على مدار الأسابيع القليلة الماضية، شهدت فلسطين المحتلة العديد من التظاهرات، بعضها ضخمة للغاية، نظمها يهود متدينون يرفضون الخدمة في “جيش الدفاع الإسرائيلي”. كان آخر تلك التظاهرات، مواجهات عنيفة، اندلعت أمس الخميس، خلال تفريق الشرطة الإسرائيلية لمظاهرة لمئات المتدينين اليهود في مدينة القدس، على خلفية اعتقال طالب رافض للخدمة في الجيش .
كتبت مراسلة جريدة تايمز البريطانية في تل أبيب قبل شهرين معلقة على تلك التظاهرات قائلة “يرفض اليهود المتدينون الخدمة في الجيش الاسرائيلي وقد تعهدوا بمواصلة المقاومة ضد التجنيد الاجباري بعد يوم من الاحتجاجات التي اتسمت باعمال عنف في أنحاء إسرائيل.”
فقد كان الالاف من الرجال المتدينين بردائهم الاسود التقليدي، قد اشتبكوا مع الشرطة في مدينة القدس ومدن اخرى في فلسطين المحتلة بعد صدور قرار المحكمة العليا بوقف تمويل الدولة الاسرائيلية لمعاهد اللاهوت التي يتحدي طلابها اوامر الالتزام بالخدمة العسكرية.
وبموجب الاتفاقية التي برزت لدى تأسيس دولة يهودية، اعفي عدة مئات من اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية وذلك للسماح لهم بمواصلة الدراسات الدينية طوال حياتهم برعاية الحكومة الاسرائيلية.
وعلى مر عشرات السنين، تضخم العدد الى عشرات الالاف. وتحاشى كبار السن من المتدينين العمل ضمن طبقة العمال وحصلوا على رواتب الرعاية الاجتماعية بيما كانوا يواصلون الدراسة بدوام كامل.
الأمر تسبب لاحقا في امتعاض حقيقي داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يتزايد علمانية، إلى الحد الذي جعل الكثيرين من الإسرائيليين يتحدثون عن كون هؤلاء المتدينين، مجرد “طفيليين” على الدولة اليهودية والمجتمع الإسرائيلي، حيث أنهم لا يسهمون بأي شكل من الأشكال في بناء الدولة.
صحيفة الإندبندنت نشرت تقريرا عن اليهود المتدينين، وذكرت أنه بينما تمتلئ إسرائيل بالمقاهي التي يجلس عليها الشبان والفتيات محدقين في هواتفهم النقالة، يظل هؤلاء المتدينون بلباسهم الأسود المميز محدقين في كتبهم وعاكفين في معابد اللاهوت، لا يمتلكون -غالبا- هواتف ذكية أو عناوين بريد إلكتروني.
يدرسون المنطق، ويقرأون التلمود، ويدققون في كل الكلمات، كلمة كلمة، حسبما يقول يوسف بيرلويتز، اليهودي الأمريكي ذو الثانية والعشرين ربيعا الذي يعيش في إسرائيل منذ ثلاثة سنوات.
الأمر يتعلق إذا بتفرغهم للعبادة وتدارس النصوص. لكن لقبولهم أبعاد أخرى، فبينما يطالب الكثيرون بتجنيد المتدينين، يرى آخرون في تجنيدهم خطرا على جيش الاحتلال.
فمن الناحية العملية يرى المحللون أن تجنيد الأصوليين سيشكل مصيبة للجيش الاسرائيلي، اذ ستملأ صفوفه ألوف من الجنود الذين يكرهون الجيش الاسرائيلي وكل ما يرمز اليه. هؤلاء الجنود لن يطيعوا الا اوامر الحاخامين، وسيرفضون اطاعة أوامر قادتهم عندما يقول الحاخامون لهم افعلوا كذا وكذا. الكثيرون سيقضون فترة خدمتهم في السجن. البعض وجد حلا بسيطًا للمشكلة وهو في وضع حد للخدمة الإلزامية القديمة. فأفضل الجيوش في العالم وضعت حدًا لها منذ زمن بعيد، بالإعتماد على جيش متطوعين مهني، اذ ان المعركة في عصرنا لم تعد صدامًا بين كتلتين بشريتين كما في الحروب الكلاسيكية القديمة، والجيش الحديث تحوّل إلى جسم مهني صغير، يستخدم عتادًا متطورًا، يستوجب اختصاصات وتجارب جمة، وكلما كان الجيش حاليًا اكبر واكثر انتفاخًا، كانت نجاعته أقل.
المحلل العسكري الاسرائيلي “أليكس فيشمان” كتب في مقال قبل أسابيع “فى كل تنظيم عسكرى، هناك قاعدتان أساسيتان: وحدة القيادة ووحدة الهدف، وبالنسبة للمتدينين سيكون الهرم العسكرى خيارا، لكن مصدر صلاحياتهم لن يكون القائد العسكرى ولا القانون وإنما الشريعة والحاخام، وليس بالضرورة الحاخام العسكرى، هذا يعنى أنه إذا تم تجنيد قوات كبيرة من المتدينين سيرى الكثير منهم أنفسهم ليسوا ملزمين بالمبنى الهرمى للجيش، وهذه مسألة لا يمكن للجيش التعايش معها، كما أن وحدة الهدف لا تقل إشكالية، فهناك من سيكون مستعدا للقتل والموت دفاعا عن الدولة والشعب، وهناك من سيدافعون عن تقديس الرب، وعندما يتم تحويل فجوة القيم هذه من المجتمع إلى الجيش سيصل إلى أوضاع مستحيلة.. فمثلا: هل سيتحتم الحصول على تصريح من الحاخام لتفعيل قوة معينة فى الجيش فى يوم السبت، أو ليلة السبت؟”.
يُذكر أن الخدمة العسكرية إلزامية في اسرائيل لمدة ثلاث سنوات للرجال وسنتين للنساء، فيما يشكل اليهود المتدينون 10% من السكان في اسرائيل.