لم تكتف الميليشيات الإيرانية حليفة النظام السوري بمساندته في المعارك التي يشنها ضد المعارضة المسلحة، حيث دخلت إيران إلى سوريا برسالة نجدة من الأسد لمساندته في المعارك، بدأ الأمر في غاية السر والإنكار من رأس النظام، عن وجود ميليشيات شيعية من مختلف البلدان تخوض الحرب معه، إلا أنه الآن يعترف بكل سرور بوجود ميليشيات شيعية متنوعة المنشأ، وأكثرها فاعلية في المنطقة الميليشيات الإيرانية، وأنه طلب قوات إيرانية لمساندته.
الميليشيات الإيرانية بعد تمكنها من السيطرة على قوات النظام واستلامها زمام الأمور بدت وكأنها المخطط العسكري الذي تعتمد عليه قوات الأسد، لخوض المعارك، والمتحكم العسكري في المعركة التي كانت تخوضها قوات النظام وميليشياته على مناطق المعارضة، ومع مرور سنوات من الحرب التي لا تزال قائمة داخل الأراضي السورية، كانت الميليشيا الإيرانية تتغلغل أكثر بين الشعب السوري وذلك في مناطق سيطرة قوات النظام.
تحاول الميليشيات الإيرانية وعلى رأسها حركة النجباء إقامة مزارات لتكون ذريعة لها لحمايتها حسب تعبيرها، لكنها في المقابل تعزز من وجود إيران في الشرق السوري
بدأت الميليشيات الإيرانية بنشر التشيع في محافظة دير الزور التي خضعت لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في منتصف عام 2014، عندما أعلن تنظيم الدولة خلافته، فهي المحافظة الثانية في سوريا التي سيطر عليها التنظيم بعد الرقة، وشنت الوحدات الكردية عليها معارك، انتهت بسيطرتها على المدينة بدعم من التحالف الدولي، ولا تزال الوحدات تشن حملتها العسكرية في ريف دير الزور الذي تخضع أجزاء منه لسيطرة تنظيم الدولة.
في المقابل قوات النظام والميليشيات المتعددة التي تقاتل معه كانت قد شنت حملة عسكرية على محافظة دير الزور وسيطرت من خلالها على مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي نهاية 2017، وتقسم مدينة دير الزور بين ميليشيا الوحدات التي تسيطر على شمال نهر الفرات، وقوات النظام وميليشياته القسم الجنوبي من نهر الفرات.
مزار شيعي بني على نبعة عين علي في الميادين
بناء مزارات شيعية في دير الزور
تسعى إيران من خلال ميليشياتها إلى التغلغل في الداخل السوري لنشر التشيع امتدادًا لها، بشتى الوسائل، كما تكثف في نشاطاتها الهادفة إلى نشر التشيع بين سكان المحافظة من خلال بناء حسينيات ومزارات شيعية في ريف دير الزور، في خطوة للتمدد الشيعي داخل الأراضي السورية.
قامت الميليشيات الإيرانية مطلع 2018 ببناء مزارات شيعية داخل محافظة دير الزور، ويقع مكان المزار بدة محكمان في منطقة الميادين في الريف الشرقية لمدينة دير الزور، وقالت صفحات موالية للنظام إن سهيل الحسن كلف مهندسًا من تلك المنطقة لبناء قبة فوق نبع علي في منطقة الميادين، وبث ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، تسجيلاً مصورًا لرجل قرب نبعة علي يغتسل بالماء.
فيما قالت شبكة فرات بوست الأبرز في تغطية أخبار المحافظة: “المهندس محمد جمول كلف من العقيد سهيل الحسن، وبتمويل من هيئة مزارات آل البيت التي تمولها إيران”، وأوضحت أن هذا المزار يتألف من سور ضخم محيط به، وبناء مشابه للمسجد، يضم عددًا من أشجار النخيل تم جلبها من البساتين المحيطة، وأكدت الشبكة أنه لا يوجد روابط تاريخية بين علي رضي الله عنه ونبعة الماء هذه، وقد كانت مهملة على مدى عقود طويلة، واستملكتها إيران بعد سيطرة الميليشيات التابعة لها على ريف دير الزور الشرقي، لتكون ذريعة لها في حماية المراقد والمزارات التي تعمل على إنشائها في دير الزور.
ركزت إيران خلال نشاطاتها على الجانب المعنوي للمدنيين في محافظة دير الزور، عن طريق افتتاح مكاتب انتساب إلى ميليشياتها في المحافظة التي تشرف عليها
وتحاول الميليشيات الإيرانية وعلى رأسها حركة النجباء إقامة مزارات لتكون ذريعة لها لحمايتها حسب تعبيرها، لكنها في المقابل تعزز من وجود إيران في الشرق السوري، والحصول على حاضنة شعبية في المحافظة لكونها غنية بثرواتها الباطنية.
ميليشيا شيعية إيرانية تروج لنفسها في طور تمددها شرق سوريا
جرت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة الثلاثاء 8 من أغسطس/آب في مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي، بين الميليشيات الشيعية من جهة وميليشيا الدفاع الوطني من جهة ثانية، وذلك نتيجة خلاف بين ميليشيا لواء فاطميون وميليشيا الدفاع الوطني التابع لقوات النظام.
