيلين، مما أدى إلى تصاعد الصراع بسرعة إلى حرب أهلية مدمرة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. ووفقًا للأرقام الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة، فقد نزح أكثر من 10 ملايين شخص في السودان، وجميعهم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
سألت حكيم: “كيف كان العمل؟”
قال “يأتي المزيد من الناس الآن، مع استمرار القتال. وسيحاول بعض هؤلاء الأشخاص الذهاب إلى ليبيا، بينما سيحاول آخرون عبور البحر الأبيض المتوسط من مصر، لكن هذا الأمر أكثر صعوبة. لذا، قد يلجأ البعض لبيع كليتهم”. ونفى حكيم أي معرفة بالاتجار بالبشر من أجل انتزاع الأعضاء، موضحًا أن الناس في أوقات النزاع يضطرون للقيام بأشياء لا يفعلونها عادة.
لقد دفعت الحرب الدائرة في السودان والأزمة الإنسانية التي أعقبت ذلك الناس إلى حافة الهاوية. وعلى حدود مناطق النزاع، أصبح بيع الكلى عملة الملاذ الأخير للأشخاص الذين يبحثون عن ملجأ. وفي حزيران/يونيو 2023؛ تمكنتُ من التواصل مع شابتين سودانيتين فرتا من القتال في الخرطوم. وفي نيسان/ أبريل 2023، كانت رانيا مع صديقتها فاطمة، وكلتاهما طالبتان في جامعة الخرطوم، عندما داهمت قوات الدعم السريع الحرم الجامعي الرئيسي على ضفاف النيل. وقالت لي رانيا عبر الهاتف: “كنا نحاول الاختباء من القتال. لقد كان هناك الكثير من الطالبات اللاتي كنّ خائفات من المغادرة. ظننا أننا سنكون بأمان، لكنهم وجدونا وأجبرونا على ممارسة الجنس معهم”.
بعد ذلك بفترة وجيزة، حزموا أمتعتهم واستقلوا حافلة متجهة نحو الحدود مع جنوب السودان. كانوا قد سمعوا أن الطريق جنوبًا أرخص من محاولة الذهاب شمالًا إلى مصر، وكان لرانيا أخ يعيش في كمبالا، أوغندا، وكانوا يأملون في اللحاق به. وكانت استغرقت الرحلة سبعة أيام من الخرطوم إلى الرنك، وهي بلدة صغيرة في جنوب السودان قريبة من الحدود حيث أقام آلاف الأشخاص مخيمات مؤقتة في ظروف قاتمة. وقد أدى نقص الغذاء والماء والرعاية الصحية والصرف الصحي إلى زيادة خطر الإصابة بالأمراض وسوء التغذية والعنف. وكان هناك المئات من الوافدين الجدد كل يوم. قالت رانيا: “الناس محشورون معًا تحت القماش المشمع. هناك بعوض في كل مكان، ولا يوجد ما يكفي من الطعام والماء والصابون. الجميع في حاجة ماسة إلى المساعدة. إنها فوضى.”
وعندما وصلت رانيا وفاطمة إلى مخيم مؤقت على مشارف البلدة، اقترب منهما جنود بملابس مدنية يبيعون تذاكر لرحلات جوية من مهبط صغير خارج الرنك إلى عاصمة جنوب السودان جوبا ومدينة نيمولي. إن هذه الرحلات، التي من المفترض أن تشكل جزءًا من الممر الإنساني، تسيطر عليها ميليشيات مسلحة تفرض رسومًا باهظة على متنها. قالت رانيا: “كانوا يريدون الكثير من المال. وكان السعر يرتفع كل يوم. قالوا إذا لم يكن لدينا أي مال يمكننا ممارسة الجنس معهم”.
عندما رفضتا، قيل لهما إن هناك خيارًا آخر يمكنهن بيعه: الكلية. قالت فاطمة: “قالوا إن هذه هي الطريقة الوحيدة التي سنتمكن بها من الحصول على رحلة للخروج من هنا. كان هناك رجلان وافقا على ذلك (بيع كليتيهما)، لكنني لا أعرف ماذا حدث لهما. كنت أخشى أن يقتلوني ويأخذوا كليتي.”
وبعد أسبوعين من وصول رانيا وفاطمة إلى الرنك لأول مرة، راسلاني من كمبالا. قالت رانيا: “تلقينا بعض المال من أفراد العائلة في أوغندا؛ حيث دفعوا لمهرب 500 دولار أمريكي ليأخذنا إلى كمبالا. لم تكن هناك وكالات إنسانية أو مسؤولون حكوميون ينقلون الناس. بينما يستغل السائقون والميليشيات الناس في كل خطوة من الرحلة”.
وفي الرنك، شاهدوا شاحنات كبيرة تنقل مئات الأشخاص جنوبًا إلى مخيمات العبور التي يشاع أنها أقل ازدحامًا ومزودة بموارد أفضل. بينما استقل آخرون قوارب مكتظة ومزدحمة في نهر النيل إلى مدينة ملكال، ومنها سيحاولون الوصول إلى جوبا، على بعد 970 كم جنوبًا، وكان لكل مرحلة من مراحل الرحلة ثمنها.
قالت فاطمة: “نحن نخبرك بهذا لسبب ما. نحن بحاجة ماسة إلى المزيد من الدعم للأشخاص المحاصرين في السودان، حيث يوجد إبادة جماعية في دارفور، ولكن لا أحد يتحدث عنها، فيتم اغتصاب النساء كل يوم، والأطفال يُقتلون ويُختطفون، ويشعر الناس باليأس؛ هذا ما يدفعك لتبيع كليتك”.
المصدر: الغارديان