وقال ناشطون إن سبب الخلاف بين الميليشيات جاء نتيجة قيام أحد المدنيين من مدينة البوكمال برفع شكوى لأحد قادة لواء فاطميون، ضد أحد عناصر الدفاع الوطني، وتتضمن الشكوى تهمة السرقة لمنزل المدني من قبل الدفاع الوطني، وذلك في أثناء غيابه، وعلى إثر هذه التهمة قام القيادي الإيراني بالقبض على العنصر المتهم بالسرقة وجلده أمام الناس.
مما أثار غضب ميليشيا الدفاع الوطني التي أدت إلى اشتباكات بين الميليشيات لساعات وتحاول الميليشيات الشيعية الإيرانية الظهور بدور الإخلاص والحفاظ على ممتلكات المدنيين والممتلكات العامة، كما تحاول أن تأخذ دور وقوفها إلى جانب المدنيين لسوقهم إلى التشيع.
مكاتب انتساب للمليشيات الشيعية
ركزت إيران خلال نشاطاتها على الجانب المعنوي للمدنيين في محافظة دير الزور، عن طريق افتتاح مكاتب انتساب إلى ميليشياتها في المحافظة التي تشرف عليها، وهذه المكاتب تحاول استقطاب أكبر عدد ممكن من المدنيين لزجهم في صفوفها، أو صفوف الميليشيات الموالية لها في المنطقة، وتعتمد المكاتب على شخصيات معروفة في المنطقة وكانت تعرف بولائها للنظام السوري مطلع الثورة السورية.
تنشر هذه الحملات المذهب الشيعي أو التشيع في المنطقة بطريقة استغلالية عن طريق المال وأخرى فكرية تركز فيها على تاريخ الشيعة وفكرهم ومعتقداتهم الدينية
وتقدم هذه المكاتب بعد انتساب العناصر الجدد إليها رواتب شهرية لهم مثلهم كباقي العناصر، هؤلاء العناصر الذين انضموا للميليشيات، نتيجة حاجتهم الملحة للمال والفقر الذي عم عليهم بشكل كلي، لا يمكننا هنا وضعها كمشكلة فتنظيم داعش اعتمد على ذات الفكرة، حيث استخدم آلافًا من العناصر في صفوفهم وكان انضمامهم نتيجة الفقر والجهل الذي رافقهم خلال سيطرته.
تتقارب الحملات التبشيرية بين الفكر الداعشي والشيعي، فتنطلق هذه الحملات عن طريق شخصيات مرموقة في المجتمع أو لها سلطة معينة فيه يمكن أن تستغلها الجهة لتنفيذ الأجندات الخاصة بها في المنطقة، وهذه الشخصيات لها اتصال وثيق مع إيران وتنفذ مخططاتها في كسب سكان المنطقة لها وتكوين حاضنة شعبية خاصة في الشرق السوري.
تقوم هذه الحملات بنشر المذهب الشيعي أو التشيع في المنطقة بطريقة استغلالية عن طريق المال وأخرى فكرية تركز فيها على تاريخ الشيعة وفكرهم ومعتقداتهم الدينية، وعن طريق الحملات التبشيرية استطاعت إيران جذب العديد من سكان دير الزور إلى صفوفها، نظرًا للوضع المادي الذي يعيشونه في المنطقة، ومن أبرز المتأثرين الشباب.
استغلال المدنيين “البقاء خارج الديار أو العودة شيعيًا”
تسعى إيران إلى نشر التشيع في المنطقة عن طريق استغلال أهالي المدينة التي هجر أغلب ساكنيها، خلال معارك التنظيم من جهة وقوات النظام من جهة أخرى، وانتقلت أغلبية تلك العائلات تجاه الحدود السورية العراقية ومنهم من عبرها بمساعدة من الميليشيات.
استغلال المدنيين من خلال تقديم المساعدات
ما إن هدأ أجيج الرصاص في المنطقة، حتى بدأ المدنيون في المنطقة بالعودة إلى ديارهم تباعًا، لم يكن يعيق عودتهم سوى بعض الألغام، وكان أبرزها عند الوصول إلى بلداتهم “لا يمكنكم دخول المنزل إلا إذا تشيعتم”، في هذه الخطوة تنسج إيران حاضنتها الشعبية في المنطقة، عن طريق استغلاله.
ومن يتشيع من سكان المنطقة تقوم الميليشيات الإيرانية بتقديم له سلة إغاثة ومرتبات شهرية وذلك لإجبار من لم يتشيع للانضمام إلى صفوف ذويه من أهالي المدينة، وذلك عبر الخطط الإيرانية لامتلاك الشعب من جهة إنسانية لكنها عكس ذلك تبني صرحًا لها في المنطقة لنشر التشيع بين سكان المدينة.
ويمكن أن يتأثر المدنيون في دير الزور بشكل كبير نظرًا للجهل الذي تربع على عقولهم نتيجة الحرب الدائرة والصراع الذي تعرضت له المدينة بمن فيها من المدنيين، ولعل الحاجة للمنزل أو للطعام تفعل ما تشاء في المدنيين، ولا يمكن وصف التمدد الشيعي في المنطقة بجديد، حيث عمد النظام في 2009 إلى إدخال حملات إيرانية لتشييع المدنيين والكثير من العائلات السوريات التي خيم عليها الفقر انضمت إلى المذهب الشيعي نظرًا للمرتب الشهري الذي يتقاضاه الفرد الواحد فقط، والآن تستغل إيران جميع الوسائل المتوفرة لتشييع الشرق السوري.